الحلقةالخامسة : تراجم أبطال
أ - عبد الله بن ياسين
ب - أبو بكر بن عمر اللمتوني
ج - يوسف بن تاشفين
كما وعدت في نهاية الحلقة السابقة و عرفانا مني و من كل المغاربة على ما قام به بعض قادة ثاني دولة تولت على حكم المغرب .
و السبب الثاني هو تكريم هؤولاء الأبطال أو القادة على ما قاموا بهم من مجهودات .
فمن هو عبد الله بن ياسين ؟
هو العالم والفقيه المغربي عبد الله بن ياسين الجزولي. تتلمذ في بلدة "نفيس" في سوس على يد كبار علماء عصره وعلى رأسهم الفقيه وجاج بن زلو اللمطي الذي كان تلميذا بدوره لأبي عمران الفاسي،الفقيه المالكي المعروف.
وهناك في الصحراء بدأ ابن ياسين يشيع العلم والفقه، وما لبث أن تحول دوره التعليمي إلى جهاد بالسيف كان يهدف منه إلى إقامة سلطة تستطيع إنقاذ الإصلاح الذي وضع أسسه ورسم منهجه. نهض ابن ياسين لأداء مهمته وتوجه إلى منازل قبيلة جدالة وبدأ يعمل. ولم تقتصر دعوته على تعليم أتباعه الشعائر الدينية، بل تعداه إلى الجانب الأخلاقي والمعيشي. فكان هدفه الأساس تغيير نمط عيشهم الذي كان يغلب عليه طابع البداوة والخشونة. فأنشأ لهم نظاما خاصا للآداب العامة.. ورغم أن دوره في ذلك الجهاد اقتصر على الجانب العلمي والروحي، فيما تولى يحيى بن عمر الجانب الحربي، فإنه كان يحظى لدى الناس بمكانة عظيمة في الأمر والنهي وتصريف الأمور وكان من أكثر الناس انقيادا إليه أبو زكريا يحيي بن عمر أمير لمتونة.
بالرغم من أن المصادر التاريخية تضن علينا بمعلومات كاملة عن هذا الرجل، إلا أن الثابت تاريخيا أن هذا الرجل كان من المشهورين بالعلم، حتى إن ابن عذارى يذكر أنه زار الأندلس ودرس فيه علوما شتى، وعندما عاد إلى المغرب قطعه من الشمال إلى الجنوب، ومر في طريقه بريف تامسنا، حيث شهد مجموعة من الصنهاجيين تعيش تحت سيطرة الزناتيين، ورأى أن بمقدوره التغلب عليهم وإقامة دولة لصنهاجة هناك. وتمكن من تحقيق ذلك بعد سنوات.
لما أيقن عبد الله بن ياسين من قوة جماعته من اللمتونيين نزل بهم في جزيرة في المحيط قرب مصب وادي السينغال. وكان الغرض من ذلك تهيئتهم روحيا، حيث تفرغوا لأمور العبادة، فكونوا رباطا ما لبث أن اتسع وكثر الناس فيه. ويروي ابن عذاري أن ابن ياسين لما أحس بوفرة أعدادهم وحماسهم قال لهم: "اخرجوا فأنتم المرابطون". فكان هذا هو أصل تسمية المرابطين. وفي رواية أخرى عنه أيضا: إن هناك أيضا من يقول إن عبد الله بن ياسين أطلق عليهم هذا اللقب عند انتصارهم في إحدى المعارك.
بلغ عدد المرابطين في تلك الثغور تحت قيادة ابن ياسين ما يزيد عن ألف، كان ذلك سنة 455هـ/1063م ثم أمرهم زعيمهم بالخروج من الجزيرة للجهاد في سبيل الله، وانضمت إليهم أعداد من اللمتونيين ومن الجداليين وغيرهم من الصنهاجيين، ولكن القوة والقيادة كانت دائما لقبيلة لمتونة، فانتشر اسم هذه القبيلة بين القبائل الصنهاجية التي كان لها صدى كبير في التاريخ المغربي. هنا يظهر عبد الله بن ياسين في ثوب القائد العسكري، ويبدي مهارة لا بأس بها، وكان حلمه البعيد هو القضاء على سلطان بني وانودين المغراويين الزناتيين الذين كانوا يسيطرون على المغرب الأقصى ويهددون الصنهاجيين جميعا. عبر القائد العسكري عبد الله بن ياسين الصحراء برفقة رجاله في اتجاه الشمال، فلما وصل وادي درعة سنة (460هـ/1068)، اشتبك مع مسعود بن وانودين ورجاله أصحاب السيادة على سجلماسة واستخلصها منهم. وسيطر على سهل مراكش. بعد ذلك تمكن عبد الله بن ياسين من السيطرة على حوض السينغال بعد أن هزم أهلها شر هزيمة. ففتح أمام قبائل صنهاجة البربرية أبواب إفريقية المدارية، فأخذت قبائل لمتونة وجدالة ومسوفة وجزولة وغيرها تتسع جنوبا.وفي خضم تلك الحروب قتل عبد الله بن ياسين سنة (461هـ/1068-1069م).
