المبحث الخامس
[center]التمهيد لحرب أكتوبر 1973
استكمال البناء ـ أعمال التطوير التي تمت قبل المعركة يقول هرتزوج، عن حائط الصواريخ: إن نظام الدفاع الجوي المصري، الذي أقيم بالجبهة، عام 1970، لم يكن رداً مباشراً على المشاكل، التي تواجه المصريين؛ لحماية قواتهم غرب القناة، وإنما كان تعبيراً عن تطور إستراتيجي، لم يتم فهمه، إلا بعد ثلاث سنوات، عندما بدأ الهجوم المصري، في 6 أكتوبر 1973. [/center]
وبالرغم من مرارة الهزيمة، في يونيه 1967، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق الهدف النهائي للحرب. فلقد أثبتت دراسة الصراعات المسلحة، على مر التاريخ، أن الهدف النهائي لأي حرب، لا يتم تحقيقه إلا من خلال تحطيم القوة العسكرية للخصم، مع تحطيم إرادته على المقاومة؛ لإجباره على الاستسلام. وإن كانت إسرائيل، خلال هذه الجولة، قد نجحت في تحطيم أسلحة ومعدات القوات المسلحة المصرية، فإنها لم تنجح في تحطيم إرادتها.
فقد أثبت الشعب المصري، وفي طليعته القوات المسلحة، قدرته على تحدي الهزيمة، عندما بدأت مرحلة الصمود، عقب انتهاء الحرب مباشرة، حيث أظهرت هذه الفترة مدى تماسك إرادة القوات المسلحة، من خلال أعمال قتالها الناجحة، في رأس العش، والمعارك التي دارت، في عمق سيناء، وتدمير المدمرة إيلات.
إن إعداد القوات المسلحة لخوض الجولة الرابعة، من تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في الفترة بين 1967-1973، قد مر بأربع مراحل رئيسية، هي:
1. مرحلة الصمود، من أول يوليه 1967، حتى أغسطس 1968.
2. مرحلة الردع، من سبتمبر 1968، حتى أول مارس 1969.
3. مرحلة الاستنزاف، من مارس 1969، حتى أغسطس 1970.
4. مرحلة وقف إطلاق النار، من أغسطس 1970، حتى حرب أكتوبر 1973.
شهدت مرحلة صمود القوات المسلحة، مولد مرحلة جديدة في تاريخ تطور الدفاع الجوي المصري، وأدت خبرة قتال حرب يونيه 1967، وأعمال القتال، التي دارت بعدها مباشرة، إلى إدراك أهمية دور القوات الجوية الإسرائيلية، في تحقيق إستراتيجية إسرائيل العسكرية.
وكان لازماً، عند إعادة بناء القوات المسلحة، أن يكون لديها القوة والوسيلة، التي تمكنها من مواجهة القوات الإسرائيلية وتقليص دور هذه القوات، فكان القرار، بإنشاء قوات الدفاع الجوي، قوة مستقلة وفرعاً رئيسياً من أفرع القوات المسلحة، قد شكل، بصدوره، منعطفاً هاماً وحاسماً في تاريخ تطور الدفاع الجوي، تمثل في تحوله إلى قوة منظمة لأول مرة في تاريخه منذ نشأته.
لقد شكلت الانتصارات، التي حققتها قوات الدفاع الجوي، في مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، خلال حرب الاستنزاف، نقطة البداية على طريق الإعداد للجولة الرابعة.، وابتداء، من اليوم التالي لوقف إطلاق النار، بدأت قيادة الدفاع الجوي في الإعداد والتحضير لها، بإعداد القادة وهيئات القيادة والقوات، من خلال المشروعات التدريبية المختلفة، والتطوير المستمر لأساليب القتال وتجهيز مسرح العمليات.
1. اتخاذ القرار باستخدام القوة العسكرية
ومع نهاية عام 1972، ونتيجة لاستنفاد القيادة السياسية، في مصر، كل الوسائل لتحريك القضية سلمياً، تم اتخاذ القرار السياسي، باستخدام القوة العسكرية، بغرض تغيير موازين الموقف السياسي العسكري، في الشرق الأوسط، وتهيئة الظروف المناسبة، لاستخدام باقي قوى الدولة الأخرى.
وتحددت المهمة للقوات المسلحة المصرية، بشن عملية هجومية إستراتيجية، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية، تقوم فيها بالاقتحام المدبر لقناة السويس، وتدمير خط بارليف، والاستيلاء على رؤوس كبارٍ، بعمق من 10-15 كم شرق القناة، مع الاستعداد لتنفيذ أي مهام قتالية أخرى تُكلف بها.
2. تحديد المهمة لقوات الدفاع الجوي
وبصدور توجيهات القائد العام للقوات المسلحة، وتحديد المهمة لقوات الدفاع الجوي، بدأت قيادة قوات الدفاع الجوي، في التخطيط لتنفيذها، واضعة، نصب أعينها، العديد من الاعتبارات، كان أهمها:
أ. أهمية الدور الواقع على عاتق قوات الدفاع الجوي في إطار العملية.
ب. ضرورة المتابعة المستمرة لتطور القوات الجوية الإسرائيلية، وفكرة استخدامها المنتظرة في العملية.
ج. طبيعة مهام الأفرع الرئيسية الأخرى، والتشكيلات التعبوية البرية في إطار العملية.
د. طبيعة مسرح العمليات، وتأثيره على أعمال القتال.
