أشرف توفيق يكتب:عن الإخوان والسلف والأقباط.. والنخبة المظلومة!
الأربعاء, 23-03-2011 - 5:40الأربعاء, 2011-03-23 17:39 | أشرف توفيق
الاستفتاء على الدستور
كنت سعيدا وأنا فى طريقى إلى صندوق الاستفتاء على التعديلات الدستورية،
كنت سعيدا وأنا أرى وأسمع هذه الحشود البشرية التى جاءت جميعها لتشارك بما
تقتنع به سواء كان اقتناعا شخصيا فكريا منظما أو اقتناعا تابعيا مشوشا..
المهم أن الجميع قد أتى.. المهم أن الجميع لأول مرة يعرف أن لصوته قيمة،
وأن الانتخابات لو خلت تماما من أى وجود لشرطة أو لجيش لسارت على خير ما
يرام، لأن شعب مصر هو من ينظمها بنفسه، حتى ولو حدثت بعض التجاوزات.
وقفت فى طابور أعلم بدايته ولا أرى منتهاه، وكذلك وقفت زوجتى فى طابور
مماثل للسيدات، استلهمتُ الصبر بمشاهدة ما يجرى.. صرخات من شخص بسيط فى
المحمول تؤكد لمن يحدثه أنه "هيعلّم ع الخضرة"، تأفُّف أحد الرجال البسطاء
من الزحام، فيضحك له جاره بودّ وهو يشير على يده علامة الصليب "معلش أصل
اخوانا جايبين كل عائلاتهم وجايين".. يبتسم له الرجل الأول ببساطة وألمح
على يده ما لم يلمحه جاره..صليب واضح، تخبرنى زوجتى بعد ذلك عن سيدة عجوز
بسيطة سألتَها أمام الورقة "هوه أنا أعلّم على إيه يابنتى؟"، منشورات توزع
على الجميع وعلى حوائط المدرسة بأن "نعم للاستقرار وللحفاظ على دينك"..
مسيحيات يتحدثن عن وجوب اختيار "لا" حتى لا يتحكم فيهن الإخوان المسلمين
الذين سيفرضون عليهن الجزية.. ليتحول الاستفتاء _إلى حد ما_ إلى المادة
الثانية للدستور فقط!
التعميم هو لب المشكلة هنا، فليس كل من
قال نعم إخوانى أو سلفى، وليس كل من قال لا قبطى، هناك من اختار نعم لأنه
يؤمن أنه دفع لعجلة الاستقرار والتنمية وعودة مؤقتة لأمان مفقود، وسرعة
متوقعة لانتخابات قادمة.. وهناك من اختار لا لأنه يؤمن أن شرعية الدستور
سقطت مع شرعية النظام الذى سقط، وكان من الواجب أن يواكب هذا الشعب الثورى
الجديد دستور جديد يعبر عن طموحاته وعن تضحياته للوصول إلى نظام يأمله.. لا
يمكن أن تلوم أحد الفصيلين المفكريْن، لأن كلا منهما يعتنق ما اعتقد، ولكن
اللوم على البعض فى الجانبين، الذى خرج مدافعا عن دينه وليس عن وطنه..
اللوم على حملة التضليل الدينى التى طغت على هذا الاستفتاء سواء من الجانب
المسلم أو الجانب المسيحى.. هذه الحملات التى استطاعت بأوهامها وتضليلها أن
تحرك أكبر كتلة فى الشعب المصرى الآن وهى كتلة البسطاء.
كان
المشهد يصب فى اتجاه الاستفتاء الدينى، فالإخوان والسلف يجتمعون للمرة
الأولى فى التاريخ رغم اختلافاتهم الدينية المعروفة، ورغم وجود كتب من كلا
الفصيلين تحذر من الفصيل الآخر وأفكاره واتّباعه.. والأقباط خرجوا أيضا على
أساس دينى بحت بناء على آراء القساوسة للذود عن دينهم وقطع الطريق أمام
الإخوان.. وصارت كلمة نعم هى المرادف للجنة ولله وللنعيم المقيم، وصارت
كلمة لا هى المرادف لرضا يسوع!
