الحلقة الأولى
صدر عن دار نيشن بوكس في 2011 ضمن 296 صفحة من القطع الكبير “كتاب أنبياء الحرب: لوكهيد مارتن وصناعة المجمّع الصناعيّ-العسكريّ”
للكاتب ويليام د .هارتونغ الذي يعمل مديراً للمبادرة الأمنيّة والأسلحة في
مؤسّسة أمريكا الجديدة، وهذه المؤسّسة تهتمّ بقضايا انتشار الأسلحة،
واقتصادات الإنفاق العسكريّ، والمناهج البديلة لاستراتيجيّة الأمن القوميّ
.
في
هذا الكتاب يتحدّث هارتونغ عن نشأة هذه الشركة، عندما كانت تحمل اسم
لوكهيد، إلى حين اندماجها مع شركة مارتن ماريتا ،1995 لتصبح لوكهيد مارتن
. يتوقف على تفاصيل تطوّرها في الحربين العالميتين، وكذلك الحرب الباردة
إلى حرب العراق وأفغانستان . تعدّ هذه الشركة الكبرى في العالم في مقاولات
التسليح، حيث تنتج الأسلحة الجويّة والدفاعيّة، وتسهم في الكثير من
المناحي المتعلّقة بحفظ الأمن وتدريب القوّات .
يبيّن
الكاتب دورها في التأثير بصياغة السياسة العالميّة، ودورها السلبيّ الكبير
في تفعيل الحروب على مستوى العالم، لتحقيق الربح الأكبر على حساب إبادة
الشعوب، فتجارتها مرهونة بوجود الحروب في العالم، يتحدّث عن فضائحها على
مستوى العالم، كما يذكر الحروب التي استخدمت فيها أسلحتها، والخسائر التي
ألحقت بأرواح الأبرياء من وراء صفقات الأسلحة في الشرق الأوسط مؤخراً وفي
العديد من دول العالم سابقاً .
يتألف
الكتاب من عشرة أقسام وهي مرتبة كالتالي: 1- ارتفاع وسقوط الرابتور . 2-
من لوغهيد إلى لوكهيد . 3- من الحرب إلى الحرب الباردة 4- فضيحة C-5A الإنقاذ 6- الرشوة . 7- ريغان إلى الإنقاذ . 8-قوانين القديس أوغسطين . 9- المدافع . 10-الهيمنة العالميّة .
لوكهيد مارتن والعلاقة مع المجمّع الصناعي العسكري
يُقصد بمصطلح “المجمّع الصناعيّ-العسكريّ”
المذكور في العنوان الفرعيّ للكتاب العلاقات السياسيّة بين الحكومة والجيش
والقطاع الصناعيّ الرأسماليّ، وهذه العلاقات تشمل التنمية والإنتاج
والبحوث، وتقديم الدعم في التدريب العسكريّ والأسلحة والأمن القوميّ، وهذا
المصطلح بات متداولاً ومعروفاً في الأوساط السياسيّة بعد الخطاب الوداعيّ
للرئيس الأمريكيّ دوايت إيزنهاور عام،1961 الذي حذّر فيه المجتمع
الأمريكيّ من تنامي نفوذ ما سمّاه “المجمّع الصناعيّ-العسكري”،
وتأثيره في حريات الأمريكيّين وديمقراطيتهم، لما لهذا المجمّع من خطورة
كبيرة على كافة المؤسسات الوطنيّة، ولكن تحذير إيزنهاور بات أمراً واقعاً
بالفعل، حيث نرى هذا المجمّع متغلغلاً في البنتاغون، ويدير استراتيجيّة
الأمن القوميّ، ويثير الحروب في العديد من الدول، مهدّداً بذلك الأمن
العالميّ .
يتحدّث الكاتب في الفصل الأوّل عن برنامج طائرة F-22 رابتور،
المتميّزة بقدرتها على التخفي في الجو لفترات طويلة، والتي تمّ استخدامها
في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ويبيّن
النقاشات المحتدمة التي دارت خلف الكواليس بشأن تأييد التصويت على هذه
الطائرة التي تبلغ تكلفة الواحدة منها مايقارب 350 مليون دولار، ويوضّح
السياسة الإعلانيّة الربحيّة والبعيدة عن الحقيقة لشركة لوكهيد مارتن التي
تشيد بميّزاتها الفنيّة وقدراتها الفريدة، والأهمّ من ذلك حول فرص العمل
التي سيجلبها برنامج F-22 برابتور
للعمال الأمريكيّين إذا ما صوّت الكونغرس الأمريكي عليه، لكن الكاتب يبيّن
ما صرّح به وزير الدفاع الأمريكيّ روبيرت غيتس من عدم فعاليتها واستخدامها
في القتال في حرب العراق وأفغانستان، واستخدامها في الأجواء الأمريكيّة
فقط، بالإضافة إلى تكاليفها الباهظة، وبعض العيوب الفنيّة من خلال التحليق
لفترة زمنيّة معيّنة، وذلك من خلال ما واجهته الطائرة من صعوبات تقنيّة في
مهمّتها الأولى في الطيران إلى اليابان للانتشار في القاعدة الجويّة
الأمريكيّة، حيث توجّب عليها الهبوط في هاواي قبل الوصول إلى وجهتها
الأخيرة . كما يذكر الكاتب الردود الحادّة على تصويت الكونغرس في 2009 حول
وقف برنامج F-22 رابتور، والاكتفاء ب178 طائرة فقط .
