اعتدنا ان نناقش «الإيدز» من زاوية واحدة وبوصفه أخطر الامراض التي ظهرت في التاريخ الإنساني. وفي خضم المناقشات العلمية والاجتماعية الدائرة حول مرض العصر، لم نستطع ان نصل إلى طرف الخيط: ما السبب االذي أدى إلى ظهور هذا المرض في القرن العشرين. وتحديدا في عقد الثمانينيات؟ قالوا لناأن الشذوذ والعلاقات الجنسية المحرمة وتلوث الدم أهم العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض الخبيث. هذا كلام صحيح، ولا يعترض عليه أحد. لكن من المؤكد أن العصور السابقة على القرن العشرين كانت تعرف بشكل أو بآخر هذه العوامل «المؤذية». ومع ذلك لم نسمع عن أي عالم سجل ولو بعض الإشارات إلى هذا المرض ولا حتى أحد أعراضه. إذاً ثمة حلقة ما مفقودة في هذا الموضوع. هنا. يقدم لنا العالم الروسي جاكوب سيجال طرحا مغايرا لتفسير نشأة مرض الإيدز. ربما يعترض عليه البعض. وربما يشكك في صحته البعض الآخر.. لكن من المؤكد انه يثير العديد من علامات الاستفهام التي قد تساعدنا في وقت ما على فهم حقيقة هذا المرض السلاح وكيفية التغلب عليه..
عمل البروفيسور الروسي المتقاعد جاكوب سيجال، الذي ينحدر من أصل يهودي ليتواني .أستاذا لعلم الأحياء(البيولوجي) في جامعة هامبولت الألمانية منذ عام 1953 وقد نشر الرجل بحثا مثيرا للجدل يتهم فيه أمريكا بصناعة سلاح بيولوجي تحول فيما بعد إلى أخطر أمراض العصر.
وقد نشر هذا البحث عام 1987 في بعض المجلات الألمانية المعروفة (منها شتيرن ودير شبيجل) . كما نشر كتابا بالألمانية حول نفس الموضوع عام1990 .
لم يقدر لهذه الأعمال أن تنشر في أوربا أو أمريكا أوحتى تترجم إلى الإنجليزية حتى صدورتقرير الصحفي الأمريكي مايك موريسي عام1994.
في هذا البحث يزعم العالم الروسي أن الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب الذي عرفه العالم باسم الإيدز(AIDS) منذ منتصف الثمانينات. هذا الفيروس الذي أعطى الاسم العلمي المختصر (HIV) ليس من صنع الطبيعة، ولم يوجد في العالم بشكل طبيعي طليق قبل عام 1977. وإنما تم تحضيره صناعيا في معامل مركز بحوث الحرب البيولوجية الأمريكية في منطقة فورت ديتريك بولاية ميريلاند. ضمن مشروع بحثي بدأ عام 1969.
وحسب ما ورد في البحث الذي قام به سيجال، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية لهذا المشروع عشرة ملايين دولار، وأشرف على تنفيذه الدكتور دونالد ماك آرثر نائب مدير المركز المذكور، بهدف إنتاج جيل من الفيروسات قادر على مهاجمة وتدمير الجهاز المناعي للإنسان واستخدام تلك الفيروسات في العمليات الحربية. على أن يستغرق تنفيذ المشروع من خمس إلى عشر سنوات طبقا للوثائق الرسمية المحفوظة بمكتبة الكونجرس.
وقد تمكن الصحفي موريسي من الحصول على نسخة من تقرير الدكتور ماك آرثربخصوص هذا المشروع، والذي قدم إلى إحدى لجان الكونجرس بتاريخ 9 يونيو1969 . وانفق وقت طويل في دراسته للتأكد من الخلفية التاريخية والقانونية وأصالة الوثائق المتعلقة بالموضوع.
من الناحية العلمية يزعم البروفيسور سيجال أن فكرة المشروع قامت على تخليق الفيروس الجديد باستخدام نوعين من الفيروسات الطبيعية، هما فيروس (VISNA) الذي يصيب الأغنام بأمراض قاتلة ولكنه لايصيب الإنسان.
