وهم الذين نجحوا عن طريق عملائهم المزروعين بمنتهى البراعة فى قلب دولةالخلافة العباسية أن يجندوا وزير الخليفة العباسي نفسه والذى خان مولاهوعروبته وإسلامه وفتح الباب أمام سقوط بغداد فى قبضة المغول ..
أما المخابرات بأسلوبها الحديث فلم تعرف إلا مع نهاية القرن الثامن عشر وفيه تأسست القواعد الأولية لعلم التخابر القائمعلى حفظ أمن الدولة الخارجى عن طريق استقصاء المعلومات التى تهدد خطرا علىالأمن القومى قبل حدوثها
وفى نفس الوقت حماية الدولة من المخابرات المعادية أو ما يعرف باسم الجاسوسية المضادة ,,
وأقدم وأعرق أجهزة المخابرات فى العالم هى جهاز المخابرات البريطانى " المكتب السادس mi6 " وجهاز المخابرات السوفيتى "كى جى بي kgp" والذى تحول مع انهيار الشيوعية والاتحاد السوفياتى السابق إلى جهاز " الإس في آر sfr" أو المخابرات الروسية وكان أول رئيس للجهاز الجديد الجنرال يفجينى بريماكوف الذى تولى فيما بعد رياسة الوزارة فى روسيا الإتحادية
ومع السوفيات والإنجليز يقبع جهاز المخابرات الألمانى " إن بي دي npd "ويشاركهم العراقة والقدم فى هذا المجال
تبعتهم الأجهزة الأخري ... سواء دوزييم بيرو الفرنسي أو سي آي إيع وغيرهما
ومسألة القدم أو العراقة تختلف عن مقياس البراعة والنجاح لأن التفوق مرهونبزمنه فقط .. ولذلك ضاعت سمعة الأجهزة الثلاثة فى عصرنا الحالى إلا منقليل بعد ظهور المخابرات الأمريكية والصينية
نظم المخابرات..
عمل أجهزة المخابرات ليس كما هو مشهور عنها أنها تبادل إطلاق نار ومغامرات ومطاردات على النحو الذى كرست له السينما العالميةفهو عمل عقول من الدرجة الأولى
ووظيفة أجهزة المخابرات أنها تحمى الأمن الخارجى للدولة فقط بمعنى أنه فىسائر دول العالم لا يحق للمخابرات العامة أن تعمل داخل البلاد إلا إذاكانت القضية أصلا تمت فى الخارج وامتدت إلى الداخل ..
أما إن كانت القضية قضية تجسس فى داخل البلاد فيتصدى لها أجهزة الأمن الداخلية متمثلة فىأجهزة الشرطة التى تكون غالبا تضم قسما خاصا ومتميزا من ضباطها لحمايةالأمن الداخلى من التجسس وهى الأجهزة التى تعرف باسممباحث أمن الدولةفى مصروالمباحث الفيدراليةفى الولايات المتحدةوالشين بيتفى إسرائيل وسكوتلانديارد فى بريطانيا
وبالتالى لا صحة مطلقا لما يشاع بين العامة أن المخابرات تراقب المواطنين مثلا أو تتجسس على المعارضين حتى لو كانت الحكومة حكومة استبداد فهذاالأمر لا تختص به أجهزة المخابرات لكونها تضطلع بمهام أكثر جسامة بكثير
..
