نظرا لأن الموضوع لن يلقى أي ردود قمت حذفه وقمت بوضعه في هذا الموضوع القيم
هل القرن الحادي والعشرين هو القرن الصيني
العميد الركن الطيار م فوزي ابو فرحات
مقدمة
تعتبر الصين احدى اقدم الحضارات في العالم، وشعبها اكثر الشعوب عددا. اما مساحتها فهي الاكبر بعد كندا وروسيا، ويمتد تاريخها المكتوب الى ابعد من اربعة آلاف سنة. ومن اختراعاتها القديمة: البوصلة، وصناعة الورق، والطباعة، والبارود. وخلال قرون عدة من تاريخها كانت رائدة حضارية عالمية في العلوم والفنون. لكنها تعرضت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، الى حروب داخلية، ومجاعة، وانكسارات عسكرية، واحتلال اجنبي. وبعد الحرب العالمية الثانية فرض الشيوعيون عليها سلطة توتاليتارية كلفت حياة عشرات الملايين من شعبها، وبعد العام 1978 قام الشيوعيون بالتركيز على الاسواق، مما ادى الى تعزيز المستوى المعيشي، وتوسيع مجال الحريات الشخصية. وقد سمحوا بالشركات والمؤسسات الخاصة، وزادوا من حجم التجارة الخارجية والاستثمارات. كل هذا ادى الى ارتفاع معدلات النمو، وزيادة حجم الانتاج المحلي اربعة اضعاف منذ العام 1980. كما انهم اتبعوا سياسة ناجحة في مجال تحديد النسل. لا سيما ان عدد الشعب الصيني تعدى 2،1 مليار نسمة.
منذ انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية عام 2001، تعززت بسرعة عمليات التصدير والاستيراد. وخلال العام 2004 اصبحت ثالث اكبر دولة عالمية في مجال التجارة بعد الولايات المتحدة الاميركية والمانيا. والفضل في نقل المعرفة التكنولوجية يعود الى الاستثمارات الخارجية. فمنذ الاصلاحات التي اعتمدتها الصين خلال العام 1970، اصبحت اكثر انفتاحا من اليابان على الاستثمارات الخارجية المباشرة. هذه الاستثمارات رفعت مستوى الصناعة الصينية، وعززت انتاجها. وبالتالي اصبحت الاقل كلفة في الصناعة العالمية، وحققت خلال عشرين سنة، ما حققته اليابان وكوريا الجنوبية خلال خمسة واربعين سنة.
ومنذ حوالي ربع قرن، كانت اليابان قد بدأت تشغل بال كثير من الاميركيين الذين كانوا يتخوفون من ان يصبح القرن الحادي والعشرين القرن الياباني، كما كان القرن السابع عشر القرن الفرنسي، والقرن التاسع عشر القرن البريطاني، والقرن العشرين القرن الاميركي. لا سيما ان الولايات المتحدة بدأت تعاني من عقدة التراجع في اواخر القرن العشرين، كما ان اليابان كانت قد بدأت منذ اكثر من عقد من الزمن تعاني صعوبات اقتصادية جعلت حلمها يتراجع ايضا.
فهل اصحبت الصين حاليا مؤهلة كي تتربع على عرش القرن الحادي والعشرين، ام انها ستعاني ايضا من التراجع في نشاطها الاقتصادي كما حصل لليابان؟
هناك الكثير من الذين يعتقدون ان الصين ستتابع نشاطها صعودا، وستتحول الى مارد اقتصادي. ومن الاقتصاديين الذين يشاركون في هذا الرأي "ريتشارد فريمان" و "آلان بلايندر". وفي المقابل يعتقد "ويل هاتّون" مؤلف كتاب "الكتابة على الجدار" ان الصين ربما ستجابه المشاكل في سياسة معدلات صرف العملة، وفي قطاعها المالي وشركاتها المملوكة من الدولة. ويعتقد ان الاسباب هي انعدام المؤسسات الديمقراطية، والاعلام الحر. وبالتالي لا تستطيع الاستفادة من ثورة المعلوماتية والتقدم الذي تختزنه. كما ان النقص في الحرية، يمكن ان يؤثر سلبا على استراتيجيتها المتعلقة بالتجارة. ولكن الواقع يشير الى ان ارقام معدل الانتاج المحلي يرتفع بشكل متواصل في الصين منذ اكثر من ربع قرن وحتى الآن. انما يتخوف البعض من محاذير قلة الشفافية على المستوى السياسي، وعدم الاستقرار الاجتماعي الناتج عن قلة المساواة بين الجماعات، وارتفاع معدل الفوارق بين الاغنياء والفقراء. ولكن الفرص ما تزال متوافرة جدا بالنسبة الى عاملين اساسيين:
اولهما بعض التقدم الحاصل نحو الديمقراطية.