و بعد أن تطرقنا إلى التعريف بهذا العالم الجليل و الفقيه و الأمير سنتطرق إلأى التعريق بقائد آخر و يدعى : أبو بكر بن عمر اللمتوني .
فمن يكو ن هذا القائد ؟
أبوبكر بن عمر اللمتوني
480هـ ـ 1087م) أبو بكر بن عمر اللمتوني: من رؤساء هذه الدولة في المغرب. استولى على سجلماسة وملك السوس بأسره ثم امتلك بلاد المصامدة وفتح بلاد أغمات وتادة وتامسنا (سنة 449هـ) وقاتل البجلية (من شيعة عبد الله المهدي) وقبائل برغواطة. وكان في كل هذا الى جانب سيد المرابطين عبد الله بن ياسين.وأصيب عبد الله بجراح في حربه مع برغواطة (451هـ) فخطب في أشياخ صنهاجة وقال:
إني ذاهب عنكم فانظروا من ترضونه لأمركم. فاتفق الرأي على أبي بكر وكان عبد الله قد اختاره لقيادة الجيوش تحت رأيه ونظره فلما فرغ أبو بكر من مواراة عبد الله، قصد قتال برغواطة فاستأصل جموعهم، وأسلم من أفلت من القتال منهم، إسلاماً جديداً ورجع الى أغمات. وبلغه (سنة 452هـ) وقوع فتن في الصحراء بين قبائل قومه فارتحل الى سجلماسة ودعا بابن عمه(يوسف بن تاشفين اللمتوني) قائده على الجيوش وفوّض إليه أمر المغرب (463هـ) وذهب إلى الصحراء فأصلح أمر القوم ورجع إلى المغرب. فوجد يوسف قد خضعت له البلاد وضخم أمره، فأوصاه بالناس خيراً وقفل الى الصحراء، فقتل شهيداً في حرب مع السودان.
بعد أن تطرقنا إلى التعريف بهذين القائدين ، سنتطرق في الأخير إلى التعريف بالبطل الذي دافع عن المسلمين بالأندلس و فتحها للمرة الثانية .
بطبيعة الحال نتحدث عن القائد يوسف بن تاشفين .
فمن يكون هذا القائد ؟
هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت المصالي الصنهاجي اللمتوني الحميري، أبو يعقوب. أمير المسلمين ومؤسس الدولة المرابطية، وأول من دعي بأمير المسلمين، وباني مدينة (مراكش). ولد في صحراء المغرب، ولما بلغ مرحلة الشباب ولاه عمه أبو بكر بن عمر اللمتوني إمارة البربر، وبايعه أشياخ المرابطين. ورث يوسف بن تاشفين عند تولية قيادة الحركة المرابطية في سنة 463هـ كل النتائج الإيجابية التي حققها قبله في المغرب عبد الله بن ياسين القائد الروحي للمرابطين، وأبو بكر بن عمر.
فاتخذ من سجلماسة قاعدة جنوبية لدولته. وبفضله صارت مركز تجمع للصنهاجيين الصحراويين الجنوبيين، وخصوصا من قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة، واهتم كذلك بمراكش وسهلها، فاتسع العمران فيها وأصبحت بالفعل عاصمة دولة كبيرة. لما جاء يوسف بن تاشفين تابع مسيرة أسلافه، فبدأ بمحاربة ما تبقى من بقايا المغراويين الزناتيين الذين كانوا يسودون من قبل هذه المنطقة ومن فيها من الصنهاجيين، فمد سلطانه إلى تادلا ووصل إلى أبواب ريف تامسنا وجبال الريف الجنوبية التي كانت موطن البرغواطيين. كما حارب الزناتيين الذين كانوا يسيطرون على حوض وادي سبو. وبهذا امتد سلطان المرابطين فشمل جبال الريف وريف تامسنا ووصل إلى طنجة، وقد اجتهد يوسف أثناء حربه تلك في القضاء على كل الفرق الضالة، وخاصة منها الفرقة البرغواطية، فمحا معالمها وأرسى قواعد الإسلام الصحيحة. وكان هذا العمل الذي قام به ابن تاشفين استمرارا للعمل الذي قام به الأدارسة في سبيل نشر الإسلام السني الصحيح في المغرب الأقصى. بعد ذلك، دخل يوسف بن تاشفين مدينة فاس، فأقدم فيها على إصلاحات هامة، وجعلها مدينة واحدة بعد أن كانت مدينتين، وأدار عليها سورا حصينا، وأكثر فيها من بناء المساجد...