وحدوث هذا الأمر وتكليف أجهزة المخابرات لمتابعة الشئون الداخلية لصالح نظام الحكم يهدم نظم المخابرات من أساسها وينال منبراعة الجهاز وكفاءته
وتتمتع المخابرات فى أى دولة نظامية بولايةمطلقة على أعمالها بمعنى أنها فى حدود عملها تمتلك صلاحيات وسلطات تعد هىالأعلى بين سائر الأجهزة الأمنية دون استثناء
ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا جهاز أمنى واحد فقط هو جهاز مخابرات الرياسةوهو نظام نادر نوعا ما وموجود فى الدول الكبري فقط ويتمثل فى أن يتخذ رئيسالدولة جهاز خاصا يتبعه للمعلومات ويخرج من نطاق المخابرات العامة
ومعنى الصلاحية أو الولاية المطلقة للمخابرات فى عملها أنها تمتلك السلطة لمخاطبة أى مسئول وتعطيل أى اجراء حتى لو كانقرارا سياديا أو حكما قضائيا ما دام تغيير القرار يخدم عمل المخابرات فىحمايتها لأمن البلاد
فمثلا تدخلت المخابرات المصريةعدة مرات ومنعت تنفيذ حكم الإعدام فى عدد من الجواسيس وجندتهم لحسابها فىمقابل ذلك
كما أنها طلبت من وزير الداخلية التجاوز عن ضبط عملية تهريب مخدرات كبري كانت الشرطة تعد لضبطها نظرا لأن الشبكة التى تقوم على تهريب المخدرات تضم نظاما تجسسيا وذلك فى الفترة التى كانت فيها إسرائيل تتبنى مهربي المخدرات وتورد لهم السموم لتدمير الشعب المصري من الداخل وهو الأمر الذى تسبب فى انتشار المخدرات بشكل يفوق المعتاد والطبيعى على نحو لفت نظرجهاز المخابرات العامة فتوصلوا لمصدره من أن المخابرات الحربيةالإسرائيلية وجيش الدفاع الإسرائيلي متورط فى أعمال التهريب
ومن أوجه الولاية أيضا أنها يمكنها التدخل لدى أجهزة الشرطة بشأن عمليةتتابعها تلك الأجهزة ولها تواصل مع قضية تتابعها المخابرات فالولاية الأعمهنا لجهاز المخابرات ..
وتضم المخابرات العامة أقساما عديدة تختلف باختلاف نظم الأجهزة من الداخل..
وتتفق جميعها فى أنها تتابع إلى جوار الأمن العام الأمن العلمى فيما يخص المكتشفات الحديثة لا سيما البحوث النووية كما أنها تهتم بالأمن الإقتصادىلحماية اقتصاد الدولة من مؤامرات خارجية تستهدفه كما أنها تختص بمتابعةالرأى العام ودرجته وما يؤثر فيه من إشاعات وما شابهها
فضلا على أنها تختص بنوع من الحماية لرئيس الدولة جنبا إلى جنب مع الحرسالخاص به والذى يمثل فرعا مستقلا من القوات المسلحة بالإضافة لمتابعةالشأن السياسي فيما يكلفها به رئيس الدولة
أى أن نشاطها عاما فيما يخص دواعى الأمن القومى
..
وهى هنا تختلف عن المخابرات الحربية التى تعتبر جزءمن منظومة القوات المسلحة وخاصة بالأمن الحربي فقط وكل أفرادها من أفرادالقوات المسلحة ..
التشكيل والتبعية الإدارية ..
تتكون أجهزة المخابرات فى أغلب دول العالم من خبراء فى جميع المجالات دون استثناء ..
فليست أجهزة المخابرات أجهزة قتال وسلاح بل هى أجهزةتقارير ونتائج ومن ثم فهى تضم خبراء فى الأمن " مختارون من ضباط الشرطة أو الجيش " وكذلك تضم خبراء علميين فى شتى المجالات العلمية فضلا على خبراء فى القانون والتجارة والإقتصاد
وهذا أمر طبيعى نتيجة لأنها تعالج الأمن القومى فى كل صغيرة وكبيرة ومن ثمفهى لابد أن تكون مؤهلة لمواجهة سائر التخصصات وهذا لا يمنع من لجوء أجهزةالمخابرات للاستشارة من خبراء خارج الجهاز فى شأن أمور تتعلق بعملياتها غير أن الاستعانة تكون فى مقتضي الإستشارة وحدودها فلا يعرف الخبير الذىتلجأ إليه الأجهزة أى نوع من المعلومات حول هدف الإستشارة
كما حدث مثلا مع المخابرات المصرية أيضا عندما لجأت إلى الدكتور عادل صادق الطبيب النفسي الشهير بالقاهرة واستشارته فى شأن يخص عمله وأعطوه الملف النفسيلشخص مجهول وطلبوا منه دراسته بدقة بحيث يكون متقمصا لنفس طباع هذا الشخص
فدرس الدكتور عادل صادق الملف كاملا لعدة ساعات حتى تمكن من تقمص الشخصيةتماما فطلبوا منه معرفة أى الهدايا التى يمكن اختيارها وتناسب ذوقه تماما بحيث لا يستطيع رفضها فأجاب على السؤال وفقط ..