وعلى الرغم من متاعب وخسائر حرب الاستنزاف، فإنها كانت عملاً قومياً وعسكرياً ضرورياً في شتى المجالات، وقد أفرزت خبرات واسعة في مجال التنظيم، والتسليح، ومتطلبات الدفاع الصلب، في مجال الدفاع الجوي، حيث برزت الأهمية الأساسية للأسلحة الصاروخية، التي حققت أروع النتائج، وكذلك أعمال المساندة الإلكترونية الفعالة، وكذلك أسلوب تنظيم التعاون بين عناصر الدفاع الجوي الأرضي، ومقاتلات القوات الجوية، والتي يمكن أن نوجزها في الآتي:
أولاً: الأعمال الإلكترونية على الجانبين
أتاحت حرب الاستنزاف، لقوات الدفاع الجوي، فرصاً كبيرة في مجال التدريب الواقعي، في ميدان القتال، والوقوف على نقاط القوة والضعف، في السلاح الجوي الإسرائيلي، ومكنت القادة، على كل المستويات، من الاحتكاك المباشر، مع الفكر العسكري الإسرائيلي.
وأدى هذا إلى دراسات، وتحليلات ميدانية، وأكاديمية، مكنت قوات الدفاع الجوي، من التوصل إلى كثير من الحلول العملية للصعوبات، التي واجهتها، وأهمها التصدي للهجمات الكثيفة على الارتفاعات المنخفضة، وتحت ستر الإعاقة الإلكترونية، بأنواعها المختلفة، وقد استخدم الجانبان الكثير من الأعمال الإلكترونية والأعمال الإلكترونية المضادة.
1. الأعمال الإلكترونية على الجانب الإسرائيلي
كانت هذه الحرب حقلاً لتجارب، واختبار معدات الإعاقة الإلكترونية، حيث دفعت الشركات الأمريكية المنتجة لتلك المعدات، بالكثير من خبرائها وعلمائها لاختبارها وتطويرها، وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية، مساهمة فعالة، وألقت بكل ثقلها، لدعم إسرائيل في هذا المجال، واستغلت ظروف الحرب لاختبار وتقويم الكفاءة الفعلية لهذه المعدات، ومعرفة نتائج استخدامها، وتأثيرها على أجهزة الرادار، ومحطات توجيه الصواريخ سام -2، سام-3.
كما قامت طائرات من سلاح الجو الأمريكي، بنقل هذه المستودعات الإلكترونية، من خط الإنتاج المباشر بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى إسرائيل، مباشرة، وكذا العلماء؛ لكي يكونوا على مقربة من حقل تجارب تلك المعدات. ويمكن القول إن إسرائيل قد استخدمت معظم وسائل الحرب الإلكترونية، المتاحة في ذلك الوقت، وهي:
أ. الاستطلاع الموجي أو الإشاري Signal Intelligence: SIGINT
ويهدف هذا النوع من الاستطلاع، إلى توفير معلومات فنية، عن أجهزة الرادار واللاسلكي، لتحديد تردداتها، وقدرة الإرسال، وشكل الشعاع، وتحليل هذه المعلومات؛ لتحديد أنسب الوسائل المضادة للتعامل معها، وشل فاعليتها، وقد استخدمت إسرائيل الأنواع الآتية:
(1) الاستطلاع الإلكتروني Electronic Intelligence: ELINT، من مستودعات محمولة على طائرات.
(2) الاستطلاع اللاسلكي Communication Intelligence.
ب. الإعاقة الإلكترونية المساندة Support Jamming
وهي أنظمة تركب في طائرات القتال، بغرض حماية أكثر من طائرة "تشكيل جوي"، في أثناء تنفيذ الهجمات الجوية، وقد استخدمها السلاح الجوي الإسرائيلي، بعدة أساليب، أهمها الإعاقة من بعد Stand Off Jamming، وفيها تكون طائرات الدعم مصاحبة للتشكيل المهاجم، حتى خارج مناطق عمل وسائل الدفاع الجوي.
وتحمل هذه المستودعات، على الطائرات F-4، وتحتوي بعض هذه المستودعات، على نظم فرعية، لإعاقة الاتصالات والخداع الراداري، ومستقبلات، لتحديد مصادر التهديد وخصائصها، وحاسب متصل بالنظام الملاحي، لتسهيل تمييز الأهداف، وتحديد الأسلوب المناسب لكل هدف، وقد قام السلاح الجوي الإسرائيلي باستخدام الإعاقة، بأنواعها الآتية:
(1) الإعاقة الإيجابية Active Jamming
ويمكن أن تكون:
(أ) إعاقة ضوضائية.
(ب) إعاقة خداعية أو إعاقة نبضية.
(2) الإعاقة السلبية Passive Jamming.
(3) نظام الحماية الذاتية Self Protection.
وتمتلك إسرائيل جهاز الإنذار والتحذير، من نوع سام سونج Sam Song، ويركب في الطائرات الفانتوم وسكاي هوك، لتأمينها، وقد استخدم هذا النظام في حرب الاستنزاف، وكان يعتمد على نظام لإنذار الطيار، فعند التقاط الطائرة، بجهاز رادار، إنذاراً، تضيء لمبة إرشاد، وكذا، عند التقاطه بمحطة رادار توجيه صواريخ سام 2 أو سام 3، وعند الإطلاق، وأثناء توجيه الصواريخ عليه، مما يساعد الطيار على المناورة الحادة؛ للخروج من منطقة التدمير، أو الإفلات من الصواريخ، كما يضم النظام مستودعات للإعاقة الإيجابية، وأسلحة الخمد "وايلدويزل" WILD WEASEL، بالإضافة لمستودعات الإعاقة السلبية.
(4) الصواريخ المضادة للإشعاع الراداري Anti Radar Missile: ARM
وتعتبر من الأسلحة المتقدمة، تكنولوجياً، وتسمى كذلك الصواريخ راكبة الشعاع، حيث يقوم الطيار بالتقاط شعاع الرادار الأرضي، عن طريق الباحث الموجود بالصاروخ، وبعد التعرف على الهدف، يتم إطلاق الصاروخ، الذي يتخذ مساراً داخل شعاع الرادار، ويستمر في الطيران، على امتداد محور الشعاع، حتى يصل إلى جهاز الرادار، أو الهوائيات، ويدمرها.