يتحدّث
أيضاً عن برنامج مقاتلة الغارة المشتركة الذي أنتج طائرة تتميز بتكلفتها
المنخفضة وإمكانيّة استخدامها في البحريّة والجوّيّة ومع المشاة، وتعدّ
تطويراً لبرنامج F-22 رابتور . ويذكر هارتونغ أنّه لولا هذا البرنامج لكانت خسارة برنامج F-22 ضربة كبيرة وقاسية لشركة لوكهيد مارتن . كما يتطرق إلى إغلاق برنامج طائرة الهليوكبتر VH-71 الرئاسيّة،
وذلك بسبب تكلفتها الباهظة التي بلغت ما يقارب 400 مليون دولار لكلّ طائرة
. لكن الكاتب يرى أنّه على الرغم من خسارة لوكهيد مارتن في معركتها لأجل
الفوز ببرنامج F-22 والهليوكبتر الرئاسية VH-71 ،
فإنّها ما تزال تفوز بمعركتها على منافسيها في المقاولات العسكريّة
المتزايدة، ويذكر أنّها المقاول الأوّل ليس فقط في مقاولات البنتاغون، بل
في كلّ ما يتعلّق بالطاقة والنقل، هذا عدا تصنيفها من الأوائل في المجالات
الأخرى، وبيّن أنّها أنفقت 15 مليون دولار على تمويل حملاتها في 2009 وحول
اعتماد الولايات المتحدة على الشركات الخاصّة، وبشكل خاص لوكهيد مارتن
ترجمنا ما قاله الكاتب في ذلك: “إنّ
لوكهيد مارتن نفّذت كلّ شيء، من تزويد الولايات المتحدة بمحقّقين للسجون
العسكريّة الأمريكيّة في خليج غوانتانامو، إلى العاملين في إدارة مهام
حقوق الإنسان في دارفور، إلى تدريب الشرطة في هاييتي، إلى إدارة الخدمة
البريديّة في جمهورية كونغو الديمقراطيّة، إضافة إلى مساعدتها في وضع
الدستور الأفغانيّ” .
من لوغهيد إلى لوكهيد
في
الفصل الثانيّ يتحدّث الكاتب عن نشأة شركة لوكهيد مارتن على يد الأخوين
آلن ومالكولم اللذين استهواهما كلّ ما يتعلّق بالطيران، ويذكر أنّ آلن عمل
قبل تأسيس الشركة طيّاراً لفترة من الزمن، لكنّه بعد تعرّضه لحادث، انتقل
للعمل مع أخيه مالكولم في تصميم الطائرة الأولى في عام 1913 التي وصلت
سرعتها إلى ستة وثلاثين ميلاً في الساعة، وكان الأخوان يقومان بأخذ الركاب
في جولة ترفيهية في خليج سان فرانسيسكو مقابل 10 دولارات على الشخص، ولكن
لم تدم هذه الطائرة بسبب تعرضها لحادث .
يتحدّث عن تاريخ تأسيس الشركة سنة ،1916 وكانت أوّل طائرة لهما هي طائرة مائيّة باسم F-1 تسع
لعشرة ركاب، ثم يتحدّث عن قيام الأخوين بتغيير اسم لوغهيد الاسكتلنديّ إلى
لوكهيد، حيث استغرق تغييره عشرين سنة بشكل رسميّ، وسبب التغيير هو تجنّب
لفظ الاسم “لوغ هيد”
بشكل منفصل، ويتحدّث أكثر عن الفترات التي مرّت بها الشركة من الحرب
العالميّة الأولى وحالات الفشل التي عانتها من تحطّم الطائرات، إلى عدم
توافر الدعم المالي الكافي لتطوير طائراتها، وإلى مابعد الحرب العالميّة
الثانية، وبيان كيفيّة تطويرها بشكل أفضل، بعد إيجاد مستثمرين وداعمين
لصناعتها . لكن يجد الكاتب أنّ صفقتها المربحة بشكل كبير كانت مع بريطانيا
في منتصف ،1937 حينما فازت الشركة على شركتي بوينغ ودوغلاس في تصميم
مقاتلة بمحركين، وكان العقد يقدّم 157 ألف دولار لبناء نموذج طائرة، سميت
فيما بعد P-38،
ويذكر بعض الأرقام حول عدد العاملين في شركة لوكهيد في الولايات المتحدة،
وعدد الطائرات التي صنّعتها الشركة للولايات المتحدة، حيث كانت تنتج في
اليوم الواحد 23 طائرة حسب ما يذكر .
فضيحة برنامج C-5A
يتحدّث
الكاتب في الفصل الرابع عن نوايا الولايات المتحدة منذ الحرب العالميّة
الثانية بامتلاك طائرات سريعة وقوية تحمل الكثير من العتاد في غضون أيام
قليلة عبر القارات، وليس في أسابيع وأشهر، وكانت طائرة C-5A غالكسي
هي الطائرة التي تلبي حاجتها في ،1968 حتى إنّ أحدهم ألّف كتاباً عنها في
،1971 واصفاً أبعادها بالباعثة على الرعب . وحسب ما يذكره الكاتب، يبلغ
طول هذه الطائرة 260 قدماً أي ما يقارب 75 متراً، وطول كل جناح لها هو 30
متراً، ويتناسب حجمها مع حجم ملعب كرة قدم، حتى إنّ الكاتب يجد أنّ
تسميتها بغالكسي التي تعني “المجرة”
مخيفة، وتختلف عن جميع الطائرات التي سبقتها، وهي تتميّز بتسميات مرتبطة
بالنجوم . يتطرق إلى النقاشات التي دارت في الكونغرس حول تخصيص ميزانيّة
لهذا البرنامج، وعن دعم السيناتور ريتشارد روسل الذي كان صديقاً مقرّباً
للرئيس الأمريكيّ ليندون جونسون، وبيان دور هذه العلاقة في الفوز بحصول
شركة لوكهيد على عقد تصنيع هذه الطائرة، ويجد الكاتب أنّ تأثيرها كان
كبيراً على البلاد والشركة نفسها، وخاصّة بعد الفضيحة التي كشفها إيرني
فيتزجيرالد، الموظف الذي كان يعمل في وزارة الدفاع، والمتميّز بسمعته
الطيبة وفضوله الرهيب الذي قاده إلى الشكّ بتكاليف مشروع C-5A،
حيث وجد بعد تمحيص أنّ تكاليف المشروع ازدادت بنسبة تقارب ملياري دولار
منذ التقديرات الأوليّة حول المشروع منذ ،1965 ومن دون وثائق تبيّن صرف
تلك الأموال، وجرى حينها التعتيم عليها من قبل المشتركين والمستفيدين من
مشروع C-5A،
وتقديم الكثير من الرُشا للتعتيم على ما تمّ كشفه، لكن بحضّ من السيناتور
ويليام بروكسماير والنائب ويليام موهيد الذي عيّن بيتر ستوكتون للاضطلاع
بمهمّة فصل الحقيقة عن الأقاويل التي تدور في مسألة C-5A .
