اياك والكلب ذو الصاحبين
مقالة ممتعة وذات مغزى
الرجاء كن صبورا واقرئها الى اخرها
انها رائعة
الوقت و المكان :- بين الصيف والشتاء من عام 2006 في البصرة بكل فخر أقول إنني أول عراقي أستمع لنصيحة وعمل بها.
وهي بنظري سابقة غريبه فالعراقي يكره النصائح ومن يطلقها ولدينا مثل يقول ((العراقي إنطحه ولا تنصحه)) أعود إلى لموضوع وجدت نفسي مرغماً على العمل بنصيحة تبرع بها صديق لي بعد أن إستمع إلى شكاوي من قلة النوم والقلق والخوف من العصابات الليلية التي عاثت في البصرة فساداً فكان كل من يمشي على قدمين هو هدف محتمل إلى هذه العصابات، من يمتلك مالاً يختطف ويقتل ومن كان لديه رأي يخالف رأي المتنفذين يقتل أيضاً، ومن كانت لديه زوجة جميلة فهو مقتول مقتول مقتول 100%.
ولقد شملتني حمى الخوف على الرغم من إني لم أكن أملك مالاً ...كل ما أملكه هو سيارة عتيقة أعمل بها كسيارة أجرة، وكان كل من يركب بها يقسم أغلظ الإيمان أن لايركب بها مرة أخرى لأنها ببساطة سيارة مصابة بمرض باركنسن لأن كل جزء منها يرتجف على حده أعان الله من ركب بها مرة.
ثم أنَّ زوجتي لا تشبة الممثلة شارون ستون لا من قريب ولا من بعيد وبعد ذلك ليس لدي رأي مخالف لأي أحد، فالآراء والحمد لله كلها متضاربه. ومع هذا كنت لا أنام في الليل خوفاً من غدر عصابات قذرة تسلحت بكل آلات القتل، وتمتطي سيارات مملوكة للدولة والدولة ليس عليها سلطان، وتباركها فتاوى مقدسة لرجال مشكوك بولائهم للوطن والدين.
أصبح سهر الليالي عندي ضرورة وعادة، أما عن كونه ضرورة فلإني لا أريد الموت بطريقة خروف العيد. وعن كونه أصبح عاده فقد كنت أسهر ليلاً وأنام نهاراً لأني والحمد لله لم يكن لدي عمل ثابت يرغمني على النهوض صباحاً.
قال صديقي المحترم: ((إقتني لك كلباً يعينك على الحراسة ليلاً وينبهك في حالة غفلتك))...
وجدت إنَّ نصيحته رائعه فعلاً تنم عن عبقرية وفهم مدروس للأوضاع الحالية نادراً مايتفوه بها أحد هذه الأيام.
وأعلنت عن رغبتي بإقتناء كلب فبادر أحدهم وأرسل لي كلباً كبيراً جميل المنظر فنظرت اليه بإحترام لأنه سيكون منقذي من سهر اليالي..
أطعمت الكلب وربت على رأسه وعنقنه ((هذا مأخوذ من كتالوج الإستعمال))، بدأ الكلب يتعود علي فإذا خرجت ركض إليَّ وهو يهز ذيله قافزاً حولي فرحاً.
لكن برزت مشكلة أخرى مع زوجتي التي لا تشبه الممثلة شارون ستون أما المشكلة في نجاسة الكلب فكانت ترغمني على الإستحمام كلما هز الكلب ذيلة قربي، ومع هذا فقد رضيت بالوضع لإنعدام الخيارات الأخرى، كما إنَّ المثل يقول ((ويرضى بالحمى من ذاق الموت))، فكان الإستحمام المتكرر أهون من السهر الدائم رغم تحفظي على مسألة نجاسة الكلب، فأنا أعتبر إنًّ الكلب رغم نجاسته هو أطهر من بعض الذين أعرفهم.
في خضم هذه الأحداث فاتني وأنا في أزمتي مع ضعف قدرتي على التركيز التي ورثَّها لي السهر المتواصل أن أسأل عن الكلب، عن أصلة ونوعه، ولماذا تخلى عنه أهله، لايهم كل هذا.
فالمهم ((أصبح عندي الآن كلباً .... فإلى النوم خذوني معكم)).
