بقلم : واصف عريقات - فلسطين المحتلة
لا حاجة للتذكيربأن اسرائيل تعيش وتحيا وتتنفس من الحروب، لذلك فإن احتمال قيام اسرائيل بشن عدوان في أي اتجاه وفي أي لحظة قائم ويجب ان يبقى بالحسبان لاسيما وان وجودها مبني على القوة العسكرية والغطرسة وشن الحروب، فمنذ عام 1948 واحتلالها للأراضي العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص وهي تشن الإعتداءات المتتالية وترتكب جرائم الحرب بحق شعوب المنطقة كافة دون إنتظار للذرائع، وكثيرا من الأحيان تختلقها وترسمها بما يتوافق مع مصالحها ويخدم أغراضها البعيدة والقريبة.
وفي مقدمة هذه المصالح وتلك الأغراض الإسرائيلية الإبقاء على حال الإنقسام الفلسطيني والترهل العربي وهو ما يعرف ب"فرق تسد" حتى أن البعض يصنفه بالسلاح الأقوى بيد اسرائيل، وهو الناظم لأعمالها الحربية.
إذا تم الإقرار بهذه المقولة وفي سياق خطة مواجهة اسرائيل فمن باب أولى تجريدها من هذا السلاح، وحرمانها من التلاعب بمصائر العرب والفلسطينيين واستغلال التناقضات الداخلية، وهذه ليست بالمهمة الصعبة أو المستحيلة، مع اليقين أن هناك فهم سائد لدى العرب ساهمت اسرائيل بترسيخه وهو"اتفق العرب على ان لا يتفقوا".
إذن الإتفاق العربي هو العدو الأول لاسرائيل وهوالسلاح الأقوى في مواجهتها، وبالتأكيد وفي ظل الوضع العربي الراهن وما آلت اليه أمورهم لن يطلب من العرب ما هو فوق طاقتهم وأن يحاربوا اسرائيل بجيوشهم، أو يتفقوا على كل شيء، فأوجه الصراع متعددة ومتاحة، ولديهم الكثير مما يمكن فعله، لكن المطلوب في البداية أن يأخذ العرب ذات المواقف التي اتخذتها أو ستتخذها اسرائيل منهم، فمن من العرب أو المسلمين لم تستهدفه اسرائيل؟ بالأقوال أو بالأفعال، ما ظهر منها وما بطن، سواء كان الإستهداف بشكل مباشر أو غير مباشر؟ ألم يهاجم كبير حاخاماتهم عوفاديا يوسف الدين الإسلامي ويصفه ب"القبيح"، والمسلمين بالأغبياء، ألم يتحدث الحاخام اليهودي يتسحاق غينزبورغ وجمعية غال عيني عن العرب ووصفهم “بالعبيد” وأنهم على أدنى درجات السلم الثقافي في العالم؟، وغيرها من الأوصاف التي لا تليق إلا بمطلقيها، ألم تقصف الطائرات الإسرائيلية العواصم العربية وتخترق كل الحرمات وتنتهك السيادات وتفرض الأتوات؟، ويخطأ من يعتقد أنه في منأى عن دائرة الإستهداف الإسرائيلية، ولمن يشكك في ما نقول عليه أن يقرأ قرارات مؤتمراتهم وبروتوكولاتهم وما يفصح عنه قادتهم وكتابهم وباحثوهم وما يضمروه للمستقبل.
المراجعة الشاملة وإعادة الحسابات العربية والفلسطينية ضرورية، وإمكانية التوصل لإتفاق عربي اليوم لمواجهة الصلف الإسرائيلي أقرب من أي وقت مضى ولو في حده الأدنى، إذا ما أخذ بعين الإعتبار أن اسرائيل اليوم غير اسرائيل الأمس، فالوجود الاسرائيلي مشروط بالحفاظ على القوة والتفوق والإنتصار، وهذه الشروط غير متوفرة، لذلك أصبح هذا الوجود عبارة عن تكرار لمشاهد عدوانية مليئة بالرعب وعذابات البشر وما تحتويه من نزف للدماء وذرف للدموع، والتي لن تزيد شعوب المنطقة إلا صمودا على الأرض وتصميما على الإنتصار، وتراكم الحقد والكراهية ضد اسرائيل، ومضاعفة عزلتها الدولية.