يبينّ الكاتب أنّ فيتزجيرالد حضر حينها جلسة في الكونغرس لأوّل مرة وسط العديد من وسائل الإعلام وتحدّث عن فضيحة C-5A،
كما يدخل في تفاصيل التهم التي وجّهت إلى كبار المسؤولين حينها، وبيان
تفاصيل التحقيق في هذا المبلغ الهائل، ثم كشف الفضيحة بشكل علنيّ، رغم
قيام شركة لوكهيد بالكثير من المناورات لمنعها من الخروج إلى وسائل
الإعلام، لكن ذلك لم يجدِ نفعاً، وقرّر الكونغرس الاكتفاء ب 81 طائرة فقط،
وأثّر ذلك في مشروع الطائرات المدنيّة تريستارL-1011 أيضاً
بشكل واضح، وصارت لوكهيد خلف الشركات القوية الأخرى مثل بوينغ ودوغلاس،
كما أسهم ذلك في توجّه شركة لوكهيد نحو الإفلاس حينها .
يتحدّث
الكاتب في الفصل الذي يليه حول خطّة الإنقاذ الحكوميّة بمنح شركة لوكهيد
قرضاً حكوميّاً يقدّر ب250 مليون دولار، وتوضيح الجدل السياسيّ الذي دار
حينها، رغم أنّ الحكومة قد ساعدت الكثير من الشركات، فإنّ حالة لوكهيد
كانت فريدة ومختلفة، وهذا المبلغ لم يقدّم لأيّ شركة أخرى .
فضيحة الرشوة
بعد
التصويت على قرار إدارة الرئيس نيكسون على منح القرض لشركة لوكهيد، لمّا
تزل الشركة تواجه تحدّياً كبيراً وهو: كيفيّة بيع كمّية كافية من الطائرات
المدنيّة من نوع L-1011،
لتتمكّن من إعادة الملايين التي اقترضتها في إطار زمنيّ معقول، ومع أنّ
الشركة عقدت صفقات مع خطوط جوية أمريكيّة وبريطانيّة، إلا أنّها لاتزال
بحاجة إلى عقد بضع صفقات أكبر لتضمن عدم الرجوع إلى حافة الإفلاس، وكانت
اليابان حينها السوق المتوافرة والهامّة لضخ منتجها من نوع L-1011، لكن جذب الحكومة اليابانيّة والخطوط الجويّة اليابانيّة إلى جانب لوكهيد في وجه الحملات النشطة المؤيّدة لطائرات من نوع بوينغ 747 ومكدونل دوغلاس DC-10 لم
يكن بالأمر السهل، وخاصّة بطرق التسويق المتعارف عليها، لكنّها وجدت أن
تقديم الرُشا لبعض الشخصيات السياسيّة هو الحلّ لتأمين صفقات مع آل نيبون
للخطوط الجويّة، وفعلاً قدّمت لوكهيد 500 مليون ين أي 7 .1 مليون دولار
إلى رئيس الوزراء اليابانيّ كاكوي تاناكا كرشوة لتسهيل صفقة الطائرات
المدنيّة من نوع L-1011 مع
الخطوط الجويّة آل نيبون، وكان تاناكا أوّل رئيس وزراء في منصبه يتلقى
رشوة ويدخل في فضيحة من هذا النوع، ويذكر الكاتب أنّه اعتقل على إثرها
وسجن مدة أربع سنوات، بالإضافة إلى عشرة مسؤولين حكوميّين ورجال أعمال
يابانيين ممّن تورطوا بهذه الفضيحة . ولا يكتفي الكاتب بذلك، بل يجد أنّ
أسلوبها في تقديم الرُشا إلى بعض الشخصيات السياسيّة لم يكن مقتصراً على
اليابان فقط، بل حدث في دول أخرى مثل إيطاليا، حيث كان الكثير من
السياسيّين الديمقراطيّين متورطين في فضيحة الرشوة، ومن أهمّهم وزيرا
الدفاع السابقان لويجي غوي وماريو تاناسي، وطالب البرلمان الإيطاليّ حينها
برفع الحصانة عنهما، واتخاذ إجراءات بحقهما، وكذلك في هولندا واجه الأمير
بيرنهارد تُهماً مسّت سمعته وسمعة العائلة المالكة، وذلك بتلقي رُشاً من
شركة لوكهيد لتسهيل صفقة الطائرات من نوع F-104 ستار
فايتر، ولم يستطيعوا حينها العثور على دلائل مثبتة بحقه، لكنّه تعرض
للانتقاد الشديد، وكذلك تمّ بيع هذا النوع من الطائرات وغيره إلى ألمانيا
الغربيّة، وأثبتت طائراتهم عدم جدواها وقوّتها، وعُرف عنها حوادثها
الكثيرة، وممّن سهّل الصفقة حينها وزير الدفاع فرانس جوزيف ستراوس، الذي
تلقى مع أعضاء من حزبه ما يقدّر ب 10 ملايين دولار، كما يتحدّث عن بعض
الشخصيات التي سهّلت صفقات الأسلحة لدول مثل تركيا
وأندونيسيا وكولومبيا وسنغافورة، كما يتحدث عن القرارات التي صدرت عن
الإدارة الأمريكية في عهد جيمي كارتر بعد كشف أمر سلسلة الممارسات غير
القانونيّة في تقديم الرُشا للشخصيات السياسيّة خارج الولايات المتحدّة
بين 1950 و،1970 والتي قدّرها السيناتور فرانك جيرج الذي ترأس اللجنة التي
تابعت هذا الموضوع بما يقارب 22 مليون دولار .
