57 عاما على هزيمة العدوان الثلاثى ( ملف خاص )
الإثنين 23-12-2013 20:40 | كتب: ميلاد حنا زكي
كان قرار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس الذريعة الأساسية المعلنة لفرنسا وإنجلترا وإسرائيل للقيام بالعدوان الثلاثى على مصر وكان عبدالناصر قد لجأ للتأميم بسبب رفض البنك الدولى دعم مشروع السد العالى.
وكان لكل دولة من الدول الثلاث المشاركة فى العدوان مبررها ففرنسا شاركت بسبب دعم مصر للثورة الجزائرية وكذلك دعمها للحركات التحررية فى العالم الثالث والتى كانت بلدانها محتلة من قبل الفرنسيين، أما إنجلترا فكانت مشاركتها أشبه بانتقام من الجلاء عن مصر الذى اضطرت إليه أما إسرائيل فلم يكن يعوذها سبب للعدوان على مصر أو العرب جميعاً فى مشروعها الاستيطانى والاستعمارى فاتخذت هى أيضاً من صفقة مصر للسلاح مع الاتحاد السوفيتى ذريعة للمشاركة فى العدوان فيما يشبه الإضعاف لقوة مصر العسكرية، غير أن المجتمع الدولى تدخل وحدث ضغط عالمى على دول العدوان الأمر الذى أدى لجلاء المعتدين ولكن العدوان لم ينته لمجرد الضغوط الدولية وإنما كان هناك سبب أقوى وهو أن هذا العدوان قوبل بمقاومة شرسة من الجيش المصرى والمقاومة الشعبية التى لم يصمد إزاءها العدوان وكان من أبطال هذه
المقاومة أو لنقل المايسترو هو البطل اللواء طاهر الأسمر، الذى مثل بالنسبة لنا أيقونة ودافعاً قوياً لنفتح ملف العدوان الثلاثى فى ذكراه من زوايا مختلفة.
هزيمة العدوان الثلاثي
قناة السويس.. ذريعة التدخل التى تحولت لـ«مقبرة الغزاة»فى مساء الخميس 26 يوليو 1956 وأثناء الاحتفال بأعياد الثورة أعلن عبدالناصر فى خطاب الثورة من الإسكندرية قرار تأميم قناة السويس، وما إن أعلن «ناصر» عن التأميم حتى بدأت فصول المؤامرة الثلاثية على مصر، وكان أول هذه الفصول ما عرف باسم معاهدة سيفر التى دبرت بليل بعيداً عن أعين المجتمع الدولى، وقد عقدت هذه المعاهدة فى 24 أكتوبر 1956 ووضعت سيناريو التربص بمصر بقصد تأديبها على استقلال قرارها، وعقدت الجلسات التى تمخضت عن المعاهدة فى سيفر، إحدى ضواحى باريس، لوضع الخطوط والتفاصيل النهائية فى الخطة موسكتير المعدلة النهائية والتى رتبت التزامات وواجبات ودور كل طرف على حدة ممهرة بملاحظة مهمة تقول «لا تنشر إلى الأبد» وجاءت الترتيبات وفق ما ورد فى الاتفاقية كالآتى:
أولاً: تقوم القوات الإسرائيلية بخلق حالة صراع مسلح على مشارف قناة السويس لتستغلها بريطانيا وفرنسا ذريعة للتدخل العسكرى ضد مصر. ثانياً: توفر القوات الجوية الفرنسية الحماية الجوية لإسرائيل، كما توفر القوات البحرية الفرنسية الحماية البحرية للمياه الإقليمية الإسرائيلية، وتصدر بريطانيا وفرنسا إنذاراً مشتركاً لكل من مصر وإسرائيل لوقف أعمال القتال والابتعاد عن القناة مع قبول مصر احتلال منطقة القناة احتلالاً مؤقتاً بواسطة القوات الأنجلو فرنسية لحماية الملاحة البحرية فيها.
