الزلزال يهز أركان النظام وارتداداته
تصل إلى واشنطن.. سليمان نائب للرئيس وشفيق رئيس للحكومة.. والشارع مصرّ
على تغيير جذري.. والفوضى تعم المدن...مصـــــر تنتفـــض...
لم تقتصر
تداعيات الثورة الشعبية المتواصلة منذ خمسة أيام في معظم المدن المصرية
مطالبة برحيل نظام الرئيس محمد حسني مبارك بسبب البطالة والاضطهاد والقمع
والفساد والانسلاخ عن الهم العربي على الداخل المصري فحسب، بل وصلت ارتدادات هذا الزلزال إلى جدران البيت الأبيض وعموم أوروبا والمحيط الإقليمي.
ويبدو حتى ساعة كتابة هذه السطور أن نظام مبارك لم يتعلم الدرس التونسي،
وأصر على المضي في سياسته، رغم بلاغة الرسالة ووضوحها التي وصلته من نظام
زين العابدين بن علي، بأن الاستقواء بالخارج لا يحمي أنظمة، وأن تلك
الأنظمة تكون قوية فقط عندما تستقوي بشعوبها. (التفاصيل
ص 2-3-4)
انتفض المصريون، فارتبكت واشنطن والعواصم الأوروبية وساد الذهول في عواصم
الاعتدال وغاب السمع عن كل القيادات المصرية، وعمت الفوضى القاهرة تلك
المدينة التي اشتهرت باستقرارها وأمنها على مدى عقود.
التصميم على التغيير سبق أن عبر عنه أغلبية الشعب المصري إبان احتلال
العراق عام 2003 وخلال العدوان على جنوب لبنان عام 2006 وعلى غزة عام 2008
حين كانت حكومة بلاده تساند واشنطن وتل أبيب في كل خطواتهما وتمارس أبشع
أنواع القمع تجاه كل من يتجرأ ويعارض سياسة مصر التي أطلق عليها تسمية
«المعتدلة»، في حين كانت في حقيقة الأمر سياسة «تابعة» للإملاءات الخارجية
مقابل حفنة من الدولارات تقدمها واشنطن «مساعدة» للنظام المصري.
ولم يوفق مبارك في محاولاته المتأخرة لامتصاص الثورة الشعبية، بإجراءات
التغيير الأخيرة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على استمرار عسكرة النظام،
عبر تعيين رئيس المخابرات العامة الوزير عمر سليمان نائباً للرئيس، وتكليف
الفريق أحمد شفيق تشكيل حكومة جديدة لامتصاص النقمة، لكن الشارع المصري رفض
القرارات الرئاسية مباشرة، وأصر على استمرار ثورته حتى رحيل النظام بكافة
أركانه.
وكان لافتاً في الـ48 ساعة الماضية من عمر هذه الثورة، انسحاب قوات الأمن
والشرطة ونزول الجيش ليحل محلهما وسط ترحيب ومطالبة جماهيرية له بالانحياز
إلى الشارع، ولم تر قرارات الحاكم العسكري مبارك بحظر التجول طريقها إلى
التنفيذ مع مواصلة الشعب تقديم دمائه الطاهرة قرابين لحريته وديمقراطيته،
في مؤشر على أن حاجز الخوف الشعبي انكسر بلا رجعة.
ووسط التطورات التي لم يستطع النظام استدراك العبر منها، تحدثت تقارير
إعلامية عن عمليات نهب وسطو مدبرة من «بلطجية» النظام للمتحف الوطني وبعض
مؤسسات الحزب الحاكم والحكومة والمشافي وبعض الأحياء السكنية لتشويه صورة
التحرك الشعبي، وفتح الباب أمام التسويغ في فترة لاحقة بارتكاب مجازر بحجة
الحفاظ على الأمن، لكن الثورة الشعبية عملت على قطع الطريق على تلك «الخطة»
من خلال تشكيل دروع بشرية ولجان شعبية للدفاع عن الممتلكات العامة في
تأكيد أن المطلوب هو تغيير النظام وليس إدخال البلاد في حالة من الفوضى.
الزلزال الشعبي المصري، وصلت تداعياته إلى الولايات المتحدة الأميركية التي
يبدو أنها فتحت غرفة لإدارة الأزمة من واشنطن بعد أن بدا العجز واضحاً على
النظام المصري من إدارتها من القاهرة، ودعا باراك أوباما الرئيس المصري في
اتصال هاتفي استغرق ثلاثين دقيقة، إلى اتخاذ خطوات «ملموسة» للإصلاح
السياسي والامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين المعارضين لنظامه!
وظهر موقف مشابه من عواصم عالمية كثيرة نحت منحى الرئيس الأميركي، في حين
أصاب الزلزال المصري إقليمياً السلطة الفلسطينية بالهلع والتخبط، لدرجة قول
الأمين العام لرئاسة السلطة الطيب عبد الرحيم: «إذا رحل النظام في مصر
رحلنا، ولن يبقى وجود للسلطة الفلسطينية».
ولم يكن المصريون وحدهم في حراكهم، فعمت المظاهرات المناصرة لهم مدناً
أميركية عدة، وعواصم أوروبية مثل لندن، وباريس، وروما، وأنقرة، وكذلك عربية
مثل بيروت، وتونس، وعمان، وصنعاء، في وقت تسمر الجمهور العربي أمام شاشات
التلفزة لمتابعة ما يحدث.
وبينما بدأت عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين الفرار من القاهرة، طلب مكتب
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من كل الناطقين الرسميين ومن
الوزراء عدم التحدث إلى وسائل الإعلام بشأن ما يحصل في مصر، وذلك بعد أن
أعرب مسؤول إسرائيلي رفيع عن قلقه من خطر الإطاحة بنظام مبارك الذي يواجه
انتفاضة شعبية غير مسبوقة.جريدة الوطن السورية