ولا يعني ذلك أن اسرائيل غيرت من تطلعاتها العدوانية، أو تراجعت عن أهدافها، لكنها أجبرت على تغيير مخططاتها المرتكزة على عقيدتها العسكرية، هذه العقيدة انتهت صلاحيتها لأن خيارها الحربي أصبح أسوأ الخيارات بعد أن كان مخلصها ومنقذها، ولذلك لجأت لتصعيد لهجة التهديدات ومضاعفة الاعتداءات اليومية المتواصلة بديلا لشن الحروب الكبيرة هروبا من كلفتها، لأن جيشها غير واثق من قدراته على تلبية طموحات وأحلام رئيس هيئة أركانه غابي أشكنازي(المنتهية ولايته ويعد نفسه لمغادرة موقعه في شباط 2011 )، في شن حرب خاطفة، وعلى أرض (العدو)، تكون حاسمة واضحة في نصرها لاسرائيل وهزيمة منكرة (لأعدائها)، تقضي على التهديدات التي تشكل كوابيس لها وتستعيد من خلالها قوة ردعها وتبرهن على تفوقها، فما لم يتمكن أشكنازي من تنفيذه وهو على رأس عمله يتركه وصية لخلفه يؤاف غالانت، الذي خاض تجربة العدوان على غزة عام 2008 / 2009 واكتوى بنيران فسفورها الذي أصدر أوامره باستخدامه وكان سببا في جرح واستشهاد آلاف الأبرياء الفلسطينيين، وصفت الإعتداءات على أثرها بحسب تقرير غولدستون بجرائم الحرب، وأصبح منفذوها مجرمي حرب مطلوبون للعدالة الدولية.
غابي أشكنازي مثله مثل كل رؤساء هيئة الأركان الذين سبقوه لا يقرأؤن ولا يتابعون ما يكتبه وما ينشره الكتاب والباحثون الاسرائيليون، فهم من تحدثوا عن الهزيمة، وعن أخلاقيات جيشهم وما يرتكبه من جرائم حرب، وعن الإخفاقات الأخيرة، وعدم القدرة على تحقيق الإنتصار الذي وأد عام 1967، وعن عدم استعداد الجبهة الداخلية للصمود في حرب طويلة، وهو ما سربته الوثائق الدبلوماسية البريطانية مؤخرا، واعترفت بقلقها من امكانية استخدام اسرائيل للأسلحة النووية.
هذه الجبهة التي كلفت ميزانية اسرائيل ملايين الدولارات نصفها دفع على الاستعراضات والمناورات وظهر عجزها عند أول اختبار حقيقي في حرائق الكرمل، وهو نفس المصير الذي ستواجهه منظومة الردع الصاروخي في ما يسمى بالقبة الحديدية مهما حاولوا التعديل عليها.
هذا التراجع الإسرائيلي في الأداء العسكري، يقابله تراجع أكبر في أداء المؤسسات الأمنية والاستخبارية حيث سجلت هي الأخرى عديدا من الإخفاقات ومن الأمثلة عليها( كشف شبكات التجسس، فضيحة دبي واغتيال المبحوح، عدم القدرة على معرفة مكان شاليط).
وفي المجال السياسي يظهر بوضوح عجز القيادة الإسرائيلية في التخفيف من عزلتها الدولية، بل وزادت عليها عند رفضها الاستمرار في المفاوضات وأجبرت الإدارة الأمريكية على الإعتراف بفشل مساعيها وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبه. كما أدت سياساتها الى تغيير في نظرة العالم لها وفقدانها بعض أصدقاؤها وحرج حلفاؤها من الدفاع عن ممارساتها العدوانية وخرقها لكل القوانين والأعراف الدولية.
التراجع الإسرائيلي بحاجة الى تقدم عربي نافضا عن نفسه غبار الهلع والريبة من قوة اسرائيل مستلهما من استنفاذه للجهود الدبلوماسية كافة وفشل كل المحاولات في اقناعها بولوج العملية السلمية، وهذه قناعة كثيرون في العالم والمجتمع الإسرائيلي نفسه وفي مقدمتهم تسيبي ليفني رئيسة حزب كاديما.
الإتفاق العربي ضرورة وطنية وقومية، وفيه مصلحة لكل العرب، وفيه قوتهم وعزتهم وكرامتهم، والعالم لا يحترم إلا الأقوياء، وإن لم يفعلوا قبل فوات الأوان فنموذج السودان البعيد عن اسرائيل آلاف الأميال ماثل في الأذهان!.