ومن الأسباب التى دفعت فرنسا للمشاركة دعم مصر الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى وإمدادها إياها بالمساعدات العسكرية، ومن الأسباب التى دفعت إنجلترا للمشاركة تأميم قناة السويس فى يوم 26 يوليو 1956، الأمر الذى منع إنجلترا من التربح من القناة التى كانت تديرها قبل التأميم، وكانت نقطة البداية فى الإنذار البريطانى الفرنسى لمصر فى 30 أكتوبر 1956، حين توجه السير إيفون كير كباتريك، السكرتير الدائم فى الخارجية البريطانية، فى الساعة السادسة والربع بتوقيت القاهرة مساء 31 أكتوبر 1956، وفى صحبته م بينو الفرنسى إلى السفارة المصرية فى لندن وسلما السفير المصرى إنذاراً موجهاً لمصر وإسرائيل من فرنسا وبريطانيا لوقف المناوشات بينهما، وهى المناوشات التى افتعلتها إسرائيل لتوفير المبرر للاعتداء، وتسلم القائم بالأعمال فى السفارة الإسرائيلية نفس الإنذار بعد عشر دقائق من تسليمه للسفير المصرى، وأعطت الدولتان مصر وإسرائيل مهلة 12 ساعة لقبوله وجاء فى الإنذار «أن الحرب القائمة بين مصر وإسرائيل من شأنها أن تعطل حرية الملاحة فى قناة السويس، ولذلك وحتى تقف الحرب فوراً، ولكى تستمر حرية الملاحة طلبت فرنسا وإنجلترا إيقاف العمليات الحربية فى الأرض والبحر والجو وأن تتراجع كل من القوتين المتحاربتين وتنسحب القوات العسكرية إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس وأن تقبل مصر احتلال القوات البريطانية والفرنسية المواقع الرئيسية فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وإلا فإن القوات البريطانية والفرنسية ستتدخل بأى قوة يرونها ضرورية لضمان الامتثال لهذا الإنذار». رفض عبدالناصر الإنذار بحسم ومجلس الوزراء أيضاً، وبالطبع أعلنت إسرائيل موافقتها فوراً على ما تضمنه الإنذار وأصبح توقع الحرب أمراً محتوماً، وتوقعت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل رفض الرئيس عبدالناصر الإنذار، وبذلك يتوفر لهم مبرر الاعتداء على مصر.
ثم نفذت قوات الدول الثلاث الهجوم على مصر فاحتلت القوات الإنجليزية والفرنسية مدينة بورسعيد، ولكنها عجزت عن التقدم نحو الإسماعيلية بسبب شدة المقاومة المصرية، وقامت الحكومة المصرية بسحب قواتها من سيناء لرد العدوان عن مدن القناة، فانتهزت القوات الإسرائيلية الفرصة وتوغلت فى سيناء ثم بدأت الغارات يوم الإثنين 5 نوفمبر 1956، وفى هذه الفترة أحرقت القوات البريطانية حى المناخ بأكمله بالنابالم، وكان يمثل ثلث بورسعيد كلها، وفى حى العرب دمروا بالطائرات منطقة الجمرك القديمة وبعض العمارات السكنية، وفى الإنزال المظلى المزدوج البريطانى فى مطار الجميل غرب المدينة والإنزال الفرنسى فى منطقة الرسوة جنوب بورسعيد وفى منطقة الكارانتينا جنوب بور فؤاد، علاوة على الإنزال البرمائى والبحرى والإنزال الرأسى بالهيلوكوبتر البريطانى يوم 6 نوفمبر.
غير أن هذا العدوان قد فشل بسبب شدة المقاومة المصرية التى التحمت مع الجيش ضد العدوان ومعارضة الولايات المتحدة الأمريكية للعدوان الثلاثى وتأييد الاتحاد السوفيتى لمصر وتهديده بالتدخل العسكرى لوقف العدوان وتنديد الأمم المتحدة بالعدوان الثلاثى ومطالبتها بانسحاب القوات المعتدية.
وكانت النتيجة انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد يوم 23 ديسمبر 1956م، وظلت مصر تحتفل بهذه الذكرى كعيد للنصر ثم بقيت بورسعيد تحتفل به فى مثل ذلك اليوم من كل عام كعيد قومى للمحافظة.