كان
لهذه الفضيحة وقعٌ سياسيّ كبير في الدول التي قامت فيها شركة لوكهيد
بصفقات، وتم إجبار رئيسي الشركة دانييل هوغتون وكارل كوتجيين على تقديم
استقالتهما، تجنّباً لدخول الشركة في صفقات مشبوهة جديدة، ويذكر الكاتب
أنّ كوتجيين وصف نفسه في مقابلة مع نيورك تايمز أنّه “كبش الفداء”، وقارن نفسه مع نيكسون في فضيحة ووترغيت، قائلاً في نهاية كلامه: “أفهم ما كان يشعر به نيكسون، فليس من السهل أن تفقد هدفك”، كما رفض تسمية “الرشوة”،
حيث وجد أنّها دفعات ضروريّة لترويج وبيع منتج ما، ولم يجد نفسه أنّه قد
أقدم على أيّ خطأ، بل وجد ما قام به أنّه شيء معياريّ وسليم، يدخل في صلب
عملهم، لكن يختلف الناس في إطلاق التسميات عليه .
هناك من ينقذ لوكهيد دائماً
يبيّن
الكاتب حالة شركة لوكهيد المزرية في ،1970 حيث شهدت عقداً قاسياً ما بين
الإنقاذ وفضيحة الرشوة، وفي فترة الانخفاض في الإنفاق العسكريّ فترة مابعد
الحرب الفيتناميّة، إذ انخفضت ميزانيّة البنتاغون بنسبة الثلث في عهد
الرئيس جيرالد فورد (1974-1977)، ثمّ عادت للاستقرار في عهد جيمي كارتر،
لكن الكاتب يبيّن أنّ البنتاغون لم يشهد نسبة انخفاض في الإنفاق العسكريّ
بشكل كبير، مثلما شهد في السنوات الأخيرة من عهد جيمي كارتر، حيث كان هذا
الانخفاض متوافقاً مع الاحتياجات الأمنيّة للولايات المتحدة . ويوضّح أنّ
رونالد ريغان على خلاف جميع الرؤساء الأمريكيّين عزّز الجيش عند تسلّم
الرئاسة، وكان كاسبار وينبيرغر يقود وزارة الدفاع حينها بشكل صارم، حيث
كان ريغان قد دفع 75 مليار دولار إضافيّ على الإنفاق العسكريّ من 1981 إلى
،1982 وكان هذا يشكّل نسبة ارتفاع عن سنة 1980 بما يقدّر ب39%، وفي هذا
الارتفاع السريع، تضاعفت عقود لوكهيد مع البنتاغون من ملياري دولار إلى 4
مليارات دولار سنويّاً . وتضمّنت المنتجات الرئيسة لهذه المبيعات سريعة
النمو طائرات النقل من نوع C-5 وC-130، والطائرة الحربيّة المضادّة للغواصات البحريّة من نوع P-3 أوريون، وصواريخ بولاريس وترايدنت، بالإضافة إلى مركبات الفضاء، والسفن البرمائيّة الهجوميّة، وتقنيات الاتصال .
يتوسّع الكاتب في الحديث عن برنامج طائرة C-5A والتقارير
التي قدّمت حول المشكلات الفنيّة المتعلّقة بالأجنحة، كانت هذه التقارير
تسبّب ضرراً فادحاً لشركة لوكهيد، بسبب التكاليف الباهظة لتصليح الأجنحة،
في حال تمّ الإقرار عليها، ولكن بمبادرة إنقاذيّة أعلنت القوّات الجويّة
بشكل مفاجئ اختيار طائرة C-5B،
وسبّب هذا الاختيار صدمة لبعض النقاد مثل دينا ريزر، التي وجدت من غير
المنطقيّ شراء نسخة محدّثة من إحدى مقتنياتها العسكريّة المحرجة، وحينها
خلصت مع فيتزجيرالد إلى أنّ التفسير الوحيد والمعقول هو أنّ هذا القرار
يعدّ إنقاذاً آخر لشركة لوكهيد التي أوشكت أن تفلس .
كما
يتحدّث هارتونغ عن دور شركة لوكهيد في تأمين غطاء خارجي للولايات المتحدة
مزوّد بالشبكات الفضائيّة والتقنيات الحديثة، لحماية الولايات المتحدّة من
أيّ هجوم جويّ خارجيّ من أعدائها، وكان البرنامج قيد الدراسة في عهد
كارتر، ولكن تمّ الإسراع فيه خلال 1983 و،1984 خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه
رونالد ريغان عن “حرب النجوم”،
الذي أعطى ذلك البرنامج (مبادرة الدفاع الاستراتيجيّ) أولوية كبيرة، وكان
يهدف إلى التصدّي لأيّ هجوم يمكن أنّ يشنّ على أرض الولايات المتحدة
بالصواريخ البالستيّة العابرة للقارات من قبل الاتحاد السوفييتيّ، ويذكر
الكاتب أنّ لوكهيد مارتن لاتزال تفتخر بالتجارب الصاروخية في برنامج
الدفاع الاستراتيجي، وذلك من خلال ما يظهر في الصحافة من تذكير بمرور ذكرى
إثبات القدرة على تدمير صواريخ الأعداء بقوة مطلقة من التأثير . وسنجد في
الحلقة المقبلة من هذا الكتاب دور رجال لوكهيد مارتن في إثارة حرب العراق
وأفغانستان، ونوعيّة الأسلحة التي استخدمت في الحروب التي حدثت في منطقة
الشرق الأوسط .