ولكن هل كل هذا ينبئ بمشكلة؟
هل يمكن للشك أن يدب فى قلوبنا من جديد على مستقبل ثورتنا؟ بالطبع لا..
الأمر طبيعى جدا ومتوقع أيضا، فمعظم من ذهب يوم الاستفتاء واختار لا وأنا
منهم كان متأكدا أن النتيجة لن تكون كما أراد، وستكون نعم هى صاحبة الفرح..
ولكن كل من هؤلاء خرج ليختار ما يقتنع به، وما يراه لمصلحة وطنه، مع
اقتناعه أيضا بأن من كتب لا هو بالمثل يختار ما يقتنع به وما يراه لمصلحة
وطنه.
الأمر سيتبدل تدريجيا، لا يمكن أن ننتظر نتيجة
ديمقراطية سليمة تماما من أول انتخابات حقيقية يقوم بها المصريون، لا يمكن
أن نغفل ظروف جماعة الإخوان السابقة من اعتقال وتشريد وتضييق وتزوير فاضح،
وماتبع هذه الظروف من تعاطف عريض من قبل الشعب المصرى بأكمله، سواء اتفق
معهم أو اختلف، لا يمكن أن ينكر أحد هذا التنظيم الدقيق لهذه الجماعة التى
حافظت عليه رغم كل ظروفها السابقة التى بدأت من لحظة تأسيسها الأولى وحتى
يوم 24 يناير 2011.. كان من الطبيعى أن تحوز الجماعة على هذا الدعم.. سواء
كان دعما فكريا منظما كما ذكرت، أو حتى قدرة على الحشد.. ولكن بدلا من أن
نستعذب اللوم على الإخوان والسلف والأقباط الذين استغلوا الدين للوصول إلى
أغراض بعيدة عن الدين، ينبغى أن نتحرك إيجابيا لنمنع تكرار هذا مستقبلا.
إن مصر كانت قبل الثورة فى مرحلة آلام الولادة مما كانت تعانيه من ظلم
وفساد واستبداد، وجاءت الثورة فولدت مصر مولودا طاهرا بريئا اسمه
الديمقراطية، لا يمكن أن ننتظر من هذا المولود أن يتحرك من تلقاء نفسه، أو
أن يعاملنا بما نشتهيه دون أن نتحرك لنثبت أننا نستحقه.. المعادلة سوف
تتغير بالتأكيد.. فالتحالف بين الإخوان والسلف سينفض قريبا عند أول مفترق
طرق، فمن المستحيل أن يتفق من يعتقد أن الديمقراطية حرام شرعا مع من يعمل
بالسياسة ويطمح لديمقراطية _من وجهة نظره_ وحرية مقننة منذ بدايته على يد
حسن البنا.. سيفترق الفصيلان قريبا، بخلاف أزمة الإخوان المستجدة وهى العمل
العلنى.. فالجماعة التى تعودت على أنها محظورة، وكسبت تأييدها وتعاطفها من
الشعب المصرى لأنها مضطهدة، سوف تخسر الكثير بعد خروجها للنور، وسيتم
التعامل معها على أنها كيان له أخطاء وله عيوب وله مصالح، والحزب الوطنى
سيتحلل إن عاجلا أو آجلا، وستنتهى نظرية "الفلول" التى أصبحت على لسان كل
متكاسل، والأقباط سيجدون أن الطوفان قادم وأن التيار الإسلامى يتصاعد بقوة،
ولن يجدوا ملجأ سوى أن يتحدوا اتحادا فكريا ودنيويا _ليس دينيا_ مع كل
طوائف الشعب المصرى الذى لا يتفق مع الإسلام السياسى، لتكوين جبهات متوازنة
على الصعيد السياسى.. لكن لابد أن يواكب كل هذا تحرك إيجابى من جموع الشعب
المصرى كله.
إن الشعب المصرى ليس هو جمهور الفيس بوك،
وهذا دليل على خطأ من يتصور أن الثورة فى مجملها ثورة فيسبوكية خالصة،
الثورة خرجت من الفيس بوك بالفعل، ولكنها صادفت هوى عند جموع الشعب فخرج
الجميع، من ذهب إلى ميدان التحرير _بعد أيامه الأولى_ وتأمل وجوه الناس
لعرف أن معظمهم لا يعرف تويتر ولا الفيس بوك، إنه أتى لينفث عن غضبه
ويستخلص حقه من براثن الطغاة، ينبغى أن نقتنع أن الفيس بوك وتويتر هو وسيلة
إعلامية شديدة الأهمية ولكنها ليست الوسيلة الأهم فى التعامل مع شعب بسيط،
تلتهم الأمية أكثر من ثلث شعبه.
