عام 1979 خسرت اسرائيل ايران، فهل بدأت عملية خسارتها تركيا؟ فبوتيرة متسارعة تتدهور العلاقات التركية - الاسرائيلية في مقابل اندفاع انقرة نحو توطيد علاقاتها بسوريا والعراق وايران والقضية الفلسطينية. والملاحظ ان العودة التركية الواسعة الى المنطقة أتت عبر البوابة الفلسطينية وتحديداً من غزة، ذلك ان إلغاء المشاركة الاسرائيلية في مناورات "نسر الاناضول" الجوية كان سببه المعلن الحرب الاسرائيلية على القطاع.
لكن اللافت ايضاً الاتفاق على الغاء تأشيرات الدخول بين سوريا وتركيا ومن ثم المناورات العسكرية التي أجرتها القوات التركية والقوات السورية في الربيع وتلك التي ينوي الجانبان اجراءها مستقبلاً، لينشأ للمرة الاولى تشابك في المصالح السياسية والعسكرية بين دمشق وأنقرة. وهذا امر لم يكن متصوراً قبل اعوام.
وحتى مع العراق تندفع تركيا متجاوزة الشمال الكردي لتنسج علاقات متينة مع بغداد في إطار سياسة سمّاها وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو سياسة "ايقاظ حوض الرافدين". ولا تستثني أنقرة طهران من اندفاعها نحو اقامة علاقات استراتيجية مع دول الجوار، ويسجّل في هذا المجال ان انقرة كانت الاقل انتقاداً للبرنامج النووي الايراني.
إذاً تنفتح منطقة الشرق الاوسط اليوم على وعي جديد في المصالح، وتتجه نحو تكتل يضم تركيا وسوريا وايران والعراق، ليكون ركيزة النظام الاقليمي الذي سينشأ على انقاض الانسحاب الاميركي العسكري من العراق.
والدور التركي الرائد في هذا النظام هو ما استوجب الابتعاد عن اسرائيل والتوجه في الاساس نحو حوض الرافدين وايران. ولا يمكن اغفال الكثير من العوامل التي دفعت تركيا أخيراً الى اعتماد مثل هذا التوجه. وفي مقدم هذه العوامل تراجع الامال باحتمال افساح المجال امام انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي في ضوء الرفضين الالماني والفرنسي.
وبإزاء هذا الواقع، كان على تركيا ان تبحث عن مصالحها في الشرق وفي القوقاز فتمضي في "التطبيع" مع ارمينيا وتتجاوز العقبات التاريخية التي كانت تحول دون هذه الخطوة. كما ان الوجود التركي في آسيا الوسطى بارز وينافس الدورين الروسي والايراني في هذه المنطقة.
كل هذه العوامل تضافرت كي تخفض منزلة اسرائيل في سلّم الاولويات التركي. وقد ساهمت الممارسات الاسرائيلية منذ الحرب على لبنان في صيف 2006 والحرب على غزة في بلورة سياسة تركية تنأى بنفسها عن الدولة العبرية.
ولأن المسؤولين الاسرائيليين يدركون أهمية تركيا بالنسبة اليهم والحاجة الاستراتيجية لأنقرة بصفتها دولة اقليمية كبرى، فإن تل ابيب تتريث في اتخاذ مواقف من شأنها تأزيم العلاقات أكثر بين الجانبين. وقد اتسم رد الفعل الاسرائيلي الرسمي حتى الآن على الغاء المشاركة الاسرائيلية في مناورات "نسر الاناضول" بالتحفظ وعدم إثارة حفيظة الاتراك اكثر. لكن مسلسل "الفراق"، الذي يبثه التلفزيون التركي عن حرب غزة، جعل الاسرائيليين يتخلون عن تحفظهم.
لكن اسرائيل تدرك مدى التغييرات التي تقبل عليها المنطقة، وهي لن تكون راضية كثيراً عن تعميق العلاقات العسكرية والاستراتيجية بين انقرة ودمشق، او بين انقرة وكل من بغداد وطهران. فتل ابيب في حال حرب مع سوريا، كما انها تستعد للتعامل عسكرياً مع البرنامج النووي الايراني في حال فشلت العقوبات الدولية في وقف هذا البرنامج.
لذلك فإن توطيد العلاقات التركية مع كل من سوريا وايران هو محل ريبة في اسرائيل، ليس فقط بسبب ابتعاد انقرة عن تل ابيب وإنما ايضاً بسبب تعميقه عزلة اسرائيل في المنطقة لا سيما بعدما كانت تركيا المتنفّس الوحيد لها منذ سقوط نظام الشاه في ايران عام 1979.
وهذا ما يقود الى ترسيخ الاعتقاد باستحالة اندماج اسرائيل في محيطها بسبب رفضها السلام ورفضها الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة وعدم اقتناعها بعد بدولة فلسطينية مستقلة.
صور متحركهـ من مسلسل صرخة حجــــــــر