ذهب عني الخوف قليلاً لوجود الكلب المحترم، وشعرت ببعض الأمان... ولماذا لا ، والكلب أخذ على نفسه السهر على سلامتي وسلامة بيتي فكان نعم الحارس الامين، فما أن تقفز قطة الجيران في باحة بيتي حتى تنشب معركة شرسة فيها من النباح والصياح والصراخ وبعثرة محتويات صندوق القمامة، أصوات تجعل الأطفال يهبون من نومهم مذعورين، فكنت أسرع لفض الإشتباك لكن بدون جدوى فشراسة الكلب تجعلني أتراجع خوفاً منه، في بعض الأحيان كنت أفكر بالإستعانه بقوات التحالف لفض الإشتباك الدائر لكني أتراجع في اللحظة الأخيرة خوفاً أن يتهمني البعض بالعماله للمحتل، وتنهزم القطة وأبتسم أنا من كل قلبي فرحاً بإنتصار كلبي الوفي وأقول في نفسي ((والله إنه كلب إبن كلب!!!))، إذا كان الكلب مع القطة يجعلها معركة فما الذي سيفعله مع اللصوص؟؟؟ أكيد سيجعلها ((أُم المعارك)) وأشفق في سري على اللصوص وأنا أتخيل مؤاخراتهم الممزقة. وأعود للفراش وأنام قرير العين.
مر إسبوع شعرت فيه براحة النوم وعاد بدني لسابق عهده وفارقني المزاج العكر الذي صاحبني لفترة، وعدت لعملي وسيارتي الرعاشة وعاد الركاب يقسمون أن لايركبوها ثانية، وعادت علاقتي بزوجتي التي لا تشبه شارون ستون إلى طبيعتها السابقة، الحمد لله فالنوم له سحر في حياة الإنسان حتى كان في ليلة أن إستسلمت لنوم عميق وشعور الأمان يغطيني بفضل الكلب.
وفي الصباح إستيقضت على صوت زوجتي تناديني للإفطار، جلسنا نفطر سوية ....على المائدة خيرات كثيرة لكنها للأسف كلها مستوردة من البيض إلى كل منتجات الألبان، سألت نفسي هل الدجاج العراقي عاقر أم هل الأبقار العراقية تتعاطى حبوب منع الحمل؟ لماذا يغزر إنتاج المواشي والدواجن في الدول المجاورة ومواشينا يصيبها العقم؟ سؤال لم أعرف إجابته، قلت في نفسي ((لاسمح الله لو أغلقت الدول المجاورة حدودها ولم تصدر لنا المنتوجات الزراعية ماذا سيحل بنا؟)).
أكيد ثم أكيد إنها المجاعه بعينها، تعوذت من الشيطان اللعين الرجيم من هذه الأفكار السوداء ودعوت الله تعالى أن ييسر حمل دجاجنا بالبيض وأبقارنا بالعجول، وأرضنا بالزراعة الوفيرة لكي نتخلص من الذل الاقتصادي الذي يسومه لنا جيراننا بدون إستثناء... إتكلت على الله وخرجت للعمل بسيارتي الباركنسونيه، لكني صدمت بعدم وجودها أمام باب بيتي !.
وبعد الأخذ والرد والسؤال أدركت إنَّ سيارتي قد سرقت! فسجلت شكوى في مركز الشرطة، وحضر أفراد الشرطة لمعاينة مكان السرقة ،
فجأه سألني ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزلي (( يبدو إنَّ لديك كلبا ً ؟ ))
فأجبته بالإيجاب وعاد يسألني (( ألم ينبح كلبك أثناء الليل؟ )). أجبته بالنفي .
أثارت ملاحظة الضابط إنتباهي لعدم نباح الكلب على اللصوص وإستغربت من تصرف الكلب سألني الضابط ((هل تربي هذا الكلب منذ صغره؟)) فأخبرته بالقصة كلها وكيفية حصولي على هذا الكلب، أكمل رجال الشرطة إجراءاتهم ورحلوا تاركيني وحيداً مع قهري وحزني بقلب يملؤه الغضب .
مر يومان وتم إستدعائي من قبل الشرطة فلقد عثروا على سيارتي وعلى سارقها أيضاً، أتعرفون من هو؟ لقد كان شقيق الرجل الطيب الذي أهداني الكلب.
قال لي رجل حكيم (( إياك والكلب ذو الصاحبين ، أتعرف لماذا ؟ لأنك لو ربيت كلباً وهو صغير فسيكون إنتماؤه وولاؤه لك، أما إذا أخذت كلباً وهو كبير فسيكون إنتماؤه لك ولكن ولاءه لغيرك , فهو يدرك غريزياً أنه إذا إحترق بيتك أو سرق سيكون دوماً هنالك دار أخرى له )) .
لهذا ياعزيزي إنَّ كلبك الشرس لم ينبح على اللصوص لأنهم بكل بساطة.. أهله .
قصه لصاحبها
ملاحظة / إهداء لكل الساسة العراقيين الذين جاءوا مع المحتل من بلدان أخرى يحملون جنسياتها وجوازاتها .