الفصل الثاني : محاولة أميركا القضاء على الثورة .
بعد انتصار الثورة عمدت الولايات المتحدة إلى القضاء عليها ، فوجود دولة شيوعية بالقرب منها أمر لا يناسب أميركا، خصوصاً أن هذه الدولة خاضت الصراع مع الولايات المتحدة وهزمتها، لذلك أقدمت الولايات المتحدة على عدة محاولات من أجل القضاء على الثورة الكوبية .
المبحث الأول: المحاولات العسكرية .
إعتمدت الولايات المتحدة الأميركية في بادئ الأمر الخيار العسكري من أجل القضاء على الثورة ، فقامت بتدريب عدد من المرتزقة الكوبيين الموجودين في الولايات المتحدة والذين كان معادّين للثورة وكان الهدف من هذا التدريب هو غزو كوبا عسكريا ، وقامت هذه القوات بالتعاون مع المخابرات الأميركية بالنزول إلى شاطئ هيرو في منطقة خليج الخنازير في ساحل كوبا، بعد أن قامت الطائرات الأميركية بشن هجوم واسع على هذه المنطقة ، قامت بعمليات إنزال ودارت معارك بين الجيش الأميركي والكوبيين المرتزقين والبورجوازيين الكوبيين مع الجيش الثائر استمرت ثلاثة أيام ، وانتهت بهزيمة الولايات المتحدة الأميركية ، وفشل غزو كوبا عن طريق خليج الخنازير.
بعد مدة من الزمن قامت كوبا بتوقيع إتفاقية دفاع مشترك مع الاتحاد السوفياتي ، حيث نشر الاتحاد السوفياتي صواريخه على شاطئ كوبا، أدى هذا الأمر إلى حصول أزمة دولية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي انتهت بتوقيع اتفاقية تمنع الولايات المتحدة من الاعتداء على كوبا مقابل سحب الاتحاد السوفياتي لصواريخه. وقد قام الاتحاد السوفياتي بسحب هذه الصواريخ بالرغم من معارضة كاسترو.
كذلك حاولت الولايات المتحدة الإقدام على عدة محاولات لاغتيال كاسترو حيث بلغ عدد المحاولة أكثر من 40 محاولة .
المبحث الثاني : المحاولات الاقتصادية .
بعد أن فشل الأسلوب العسكري بالقضاء على الثورة عمدت الولايات المتحدة إلى اعتماد أسلوب جديد هو الحرب الاقتصادية ، حيث أخذت الولايات المتحدة تدابير تشلّ الاقتصاد الكوبي ، فحاولت الولايات المتحدة حوالى منتصف عام 1960 حرمان كوبا من الوقود لتشغيل صناعتها ومراكزها الكهربائية ، حيث رفضت الشركات الأميركية تحت ضغط وزارة الخارجية بيع بترولها لكوبا ، ورفضت السماح لها باستخدام ناقلتها البترولية ، بعد ذلك بوقت قصير حاولت الولايات المتحدة حرمان كوبا من القطع النادرة الضرورية لتجارتها الخارجية.
في 6 تموز 1960 أخفض الرئيس أيزنهاور الكوتا السكرية التي خصصتها الولايات المتحدة لكوبا ليلغيها بكاملها بعد ذلك في 31 آذار 1961، أي بعد بضعة أيام من الإعلان عن التحالف من أجل السلم وحاولت الولايات المتحدة شل الصناعة الكوبية بحرمانها من المواد الأولية ومن قطع تبديل الآلات في سبيل هذا الهدف أصدرت وزارة التجارة قراراً بتاريخ 19 تشرين الأول 1960بحظر شحن العديد من المنتوجات إلى كوبا، وأخذ هذا الحظر بالتصلب حتى قرر الرئيس كينيدي بتاريخ 3 شباط 1962 الحظر الشامل على التجارة بين الولايات المتحدة وكوبا، ولما فشلت هذه الاعتداءات كلها قررت الولايات المتحدة تطبيق الحصار الاقتصادي ضد كوبا بحيث يمنع متاجرة بلدان أخرى مع كوبا.