الحلقة الثانية
صدر عن دار نيشن بوكس في 2011 ضمن
296 صفحة من القطع الكبير “كتاب أنبياء الحرب: لوكهيد مارتن وصناعة
المجمّع الصناعيّ-العسكريّ” للكاتب ويليام د .هارتونغ الذي يعمل مديراً
للمبادرة الأمنيّة والأسلحة في مؤسّسة أمريكا الجديدة، وهذه المؤسّسة
تهتمّ بقضايا انتشار الأسلحة، واقتصادات الإنفاق العسكريّ، والمناهج
البديلة لاستراتيجيّة الأمن القوميّ .
في
هذا الكتاب يتحدّث هارتونغ عن نشأة هذه الشركة، عندما كانت تحمل اسم
لوكهيد، إلى حين اندماجها مع شركة مارتن ماريتا ،1995 لتصبح لوكهيد مارتن
. يتوقف على تفاصيل تطوّرها في الحربين العالميتين، وكذلك الحرب الباردة
إلى حرب العراق وأفغانستان . تعدّ هذه الشركة الكبرى في العالم في مقاولات
التسليح، حيث تنتج الأسلحة الجويّة والدفاعيّة، وتسهم في الكثير من
المناحي المتعلّقة بحفظ الأمن وتدريب القوّات .
يبيّن
الكاتب دورها في التأثير بصياغة السياسة العالميّة، ودورها السلبيّ الكبير
في تفعيل الحروب على مستوى العالم، لتحقيق الربح الأكبر على حساب إبادة
الشعوب، فتجارتها مرهونة بوجود الحروب في العالم، يتحدّث عن فضائحها على
مستوى العالم، كما يذكر الحروب التي استخدمت فيها أسلحتها، والخسائر التي
ألحقت بأرواح الأبرياء من وراء صفقات الأسلحة في الشرق الأوسط مؤخراً وفي
العديد من دول العالم سابقاً .
يتألف
الكتاب من عشرة أقسام وهي مرتبة كالتالي: 1- ارتفاع وسقوط الرابتور . 2-
من لوغهيد إلى لوكهيد . 3- من الحرب إلى الحرب الباردة 4- فضيحة 5 C-5A- الإنقاذ 6- الرشوة . 7- ريغان إلى الإنقاذ . 8-قوانين القديس أوغسطين . 9- المدافع . 10-الهيمنة العالميّة .
شاغلو مناصب إدارة بوش كانوا موظفين لدى لوكهيد
في
الفصل الثامن بعنوان “قوانين القديس أوغسطين”، يتحدّث هارتونغ بداية عن
نورم أوغسطين الذي كان يخطّط لأن يصبح حارساً للغابات ومتخصّصاً فيها،
وليس قائداً للصناعة الدفاعيّة في الولايات المتّحدة، كما يتحدّث عن
حياته، حيث درس في عام 1950 في جامعة برينستون الهندسة الجيولوجيّة، التي
وجدها العلم الأقرب إليه، ويبيّن كيفيّة تحوّله إلى العمل مع شركة دوغلاس
للطيران، ثمّ بقائه في حقل الصناعات الدفاعيّة طيلة حياته، وعن طموحه
الكبير في صنع شركة هائلة، ويقول الكاتب: “لو أنّ أوغسطين اتخذ هذه
الطريق، لما كانت لوكهيد مارتن موجودة الآن” .
يتطرّق
الكاتب إلى كيفيّة اندماج شركتي لوكهيد ومارتن ماريتا عام ،1995 ودور
أوغسطين المهم في تخطيط وهندسة استراتيجيّة الانضمام بالإضافة إلى
المكتسبات التي جعلت لوكهيد مارتن من أكبر مصنّعي الأسلحة في العالم،
علماً أنّه لم يكن بالأصل من رجال شركة لوكهيد، بل هو من أسهم بدفع
الشركتين إلى الاندماج في شركة واحدة، وذلك بحكم موقعه كمدير تنفيذيّ
لشركة مارتن ماريتا أصغر الشركتين، حيث كانت الشركة تطلق الخدمات
والتقنيات العسكريّة، وتعود جذور هذه الشركة إلى رائد الطيران غلين ل .
مارتن في بدايات القرن العشرين .
يذكر
الكاتب أنّ شركة “لوكمارت” كما يحلو لبعض النقاد والصحافيين تسميتها، “لم
تكن فقط على قائمة الشركات الأكثر تمويلاً من البنتاغون، بل أصبحت
المستفيد الأوّل من تمويلات (ناسا)، والمستفيد الثانيّ في ما يتعّلق بقسم
الطاقة النوويّة”، وكانت تقدّم البضائع والخدمات إلى الولايات المتحدة،
ووكالة خدمات العائدات الداخليّة .
كما
يتحدّث عن علاقة بيل كلينتون مع المجمّع الصناعي-العسكري، واستغلال
أوغسطين هذه العلاقة لمصلحته ومصلحة شركته، حينما كان على الذروة في عمله،
ويعتبر من ألمع الشخصيات في الصناعات الدفاعيّة، لكنّه فضّل العمل خارج
دائرة الضوء، إذ، برأيه، يختلف تسليط الضوء على مشاهير مثل بيل غيتس ووارن
بافيت، عن تسليط الضوء على شخصيّة فاعلة في الصناعة الدفاعيّة، حيث يفهم
ذلك التسليط الضوئيّ من نوع خاطئ، ويذكر المدير التنفيذيّ لشركة بوينغ فيل
كونديت الذي اضطرّ إلى تقديم استقالته في ،2003 على الرغم من أنّه لم
يواجه أيّ تهم إجراميّة، إلا أنّه كان يقود بوينغ عندما عانت من العديد من
الأزمات والفضائح المتعلّقة بالتعامل مع البنتاغون بشأن خطّة ناقلات تزويد
الوقود الجويّة للقوى الجويّة .
وعلى العكس منه ظهر أوغسطين الذي ظهر بشكل إيجابيّ وكرجل النهضة الافتراضيّ للمجمّع الصناعي العسكري،
حتى إنه كتب كتاباً حول فنون الإدارة تحت عنوان “قوانين أوغسطين”،
بالإضافة إلى كرّاسة سياسيّة متعلّقة بأمور الدفاع بعنوان “ثورة الدفاع”
بالاشتراك مع كينيث آدلمان المدير السابق لرونالد ريغان لوكالة نزع السلاح
والتحكم بالأسلحة .
