بقلم ريستو ايسوماكي*/وكالة انتر بريس سيرفس
هلسنكي, أغسطس (آي بي إس) - قررت الولايات المتحدة، بعد عقود طويلة من البحث والتمحيص، التخلي عن خطتها لتخزين الوقود النووي المستهلك في جبل يوكا (في نيفادا، علي بعد 160 كيلومترا من مدنية لاس فيغاس). ومع ذلك، فتواصل فنلندا والسويد برامجهما لدفن الوقود النووي المستعمل في أعماق الصخور داخل إسطوانات من الحديد والنحاس.
فبالفعل، تتولي الشركة الفنلندية بوزيفا (Posiva) حاليا بناء شبكة واسعة من الكهوف الصخرية بالقرب من مجمع الطاقة النووية "أولكيليوتو". وتؤمن الشركة بأن نظام الكهوف هذا المسمي "أونكالو"،-ومعناه "كهف عميق" باللغة الفنلندية،- قادر علي تخزين الوقود النووي بأمان لأكثر من 100،000 سنة.
والمعروف أن الوقود النووي، لدي جمعه من المفاعل وإيداعه داخل بركة التبريد، دائما ما يكون حارا للغاية بل وأعلي إشعاعا من اليورانيوم الطبيعي بنحو مليار مرة.
ومع ذلك، فينخفض معدل الإشعاعات التي تبعث من الوقود النووي المستهلك بمرور الوقت مقارنة باليوارنيوم الطبيعي. فبعد 100سنة يبلغ 100،000 مرة، وبعد ألف سنة 5,000 مرة، وبعد 10,000سنة حوالي 1,500 مرة. وبعد 100,000سنة يصبح مجرد 200 مرة أكثر إشعاعا من اليورانيوم الطبيعي.
عند هذا المعدل الأخير، أي بعد مرور 100,000سنة، يبث مخزن للوقود النووي المستهلك من طراز "أوناكالو" كميه من الاضمحلال الذري أقل من تلك التي تبعثها المواد المشعة الموجودة طبيعيا في القشرة الأرضية.
لكن هناك جانب آخر بل ومشكلة أكثر خطورة تجاهلتها سلطات المراقبة النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية والشركات النووية. فمن بين الشوائب المشعة الموجودة في كل طن من الوقود النووي المستنفذ، هناك أيضا 20-30 كيلوغراما من البلوتونيوم. ويمكن فصل البلوتونيوم من اليورانيوم بطرق كيميائية وبالأساليب التي تم تطويرها بالفعل في القرن التاسع عشر.
ومن الجدير بالذكر أن أي دولة يتوفر لديها وقود نووي مستخدم يمكنها صنع قنبلة نووية بمجرد حل قضبان الوقود النووي في حمض قوي واستخراج البلوتونيوم منها.
ثمة طريقة أخرى لصنع قنبلة نووية وهي تخصيب النظائر الإنشطارية المشعة 235 داخل وقود اليورانيوم. هذه الطريقة تعتبر أكثر تعقيدا بكثير نظرا لعدم إمكان فصل النظائر المختلفة بالوسائل الكيميائية.
فعندما جرّب علماء هتلر هذه الطريقة خلال الحرب العالمية الثانية، كل ما إستطاعوا تحقيقه هو تخصيب محتوي اليورانيوم 235 من 0.7 في المئة الى 1.5 في المئة في الغرام الواحد من غاز اليورانيوم سادس فلوريد، علما بأن صنع سلاح نووي صغير يتطلب 400 كيلوغراما بمحتويات يورانيوم 235 بنسبة 20 في المئة. أما بالبولتونيوم، لأمكن تحقيق هذا الغاية في غضون بضعة أشهر إن لم يكن أسابيع.
هذا وتخطط فنلندا الآن لدفن 11،000طنا من الوقود النووي المستخدم -ما يكفي لعشرات الآلاف من القنابل التي أطلقت علي ناغازاكي- في "نظام الكهف" يعرف الجميع موقعه الدقيق.
لكن الواقع هو أن البلوتونيوم الموجود في الوقود المستهلك يصبح أكثر خطرا بمرور الوقت. فلدي دفن الوقود النووي المستهلك، عادة ما يحتوي على 65-70 في المئة من نظير 239 وهي النسبة المثالية لصنع اسلحة نووية، بل ويمكن إستخدام هذا النوع من بلوتونيوم المفاعل لصنع قنبلة نووية.
أما البلوتونيوم الأخرى، مثل 238، 240 و241، فهي تحتوي علي عدد من التعقيدات. ومع ذلك، فهي أقصر عمرا بنسبة النصف مقارنة بالبلوتونيوم 239.
هذا يعني أن البلوتونيوم الموجود في الوقود المستهلك يتخصب طبيعيا، فيتحول أولا إلى ما يسمى البلوتونيوم من الدرجة العالية للغاية، ثم في النهاية إلى ما يقرب من البلوتونيوم النقي 239 الذي يمكن إستخدام كمية ضئيلة منه لإطلاق المرحلة الأولي من صنع سلاح نووي ضخم حقا.
وهذا يعني أيضا أن حكام من طراز جميع هتلر وستالين وجنكيز خان سوف يبحثون في المستقبل وبلهفة شديدة عن مخازن الوقود النووي المستنفذ، وذلك بالإستعانة بعلماء الجيولوجيا والأنثروبولوجيا والمؤرخين وغيرهم.
فإذا نجح حاكم من طراز هتلر في العثور على كنز الوقود النووي المستخدم في مخزن من نوع "أونكالو" بعد 10،000 أو 100،000 سنة، لتمكن من إنتاج ترسانات نووية جبارة. بل ولربما ضمن مثل هذا الحاكم الهيمنة على العالم كله. فهل هذا هو الإرث الذي نريده للأجيال القادمة؟ *