وقد استخدم هذا الصاروخ، في حرب الاستنزاف، ضد كتائب الصواريخ، وكان من نوع شرايك أمريكي الصنع، وتم استخدامه في حرب فيتنام، وحصلت عليه إسرائيل من أمريكا، وحدث به الكثير من التطوير، فتم تزويده بدائرة ذاكرة، تمكنه من الاستمرار في التوجيه بآخر معلومات ملتقطة، إذا ما قام جهاز الرادار بإيقاف الإرسال.
ويواجه الطيار صعوبات، في استخدام هذا النوع من الصواريخ، خاصة في المناطق، التي تتركز بها وسائل الدفاع الجوي، وهذا ما حدث في جبهة القناة، حيث يعتمد طول المدى للصاروخ على ارتفاع الإطلاق، فكلما زاد الارتفاع، زاد مدى الصاروخ، وقد يضطر الطيار زيادة ارتفاعه، حتى يتمكن من الاشتباك، من خارج مناطق عمل الصواريخ، خاصة أجناب التشكيل، أو مواقع الصواريخ غير المحمية، وهذا يتعارض مع مبادئ الاستخدام للطائرات الإسرائيلية، التي تعودت على الطيران المنخفض.
(5) الطائرات الموجهة من دون طيار
استخدم الجانب الإسرائيلي الطائرات الموجهة، من دون طيار RPV's، للعمل على الجبهة المصرية والسورية، في أغراض الاستطلاع والتصوير، وذلك من خلال طيرانها، خارج مناطق عمل وسائل الدفاع الجوي، إلا أنه لم يستخدمها في أغراض هجومية، وقد أسقطت وسائل الدفاع الجوي عدداً من هذه الطائرات، من نوعي رايان فايربي، شيكار RIAN FIRE-B & SHIKAR .
2. الأعمال الإلكترونية على الجانب المصري
لم يكن لدى الجانب المصري، تصور يذكر، عن الحرب الإلكترونية في حرب 1967، وفوجئ الجميع بأعمال الإعاقة الرادارية واللاسلكية، التي استخدمها الجانب الإسرائيلي، وبدأ التفكير، بجدية، في حل هذه المشكلة الكبرى، التي يمكن أن تكون حجر عثرة، أمام تنفيذ مهام وسائل الدفاع الجوي.
وكانت المطالب في البداية هي:
أ. توفير أجهزة استطلاع إلكترونية، تركب على طائرات مروحية.
ب. دراسة موضوع التشويش على أجهزة رادار الإنذار، ومحطات رادار توجيه الصواريخ.
ج. إيجاد حل لمشكلة التعارف IFF، بين الأجهزة الأرضية والطائرات، وبين الطائرات بعضها مع بعض، وذلك بتوحيد نظام التعارف. وقد قدمت هذه المطالب إلى الاتحاد السوفيتي، ووافق عليها، وكان ذلك، في نهاية عام 1969.
وقد بدأ الاهتمام بإيجاد الحلول، واستنباط الأساليب التكتيكية، لمجابهة الأعمال الإلكترونية من جانب العدو، كالآتي:
أ. إتباع الإجراءات الوقائية، مثل: تقييد الإشِعاع الراداري لحرمان العدو من استطلاع ترددات أجهزة الرادار.
ب. تنظيم العمل على الترددات الاحتياطية، والاحتفاظ بجزء من الترددات، لأغراض العمليات.
ج. تدريب عمال الرادار، على ضبط الشاشات، حتى يمكنهم اكتشاف الأهداف، وسط التداخل الإيجابي والسلبي.
د. تدريب عمال التتبع بكتائب الصواريخ، على قوة الملاحظة، والمتابعة لشاشات المبينات، خاصة أجهزة الرادار، واكتشاف الأهداف المنخفضة جداً، وسط التداخل والكسرات الأرضية الثابتة.
هـ. تقييد الإشعاع اللاسلكي، بغرض حرمان العدو من استطلاعه.
وبدأت موضوعات الحرب الإلكترونية تأخذ دورها في التطور والنمو، جنباً إلى جنب، مع باقي أسلحة، ومعدات منظومة الدفاع الجوي، ووصلت إلى مصر، في بداية عام 1970، أول مجموعة من معدات الحرب الإلكترونية، واتخذت مواقع لها بالقرب من القاهرة.
وبدأت في العمل على استطلاع أعمال العدو الإلكترونية، وكذا تنفيذ أعمال مضادة، إلى جانب تدريب أطقم من المصريين، على التخصصات المختلفة لهذه الأجهزة. ثم تلا ذلك وصول المجموعة الثانية من المعدات، وتمركزت في منطقة القنال، وقد تسلمتها، وقامت بتشغيلها، الأطقم المصرية، بعد إتمام تدريبها عليها.
وأجرت حرب الاستنزاف السلاح الجوي الإسرائيلي، على استخدام معظم ما لديه من أساليب الاستطلاع، والإعاقة اللاسلكية، والرادارية، وبالرغم من هذا، فإن هذه الأعمال الإلكترونية لم تكن في يوم من أيام القتال، تمثل عائقاً أساسياً لنشاطات وسائل الدفاع الجوي. فقد أدت وسائل الاستطلاع والإنذار مهامها، بنجاح تام، مثلها كمثل باقي الأنظمة، خاصة بعد أن تم تطوير معظم المعدات؛ لمجابهة الأعمال الإلكترونية للعدو، وتتلخص في الآتي:
أ. تطوير أجهزة رادار الإنذار، وذلك بتزويدها بأنظمة انتخاب الأهداف المتحركة Moving Target Indicator: MTI.
ب. زيادة إمكانيات أجهزة الاستقبال؛ لتقليل وصولها إلى حالة التشبع.
