بقلم : واصف عريقات
في الحروب العربية الإسرائيلية السابقة كانت القيادة الإسرائيلية مدعومة بلا حدود من الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص مما منحها التفوق في ميزان القوى وهيأ لها فرص وإمكانيات التفرد بقرار شن اعتداءاتها والمبادأة فيها واعتماد عاملي الخدعة والتضليل وتحقيق عنصر المفاجأة بدءا من معركة القسطل التي سربت معلوماتها بأنها ستكون في أيار 1948 وبدأتها في 2 نيسان 1948، وفي حرب 1967 التي استبعدها موشيه دايان خلال مؤتمر صحافي عقد خصيصا للتمويه والتضليل عليها ، وفي عام 1982 نشرت معلومات عن نيتها التقدم 40 كم اي حتى الزهراني جنوبي لبنان ثم تجاوزتها ووصلت مشارف العاصمة بيروت وبعد خروج قوات م.ت.ف منها اقتحمتها واحتلتها، وذات الأساليب استخدمتها اسرائيل في حروبها الأخيرة في جنوب لبنان 2006، وقطاع غزة 2008 ، 2009 .
لذلك فان احتمال قيام اسرائيل بشن عدوان يجب ان يبقى بالحسبان لاسيما وان وجودها مبني على القوة العسكرية والغطرسة والإحتلال.
وبعيدا عن تفاصيل هذه الحروب وتلك الإعتداءات ونتائجها وما حملته من إخفاقات إلا أن الجيش الإسرائيلي خرج اليها وهو يشعر بالثقة والطمأنينة نظرا لدعمه الخارجي وتفوقه في العدد والعدة مما وفر له القدرة على التحكم بمجرياتها وتعديل خططها والتكيف مع مستجداتها، لكن العدوانين الأخيرين على جنوب لبنان وقطاع غزة وجرائم الحرب خلالها التي تضاعفت قياسا على جرائمهم السابقة، والإخفاقات التي سجلت، غيرتا قواعد اللعبة العسكرية لدرجة أن الجيش الإسرائيلي ومنذ انتهاء هذين العدوانين شكل لجان تحقيق حددت نقاط الضعف والإخفاقات، ورفعت التوصيات وعلى أثرها قام الجيش الإسرائيلي بسلسلة من الدورات والتدريبات أتبعها بالمناورات لكنها بقيت في مجال اختبار الجندي الاسرائيلي مع نفسه ومع سلاحه وليس مع خصمه وعدوه وسماها نقاط تحول بلغت الرقم 4 والخامسة على الطريق.
تدرك بعض القيادات الإسرائلية خاصة ذات المنشأ العسكري أن نقطة التحول الحقيقية ورغم بقاء الخلل في ميزان القوى لصالح اسرائيل إلا أنها تتمثل في تراجع كفاءة الجندي الإسرائيلي القتالية واعتماده الكلي على الألة وقوة التدمير التي جلبت له الخزي والعار ووسمت عدوانه بجرائم الحرب والمجازر الدموية أصبح على أثرها مطلوبا للعدالة وللمحاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية، وتردت معنوياته وزادت خشيته من المواجهة الميدانية وتضاعفت حالات الإنتحار عنده بلغت منذ بداية العام حتى الآن 19 احداها عقيد في الاستخبارات وهي مرشحة للإزدياد، فحددت حركة قياداته وقللت من سفرهم للخارج، وتحول الجندي الاسرائيلي الميداني الى شرطي لا يصلح إلا للحواجز يمارس فيها كل مركبات النقص عنده على الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والمتضامنين والمتظاهرين من قمع وقتل وتننكيل.
وللتغطية على عامل التحول هذا تكثرالقيادات الاسرائيلية من التهديدات بالإعتداءات والإجتياحات ونشر الصور وتعليم البيوت وتحديد الأهداف، وهي في الحقيقة أمنية عندهم ولديهم كامل الرغبة بتحقيقها، لكن الرغبة شيء والقدرة على تنفيذها شيء آخر، لذلك تلجأ اسرائيل لشن الحرب النفسية والدعائية.
فالقدرة على التنفيذ لها شروط ذاتية والتي سبق ذكرها وأهمها ترميم ثقة الجندي بنفسه ميدانيا والتي اختلت، كما اهتزت هذه الثقه عند الشعب والحلفاء والداعمين ومنهم الأمريكيين، ثم شرط استعادة ما فقد من هيبة سلاحه وآلته التي امتهنت ولم يعد يشعر أنها ملاذه الآمن، وشروط موضوعية من الصعب تحقيقها، وفي مقدمتها الدعم الأمريكي والغربي، فالولايات المتحدة غاطسة في مستنقعات العراق وأفغانستان والباكستان وهي بحاجة الى دعم وانقاذ وهي أكبر مثال وبرهان يزيد من خشية الكيان، والغرب يصعب عليه اقناع شعوبه بعد الإجماع الدولي على تجريم الاسرائيليين وملاحقتهم كمجرمي حرب قبول فكرة دعمهم واسنادهم.
ومن شروط الحرب الأخرى إجابة القيادة الإسرائيلية على الأسئلة الصعبة: ماذا عن اليوم التالي للحرب وشن العدوان.؟ من سيحمي الجبهة الداخلية ويمنع انهمار الصواريخ والقذائف عليها؟، من يحد من الإخفاقات ويقلل الإصابات بالمئات والآلاف التي لم يعتادوا عليها؟، من يضمن النصر.؟ ومن سيدفع الثمن ويتحمل الخسائر.؟ من سيفك العقد ويخلص من الورطة؟.
هذه الشروط وتلك الأسئلة كانت موجودة في السابق والإجابات أيضا كانت متوفرة لذلك كان قرار الحرب وشن العدوان سهلا، أما اليوم فإن القيادة الإسرائيلية تواجه امتحانا صعبا، ربما يؤدي بها الحال الى ارتكاب حماقة ومغامرة عسكرية، لكن عليها أن تتذكر بأنها ليست في الإمتحان لوحدها، فمعها جيشها أيضا وقياداته، فخروجه لشن عدوان هذه المرة سيكون مختلفا عن السابق وسيكون تحت الإمتحان والإختبار أيضا، وبحسب تصريحات قياداتهم وتقاريرهم الإستخبارية فإن المقابل لهم أعد نفسه ليوم المواجهة معهم، وفي اوساطهم ايضا يتحدثون عن قدرة جيشهم على شن العدوان لكنهم لا يثقون بقدرته على تجنب الإخفاقات، لذلك يمكن القول بأن الجيش الإسرائيلي لم يعد جيش الانتصارات، ولا العرب والمسلمون هم أهل الهزائم. ونرجو منكم التعليق