كما
يتحدّث عن علاقة أوغسطين بوكالة الاستخبارات المركزيّة، ودوره كمستشار في
تأسيس شركة “إن كيو تيل” واستثمارها عشرات الملايين من الأموال في
الولايات المتحدة وكندا، وكما يوضّح الكاتب فإنّ هدف هذه الشركة لم يكن
جني الكثير من المال، بل كان إيجاد منتجات ذات تقنيّة متقدّمة، تستخدم
لأغراض أمنيّة وتجسّسية تستفيد منها وكالة الاستخبارات المركزيّة .
وفي
نهاية هذا الفصل يجد أنّ أوغسطين لعب دوراً قويّاً من وراء الكواليس، من
خلال سعيه المتميّز للحصول على معاملة خاصّة بعلاقاته لمصلحة شركته،
ويطالب الكونغرس والإعلام بدفع اهتمام أكبر للارتباطات الرمزيّة بين
الصناعة والحكومة التي سمحت لنورم أوغسطين، بالمنفعة من ارتباطاته مع رجال
الحكومة لكسب الملايين لشركته، وممارسته تأثيراً قويّاً على توزيع
ميزانيّة البنتاغون .
لوكهيد مارتن وغزو العراق
يتحدّث
الكاتب في الفصل التاسع المعنون ب”المدافع” عن بدايات مشروع القرن
الأمريكي الجديد، عندما اعتبر الصقور والمحافظون الجدد أنّ إدارة كلينتون
ناعمة في قوتها الدفاعيّة، وكان يهدف هذا المشروع إلى تربّع الولايات
المتحدة على قمة القيادة العالمية من النواحيّ العسكريّة والاقتصاديّة
والسياسيّة على أساس اعتبارات العولمة، ودعت في بيانها التأسيسي إلى
“سياسة ريغان في القوة العسكرية والنقاء الأخلاقي”، وكان من بين العديد من
الأشياء التي تضمنها البيان التدخل للقضاء على الأنظمة العنيدة مثل حكومة
صدام حسين في العراق، ولكن يبين أن اعتباراتها تغيّرت في عهد بوش، حيث
وجدت في القوّة العسكريّة طريقاً للتربع على القمة العالميّة، ويجد أن كل
من وقّع على هذا المشروع كان له ارتباط بشكل أو بآخر مع شركة لوكهيد مارتن
في إدارة بوش، مثل بول وولفويتز إلى دونالد رامسفيلد إلى ديك تشيني، كما
يتحدّث عن الفرق بين بروس جاكسون أحد رؤساء القرن الأمريكي الجديد وممّن
وقعوا على المشروع، حيث هو الوحيد الذي عمل بشكل مختلف في التعامل مع
المقاولين العسكريين، إذ كانت طريقته المفضّلة بالعمل التأثير في الحكومة
من الخارج، وأنّ التزامه الشديد بتوسيع حلف الناتو في فترة التسعينات،
حقّق فائدة كبيرة لشركة لوكهيد مارتن، كما يبيّن الكاتب أنّه كانت لديك
تشيني علاقة أسريّة مع لوكهيد مارتن، حيث كانت زوجته ليني في مجلس إدارة
لوكهيد مارتن منذ 1994 وحتى ،2001 ويتحدّث عن الأموال التي جنتها زوجته من
لوكهيد مارتن، وجناها تشيني عندما كان مديراً تنفيذيّاً لشركة هالبيرتون،
ولما يزل يحصل على راتب شهريّ مجزٍ، ويجدر بالذكر أن شاغلي أكبر المناصب
المهمة في إدارة بوش كانوا مديرين تنفيذين ومناصرين ومحاميين لشركة لوكهيد
مارتن .
يتحدّث
هارتونغ عن غزو العراق والتدخل لأجل التغيير، متناولاً التفاصيل الدقيقة
حول النقاشات التي دارت ضمن إدارة بوش، وموضوع الأسلحة النوويّة والفشل في
إيجاد رابط بين صدام والقاعدة، وكذلك عن جهود جاكسون في الترويج لتغيير
النظام العراقيّ، وبمساعدة من الشبكة التي عمل على إيجادها، وهي لجنة
تحرير العراق، التي ضمّت السياسيّين العراقيّين المنفيّين، ويتحدّث هنا عن
أحمد جلبي الذي دعمه ريتشارد بيرل بداية، ثم رامسفيلد وولفويتز، وعن
شخصيته الإشكاليّة والمثيرة للجدل التي لم تجدها وكالة الاستخبارات
المركزيّة ووزارة الخارجيّة مصدراً موثوقاً للمعلومات في العراق، ولا
كفوءاً لتسلم زعامة البلاد بعد إسقاط صدام حسين، كما يظهر أنّ الشعب
العراقي لم يكن متحمّساً أيضاً لتسلمه السلطة، وذلك بسبب نقله معلومات
حسّاسة إلى إيران، واتصالاته مع المخابرات الأمريكيّة .
يدخل
في بعض التقارير والإحصاءات حول تكاليف حرب العراق الماديّة والبشرية
ويقول: “وفقاً للاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في
الاقتصاد وزميلته ليندا بيلمس، فإنّ مجمل التكاليف الاقتصادية لحرب العراق
تجاوزت 3 تريليون دولار، أمّا التكاليف الإنسانية أعلى: حيث قُتل آلاف
الجنود وأصيبوا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العراقيين” .
يشير الكاتب إلى تزويد الشركةِ الولايات المتحدةَ في حرب العراق بنظام راجمة الصواريخ (MLRS)، والمقاتلة الجوية F-16 التي
استخدمت بشكل كبير في عملية القصف الأولي ضد القوات العراقية، ويجد أنّه
ما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى تعددت مقاولاتها وتنوعت من خلال تزويد
القواعد الأمريكية في العراق بتقنيات الاتصال، وغيرها من الخدمات، ويؤكّد
أن المصائب التي حدثت في الحرب على العراق هي فوائد دسمة لشركة لوكهيد
مارتن المستفيد الأكبر، بالإضافة إلى شركة هالبيرتون العالمية للبترول .