اللواء طاهر الأسمر مايسترو صد العدوان لـ«المصري اليوم»:أجبرنا الدبابات الإنجليزية ببورسعيد على رفع علم مصر
الأسمر يتحدث إلى «المصرى اليوم»
ثلاثة شوارع تحمل اسمه، أحدها فى العجوزة حيث يقيم، والثانى فى القنطرة والثالث فى بورسعيد، والبلدتان كانتا مسرحا لأعماله البطولية.اللواء طاهر الأسمر البالغ من العمر 80 عاما لا تقتصر بطولاته أو تتجسد وطنيته فى مشاركته مع المقاتلين الآخرين فى مواجهته العدوان الثلاثى مع الجيش وتقديمه أشكالا من الدعم اللوجيستى والمعنوى للمقاومة الشعبية وتدريبها، وإنما بدأت أولى بوادر هذه البطولة فى وقت مبكر من حياته. فحين كان تلميذا فى مدارس بورسعيد شارك فى استهداف معسكرات الإنجليز، خاصة فى معسكر الجولف بشارع محمد على. ولعب طاهر الأسمر دورا بطوليا حينما كان ملازما فى القوات الخاصة، وشارك فى جميع الحروب التى خاضتها مصر وحصل على نوط الشجاعة العسكرى من الطبقة الأولى من الرئيس جمال عبدالناصر، ونوط الاستحقاق فى المقاومة من الرئيس محمد أنور السادات ووسام الجمهورية فى العلوم والفنون من الطبقة الأولى وعمل سكرتيرا عاما لمحافظة بورسعيد ثم سكرتيرا عاما لمحافظة الجيزة وأخيرا وكيل أول وزارة الحكم المحلى فى الثمانينيات ثم تقاعد، وحول هذا الدور وتفاصيله المثيرة كان هذا الحوار:■ نريد أن نقف على دورك فى دعم المقاومة الشعبية فى خط القناة وتسريب الأسلحة للجيش النظامى وأفراد المقاومة وأيضا مشاركتك فى تأسيس قوات الصاعقة؟- تخرجت فى الكلية الحربية وذهبت على خان يونس فى رفح، وهناك بدأت تجربتى العسكرية الميدانية سنة 1955، يعنى من الدار للنار وفى هذه المرحلة بدأ تكوين قوات الصاعقة فى سيناء عن طريق 5 ضباط رشحوا للحصول على دورة رينجر بأمريكا ومنهم اللواء حسن عبدالعزيز من المخابرات العامة واللواء السيد الشافعى واللواء نبيل شكرى الذى كان قائدا لقوات الصاعقة فى حرب أكتوبر لاحقا، وكان عندما يتخرج الضابط فى الكلية الحربية يحصل على فرقة فى مدرسة للقوات المسلحة مثل مدرسة المشاة أو مدرسة المدفعية أوالصاعقة، وكان أركان حرب الجناح الفريق جلال هريدى وقائد الجناح اللواء حسن عبدالغنى، وكان مخططا أن تعقد فرق الصاعقة فى سيناء حتى تكون ميدانية وكانوا سيسمونها «العاصفة» ولكنهم غيروا الاسم إلى «الصاعقة» تمثلا لقول القرآن «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» وكانت مهمتها إظهار قدرات المقاتل لينفذ أصعب المهام التى يكلف بها.