وفيروس (l HTLV) الذي نجح الدكتور روبرت جالو عام 1975في عزله لأول مرة. ويصيب الإنسان بأمراض نادرا ماتؤدي إلى الوفاة. ويؤكد سيجال أنه يستحيل علميا أن يؤدي اجتماع هذين الفيروسين أو اختلاطهما في الظروف الطبيعية إلى ظهور سلالة الفيروس الجديد. مالم يتدخل مؤثر صناعي أو خارجي لتوفير ظروف معينة تؤدي إلى إحداث الطفرة الضرورية للحصول على فيروس بالخصائص المطلوبة.
ورغم خطورة المعلومات التى تضمنها تقرير سيجال، ورغم محاولات موريسي المضنية مع العشرات من الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية الأمريكية والأوربية لنشره أوإلقاء الضوء عليه، لتتولى المحافل العلمية المتخصصة الرد عليه نفيا أوتأكيدا. فقد التزمت وسائل الإعلام الغربية الصمت المطبق إزاء الموضوع حتى نشر موريسي مقالا ضمنه الملابسات المتعلقة بهذه الفضيحة عام1994. بل إن سيجال نفسه تعرض للهجوم واتهام الدكتور جالو (أحد المسئولين عن المشروع الأمريكي) له بالعمالة للروس. وبأن بحثه لا يعدو أن يكون نوعا من الدعاية السوداء التي تبثها أجهزة الدعاية السوفييتية.
من المثير أن سيجال يؤكد أن النظرية الشائعة عن ظهور الإيدز بين القردة الإفريقيةعام1983ثم انتقاله منها إلى البشر ترفضها المحافل العلمية الدولية بالإجماع. وأن المرض اكتشف وسجلت أولى حالاته رسميا في مدينة نيويورك الأمريكية عام1979. نتيجة قيام المركز البحثي الأمريكي المذكور بتجربة الفيروس الجديد على عددمن المتطوعين من المساجين المحكوم عليهم بالإعدام أوعقوبات سجن طويلة.
بعدالاتفاق معهم على الإفراج في حالة نجاح التجربة ومكافأة لهم على تحمل المخاطرة! وبعد احتجاز هؤلاء المتطوعين تحت المراقبة الطبية مدة ستة أشهر من لحظة حقنهم بالفيروس. تم الإفراج عنهم بالفعل لعدم ظهور أعراض مرضية عليهم. وتوجه البعض منهم للعيش في نيويورك. وكان من بينهم أفراد مصابون بالشذوذ الجنسي. ومن هنا بدأ ظهور الإصابات الأولى بالمرض الجديد في نيويورك. والشيء الذي لم يعرفه العلماء في وزارة الدفاع الأمريكية في ذلك الحين (طبقا لنظرية سيجال) أن فترة الحضانة التي تمضي بين غزو الفيروس الجديد للجسم وظهور الأعراض المرضية على المصاب قد تطول إلى سنوات وليس مجرد ستة شهور.
وهكذا أدى التعجل في الإفراج عن المتطوعين الذين حقنوا بالفيروس إلى هذه الكارثة الإنسانية والطبية الفادحة والفاضحة والآن، وبعد مرور عدة سنوات من الصمت والتعتيم على تقرير سيجال وموريسي معا لازالت نفس الأسئلة الحائرة تبحث عن إجاباتها، وفي مقدمتها هل نظرية سيجال عن تخليق الفيروس الجديد معمليا صحيحة أم خاطئة؟ غير ان ما يشغل المهتمين بتقرير العالم الروسي بالفعل هو معرفة حقيقة ماجرى في مركز فورتدريك بين عامي1969 و1977 بخصوص هذا المشروع. وهل ما جرى كان خطأ غير مقصود أو تجربة عسكرية أفلتت من السيطرة أم مخططا مدروسا ومقصودا؟.