وبرامج التوك شو أيضا ليست
هى الوسيلة المنشودة رغم أهميتها، فضيوفها هم النخبة الذين يروِّجون أنهم
خُدِعوا فى هذا الاستفتاء، وكأنهم ينتظرون أن يفهم الشعب البسيط تحليلاتهم
المعقدة، فمن بداية الثورة والبسطاء يشاهدون هذه الكمية المهولة من البرامج
الفكرية التى تناقش وتدقق وتحلل وتتحدث عن الحكومة الائتلافية والوزراء
التكنوقراط وهل نريدها برلمانية أم رئاسية وصلاحيات الرئيس والعلمانية
والليبرالية وغير ذلك.. يشاهدون ويقسمون أن كلام الناس دى زى الفل، ولكن كل
هذا الكلام يتبخر أمام من يقول له بالبلدى "لو قلت لا.. الطماطم سعرها
هيزيد"!
أختلف بالطبع مع من يضلل الناس بهذه الطريقة سواء
باستخدام الدين أو باستخدام الجهل بالأشياء، ولكن ليس معنى اختلافى أن أظل
أختلف وأختلف وأختلف حتى "أفرقع" من الاختلاف، وأنا لا أتحرك أساسا مكتفيا
باللطم والندب على الثورة التى راحت على أيدى الإسلاميين.. برامج التوك شو
مريدوها هم مريدو الفيس بوك وتويتر تقريبا، والتحليلات الصحفية مريدوها هم
مريدو برامج التوك شو تقريبا، أى أنك لا تتوسع فى الفئة التى تستهدفها من
خطابك، بل إنك تحاصر نفس هذه الفئة المثقفة نوعا ما بالعديد من الوسائل
الإعلامية دون أن تنتبه أنك تغفل ذلك الرجل البسيط الذى لا يهمه سوى ثبات
أو انخفاض سعر كيلو الطماطم، بل إن حصارك للفئة المثقفة ربما يفقدك بعضا
منها، نظرا لهذا التذبذب والتردد والحيرة فى الاختيار.
علينا أن نحاول التعامل مع كل طوائف الشعب، علينا تقسيم المجتمع إلى شرائح،
من شريحة النخبة وحتى شريحة الأميين الذين لا يعرفون اسم الرئيس السابق..
كلنا مصريون.. كلنا نحتاج إلى تعليم وتثقيف.. كلنا يرفض هذه اللهجة الدونية
التى نراها من البعض عن التحدث عن البسطاء.. ولذا علينا أن نغير هذه
الصورة لتنتقل الحقائق والمفاهيم بأساليب بسيطة من شريحة إلى أخرى.. لا
يمكن أن ينتقل المفهوم السياسى من هيكل أو غيره إلى بائعة الفجل البسيطة
مرة واحدة، ولكن من الممكن أن يسلم هؤلاء أمانة الفكرة إلى سين، ومن سين
إلى صاد إلى أن تصل إلى بائعة الفجل.. لندع النخبة تعمل، تفكر، تظهر فى
البرامج، وتكتب فى الصحف، ولنستلهم منهم أفكارا تصلح لعرضها للبسطاء، لنكون
جميعا مجتمعا ديمقراطيا عاقلا، وساعتها ستتغير نتيجة الانتخابات، ولن ترى
ما حدث يوم الاستفتاء.. وسترى بصدق وحدة وطنية حقيقية تقوم على اتفاق حياتى
لا على اختلاف دينى.. إن الوحدة الوطنية ليست أن يسلم البابا على شيخ
الأزهر، ولا أن أعلن فرحا أن أحب أصدقائى كان مسيحيا كما يُكتب فى الأغانى
الرخيصة،إن الوحدة الوطنية ستتحقق عندما تنتهى "انتوا" و"احنا"!
http://www.akhbarak.net/article/2402413