ج. تدعيم وحدات الرادار والإنذار، وكذا كتائب الصواريخ، بأجهزة رادار حديثة، مثل جهاز ب15، ذات القدرة العالية على اكتشاف الأهداف المنخفضة والقائمة بالتداخل.
د. تعديل محطات رادار توجيه الصواريخ، بما يمكنها من تقليل تأثير أعمال الإعاقة، وكذا تحديث طرق توجيه الصواريخ، وإمدادها بأجهزة تتبع بصرية وتليفزيونية.
هـ. الاهتمام بالإخفاء والتمويه، للمواقع الحقيقية، والهيكلية، وتزويد المواقع الهيكلية، بعواكس ركنية تجعلها تبدو كمواقع حقيقية في أثناء عمليات الاستطلاع الراداري.
و. الاهتمام بخطط إنتاج ستائر الدخان؛ لتضليل أسلحة الهجوم الجوي التليفزيونية.
ثانياً: تنظيم التعاون
لقد كانت حرب الاستنزاف هي البوتقة، التي تفاعلت فيها كل عناصر القوات المسلحة؛ لتحقيق الهدف المنشود. وفي معركة العبور أكتوبر 1973، كانت قوات الدفاع الجوي، هي القوة الأولى في المعركة، والتي جعلت اقتحام المانع المائي الصعب ـ قناة السويس ـ أمراً ميسوراً للقوات البرية.
وبرزت شبكة الدفاع الجوي المتطورة غرب القناة، كغطاء جوي كثيف، حمل قوات النسق الأول والثاني للجيشين الثاني والثالث، الميدانيين، كما غطت القوات النطاق التعبوي، خلال معارك أكتوبر 1973. كما كانت فرصة الدفاع الجوي، التي أخذت شمولية الدفاع الجوي عن الدولة، والموزعة على المحاور الإستراتيجية الأخرى، أساس استكمال الدفاع الجوي عن الجمهورية.
وقوات الدفاع الجوي هي القوة الأساسية، التي مكنت قوات المهندسين العسكريين، من إعداد ساحات العبور على قناة السويس، وتركيب المعديات والمعابر الثقيلة عبر قناة السويس، وفتح الثغرات في الساتر الترابي شرق القناة، تحت تهديد العدو، وهذا ما جعل طرق العبور ممهدة وسهلة، أمام قواتنا المهاجمة.
ثالثاً: استكمال البناء استعداداً لحرب أكتوبر 1973
1. توقف القتال ومبادرة "روجرز"
استمرت المواجهات الكبرى، في حرب الاستنزاف، وسارعت الولايات المتحدة، إلى خسائر إسرائيل، بإمدادها بـ 40 طائرة، منها 15 طائرة فانتوم، وكان قد سبق تزويدها بالصواريخ شرايك، خلال عام 1971. وتوقف إطلاق النيران بقبول الطرفين لمبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز، في 8 أغسطس 1970، لمدة ثلاثة أشهر، وبدأ كل جانب يعد العدة للجولة القادمة.
وكان، من ضمن عناصر تقدير الموقف المصري، للموافقة على إيقاف النيران، أن هذه الفترة ستوفر وقتاً؛ لاستكمال التجهيزات الهندسية لمواقع الصواريخ بالجبهة، وكذلك استكمال تدريب وحدات الصواريخ سام 3 الحديثة التشكيل، على واجب العمليات، ودمجها في تشكيلات قتال قوات الدفاع الجوي، في الجبهة غرب القناة.
2. التطور في القوة الجوية الإسرائيلية قبل حرب أكتوبر 1973
أ. الحجم
تنفيذاً للعقيدة القتالية، التي أصرت إسرائيل على اعتناقها، وهي التفوق الكمي والنوعي، فقد وصل حجم السلاح الجوي الإسرائيلي، قبل حرب أكتوبر 1973، إلى نحو 540 طائرة قتال، أي أكثر من ضعف ما كان عليه الحجم في 1967، والعدد الأكبر من هذه الطائرات من الطائرات الحديثة، "410 طائرات من الأنواع فانتوم ـ سكاي هوك ـ ميراج". ولم تقتصر الزيادة على الحجم، بل في الكيف كذلك، كالآتي:
ب. القدرة التدميرية
ارتفعت من 250 طناً من القنابل والصواريخ، لطلعة قوات جوية واحدة، عام 1967، إلى 1800 طن، عام 1973م، أي أكثر من 7 أضعاف.
ج. القدرات الإلكترونية
زُوِدَّت طائرات القتال، بالعديد من الأجهزة والمعدات المتطورة، أهمها:
(1) رادارات الطيران المنخفض، "متابعة الثنيات الأرضية"، وهي تمكن الطيار من ضبط ارتفاع معين للطيران، ويقوم هذا الجهاز، بالتحكم في ارتفاع ثابت للطائرة، مواز لسطح الأرض، أو سطح البحر.
(2) رادارات القصف جو/ أرض، والاشتباك جو/ جو، المزودة بحاسبات إلكترونية تساعد الطيار، على دقة التسديد، عند مهاجمة الأهداف الأرضية، والاشتباك الجوي الآلي بالصواريخ جو/ جو والمدافع.
(3) معدات الملاحة الأرضية، المحمولة في الطائرات، والتي تتكامل في تحقيق وصول الطائرات، إلى أهدافها، من دون خطأ يذكر.
(4) معدات الإعاقة اللاسلكية والرادارية، بإمكانيات تكنولوجية متقدمة، من حيث القدرة العالية، واتساع عرض النطاق الترددي.
(5) نظم الاستطلاع البصري والراداري، وبالأشعة تحت الحمراء، والتصوير الفوتوغرافي، والتليفزيوني.
د. قدرات الخمد وأهمها
(1) الصواريخ راكبة الشعاع، من نوع شرايك وهارم، المضادة للرادار.
(2) الصواريخ التليفزيونية مافريك.
(3) القنابل الموجهة وول آي.