وثانيهما المستوى الممتاز للعناصر الشابة في الصين، وعددها يتعدّى الاربعمائة مليون نسمة اعمارها بين 20 و 39 سنة. وهي عناصر مهذبة، ومبتسمة، وحضارية، ومتفائلة، ومتعلقة بالقيم، كما انها منفتحة على العالم، وتحب السفر، ويتعلم الانكليزية العدد الكبير منها. هذه العناصر الشابة تمثل مستقبل الصين النابض بالحياة.
علاقات الصين بالولايات المتحدة الاميركية
هذه العلاقات اصبحت متوترة بعض الشيء في الاشهر الاخيرة، لاسباب متعلقة بالعملة الصينية. فالولايات المتحدة انذرت الصين انها ستفرض ضرائب على البضائع الصينية، في حال لم تلجأ الصين الى اعادة النظر بقيمة عملتها وجعلها قابلة للتحويل مثل اليورو والين. فالولايات المتحدة لا يمكنها ان تتساهل في هذا المضمار بسبب خطورة المنافسة الصينية، لاعتبار ان الصين هي احدى الدول الخمس الاقوى اقتصاديا في العالم. ولذلك فالمطلوب من الصين ان ترفع قيمة عملتها يوان. لان مهارة الصين في التحكم بقيمة عملتها، تساعدها جدا في المنافسة وازدهار عمليات التصدير، وهي مسألة مرتبطة بطبيعة الاقتصاد الصيني. لكن الموضوع اصبح يشكل نوعا من المنافسة غير المشروعة بالنسبة للاقتصاد الاميركي، لان التحكم بقيمة العملة دون ترك السوق تحدد قيمتها، يؤدي الى تخفيض الاسعار التصديرية ليس فقط الى اميركا، بل الى اوروبا ايضا!
كما ان عدم اعتماد النظام الحرّ في اسواق الرأسمال، يقود عاجلا ام آجلا الى عدم الاستقرار في النظام الاقتصادي. فالصين دون شك حققت معدلات نمو باهرة منذ العام 1980 وحتى الآن، ولكن هذه المعدلات لا تدوم اذا بقيت اسواق الرأسمال مقيدة. وهذا سبب ما حصل من ازمات اقتصادية لليابان ودول شرق اسيا عامي 1990 و1997، لان هذه الدول ادارت الرأسمال بهدف ابقاء الاسعار منخفضة بشكل اصطناعي! وبالتالي لا تستطيع اي دولة الابقاء على اسعار غير منطقية الى الابد. ولذلك فالدول تتعلم من ازماتها لا سيما الولايات المتحدة الاميركية ايضا.
وبهذا الصدد صدرت بوادر امل جديد، عندما ادلى بتصريحين عضوان من الاعضاء الجدد الذين تمّ تعيينهم في "لجنة السياسة النقدية" في "بنك الشعب الصيني". فبعد يوم واحد من تعيينه قال "Li Daokui" ان على الصين ان تسوي معدل صرف عملتها، بمبادرة خاصة منها، قبل ايلول"سبتمبر 2010 القادم. كما صرّح العضو الآخر "Xia Bin" ان على الصين ان تستأنف سياسة السماح بارتفاع قيمة وحدة النقد الصينية (Yuan) تدريجيا، كما حصل بين عامي 2005 و2008. وفي ذات الوقت تقريبا نادى رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما بقيام علاقات ايجابية مع الصين قائلا: "ان على الطرفين ان يعملا معا لتحقيق نمو اقتصادي متوازن وقابل للحياة". ومنذ اسابيع ورد في الانباء العالمية ان الصين قررت رفع قيمة عملتها مجددا.
ولكن بالرغم من كل ما سبق، فان اعضاء في الكونغرس الاميركي ما يزالوا يشككون ويطالبون بمشروع قرار يطلب من الصين التوقف عن التحكم بقيمة عملتها. ولكن الصين اشارت الى انه لا لزوم للولايات المتحدة ان تتشدّد في هذا الموضوع اكثر من اللزوم، لان قيمة العملة الصينية ستتحرك صعودا ولكن المسألة تتعلق بالمقدار والتوقيت. فالموضوع غاية في الدقة لا سيما بعد ان ارتفع "اليوان" عشرين بالماية خلال ثلاث سنوات بين 2005 و2008. لكن الصين جادة هذه المرة في تسوية موضوع العملة بهدوء مع الولايات المتحدة الاميركية.