كما نجح يوسف بن تاشفين بعد ذلك في التغلب على كل القبائل صاحبة السلطان في هذه النواحي، وخاصة غمارة ومكناسة وغياثة وبني مكود.. ودخل في طاعته شيوخ القبائل في ناحية تلمسان، ثم مد يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين حتى مدينة الجزائر. عقب ذلك تمكن من الاستيلاء على سبتة وطنجة.. وبذلك يكون يوسف قد وحد المغرب الأقصى كله تحت سلطانه من سجلماسة إلى طنجة، بل وصل بحدوده إلى تلمسان والجزائر، وهذه هي المرة الأولى التي يتوحد فيها المغرب الأقصى وجزء كبير من المغرب الأوسط تحت إمرة واحدة. وهكذا أسس دولة كبرى امتدت حدودها بين إفريقية والمحيط الأطلسي، وما بين البحر المتوسط إلى حدود السودان. ولهذا يعتبر يوسف بن تاشفين منشئ المغرب الأقصى الموحد وواضع أساس وحدة بلاد المغرب، وقد أكمل بذلك ما بدأ به الفاتحون العرب. اعتمد يوسف بن تاشفين في تنظيم دولته الواسعة على التنظيم القبلي، أي أنه اعتمد في إقرار الأمن وجباية الأموال على القبائل الصنهاجية السائدة في النواحي، واعتبرها مسؤولة عن ذلك، وأرسل لها القضاة، واجتهد في القضاء على كل محاولة للزناتيين في استعادة السلطان من أي ناحية من نواحي المغرب. وحرص يوسف بن تاشفين، إلى جانب ذلك، على نشر الإسلام السني الصحيح عن طريق الشيوخ والفقهاء الذين كان يرسلهم إلى منازل القبائل ويأمرهم ببناء المساجد والعناية بتحفيظ القرآن وتعلم اللغة العربية. وكانت العادة أن يعهد يوسف في حكومة النواحي وولاية المدن إلى رؤساء من القبائل الصنهاجية التي حملت عبء الدولة المرابطية وهي لمتونة ومسوفة وجدالة، ثم انضمت إليها لمطة وجزولة وتارجا وبعض القبائل الأقل أهمية. وكانت هذه الروح الجهادية العصب الحقيقي الذي استمدت منه الدولة المرابطية قوتها.
وكان الانتصار الذي حققه يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة باعثا على مبايعة ملوك الأندلس وأمرائها له، وسموه أميرا للمسلمين، وقد أراد بعض أشياخ المرابطين أن يحملوه على اتخاذ لقب الخليفة فأبى واكتفى بلقب أمير المسلمين. عاد إلى مراكش بعد وقعة الزلاقة فجهز جيشا كبيرا، وفي سنة 481 هـ عبر ابن تاشفين للمرة الثانية البحر في اتجاه الأندلس، فتمكن من الاستيلاء على عدة مدن أبرزها غرناطة ومالقة . ولما تم الاستيلاء على إسبانيا اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة سنة 496 هـ (1103م)، حيث دعا في قرطبة القادة والولاة وزعماء القبائل المغربية إلى اجتماع أعلن فيه توليته العهد إلى ابنه علي الذي كان قد صحبه هذه المرة، وكتبت بذلك وثيقة أشهد عليها المجتمعين فبايعوا عليا، وعاد ابن تاشفين إلى مراكش وخلف ابنه عليا في الأندلس واليا عليها وحاكما بها. استقر يوسف ابن تاشفين بعد ذلك في قصره بمراكش، إلى أن توفي سنة 500 هـ عن عمر ناهز المائة سنة بعد حياة حبلى بالإنجازات والبطولات. ولا شك في أن يوسف بن تاشفين يعد من أعاظم رجالات المغرب الإسلامي الذين كان لهم أثر ملموس في توجيه تاريخه، إذ قام بدور طلائعي في تاريخ المغرب. فقد قاد حركة واسعة لتعريب القبائل البربرية سواء في جنوب المغرب أو في شرقه. كما أسهم بشكل فعال في ترسيخ مبادئ الإسلام في المغرب أولا، ثم في الأندلس بعد ذلك. فإليه يرجع الفضل أولا وأخيرا في إنقاذ الإسلام في الأندلس مما يهدده من أخطار خاصة .خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري .
اما عن المصادر التي إعتمدتها :
موسوعة ويكبيديا الحرة
كتاب تاريخ الدولة المغربية : " الجزء الأول "
موسوعة الأطلس
كتاب : دولة المرابطين في المغرب والأندلس ، لمؤلفه : سعدون عباس نصر الله
ابن الخطيب، الحلل الموشية في الأخبار المراكشية.
عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب.
حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته.
أحمد بن خالد السلاوي: الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى.
ابن عذارى، البيان المغرب
و بهذا أكون قد أنهيب الحلقة الحلقة الخامسة من بجثي هذا واعدا القارئ الكريم بالتطرق في الحلقة القادمة إلى ثالث دولة حكمت المغرب ألا وهي دولة الموحدين .