■ بدءا من يوم 29 أكتوبر 1956 كان الطيران البريطانى وحده يضرب بورسعيد والإسكندرية وكانت هذه بداية للعدوان أين كنتم وكيف واجهتم هذا العدوان؟- كنت فى مكان اسمه زارع وهى تبة فى رفح وفوجئنا بالطائرات تضرب ولا أحد يعلم أى شىء وكنا فى موقع متقدم على الجبهة ولم نتلق أى أوامر ومرت ثلاثة أيام 29 و30 و31 أكتوبر ونحن فى اشتباك مع اليهود بريا، وحين بدأ العدوان الثلاثى قالوا لنا انسحبوا فنفذت الانسحاب بجزء كبير من أسلحتى ومن معى من جنود وسلمت السيارة الجيب وتوجهت إلى المجرومتين فى رفح ووجدت المنطقة خاوية ومكشوفة تماما لطيران العدو، ولم نتلق أى معلومات أو تعليمات أو اتصالات وكان الضرب مستمرا حولنا وكنت على رأس الفصيلة التى أراد أفرادها ألا يستجيبوا لأوامر الانسحاب ولما جاءت الأوامر بالانسحاب، وجدت الجيش كله عائدا عن طريق الساحل من رفح للعريش وكان الطيران الإسرائيلى يضرب أى شيء يتحرك فمشيت على الطريق الأسفلت وحين يقوم الطيران بالقصف كنت أختبئ فى الرمال حتى وصلت العريش ووجدت الفريق أنور القاضى، قائد الفرقة الثالثة، وقائد كتيبتى رقم 14 واستقبلونى بالأحضان وقبلونى، وقالوا سلم نفسك فى معسكر الشاردين فى العباسية وكان العدوان حتى هذا الوقت إسرائيليا فقط فى سيناء ووصلت المعسكر وطلبت وسلمت الجنود وطلبت من القائد عبدالعزيز كامل، قائد الكتيبة، 24 ساعة إجازة ميدانية لأطمئن على أهلى فى بورسعيد ووافق بشكل استثنائى للدور الذى قمت به فى رفح وخان يونس وعدت بما معى من جنود وكانوا 70 جنديا أغلبهم عادوا عن طريق الساحل وكان معى عربية جيب لم يكن فيها سواى والسائق فقط وفيما كنت فى طريقى إلى بورسعيد ضربت الطيارات الإسرائيلية عربية «زل» كانت تسير أمامى ولم يبق من الجنود الذين على متنها سوى أربعة وكانوا جرحى وحملتهم معى إلى مستشفى العريش وكنا العربية الوحيدة اللى رايحة باتجاه القناة كانت سيارتى فيما كانت كل القوات عائدة من خط القناة إلى القاهرة ثم بدأت الدول الثلاث تتحالف ضد مصر فكان العدوان الثلاثى وهنا لعب القدر دورا استثنائيا برزت فيه الصاعقة وكنت قد وصلت إلى بور سعيد واطمأننت على أسرتى وكان لى شقيق المدفعية الساحلية فى بورفؤاد وحين أردت العودة إلى القاهرة قالوا إن طريق القناة مقفل وطريق المعاهدة ضربته قوات العدوان وممنوع المرور والسير وكان على أن أعود بالسيارة التى أتيت بها فقد استخدمتها بدون أوامر وذهبت لمحافظ بورسعيد محمد رياض وقدمت له نفسى وطلبت منه العودة بالسيارة على أى لنش فإذا به يقول لى: «انت أهبل يا حضرة الضابط؟!» وفى منطقة بورسعيد كانت هناك قناة الداخلى التى تصل بين بور سعيد والقبوطى وبحيرة المنزلة.