اما بالنسبة للمواضيع الاخرى فان ادارة الرئيس باراك اوباما كانت قد اعلنت مرارا رغبتها بتقوية التعاون مع الادارة الصينية من خلال آليات عالية المستوى مثل "الحوار الاقتصادي والاستراتيجي". كما ان الاهتمام الاميركي بتحسين العلاقات مع الصين قد تعزّز، لا سيما بعد قيام كوريا الشمالية بتجربتها النووية.
بالنسبة للمواضيع العسكرية، فان استئناف ادارة اوباما للمباحثات بين العسكريين الاميركيين والصينيين، يعتبر تطورا ايجابيا. لكن هناك خلافات مبدئية ما تزال مطروحة بين الطرفين، بالنسبة للشفافية وكيف يمكن تجنّب الحوادث البحرية العسكرية في المستقبل؟ وهناك موضوع آخر اكثر اهمية، وهو كيفية الرد على استراتيجية "جيش الشعب الصيني" بالنسبة لاعتماده مناطق محظورة ممنوع عبورها، والاخطار المتزايدة على حاملات مجموعات القتال الاميركية، والاقمار الاصطناعية، وشبكات الكومبيوتر (Cyberspace). بالطبع من الضروري تنمية الشفافية والثقة المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الاميركية، ولكن ذلك لا يكفي لدرء التحديات الحديثة. وبهذا الصدد صرح Wang Jisi عميد مدرسة العلاقات الدولية في جامعة بكين الى Global Times في اواخر تشرين الثاني"نوفمبر عام 2009 "ان الولايات المتحدة الاميركية لم تكن راضية عن التقدم الحاصل في المباحثات العسكرية الثنائية مع الصين، لا سيما من حيث نزع السلاح النووي، والامن البحري، والفضاء الخارجي، والوضع الشرعي للمناطق البحرية الاقتصادية الخاصة"، كما اضاف قائلا: "سيحتاج الرئيس اوباما ان يتعاون مع الصين في مواضيع اخرى متعددة مثل النهوض الاقتصادي، والتغير المناخي، والطاقة الجديدة، وكوريا الشمالية، والنشاطات الايرانية النووية، واستقرار باكستان وافغانستان. والمهم جدا ان تجري الامور بشكل صحيح".
كما ان على الادارة الاميركية، ان تأخذ بالاعتبار الخطوات اللاحقة مع الحلفاء مثل اليابان حيث الموازنة الدفاعية تتناقص منذ ست سنوات بينما النزاع على جزر "Senkaku/Diaoyutai" لا يزال قائما، واستراليا التي اقترحت زيادة في الموازنة الدفاعية للقوات البحرية والجوية بسبب تعاظم القدرات العسكرية الصينية. وبالطبع ايضا هناك قرارات يجب اتخاذها بالنسبة لمبيعات الاسلحة الاميركية الى "تايوان"، لا سيما طائرات القتال F-61 التي يحتاجها سلاح الجو التايواني، في وجه الجيل الرابع من طائرات القتال التي حصلت عليها القوات الجوية الصينية.
من ناحية اخرى ما هي الاستراتيجية التي ستتبعها الولايات المتحدة الاميركية لتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان في الصين؟ ان ادارة الرئيس اوباما أرسلت اشارات واضحة الى الصين عن اهمية الديمقراطية وحقوق الانسان. والسيدة كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية، اقترحت وهي في طريقها الى العاصمة الصينية، ان تعتدل الولايات المتحدة في كلامها عن مواضيع الحقوق الانسانية. صحيح ان النقد المجاني للصين، نادرا ما يوصل الى نتائج ملموسة. ولكن عدم الكلام، لا يوصل ايضا الى نتائج ايجابية. فان الكلام عن حقوق الانسان مع الصين، يتطلب طروحات متزنة ومدروسة، مع مواصلة الضغط على المستويين العام والخاص. لان هذا الامر ضروري جدا لنجاح التطوير والانماء في الصين، كما لنجاح وتحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام. ويبدو ان استراتيجية الرئيس اوباما في هذا الصدد، متوازنة ومدروسة وراغبة في الوصول الى نتائج معقولة.