تقنيات التعذيب وشبكات التجسّس
يشير
هارتونغ في الفصل العاشر المعنون ب”الهيمنة العالمية” إلى استفادة شركة
لوكهيد مارتن من حرب العراق وأفغانستان، ليس فقط من خلال تزويدها الولايات
المتحدة بالسلاح فقط، بل من نشاطاتها في عمليات استجواب المشتبهين وتدريب
الشرطة، وموجة نشاطات المراقبة المحلية بعد أحداث 11 سبتمبر أيضاً، ويلاحظ
أنّ دورها في استجواب السجناء في العراق وخليج غوانتانامو غير معروف
كثيراً، كما يتوسع في الحديث عن دور الشركات الأمريكية الخاصة الأخرى مثل
شركة تيتان وكاساي، والفضائح التي حدثت في سجن “أبوغريب”، وتشويه سمعة
الولايات المتحدة، حيث يشير إلى وجود عاملي هذه الشركات خلال استخدام
تقنيات الاستجواب غير الإنسانية، التي كان يشرف عليها أحد الموظفين من
شركة كاساي وهوستيفن ستيفانوكز، الذي لم توجّه إليه أيّة تهم بخصوص ماجرى
في “أبو غريب”، وكذلك الشركات الأمريكيّة الست التي كانت تعمل في استجواب
المحتجزين، لم تتعرض لمحاسبة قانونية ولم توجه إليها أية تهم إجرامية،
والحالة الوحيدة التي يذكرها، وهي حالة المحقق المتعاقد مع وكالة
الاستخبارات المركزية ديفيد باسارو، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثماني
سنوات ونصف بسبب ضربه أحد السجناء في أفغانستان حتى الموت .
ويشير
إلى أن الكثير من النقاد والسياسيين عبروا عن مخاوفهم إزاء استخدام
البنتاغون الشركات الخاصة لاستجواب المشتبهين بالمشاركة في العمليات
الإرهابية، ويستشهد بما قاله إيوجين فيدل رئيس المعهد الوطني للقضاء
العسكري الذي وجد في هذا العمل شيئاً من اللعب بالنار، وممّا قاله: “هذا
النوع من النشاط يستلزم اهتماماً وطنياً ويعرض البلاد إلى أعمال مخزية،
حيث لابد أن يقوم بهذا النوع من النشاط موظّفون حكوميون”، ولكن يجد الكاتب
أن هذا المنطق لايمنع لوكهيد مارتن من الدخول في أعمال الاستجواب .
يتطرّق
هارتونغ إلى فضيحة الرشوة المتعلقة برئيس فرع شركة تيتان في بنين في
أفريقيا، حيث دفعت غرامة تقدّر ب5 .28 مليون دولار لدفعها مليوني دولار في
حملة إعادة انتخاب ماثيو كيريكو رئيس جمهورية بنين، وكانت الغرامة الأكبر
التي وضعت تحت بند الفساد الخارجي .
كما
يتطرق إلى الحديث عن تزويد شركة لوكهيد مارتن المترجمين والمحققين في
السجون في العراق لخدمة الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى الحديث عن الأساليب
المشينة لسلوكيات موظفيها، وبشكل خاص عن قضية تعذيب ممدوح حبيب، الذي
تعرّض للضرب المبرح أثناء الاستجواب، وهو أسترالي من أصل مصري كان يعمل
سائقاً للتاكسي العمومي في أستراليا، قضى ثلاث سنوات في غوانتاناموا . كما
يتحدّث عن كتاب الصحفي تيم شوروك “جواسيس مأجورة”، الذي يصف لوكهيد مارتن
بأنها تشكّل قوّة رئيسة في الاستجوابات العسكرية، ووفقاً لما ذكره الكاتب
عن شوروك فإنّ ثلاثة أرباع ميزانية الاستخبارات الأمريكية تذهب إلى
الشركات الخاصة، التي تقدّر ب 50 مليار دولار، وتعدّ من أكبر مصادر
التمويل الحكومي للبضائع والخدمات خارج البنتاغون، وتمت تسميتها “المجمع
الصناعي الاستخباراتي” كما يتحدث هارتونغ عن شبكات التجسس في أوروبا
والولايات المتحدة نفسها، والتي ابتكرتها لوكهيد مارتن مع الشركات الأمنية
الأخرى، وعن ملاحقتها واغتيالها للعديد من أفراد الميليشيات الشعبية في
المناطق التي تتواجد فيها القوات الأمريكية .
منتجات لوكهيد مارتن
يرى
الكاتب أنّ السنتين الأخيرتين من عهد بوش، والسنة الأولى من عهد أوباما
كانت أوقاتاً جيدة لشركات تصدير السلاح، كما أنّ زعامة أمريكا في سوق
الأسلحة العالمية ازداد بشكل دراماتيكي، حيث إن أكثر من ثلثي اتفاقيات
مبيعات الأسلحة الجديدة ذهب إلى الشركات الأمريكية، ولوكهيد مارتن هي
الشركة الأكثر استفادة، وإحدى أكثر موادها تصديراً هي الطائرة المقاتلة من
نوع F-16، ويذكر أنّها دخلت منذ 2006 في اتفاقيات لبيع F-16 بقيمة
تقارب 13 مليار دولار إلى رومانيا والمغرب وباكستان وتركيا .
