الحرب حاجة اسرائيلية ملحة ؟
يدور حديث متشعب اليوم عن امكانية حصول حرب او عدم حصولها، محورها اسرائيل لكن دون تحديد الجهة المقابلة ان كانت دولة او تنظيما مقاوما، لكن كلمة حرب او مواجهة تبدو حاضرة بوتيرة متصاعدة في هذه المرحلة، خصوصا وان ادارة بوش تعيش في ايامها الاخيرة حالة جنون فعلي، وواهم من يعتقد انها غير قادرة او مستعدة لاعادة خلط الاوراق وحرق المنطقة، فهي لا تبدو انها ستغادر علي هذا الواقع المهترئ لسياستها في العراق ومع ايران والمنطقة عموما، قد تكون تجري يعض الحسابات وتداعيات اي فعل ستقدم عليه، لكن بالتاكيد لا تبدو انها تحسب وفق توصيات بيكر ـ هاملتون او نتائج سياستها في السنوات الاخيرة، هي تعرف ان عدوها تتعاظم قوته وتدرك ايضا ان غالبية حلفائها العرب غير واثقين بقدرتها، وهم يسيرون في طريق معاكس لرغباتها خصوصا مع ايران تحسبا لتغييرات مفترضة ستأتي بها الادارة الامريكية الجديدة والتي من المستبعد ان تقدم في بداية عهدها علي شن حروب عسكرية جديدة خصوصا وان الاقتصاد الامريكي العنوان الابرز في سباق البيت الأبيض بحالة جمود متصاعد. وعليه لا يبدو المشهد في تل أبيب حيث حكومة اولمرت افضل حالا من واشنطن، وتدور النقاشات في البيت الصهيوني اليوم ليس من منطلق حكومة ومعارضة، بل الكل يجمع علي نقاش قومي موحد حول الخطر الداهم علي الكيان، الذي تعرض لنكسات كبري في عهد أكثر الادارات الأمريكية الداعمة لاسرائيل، فماذا سيكون الحال بعد عام، بعد رحيل الطوق الامريكي عن ما يسمي بمحور الشر المعادي للدولة العبرية، والتي تدرس بامعان توصيات فينوغراد السرية، والتي اوصت باستعادة فورية لقوة الردع الاسرائيلية بسرعة قصوي كقوة متفوقة في منطقة الشرق الأوسط، ونقطة الارتكاز بهذا السياق هي حزب الله القنبلة النووية الفعلية الاخطر من الطموح النووي الايراني حسب رأي قادة اسرائيل. وليس سرا خافيا ان واشنطن وتل ابيب تقاطعا معا في استهداف حركات المقاومة علي الارض في فلسطين ولبنان منذ عام 2004، ولعل الكشف عن تقارير امريكية تتحدث عن هذا الاستهداف بطريقة مباشرة او غير مباشرة، كما اشار تقرير الخارجية الامريكية مؤخرا عن قوة المقاومة وحلفائها بوجه فريق السلطة في لبنان، وكذلك الامر ما تحدثت عنه تقارير عن دور محمد دحلان وغيره والجهات الداعمة له في ضرب حماس، ليس الا اعترافا بالفشل في مخطط استهداف المقاومة عبر الفوضي الداخلية من اجل تعديل الخطط ليس الا، و هذا الخيار لا يزال مطروحا الان لدي البيت الابيض لكن بنسبة نجاح ضئيلة بعد تجربة العراق، وبيقي المضي نحو الحل العسكري الخيار الوحيد بهذا المخطط.
وثمة رأي لبناني واقليمي اليوم يتحدث عن استبعاد حصول حرب في المدي المنظور لاسباب عدة، اهمها عدم جهوزية اسرائيل وارتباك الولايات المتحدة، لكن ذلك ليس كافيا لصحة هذا الرأي، فمن المعلوم ان اسرائيل تستعد بقوة وجهوزية لجولة جديدة مع حزب الله بمعزل عن ما يجري في المنطقة، فهذه الحرب هي حاجة اسرائيلية وليست كحرب تموز حاجة امريكية، وعلي هذا الاساس فان الدولة العبرية تستخلص العبر الحقيقة من نتائج حرب تموز، والتي اخفاها فينوغراد في طياته عن الرأي العام ووضعها علي طاولة الامن القومي الصهيوني، وفيها حقيقة الهزيمة العسكرية للجيش الاسرائيلي والتي تحدث عنها التقرير الفرنسي الاستخباري، وكشف عنها مركز اكزسيس اوف لوغيس، ونشرها الباحث الامريكي براين هاريغ الذي حصل علي نسخة من التقرير الفرنسي الرسمي. التقرير يشير بصورة مقتضبة الي ان امريكا اخبرت اسرائيل بانها لن تكون قادرة علي مدها بالقوات البرية، وانما ستزودها بمختلف انواع السلاح والذخائر بحملتها القاصمة علي حزب الله في حرب تموز (يوليو)، ويؤكد بهذا السياق ان خسائر اسرائيل العسكرية بلغت 2300 قتيل منهم 600 توفوا في المشافي نتيجة اصاباتهم البليغة، اما عدد الجرحي ذوي الجروح البالغة والذي ظلوا علي قيد الحياة فقد بلغ 700 جريح، كما ان 65 من القتلي قتلوا بطريقة مرعبة تحت الانقاض من خلال تدمير البيوت اللبنانية التي لجأوا اليها بالصواريخ المضادة للدروع، ويظهر التقرير في هذا السياق ان حزب الله استهدف مشفي عسكريا في مدينة صفد خلال الحرب يعتقد انه تسبب في مقتل العديد من الجنود الجرحي.
كما يشير الي ان مجموع الدبابات وناقلات الجنود الاسرائيلية التي دمرت تدميرا كاملا في الحرب بلغت 65 منها 15 دبابة دمرت بالعبوات المزروعة في الارض، اما عدد الدبابات وناقلات الجند التي كانت اصاباتها بالغة 93، كما يؤكد التقرير ان 24 جنديا اسرائيليا قتلوا في استهداف البارجة ساعر وليس 4 حسب الاعتراف الاسرائيلي.
من هذا المنطلق يدرس الصهاينة امكانية مواجهة جديدة مع المقاومة، وهذا ما اشار له بشكل مبطن تقرير الاستخبارات الصهيونية السنوي، عن معقولية مرتفعة لاشتعال متجدد بمواجهة حزب الله وشدد علي ان ترجيح الحرب يرتفع بحال حصول اشتعال علي جبهة اخري مثل قطاع غزة ما يعني ان عملية الشتاء الحار كانت نقطة البداية في مخطط الحرب الجديدة علي المقاومة في لبنان والتي بدأت بالشكل الفعلي باغتيال القائد الشهيد عماد مغنية، والتي ارادت من خلاله اسرائيل ان تثبت نجاحها الاستخباري بمواجهة حزب الله وانها كانت علي علم بشخصه وموقعه في المقاومة منذ سنوات، لكن امر تصفيته كان يشكل معادلة دولية اشبه بتوازن رعب سقطت بعد حرب تموز (يوليو) واصبحت مكلفة علي الكيان العبري، وعليه فان الحرب واقعة ومستمرة ومفتوحة ايضا لكن غير حاضرة ميدانيا علي الارض، وكي تصل لهذا الواقع، يجب ان نترقب المدي الذي وصلت اليه اسرائيل بالجهوزية لفتع النار وبدء المعركة.
ربما تكون تل ابيب بحاجة ماسة للحرب لكنها ايضا تخطو بحذر كي لا تقع بكارثة مماثلة لحرب تموز (يوليو).