الجيش الأمريكي.. الأسطورة المحطمة!!كتب عبد الغني الماوري : بتاريخ 14 - 4 - 2008
قبل غزو العراق ..لم يجادل أحد أو يشكك في قوة أمريكا العسكرية، والتي كانت توصف بالقوة الفائقة التي لا يمكن لأحد مواجهتها، أما اليوم فإن هناك من يجاهر بأن هذه القوة مجرد قوة عادية. وقد عزز هذا الشعور ظهور الجيش الأمريكي بمظهر العاجز عن تحقيق انتصارات حاسمة في أماكن كثيرة من العالم، وخصوصًا العراق، وهو ما انعكس سلبًا على الجنود الأمريكيين الذين فقدوا الثقة بأنفسهم.
تغيرت أشياء كثيرة، فقد سقطت أسطورة المقاتل الأمريكي الذي لا يُهزم، والتي حاولت السينما الأمريكية التأكيد عليها لفترة طويلة. عدد القتلى في صفوف الجنود الأمريكيين الذين اعترفت بهم وزارة الدفاع الأمريكية، تجاوز الأربعة الآلاف قتيل.
الأخبار السيئة في هذا السياق كثيرة، وكلها تؤكد أن الجيش الأقوى في العالم بات يواجه مشكلة حقيقية؛ فقد كشفت مصادر عسكرية أمريكية أن حالات الانتحار بين الجنود الأمريكيين قد تكون وصلت ذروتها خلال العام الماضي، إذ يُعتقد أن هناك أكثر من 105 حالات انتحار. وحسب بيانات وزارة الدفاع (البنتاجون)، فقد سجلت السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في حالات انتحار الجنود على النحو التالي: في عام 2003، 79 حالة، وفي عام 2004، 76 حالة، وفي عام 2005 نحو 88 حالة، وفي عام 2006، 101 حالة وفقًا لتقرير بثّه موقع شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية على الإنترنت، بتاريخ 7 ديسمبر 2007.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالأمراض النفسية والصحية تشكل هاجسًا لدى قيادة الجيش الأمريكي؛ فوزارة الدفاع (البنتاجون) باتت تشعر بالقلق من الحالة النفسية للجنود العائدين من العراق، مشيرةً إلى أن أكثر من 10 آلاف جندي عادوا من العراق، طلبوا المساعدة الطبية؛ حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع بصورة طبيعية.
الكوابيس تطارد أمريكا
ويؤكد اللواء كيفين كيلي وعدد من الأطباء العسكريين في الجيش الأمريكي: أن المسح الذي أُجري على قرابة ألف جندي، كشف أنهم فريسة لأمراض نفسية تتفاوت بين القلق والاكتئاب والكوابيس ونوبات الغضب. وقد كشف قرار الجيش الأمريكي -بإخضاع الآلاف من جنوده الذين سيتوجهون إلى العراق لاختبارات عقلية خاصة، لتحديد مدى استجابة أدمغتهم لعدد من اختبارات الذكاء والذاكرة- حجم المشكلة التي تهدد معنوياته. لكن أكثر شيء يُخيف المؤسسة العسكرية الأمريكية هو هروب العديد من الجنود الأمريكيين من الخدمة، ورفض الذهاب إلى العراق للقتال.
يعتقد هؤلاء أن من الخطأ تمضية كل الوقت في الحروب التي غالبًا ما تكون بلا أخلاق أو حتى أهداف واضحة. يقول النقيب نيل هولنبك: "السبب الذي غزونا لأجله العراق في البداية والسبب الذي نقاتل من أجله اليوم مختلفان. نقاتل أعداءً مختلفين اليوم".
هناك شعور في الولايات المتحدة بأن الحرب قد تمت خسارتها؛ ففي آخر استطلاع للرأي -نشرت نتائجه صحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "سي بي إس" التلفزيونية في الرابع من أبريل الجاري- بلغت نسبة الأمريكيين المتشائمين حيال مستقبلهم مستوياتٍ قياسية؛ إذ اعتبر 81 في المائة منهم أن بلادهم تسير في الاتجاه الخطأ. وبحسب الصحيفة، فإن هذه النسبة القياسية من التشاؤم لم تسجَّل منذ مطلع التسعينيات، لكن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) ومجموعة قليلة من مساعديه يعتقدون أن الأمن لم يعد بنفس السوء الذي كان عليه قبل عدة أشهر، ونفوذ القاعدة والمليشيات الشيعية آخذٌ في الانحسار.
محاولات يائسة
تطبيع الأوضاع في العراق -حسب المسئولين الأمريكيين- يعود إلى قرار بوش المتعلق بزيادة عدد الجنود الأمريكيين، في حين أن هذا التحسن النسبي في الوضع الأمني لا علاقة له بقدرات الجيش الأمريكي التي أثبتت المعارك في العراق أنها محدودة للغاية، بل لمجالس الصحوة التي تولت مَهمة قتال "القاعدة"، وقد حققت انتصارات هامة.
الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس الذي يُنسب إليه هذا التحول، كان واضحًا في التأكيد على هذه الحقيقة؛ فقد قال في منتصف سبتمبر 2007 : "إن أهم التطورات في الأشهر الثمانية الماضية كان التحالف مع القبائل المحلية في محافظة الأنبار، وهو تكتيك انتقل إلى أماكن أخرى". لكن بحسب مجلة "نيوزويك" بتاريخ 25 مارس 2008 فإنه من الصعب تضخيم إنجازات هذا الجيل من ضباط بترايوس، إذ يُعتبر نجاحهم هشًّا جدًا، فأحدث حلفائهم -بعضهم خارجون عن القانون ومتمردون وإرهابيون سابقون- قد يخونون ثقتهم. وفي حال حدوث ذلك، فإن الجيش الأمريكي الذي أنهكته الحروب المتتالية سوف يصبح في موقع صعب، وعندئذ يمكن رؤية الهزيمة الأمريكية الكبرى بوضوح، وقد يؤدي ذلك إلى سقوط الإمبراطورية التي لا تعيش أفضل فتراتها لحسن الحظ.
المصدر: الإسلام اليوم