في 24 كانون الثاني 1964 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية حظر دخول كل منتوج مصنوع كلياً أو جزئياًّ من منتوجات ذات منشأ كوبي، حتى لو كان مصنوعاً في بلد آخر . وفي 6 شباط 1963 اتخذ البيت الأبيض تدبيراً جديداً أعلن فيه أن البضائع المشتراة بمال الحكومة الأميركية الشمالية لا يجوز أن تنتقل على سفن ترفع علما أجنبيا تكون قد تاجرت مع كوبا ، وكان هذا البلاغ بداية اللائحة السوداء التي تضم أسماء أكثر من 150 سفينة تنتمي لبلدان لم ترضخ للحصار غير المشروع الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا ، يضاف إلى هذا ان وزارة الخزانة الأميركية رغبةً منها في زيادة المصاعب أمام التجارة الكوبية في الأراضي الأميركية الشمالية ، وحذرت أي تحويل للدولار إلى كوبا ، كما حّرمت كل تعامل بالدولار يتم بواسطة بلدان ثالثة. وقد استمرت هذه الاعتداءات وعمدت الولايات المتحدة إلى إيقاف مساعداتها إلى إنكلترا ، فرنسا ويوغوسلافيا لأن هذه البلدان واصلت المتاجرة مع كوبا . وصرّح دين راسك وزير خارجية أميركا آنذاك
لا يمكن أن يطرأ تحسّن على العلاقات مع الصين الشيوعية ما دامت تحرض وتساعد العدوان في جنوب شرق آسيا ، ولا مع كوبا ما دامت تمثل تهديداً لنصف الكرة الغربي...ولا يمكن أن ينتهي هذا التهديد كما ترغب واشنطن إلا عندما يكون الشعب الكوبي قد قلب نظام كاسترو فنحن نعتبر أن هذا النظام مؤقت ".
كذلك قامت الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض المرتزقة الكوبيين بإحراق عدد كبير من حقوق قصب السكر وهو المنتوج الرئيسي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الكوبي.
المبحث الثالث : الحرب السياسية والإعلامية .
عندما بدأت الثورة تتحول من ثورة تحررية إلى ثورة إشتراكية غادر عدد كبير من الكوبيين إلى الولايات المتحدة ، وقد كان معظمهم من البورجوازية والآخرون كانوا من أتباع باتيستا والطبقة السياسية التي كانت تحكم كوبا قبل انتصار الثورة فيها، عمدت الولايات المتحدة فيها إلى تشجيع الهجرة غير المشروعة إليها، وأعطت تقديمات كبيرة لكل كوبي يصل إلى الولايات المتحدة ، كذلك تمنحه حق اللجوء السياسي ، فقد غادر عدد كبير من الكوبيين المعادين لنظام كاسترو.
كذلك الحادثة التي وقعت في سفارة البيرو في كوبا كانت مدبرة من قبل الولايات المتحدة حيث قام عدد من الكوبيين باقتحام سفارة البيرو في كوبا مطالبين الخروج من كوبا والحصول على اللجوء السياسي في البيرو ، رفضت سفارة البيرو تسليم الأشخاص إلى الحكومة الكوبية فظلوا في السفارة لمدة سنة كاملة لم تسمح لهم كوبا بمغادرة أراضيها ، واضطروا بعد ذلك لتسليم أنفسهم إلى الحكومة الكوبية . كذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء إذاعة تلفزيونية للكوبيين الموجودين داخل الولايات المتحدة أسمتها إذاع خوسيه مارتي وهو زعيم وطني كوبي حارب الاستعمار الإسباني مدة طويلة . كانت هذه الإذاعة تبث برامج معادية للثورة الكوبية وكانت تحث الشعب الكوبي على الانقلاب على كاسترو ومحاربته، فقامت الحكومة الكوبية بالتشويش على هذه المحطة وعلى المحطات الأميركية الأخرى، وانتهى الأمر بإقفال هذه المحطات .
القسم الثاني : إنجازات الثورة الكوبية .
المبحث الأول : الاستقلال السياسي والاقتصادي
إن أهم إنجاز من إنجازات الثورة الكوبية هو تحقيق الاستقلالين السياسي والاقتصادي ، لكي تحافظ كوبا على قوتها كان لا بد من تحقيق الاستقلالين السياسي والاقتصادي ، وذلك بمنع أي تدخل أجنبي خارجي في شؤون كوبا، فكسر هذه التبعية التي كانت الولايات المتحدة قد فرضتها على كوبا يضمن تحقيق هذين الاستقلالين، من هنا بدأت الثورة تتحول من ثورة تحررية إلى ثورة إشتراكية ، وجدت الثورة أن الاشتراكية وحدها تستطيع أن تضمن الاستقلال الكامل لكوبا، فحدد قادة الثورة الأهداف التكتيكية وهي " انتصار الإصلاح الزراعي ، قاعدة تصنيع البلاد، تنويع التجارة الخارجية ، رفع مستوى حياة الشعب لبلوغ الهدف الاستراتيجي الكبير أي تحرير الاقتصاد القومي ".