(4) محطات الإعاقة الأرضية، ذات القدرات العالية.
(5) طائرات الاستطلاع والإعاقة الإلكترونية المتخصصة.
(6) أنظمة الإنذار والتحذير "سام سونج".
(7) نظام Wild Weasel "العرسة المتوحشة"، للإعاقة والخمد.
هـ. المدى وقدرة البقاء في الجو
تتميز الطائرات الحديثة، التي امتلكتها إسرائيل، بطول المدى على الارتفاعات المنخفضة، ويمكنها الوصول إلى العمق المصري البعيد، بل أكثر من هذا، كما أن فترة بقائها في الجو طويلة، تمكنها من الصمود في المعارك الجوية، إذا ما قورنت بالمقاتلات الميج 21. وعلاوة على ذلك، يمكنها التزود بالوقود في الجو، حيث تمتلك إسرائيل هذه الإمكانيات، بمساعدة أمريكية.
و. التسليح
اهتمت إسرائيل بتسليح طائراتها، بأحدث الأسلحة، وذلك لتحقيق التفوق، الذي تنشده باستمرار، وقامت باتباع الأسلوب التالي في مجال تسليح الطائرات:
(1) اهتمت بتزويد طائراتها بصواريخ القتال الجوي جو/ جو، من نوع سايد ويندر Side Winder المتطورة، حيث تحقق دقة في الإصابة، وطول المدى، بحيث يمكن إطلاقها من خارج مدى الصواريخ جو/ جو المعادية.
(2) نظراً لما تتمتع به الطائرات الفانتوم وسكاي هوك، من إمكانيات كبيرة، في الحمولة، فقد زودت بالقنابل ذات الأوزان الثقيلة، زنة ألف وألفي رطل.
(3) اهتمت بتزويد طائراتها، بأسلحة الهجوم الجوي الحديثة، مثل الصواريخ جو/ أرض الموجهة، والقنابل الزعنفية، والزمنية، بالإضافة إلى القنابل الانشطارية.
ز. مستوى الطيارين والأطقم الفنية
بالرغم من امتلاك إسرائيل لأعداد كبيرة من الطائرات، فإنها كانت دائماً تخطط لمضاعفة المجهود الجوي لسلاحها الجوي، وذلك بزيادة أعداد الطيارين المدربين، تدريباً جيداً، على مهام العمليات، وقد وصلت نسبة الطيارين إلى الطائرات، قبل حرب أكتوبر 1973، إلى ثلاثة طيارين لكل طائرتين، وسبب هذه الزيادة هو تدفق أعداد كبيرة من الطيارين المتطوعين المحترفين اليهود، من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ممن يحملون الجنسية المزدوجة، بالإضافة إلى الأطقم الفنية عالية الكفاءة، حيث يمكن، بمساعدتها، مضاعفة الطلعات اليومية للطائرة الواحدة.
وفي مجال التدريب، اهتمت إسرائيل بتدريب الطيارين على مهام القتال المختلفة، حيث توافرت لها خبرات القتال، من ميادين القتال في فيتنام، ومن خلال حرب الاستنزاف، حيث واجهت نفس أسلحة الدفاع الجوي الروسية، التي استخدمتها فيتنام.
ح. التمركز الآمن
نتيجة لاحتلال القوات الإسرائيلية لسيناء، توافر لإسرائيل عمق إستراتيجي كبير، يصعب معه وصول الطائرات المصرية، قصيرة المدى، إلى قواعد التمركز الرئيسية داخل إسرائيل.
ط. استعواض الخسائر والدعم الخارجي
يستند السلاح الجوي الإسرائيلي، على دعم أمريكي مطلق، حيث يتم استعواض أي خسائر في الطائرات من دون مقابل، ويتم التزود بالأسلحة والمعدات الإلكترونية، بمجرد الحاجة إليها.
هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من الخبراء المتخصصين والعلماء، للمساهمة في التخطيط لأعمال السلاح الجوي الإسرائيلي، والعمل على حل أي مشاكل فنية أو تكتيكية، قد تظهر في أثناء العمليات.
ى. الأساليب والتكتيكات
اتبعت طائرات القتال لسلاح الجو الإسرائيلي، الأساليب والتكتيكات التالية:
(1) الاقتراب على ارتفاعات منخفضة، ومنخفضة جداً.
(2) استخدام الإعاقة الرادارية واللاسلكية، بكثافة شديدة.
(3) استخدام الصواريخ الموجهة جو/ أرض، وبقية أسلحة الهجوم الجوي الحديثة، ومحاولة إطلاقها من خارج مناطق القتال.
(4) استخدام أسلوب المشاغلة من اتجاه، ثم الهجوم على ارتفاع منخفض من اتجاه آخر.
(5) استخدام الطائرات، الموجهة من دون طيار، بغرض المشاغلة واستنزاف الصواريخ.
(6) استخدام القنابل ذات الأوزان الثقيلة ألف، وألفي رطل، مع استخدام النابالم، فقد استخدمته في أثناء حرب الاستنزاف.
ك. الدعم الخارجي في مجال المعلومات والاستطلاع
مما لا شك فيه، أن السلاح الجوي الإسرائيلي، على رغم الإمكانيات الكبيرة، التي حصل عليها، فإنه استفاد، بصفة رئيسية، من مصادر المعلومات والاستطلاع الأمريكية، سواء من طلعات طائرات الاستطلاع الإستراتيجية، من نوع SR-71، أو من معلومات الأقمار الصناعية، التي كانت توفر له معلومات فورية، عن أوضاع القوات العربية على مختلف جبهات القتال، وكذا في العمق.
3. التطور في الدفاع الجوي المصري قبل حرب أكتوبر 1973
استكملت منظومة الدفاع الجوي المصري تطورها؛ استعداداً لمعركة التحرير، بعد أن نجحت في غرس أقوى شبكة دفاع جوي، كثافة وتطوراً، وتوقف التهديد الجوي الإسرائيلي لأهداف في العمق المصري اعتباراً من 18 أبريل 1970.