الأسمر يتحدث إلى «المصرى اليوم»
■ المقاومة الشعبية قدمت بطولات فى هذه الحرب.. ماذا عن هذه البطولات؟- لقد ضربت المقاومة الشعبية أمثلة نادرة فى البطولة وكانت عنيفة لدرجة أن دفعت الدبابات الإنجليزية التى كانت تغزو بورسعيد لوضع أعلام مصرية وروسية من قبيل تضليل المقاومة وهذا يدلك على شدة المقاومة واستبسالها وذهب جلال هريدى وحسين مختار وقابلا المحافظ ومعهما التقارير المطلوبة من القيادة عن الوضع داخل بورسعيد بعد العدوان ثم سافروا على قطار الجرحى إلى القاهرة وقام رئيس جمعية الإسعاف فى بورسعيد حامد الألفى بوضع ذراع الأول فى الجبس وأخفى التقارير تحته ووضع ساق الثانى فى الجبس وأخفى تحته باقى التقارير وتم نقل الاثنين بسيارة الإسعاف إلى القطار وكان الجبس لايزال «طريا» وكان أى فرد يركب القطار لابد أن يخضع للتفتيش ولعب الحظ دورا حينما كان يهمان بركوب القطار إذا بقائد القوات البريطانية ينادى على جنود التفتيش فذهبا إليه وصعد جلال هريدى وحسين مختار إلى القطار الذى كان آخر قطار يقل الجرحى والمصابين ووصلا القاهرة وسلما التقارير ثم صدرت الأوامر بعد ذلك بالمطالبة باستطلاع عن كوبرى الرسوة فى مدخل بورسعيد لكى يتم نسفه لكى لا تمر عليه قوات العدو وارتدينا أزياء صيادين وركبنا قوارب صيد ومعنا سمك واستطلعنا الموقف حول الكوبرى غير أن الأوامر بإلغاء عملية نسف الكوبرى واستبدالها بتعليمات أخرى من القيادة تمثلت فى تهريب أسلحة وذخائر لداخل بورسعيد لجنود الصاعقة والمقاومة الشعبية معا وكان هناك 20 ضابط صاعقة وبدأنا فى جلب الذخيرة والسلاح.
■ كيف استطعتم تهريب الذخيرة والأسلحة رغم نقاط التفتيش وأسلوب التفتيش المحكم للبريطانيين؟- أريد أولا أن ألفت النظر أن القوات الانجليزية كانت فى بورسعيد والفرنسية كانت فى بورفؤاد، ومثلما ذكرت تماما كانت نقاط التفتيش البريطانية منتشرة فى كل مكان وكان التفتيش محكما عند المداخل حتى إنهم كانوا يختمون على يد كل من يدخل وبدأنا نسرب الذخيرة والأسلحة التى بدأت تأتى من القاهرة على المنزلة وكنا نضعها فى البراميل سواء براميل لبن أو السمك أو براميل الطرشى فى المركب ونضعها على مراكب الصيد وكانت المراكب تصل بورسعيد فجرا ويهبط فرد الجيش الإنجليزى إلى المركب ويفتشها وكنا نرتدى زى الصيادين أو المراكبية فلا يجد شيئا ثم نقوم بنقل السلاح لنخفيها أولا فى جامع القبوطى وقد قطعنا بها مسافة 3 كيلو رغم التفتيش المحكم وباعتبارى بورسعيديا كانت مهمتى إخفاء الذخيرة وأماكن لإيواء الضباط فوزعت الضباط على العائلات التى أعرفها أو ذوى صلة قرابة بى وكان إخفاء الذخيرة هو الأصعب وكنا بعد ذلك نغير زى الصيادين إلى زى مدنى وكنا مازلنا ملازمين فى الجيش لكن كانت قناعتنا وتحدينا فى نفس الوقت لأقوى جيشين وهما جيشا بريطانيا وفرنسا وكان يتعين علينا فى بورسعيد مثلا أن نخفى السلاح والذخيرة فى أقرب مكان لمعسكرات الإنجليز والحمدلله وفقنا فى إدخال كميات كبيرة من أنواع الذخيرة والأسلحة التى وزعناها على المواقع التى نريدها سواء فى براميل الطرشى والسمك أو فناطيس اللبن حتى إن الناس بعد انتهاء العدوان وظهور السلاح للعيان الناس اندهشت لهذه الكمية الضخمة من السلاح وتساءلوا كيف دخلت إلى بورسعيد بينما كانت المراقبة مشددة والتفتيش محكما.