المعركة الأولى كانت ضد الاحتكارات ، فالإحتكارات كلها التي وُجدت في كوبا وجنت الأرباح من الأراضي الكوبية لها صلات وثيقة جداًّ مع الولايات المتحدة، يعني أن هذه الحرب الاقتصادية ستدور مع الدولة الكبرى في الشمال وأنها حرب غير عادية فالطريق إلى التحرير ترتبط بالنصر على الاحتكارات الأميركية.
لم يكن بمقدور الثورة الكوبية أن تسلك طريق الاستثمار ، بل كان عليها إيجاد طريق أخرى ، وهي ضرب أشرس الاحتكارات ، إحتكار ملكية الأرض وتحطيمه، ونقل الأراضي إلى أيدي الشعب، ثم البدء بالكفاح الحقيقي. والواقع أن المعركة لم تنشب على مستوى الإصلاح الزراعي لأنه إذا كانت الاحتكارات الكبرى تمتلك مساحات كبرى من الأراضي داخل كوبا، فإنها أكبر أهمية في غير هذا المجال، إنها أكبر أهمية في الصناعات الكيميائية والبناء الميكانيكي والبترول. ولكن بدأت الثورة بتطبيق الإصلاح الزراعي في بادئ الأمر ، وبعدها انتقلت إلى تصفية الاحتكارات الأجنبية .
ففي البترول ، مثلاً، كان مجموع الامتيازات الممنوحة والمطلوبة يتجاوز المساحة الوطنية، أي أن المساحة الوطنية كلها كانت موزعة ، بالإضافة إلى المجموعات الصخرية كلها وسطح القارة الكوبي كله في أيدي شركتين أو ثلاث شركات كانت تتنازع في ما بينها في بعض المناطق.
وقد استطاعت كوبا بلجم المضاربة والاحتكار في التجارة الخارجية بعد أن توافرت الأسواق الكبرى وأنشأت مخازن شعبية بلغ عددها 1400 مخزن في تلك الفترة . من هنا يتبين لنا أن الثورة الكوبية اعتمدت على التخطيط وهو الشعار الذي رفعته الثورة بعد انتصارها.
بعد أن قامت كوبا بهذه الإجراءات الداخلية انفتحت على المعسكر الإشتراكي وأقامت معه علاقات تجارية ، فوقعت اتفاقيات تجارية مع البلدات الاشتراكية خصوصا الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية. وقد تعهد الاتحاد السوفياتي بشراء مليونَيْ وسبعمائة ألف طن من السكر لدعم الاقتصاد الكوبي بسعر أغلى بكثير من السعر التي تحدده البورصتان الكبيرتان في نيويورك ولندن ، وبالرغم من أن الاتحاد السوفياتي كان الدولة الأولى في العالم بإنتاج السكر. واشترت الصين مليون طن من السكر وتعهدت البلدان الاشتراكية الأخرى التي تنتج السكر بشراء 300 ألف طن، وقامت الدول الاشتراكية خصوصاً الاتحاد السوفياتي بتقديم المواد الأولية خصوصاً البترول إلى كوبا، فكانت تصدر 12 مليون طن من البترول ، ولك تكن كوبا بحاجة إلا إلى 9 مليون طن والكمية الباقية كانت تتاجر كوبا بها.
كذلك تم توقيع اتفاقيات بين الاتحاد السوفياتي وكوبا تعهد فيه الاتحاد السوفياتي بإنشائ المصانع. كذلك قامت كل من الصين وألمانيا الشرقية بتقديم المساعدات لكوبا من أجل بناء المصانع وحملها على طريق الاكتفاء الذاتي.مما ساعد كوبا على كسر الاحتكارات الأميركية وتتقدم نحو الاشتراكية ، واستطاعت الحصول على الاستقلال الاقتصادي.