وبرزت قيمة وتأثير شبكة الصواريخ غرب القناة، عندما تعمدت إسرائيل تحدي هذه الشبكة في شهري يونيه ويوليه 1970، ونتج عن ذلك تدمير وإصابة نحو 18 طائرة فانتوم وسكاي هوك، وكان يوم 30 يونيه 1970، هو يوم الفخر والمجد لقوات الدفاع الجوي، وما زالت تحتفل به مصر وقوات الدفاع الجوي. وشمل التطور الاتجاهات الآتية:
أ. الحجم
كان حجم الصواريخ المضادة للطائرات، في حرب 1967 وبداية حرب الاستنزاف، حوالي 25 كتيبة، لا تستطيع في أحسن الأحوال إلا مواجهة 10%، من طائرات الهجمة الجوية الإسرائيلية. وقبل بدء الحرب، كان حجم صواريخ الدفاع الجوي قد ارتفع لأكثر من أربعة أضعاف، كما ارتفع حجم وحدات الرادار والإنذار إلى أكثر من الضعف.
وكان التجميع الرئيسي، لأسلحة وأجهزة الدفاع الجوي، مركزاً في منطقة القناة، من القنطرة غرب حتى ميناء الأدبية جنوب السويس، وبعمق 30 كم غرب القناة، حيث احتلت أكثر من 45 كتيبة صواريخ سام 2 وسام 3، بالإضافة إلى كتائب المدفعية المضادة للطائرات، المختلفة العيار وكتائب المدفعية 23مم الرباعية "الشيلكا"، وكتائب سام 7، وكتائب رادار، وكتائب مراقبة بالنظر، تدار عملياتها المشتركة مع القوات الجوية، من خلال مركز عمليات مشترك.
كما أنشأت لها غرفة عمليات، على محور منفصل في منطقة بورسعيد الدفاعية، ولكنه مرتبط بشبكة الدفاع الجوي، في نظام الإنذار والتوجيه، لقيادة عناصر الدفاع الجوي عن بورسعيد. هذا بالإضافة إلى أسلحة الدفاع الجوي المخصصة للتشكيلات البرية، والتي تدخل ضمن تنظيم فرق المشاة، والفرق الميكانيكية، والفرق المدرعة، والتي تضم المدافع 23مم الثنائية، والرباعية الموجهة رادارياً، من نوع "شيلكا"، وصواريخ سام 7، والمدفعية المضادة للطائرات 57 مم الموجهة رادارياً، و57 مم الذاتي الحركة مع الفرق المدرعة.
وأضيف إليها فيما بعد صواريخ سام 6 ذاتية الحركة، التي تم توزيعها على قوات الجيشين الثاني والثالث. كما استقرت وحدات الدفاع الجوي عن عمق الدولة، في كل من القاهرة، والإسكندرية، وأسوان، وباقي العمق المصري، الممتد طولاً وعرضاً.
ومما لاشك فيه، أن هذه الطفرة الهائلة، في حجم ونوعية الدفاع الجوي المصري، وبعد حساب قدرات الأفرع الرئيسية الأخرى للقوات المسلحة، بين مصر وإسرائيل، نجد أن ميزان القوى كان قد تحول لصالح مصر، عام70/1971، وكان هذا راجعاً إلى إقامة هذه الشبكة الكبيرة للدفاع الجوي وتأثيرها المباشر على أقوى أسلحة إسرائيل، المتمثلة في القوات الجوية.
ب. النوعية
حدث تطور كبير في نوعية أسلحة الدفاع الجوي، أهمها:
(1) رفع الكفاءة القتالية والفنية لكتائب الصواريخ سام 2؛ لتحسين قدراتها على الاشتباك مع الأهداف المنخفضة، وتحت ظروف استخدام العدو للإعاقة الرادارية وأسلحة الخمد، وزيادة قدراتها على المناورة.
(2) انضمام أنواع جديدة من الصواريخ، أكثر تطورا، مثل سام 3، وسام 6، وسام 7؛ للتعامل مع الطيران المنخفض.
(3) وفي المدفعية المضادة للطائرات، دخل إلى الخدمة نظام "الشيلكا"، عيار 23مم الرباعي والمجنزر والموجه رادارياً، كذلك تم إدخال تعديلات لرفع كفاءة المدافع 57 مم .
(4) دخلت، لأول مرة، أنظمة روسية جديدة للقيادة والسيطرة الآلية، وبالرغم من عدم تطور هذه الأنظمة، فإنها حققت بعض الفوائد، أهمها أنها كانت البداية للتعامل مع نظم القيادة الآلية فيما بعد.
ج. الاستطلاع والإنذار
(1) في الرادار، دخل الخدمة أجهزة حديثة، مثل ب -15، ب -14، ب -11، ب -35، التي حسنت، إلى حد كبير، القدرة على كشف الأهداف المنخفضة والعالية، وكذا دقة الإحداثيات، مما ساعد على رفع كفاءة توجيه الطائرات، وأضاف إمكانيات كبيرة للحقل الراداري.
(2) إقامة سلسلة طويلة من نقاط المراقبة الجوية بالنظر، على حدود وسواحل مصر، لاكتشاف الطيران المنخفض جداً والتبليغ عنه، وكذا تغطية المناطق والثغرات، غير المغطاة رادارياً.
(3) ربط وحدات الإنذار بالرادار وسلاسل نقاط المراقبة الجوية بالنظر، بمراكز القيادة المشتركة، من طريق شبكة متكاملة من المواصلات الإشارية الخطية، واللاسلكية، ومتعددة القنوات، محصنة جيداً، ضد أعمال التصنت والإعاقة بأنواعها، مما أدى إلى وصول بلاغات الإنذار إلى الوحدات المستفيدة بأقل زمن تأخير.