وإلى هذا الحد انتهت مهمته وهو الأمر الذى أثار دهشة الطبيب الشهير وهويتساءل فى أعماقه عن مبرر هذا الجهد الرهيب الذى بذله للإجابة على سؤالواحد دون أن يدرى أن إجابته تلك كانت نواة اختيار هدية ملغمة بجهاز تنصتدقيق تم وضعه فى قلب مكتب السفير بسفارة دولة معادية
أما عن أغلب المهن التى تدخل فى نطاق المخابرات فهى مهن وخبراءالقانون على خلاف ما هو مشهور من أن المخابرات تضم الضباط فقط
فكلمة ضابط مخابرات هى مفهوم غير موجود من الأساس فى أجهزة المخابرات العامة وهذا المفهومقاصر فقط على المخابرات الحربية أما المخابرات العامة فيكون الفرد العاملفيها رجل مخابرات
وينقسم العاملون بجهاز المخابرات فى أى دولة إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهى
الطاقم الأساسي ـ الطاقم المعاون ـ الطاقم الإدارى والفنى
أما الطاقم الأساسي فهم أصحاب مصطلح رجال المخابرات وهم الذين يشكلون النواة الرئيسية لنشاط التخابر ويكون لهم متابعة العمل التخابري بعد تدريبجاد وغير عادى فى أنظمة مدارس المخابرات ويتم اختيارهم بعد الخضوعلاختبارات شاقة ومعايير صارمة ليس بها أى تعاون
ورجل المخابرات يتمتع بناء على تدريبه بخبرات ومهارات بالغة الإجادة أولها كيفية الحفاظ على أسرار عمله بحياته فضلا على أنه يكون خاضعا لتأمين بالغ الصرامة لأن وقوع رجل مخابرات فى يد جهاز عدو يمثل كارثة للجهاز المنافس
لأن رجل المخابرات المدرب والعارف لأسلوب ونظام العمل بجهازه يمثل كنزا من الأسرار لا يمكن للجهاز العدو الحصول عليها من ألف جاسوس ويقدر خبراء هذاالعلم قيمة ومقدار المعلومات التى يمكن الحصول عليها من رجل المخابرات لوتم الإيقاع به بعمل خمس سنوات كاملة ..
لأن وقوع الجاسوس أمر عادى مهما كانت مكانة هذا الجاسوس فهو لا يعرف عن جهاز المخابرات الذى يعمل لحسابه أى شيئ يخص تنظيمه وأسلوب عمله فى التجنيد ومتابعة عملائه كما أنه لا يعرف أحدا من ذات الجهاز إلا رجل المخابرات الذى يشرف عليه فقط وكقاعدة أساسية يتم تبديل رجل المخابرات المتعامل مع الجواسيس كل فترة درء لأى خطر
ولذلك وقبيل الحرب العالمية الثانية استقال رئيس الوزراء البريطانى نيفل تشمبرلين عقب عملية ناجحة ومدوية للمخابرات الألمانية نجحت بها فى أسر اثنين من كباررجال المخابرات البريطانية على النحو الذى أدى إلى اصابة رئيس المخابراتالبريطانية بالسكتة واضطر جهاز المخابرات البريطانى لتغيير سائر قواعدعمله والبدء فى نظام جديد وهذا بالطبع لم يمنع أن المعلومات التى اغتنمهاالألمان من رجلى المخابرات البريطانية كانت سببا فى فشل تلك الأخيرة بسائرعملياتها الجارية
وكما حدث أيضا عندما أوقعت مصر بشبكة جاسوسية أشرف عليها رجل المخابرات الإسرائيلي عزام عزام ومثلت ضربة كارثية للمخابرات الإسرائيلية