أما الاستقلال السياسي فقد حصلت عليه كوبا عندما استلم قادة الثورة شؤون الحكم في كوبا، فلم يعد يوجد طبقة سياسية موالية للولايات المتحدة أو أية دولة أخرى، فهذه الطبقة تمثل تطلعات الشعب الكوبي للتحرير. وكانت العلاقات بين كوبا والدول الأخرى ، خصوصاً الدول الاشتراكية تقوم على الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، فلم يعد هناك تبعية إقتصادية أو سياسية لأي من الدول على كوبا ، فالاتفاقيات التي كانت توقَّع ، كانت توقع من دولة إلى دولة دون أن تملي إحدى هذه الدول شروطها على الدول الأخرى.
المبحث الثاني : إنجازات الثورة على الصعيد الاجتماعي .
حققت الثورة الكوبية إنجازات مهمة على الصعيد الاجتماعي ، فقد عمدت إلى مكافحة الأمية وقامت بإنشاء مدارس وجامعات وفرضت إلزامية التعليم ، كذلك قامت بتقديم الخدمات الطبية ، ولم يعد هناك تمييز بين مختلف فئات الشعب ، وانتشرت حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، كذلك قامت ببناء المساكن الشعبية ، وكانت الدولة تقدم هذه الخدمات كلها دون أي مقابل .
المبحث الثالث: مساعدة كوبا لدول العالم الثالث .
بعد تنظيم الثورة في كوبا قامت الحكومة الكوبية بتقديم المساعدات لدول العالم الثالث فأرسلت بعثات طبية إلى هذه البلدان بالإضافة إلى المنح الدراسية التي قدمتها إلى شعوب العالم الثالث ، كذلك قامت كوبا بنصرة الدول المظلومة والوقوف بجانبها ومساعدتها عندما قامت قوات جنوب إفريقيا باحتلال ناميبيا طلبت الأخيرة مساعدة كوبا فأرسلت كوبا قواتها لمساندة ناميبيا واستطاعت تحريرها وقد استُشهد 2500 كوبي في هذا المعركة .
الفصل الثاني : كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي .
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، الحليف القوي لكوبا، تأثر اقتصادها بشكل كبير فقد فقدت كوبا المساعدات التي كانت تتلقاها من الاتحاد السوفياتي ، فانخفاض هذه المساعدات ، خصوصاً المواد الأولية والبترول، أدى إلى حدوث أزمة إقتصادية كبيرة وإلى توقيف عدد كبير من المصانع نظراً لفقدان الآلات الضرورية التي كانت معظمها من الاتحاد السوفياتي وتراجع مستوى إنتاج السكر من مليون طن إلى نصف مليون طن ، كذلك أدى هذا الأمر إلى نقض كبير في المنتوجات الغذائية والأدوية .
قامت كوبا بوضع خطة إقتصادية جديدة أسمتها مرحلة الأوقات الصعبة،بفضل هذه الخطة استطاعت كوبا تخطّي الأزمة واستعادة جزء كبير من الخدمات إلى شعبها ، فعمدت إلى تطوير صناعة الأدوية وشجعت على السياحة التي أصبحت تعتبَر من أهم زكائز الاقتصاد الكوبي في الوقت الراهن، حيث زاد عدد السيّاح إلى مليونَي سائح في السنوات الماضية، وفتحت كوبا باب الاستثمار في مجال ضيق جداًّ أي في القطاع السياحي ، على أن تكون نسبة الدولة في الاستثمارات الأجنبية 51% أي أن الدولة تظل ممسكة بزمام الأمور.
المصادر و المراجع:
سعيد الجزائري : تشي غيفارا يروي مراحل الثورة الكوبية ، دار الجيل ، بيروت لبنان ، الطبعة الأولى ، 1997.
ارنستو غيفارا : مذكرات الحرب الثورية ، ترجمة : د.فؤاد أيوب ، علي الطود، دار الفارابي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 1998.
ارنستو غيفارا : بعد انتصار الثورة ، ترجمة : د.فؤاد أيوب ، علي الطود، دار الفارابي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 1998.
ارنستو غيفارا : يوميات بوليفيا، ترجمة مصطفى الفقير، دار الفارابي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 1998.
Draft Report – The party of unity, democracy, and the human rights we defend, October 1997.5th congress of the communist party of Cuba.