د. التجهيز الهندسي والإخفاء
استكملت التحصينات الهندسية، وخصصت لجميع الوحدات مواقع قتال رئيسية وتبادلية محصنة، وأنشئت عشرات المواقع الهيكلية المتداخلة، وغير المتداخلة، مع المواقع الحقيقية، وهذه المواقع الهيكلية، كان لها دور كبير في امتصاص الكثير من ضربات العدو الجوية.
هـ. القيادة والسيطرة وتنظيم التعاون
كان، من أهم عناصر تطوير منظومة الدفاع، اكتمال مراكز القيادة المشتركة، التي تجمع بين عناصر الدفاع الجوي الثلاثة، المقاتلات، ووحدات الرادار، ووحدات الصواريخ والمدفعية، وأصبح هذا الأسلوب هو السائد في القيادة والسيطرة، مما أزال الكثير من السلبيات السابقة.
ووفرت هذه المراكز المشتركة رسم صورة حقيقية للموقف الجوي، على جميع الارتفاعات، أمام القادة المناوبين، مما مكنهم من تقدير المواقف، بدقة، وتنفيذ خطط تنظيم التعاون، بين المقاتلات ووسائل الدفاع الجوي، بنجاح كبير، وربما للمرة الأولى، يتم تخصيص المهام للمقاتلات والصواريخ بالمناطق، بل داخل المنطقة الواحدة لتحقيق الاستفادة الكاملة من إمكانيات وطاقات كل العناصر؛ لصد ضربات العدو الجوية.
المبحث السادس
[center]الدفاع الجوي المصري يخوض حرب أكتوبر 1973
تمكنت القوات المسلحة المصرية، من الحصول على استعواض الأسلحة والمعدات، التي فُقدت في معركة يونيه 1967، ومعارك الاستنزاف، والإمداد بأسلحة جديدة ومتطورة وحديثة، تمت تجربتها ميدانياً، لصالح مصر والاتحاد السوفيتي، بناءً على خبرة ميدان فيتنام، وميدان الشرق الأوسط. وبذا انتقلت مصر، عبر حرب الاستنزاف، إلى استخدام الجيل الجديد من التسليح المتطور، الذي وافق الاتحاد السوفيتي على إمداد مصر به، في أثناء زيارة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970، مثل سام -6، وسام -7، والمدافع 23مم الرباعية الموجهة رادارياً، والطائرة الميج 25. [/center]
وقد أطلق بعض المحللين على حرب أكتوبر 1973 اسم "الحرب المرآة"، أي أنها صورة لما حدث في حرب 1967، ولكن بمباغتة مصرية عربية، وعلى رغم أن الدروس المستفادة من الجولات العربية ـ الإسرائيلية السابقة مكررة تقريباً، وتصور الحقيقة إلى حد بعيد، فإن الحال قد اختلف بالنسبة إلى نتائج حرب 1967، وذلك بسبب قسوة الهزيمة وتعنت الجانب الإسرائيلي وصلفه.
وبالنسبة إلى الدفاع الجوي المصري، فقد بُذلت الجهود المتواصلة، وكان الإصرار على بناء منظومة متكاملة للدفاع الجوي، تستطيع أن تواجه، وبندية، القوة الجوية الإسرائيلية.
أولاً: التخطيط لعمليات الدفاع الجوي في حرب أكتوبر 1973
تشكل، في قيادة الدفاع الجوي، جهاز خاص للعملية الهجومية، وبدأ هذا الجهاز يعمل، بالتنسيق مع باقي أجهزة التخطيط، في القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان على هذا الجهاز أن يجري التقديرات والدراسات، التي تكفل للخطة النجاح المنشود، وصولاً إلى الهدف المحدد، وهو حرمان العدو من تفوقه الجوي، وتحييد قواته الجوية في مسرح القتال.
وكان هناك عدد من الحقائق، لا بد من وضعها في الاعتبار، أساساً لضمان واقعية التخطيط، وهذه الحقائق هي:
1. أن قوات الدفاع الجوي ستتحمل العبء الأكبر، في مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية المتفوقة، بكامل قدراتها، وذلك لأن القوات الجوية المصرية، لم تكن قادرة على مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، لقصر مدى طائراتها على توجيه ضربة إلى قواعد تمركز السلاح الجوي الإسرائيلي، وإنزال خسائر ملموسة بطائراته، على الأرض، لتمنع جزءاً كبيراً منها من الاشتراك في المعركة.
وقد ساهم، في تخفيف هذا العبء، بدء العمليات في وقت واحد، على الجبهتين المصرية والسورية، وكذا وضع مركز الإعاقة الأرضية، في أم خشيب بسيناء، على رأس قائمة أهداف الضربة الجوية الأولى، مما ساعد على تخفيف وطأة الإعاقة الإلكترونية، على وحدات الدفاع الجوي، في أيام القتال الأولى.
2. مواجهة التحدي الكبير، المتمثل في اتساع مسرح العمليات، وذلك بوضع خطة متوازنة تحقق حماية الأهداف الحيوية بالعمق، بكثافة مناسبة، مع المناورة بالقوات والوسائل لتحقيق التركيز المطلوب في جبهة القناة. كما تم تنظيم التعاون مع القوات الجوية، لحماية المناطق والأهداف، التي لا يتوافر لها عناصر دفاع جوية قوية.
3. أن حسم نتائج المعركة الرئيسية، مع القوات الجوية الإسرائيلية، في منطقة القناة، في الساعات والأيام الأولى، يعتبر أمراً مصيرياً للقوات المسلحة، وفي هذا المجال، راعت الخطة أن يتم تدعيم الجيوش الميدانية، بأكبر قدر ممكن من وسائل الدفاع الجوي، خفيفة الحركة، على أن يتم استعواض خسائرها باستمرار على حساب العمق.