يبقى الموضوع الحساس المتعلق بسياسة واشنطن بالنسبة للصين الام، وتايوان، والوضع الخاص للتيبت فقد اكد نائب وزير الخارجية James Steinberg في اواخر آذار 2010 "ان الولايات المتحدة ستحافظ على سياسة الصين الواحدة". واكد على هذه السياسة بالرغم من بعض الاستياء الذي أبدته الصين الام، بسبب اعلان واشنطن مؤخرا عن صفقة اسلحة الى "تايوان" واجتماع الرئيس اوباما "بالدالاي لاما" خلال شباط"فبراير 2010.
واضاف Steinberg قائلا: "من المفيد القول، ان المدة التي مضت على عهد الرئيس باراك اوباما والادارة الجديدة، شهدت علاقات بناءة بين الولايات المتحدة الاميركية والصين. ولقد عبرنا اخطار المرحلة الانتقالية، وبدأنا مرحلة واعدة ومستقرة في علاقة البلدين. وكل هذا بدأ باتصال هاتفي بين الرئيس الصيني والرئيس الاميركي في شباط"فبراير 2009، وثم اجتماعهما في لندن في نيسان"ابريل 2009، كما وذهاب الرئيس اوباما في زيارة الى الصين". واستطرد قائلا: "انني أعرف انه في الاشهر الاخيرة ظهر بعض التشكيك حول تأثير بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الطرفين بالنسبة الى تايوان والتيبت والسياسة الاقتصادية والتجارية. ولكن خلال زيارتي مؤخرا الى الصين اوضحت ان الولايات المتحدة الاميركية ترغب في الوصول الى اوضاع سليمة بين الاطراف المعنية، ولكن هذا لا يعني اننا نؤيد استقلال تايوان او التيبت، بل الى الوصول الى حل ملائم في اطار سياسة الصين الواحدة".
خاتمة
يبقى ان نشير الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما طالب الصين مجددا في اواسط نيسان"ابريل 2010، ان تعيد النظر في قيمة عملتها المتدنية عن قيمتها الحقيقية، لكنه رفض ان يحدد مهلة للصين في هذا المضمار، بالرغم من الضغوط التي يتعرض لها في الداخل. وصرح اوباما انه اثار هذا الموضوع مع الرئيس الصيني Hu Jintao على هامش مؤتمر القمة حول الامن النووي الذي جرى في واشنطن. ولكن الصين تعتبر أن المسألة من عناوين السيادة، ولا تخضع للضغط بل هي التي تقرر التوقيت الملائم. وأضاف الرئيس اوباما قائلا: "لقد كنت واضحا حول تقديري ان العملة الصينية يوان هي دون المستوى الحقيقي، وان قرار الصين الذي اتخذته قبل سنوات للبدء في التوجه نحو مقاربة تحديد السوق لقيمة العملة، كان قرارا صحيحا".
وقال الرئيس الصيني للرئيس الاميركي: "ان قيمة عملتنا ليس لها علاقة بارتفاع العجز التجاري الاميركي، ولا بزيادة نسبة العاطلين عن العمل في اميركا"، واضاف: "لكن الصين عازمة بثبات على التوجه نحو اصلاح نظام صرف العملة، على ضوء حاجات التطور الاقتصادي في الصين". وكانت الصين كما ورد سابقا قد عمدت بين 2005 و2008 على رفع قيمة ال YUAN حوالي 20 بالماية مقابل الدولار. لكن بعض الخبراء حاليا يعتقدون ان العملة الصينية ما تزال 40 بالماية اقل من قيمتها الحقيقية. ولكن بالنسبة للمسؤولين الصينيين، فإن التغيير حاصل تدريجيا آخذا بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي العالمي من جهة، والحالة الاقتصادية الصينية من جهة اخرى، اما الضغط الخارجي فلن ينفع في هذا المضمار.
والخلاصة ان الاختلافات في وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة الاميركية لا تزال موجودة بالنسبة لمختلف الاستحقاقات، لكن الحلول يبحثها الطرفان بهدوء ودون تشنج.
وحتى اشعار آخر فإن الاقتصاد الصيني ذاهب بثبات نحو مزيد من الازدهار، والتوقعات كبيرة في أن يكون القرن الحادي والعشرين هو القرن الصيني. وتبقى الامور مرهونة بتطورات العقود القادمة.
تحياتي