وخلال2007-2008 أجرت الشركة اتفاقيات لبيع إحدى أنظمتها الدفاعية
الصاروخية مثل PAC-3 وTHAAD إلى
العديد من الدول مثل تركيا وألمانيا واليابان بأكثر من 24 مليار دولار،
ودخلت في اتفاقيات بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً لبيع طائرات النقل
العسكرية من نوع C-130J إلى
“إسرائيل” والهند والعراق والنرويج، لكن الكاتب يشير إلى إحدى صفقات
لوكهيد مارتن الأكثر إثارة للجدل، وهي التي عقدتها مؤخراً مع تايوان بمبلغ
6 مليارات دولار، ومن ضمن ما تم الاتفاق عليه 114 صاروخاً من نوع PAC-3 بكلفة
8 .2 مليار دولار، وهذا ما أثار غضب الصين التي هدّدت بقطع تعاونها
العسكري مع الولايات المتحدة، وفرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي
تكون معداتها جزءاً من الاتفاقية .
يشير
الكاتب أن لوكهيد مارتن تذكر أنّ صادراتها من الأسلحة تزوّد الاستقرار
وتمنع حدوث الحرب، لكن النقاد يرون على النقيض من ذلك، حيث تسرع هذه
الأسلحة إمكانية نشوب الحرب بشكل أكبر، ويطرح هارتونغ هنا مجموعة من
الأسئلة، منها: “هل تحتاج رومانيا الطائرات المقاتلة F-16 بقيمة 4،5 مليار دولار؟ أليس احتمال أن تستخدم باكستان F-16 ضد الهند أكثر من استخدامها ضد القاعدة أو طالبان؟” .
أسلحة تقتل البسطاء والأبرياء
يشير هارتونغ إلى العديد من الحالات عن الاستخدام الخاطئ لمقاتلات F-16،
ويأخذ تركيا التي اتبعت سياسة الأرض المحروقة في المحافظات الجنوبية
الشرقية التي يقطنها الأكراد كمثال، وذلك للتخلص من المتعاطفين مع حزب
العمال الكردستاني . يقول الكاتب: “في حرب وحشية دامت خمس عشرة سنة ضد حزب
العمال الكردستاني، قصفت تركيا آلاف القرى وأحرقتها، مخلفة وراءها عشرات
الآلاف من القتلى”، ويذكر أنّ 375 ألف شخص كردي هاجروا من مدنهم وقراهم
بسبب الصراع الذي لم ينتهِ حتى الآن، وينتقل إلى الحديث عن استخدام
“إسرائيل” لمنتجات لوكهيد مارتن في صيف 2006 أثناء تدخلها في لبنان، حيث
استخدمت مقاتلات F-16 لقصف الأهداف اللبنانية، وراجمة الصواريخ MLRS،
بالإضافة إلى جرائم الحرب التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق اللبنانيين،
وانتهاكاتها لقوانين حقوق الإنسان، يقول: “أطلقت القوات الجوية
“الإسرائيلية” أكثر من سبعة آلاف ضربة جوية خلال الصراع، والعديد منها من
مقاتلات F-16،
وكان قصفها موجهاً إلى الجسور والطرق والمطارات والمصانع، ومعامل الطاقة،
وقتلت أكثر من ألف شخص، وشردت ما يقارب المليون شخص من منازلهم” . كما يجد
أن هذا النوع استخدمته “إسرائيل” في قطاع غزة في 2008-،2009 وقتلت المئات
من المدنيين الغزاويين، ويتحدث أيضاً عن القنابل العنقودية الصغيرة التي
أطلقتها “إسرائيل” من أنظمة الصواريخ التي أنتجتها شركة لوكهيد مارتن M-26 بشكل
كبير على الأراضي اللبنانية، ويذكر الطفل اللبناني رامي شبلية، الذي فقد
ذراعه اليمنى عندما التقط بالصدفة قنبلة عنقودية على طريق عربته الصغيرة
التي كان قد جمع فيها ثمار الصنوبر مع أخيه، بالإضافة إلى ذلك يبين
التأثيرات السلبية البالغة على الإنتاج الزراعي في تلك الأراضي، التي
أصبحت أشبه بحقول للألغام . ثمّ يذكر أن القنابل العنقودية التي استخدمت
في حرب الخليج 1991 من قبل الولايات المتحدة ضد الأهداف العراقية، وحينها
كنتيجة لهذه القنابل الخطيرة قتل ما يقارب 22 جندياً أمريكياً وجرح ما
يقارب 58 جندياً .
كما
يتحدث الكاتب عن تطوير الوسائل الدفاعية البحرية من قبل شركة لوكهيد مارتن
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث توقع أخصائيو مكافحة الإرهاب هجمات
مستقبلية من البحر، وأسسوا برنامجاً يسمّى “ديبوتر” التي تعني في العربية
(المياه العميقة)، إذ خصص لها البنتاغون 17 مليار دولار لبناء سفن جديدة
مزودة بتقنيات المراقبة الفائقة وطائرات آلية من دون طيار، لكن يرى الكاتب
أن هذا البرنامج لم يكن ذا منفعة كبيرة، حيث أصبح خفر السواحل أضعف وأقل
قدرة على مواجهة الأخطار، ويؤكد على أن شركتي لوكهيد مارتن ونورثروب
غرومان استفادتا كثيراً من هذا البرنامج .
نلاحظ
أن التفاصيل والمعلومات كثيرة في هذا الكتاب، سمعنا عن بعض منها في أجهزة
الإعلام ولم نصدقها حينها، والبعض الآخر كان محجوباً يؤثر بطريقة بالغة،
لكن نرى اليوم أن بعض النتائج التي تحدث في المشهد العام ليست محض صدفة،
بل عبارة عن مخططات مدروسة لكبار المتاجرين بالأرواح البشرية، الذين
يقودهم الطمع والاستغلال، ينفذون مخططاتهم تحت يافطة العدالة والحرية
والديمقراطية .
ما
وجدناه في هذا الكتاب يبيّن لنا تأثير المخططات التي ترسمها الشركات
الأمريكية الخاصة بالأسلحة، وما تسبّبه من كوارث بشرية وبيئية، وما حذّر
منه إيزنهاور في خطاب الوداع يتحقّق بشكل فظيع، ويهدّد حرّيات الأمريكيين
أنفسهم والبشرية جمعاء .