4. أن قوات الدفاع الجوي يجب أن تكون جاهزة لصد ضربة الإحباط المعادية، أو الهجمات الجوية المركزة من الأوضاع الدفاعية، ثم تتحول بسرعة إلى الأوضاع اللازمة لتحقيق مهمتها الرئيسية في وقاية القوات البرية في أثناء العملية الهجومية.
5. أن العدو سيحاول، بكل الطرق، تدمير عناصر الدفاع الجوي بالجبهة، أو إسكاتها باستخدام كل الوسائل الإلكترونية والتكتيكية والنيرانية وأسلحة الخمد، في معركة حياة أو موت، يجب أن تخرج منها قوات الدفاع الجوي قوية، قادرة على الاستمرار في القتال، وتنفيذ المهام المكلفة بها.
6. أن حجم عناصر الدفاع الجوي المتحركة ذات الفاعلية غير كاف لتغطية القوات في المرحلة النهائية للعملية، وقد راعت خطة القوات المسلحة ذلك، عندما حددت شرط تنفيذ هذه المهمة، بتوافر الظروف المناسبة، ومعنى ذلك انخفاض قدرات السلاح الجوي الإسرائيلي إلى الدرجة، التي تكفي فيها هذه العناصر. كما أن قوات الدفاع الجوي خططت لتدعيم الحماية المضادة للطائرات، في هذه المرحلة، باستخدام صواريخ الدفاع الجوي الثقيلة بأسلوب الانتقالات المتتالية.
ثانياً: إجراءات الدفاع الجوي المصري في حرب أكتوبر 1973
ولمواجهة التحديات السابقة، فإن خطة الدفاع الجوي للعملية، شملت الإجراءات الرئيسية التالية:
1. مواجهة الهجمات الجوية المعادية المتوقعة، خلال الفترة التحضيرية، بتجمعات قوية ومتماسكة ومتكاملة، من مختلف أنواع عناصر الدفاع الجوي، طبقاً للخطة الدفاعية.
2. عدم إجراء أي مناورة بقوات ووسائل الدفاع الجوي، إلا في آخر وقت ممكن، قبل بدء العملية.
3. تطبيق مبدأ الحشد في اتجاه المجهود الرئيسي، باستخدام 100% من عناصر الدفاع الجوي المتحركة، في النسق الأول للدفاع الجوي بالجبهة، و40% من الصواريخ المضادة للطائرات، و70% من وحدات المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية سام 7.
4. المحافظة على سرية ترددات الأسلحة الجديدة، ومنع إشعاعها، إلا مع بدء المعركة.
5. التركيز الشديد على حماية المعابر، بحيث تتوافر حماية لكل معبر، بقدرة صد (' قدرة الصد: هي قدرة وسائل الدفاع الجوي على منع طائرات القتال المعادية، من الوصول إلى منطقة عملها، وتنفيذ مهامها، وقدرة صد واحدة تعني منع طائرة واحدة من تنفيذ مهمتها.') لا تقل عن 12 هدفاً، في وقت واحد، طوال العملية.
6. انتقال وحدات الصواريخ، في المرحلة الأولى، إلى مواقع متقدمة غرب القناة، تحقق وقاية القوات شرق القناة، حتى عمق 15كم، على الارتفاعات المنخفضة.
7. انتقال 60 % من وحدات الصواريخ بالجبهة، إلى مواقع شرق القناة خلف الأنساق الثانية للجيوش الميدانية، عند دفعها لتنفيذ المرحلة النهائية.
8. الاحتفاظ باحتياطي قوي من عناصر الصواريخ المضادة للطائرات، حوالي 15%، يمكن له تدعيم الدفاع بالصواريخ في الجبهة، في خلال ست ساعات، بالإضافة إلى احتياطي بعيد، يشترك في القتال في خلال 24-48 ساعة.
9. إنشاء حقل راداري مستتر، في الاتجاهات، التي يحتمل فيها تقلص الحقل الأصلي.
10. توفير جميع عناصر الصمود، لنظام الدفاع الجوي بالجبهة، مع السيطرة الكاملة على الإشعاع، لمنع العدو من استخدام أسلحة الخمد المتيسرة لديه.
11. تحقيق تنظيم تعاون وثيق، مع القوات الجوية، بتوفير الدفاع عن المطارات المتقدمة، عند احتلالها، والسيطرة على أعمال قتال المقاتلات، من مراكز مشتركة، وذلك بالإضافة إلى مجموعة كبيرة أخرى من الإجراءات، لا يتسع المجال لسردها.
ثالثاً: الأزيز والهدير بعد الصمت
في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، عبرت طائرات مصر وسورية خطوط المواجهة، على جبهة قناة السويس، وجبهة الجولان، فعلى الجبهة المصرية انطلقت مائتان وخمسون طائرة مصرية، إلى عمق سيناء؛ لتنفيذ الضربة الجوية المركزة، وكانت تطير على ارتفاع منخفض جداً، يعزف أزيزها الجبار لحن القوة والعزة والفخار لمصر وللأمة العربية، وتبث في المقاتلين على الخطوط الأمامية روحاً وثابة من الأمل والثقة بالنفس.
فها هي طائراتهم تتقدم صفوفهم، بكل الجرأة والجسارة، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، متجهة إلى أهدافها، وكان عليها أن تحطم ثلاثة مطارات، وقاعدة جوية، وعشرة مواقع صواريخ هوك، وثلاثة مواقع قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية، بالإضافة إلى محطات الرادار، ومواقع المدفعية، ومناطق الشؤون الإدارية، وحصون العدو شرقي بور فؤاد.
ومتزامناً مع الضربة الجوية، هدرت نيران أكثر من ألفي مدفع، على طول الجبهة، تصب حممها على خط بارليف، وأهداف العدو في سيناء، وكان القصف شديداً بحيث