■ وكنت أنت بالطبع مايسترو هذه العملية؟- نعم وكنت أحدد لمن ستذهب الأسلحة ومتى وأين وكيف أتغلب على مناطق التفتيش عن طريق امرأة أو صناديق الوسكى أو المصريين الذين يعملون فى معسكرات الإنجليز وبدأنا نتحرك فى بورسعيد على راحتنا وأمكننا إدخال أجهزة اللاسلكى وتعرف أن البورسعيديين يحبون تربية الحمام وكنا نستخدمه فى إرسال رسائل معينة كأن نطلق سرب حمام أبيض فيه حمامتين سود ما يعنى أن هناك وردية بريطانية تتألف من سيارتين ودربنا أبناء بورسعيد على استخدام وإخفاء اللاسلكى وعلى الخداع الاستراتيجى واستخدام الأسلحة وكانت الصاعقة موجودة طبعا كما ذكرت وكان كل ضابط مسؤول عن تدريب مجموعة من المدنيين فى الفترة من 7 نوفمبر إلى 14 ديسمبر ويكلفهم بمهام قتالية وكانوا يستوعبون ذلك بسرعة وسريعا ما تمت العمليات الفدائية والقتالية فمرة نخطف ذخائر أو خطف جنود وضباط بريطانيين فكان مثلا حينما يدخل ملهى ليلى عشرة فيخرج ثمانية يجدهم البريطانيون مذبوحين فى الشارع وارتفعت وتيرة المقاومة حتى إن القائد البريطانى أرسل إنذارا للمحافظ وقال له إن لم تتوقفوا عن هذه العمليات سننتقم كما ينبغى بل كان هناك مخطط لاختطاف القائد البريطانى.
■أذكر أن مورهاوس وهو أحد الضباط الإنجليز الذى ينتمى للعائلة المالكة البريطانية قد اختطفته المقاومة وقتلته وكان هذا درسا قاسيا للإنجليز؟- نعم وهو ابن عم الملكة البريطانية وكان ضابطا شرسا مع أهالى بورسعيد وكانت قد وضعت خطة لاختطافه وإرساله إلى القاهرة عبر بحيرة المنزلة والمجموعة الخاصة بتاعة بورسعيد عسران وعمران وأحمد طاهر كانوا سينفذون الخطف ونجحوا فى خطفه وإرساله إلى بلوكات النظام ونقلوه على المناخ جنوب بورسعيد وحطوه فى الصندوق، تمهيدا لنقله وكان هناك أيضا مدير المخابرات البريطانية وكان غالبا ما يمر فى شوارع البلد ويعرف المدينة عائلة عائلة وفردا فردا وفى إحدى مرات مروره اعترضه عسران وكأنه يريد أن يقدم له شكوى وكان عسران يضع قنبلة يدوية داخل ساندويتش وكأنه يأكل وتظاهر بأنه يأكل من الساندويتش وسحب الفتيل بأسنانه وألقى القنبلة فانفجرت ومات وليم ولما بدأت المفاوضات صدرت الأوامر للضابط حسين مختار أن يبلغ القيادة بوقف «الخصوصى » «والميرى » ما يعنى إيقاف القتال من قبل القوات النظامية والمقاومة الشعبية فقام هو بتحريف الإشارة فصارت «بطل خصوصى واشتغل ميرى» يعنى أوقف المقاومة واعتمد على رجال الصاعقة.
■ ما أشهر العمليات القتالية الأخرى التى تذكرها بين تفاصيل تلك الملحمة؟عملية معسكر الدبابات وهو معسكر كان موجودا على أطراف محافظة بورسعيد، وقاد هذه العملية الرفاعى، حيث تم نقل الذخيرة عن طريق إحدى عربات المطافى بعدما عمل حريق شكلى فى قسم المناخ وفى ليلة 15 ديسمبر خرجت مجموعة الصاعقة الـ20 متجهة إلى المعسكر وقامت بتدمير 7 دبابات إنجليزية وصدرت الأوامر المشددة بوقف جميع العمليات وفى يوم 23 ديسمبر قالت القيادة إن العالم يعلم أن هناك قوات مسلحة فى بورسعيد وقام رجال الصاعقة بعمل عرض عسكرى واشترك فيه جميع أبناء بورسعيد وأنا فى هذا اليوم كنت أحمل علم الصاعقة فى العرض العسكرى وهذا اليوم يعتبر اليوم الرسمى الذى ولدت فيه الصاعقة وبعدها أنشأت مدرسة الصاعقة فى أنشاص والآن أصبحت قوات الصاعقة على أعلى مستوى من التشكيلات العسكرية الجاهزة للدفاع عن مصر.
http://www.almasryalyoum.com/news/details/360118