عباس و مصيدة بوش ...!!
سيحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضيفا صباح اليوم علي البيت الابيض، حيث من المقرر ان يلتقي نظيره الامريكي جورج بوش ويلتقط معه الصور الي جانب المدفأة الشهيرة بعد مصافحات حارة وابتسامات متبادلة.
من حقنا ان نقلق، وان نضع ايدينا علي قلوبنا خوفا من النتائج التي يمكن ان تترتب علي الزيارة، فالرئيس بوش، مثلما تفيد التسريبات الاخبارية الامريكية والاسرائيلية، هو الذي وجه الدعوة الي الرئيس الفلسطيني، من اجل ممارسة ضغوط عليه للتوصل الي اتفاق ما يحمله معه الي القدس المحتلة، ويعلنه هناك، اثناء مشاركته في الاحتفالات بمرور ستين عاما علي قيام اسرائيل علي الارض الفلسطينية.
فالرئيس عباس ليس مثل سلفه ياسر عرفات، يستطيع ان يقاوم الضغوط الامريكية ويتمسك بالثوابت دون ان يتزحزح عنها قيد انملة، فهو لا يحظي بدعم الاجماع الفلسطيني، ولا حتي بدعم غالبية عناصر تنظيم فتح الذي يحكم باسمه، ويعتمد اعتمادا مباشرا علي المساعدات المالية الامريكية التي تأتي اليه عبر قناة سلام فياض رئيس الوزراء، باعتباره الشخص المعتمد، وموضع ثقة الدول المانحة.
ويمكن تلخيص مخاوفنا من هذه الزيارة لواشنطن، واللقاءات التي ستجري خلالها في النقاط التالية:
اولا: الرئيس عباس كشف امس في حديث لقناة العربية ان هناك مفاوضات سرية فلسطينية ـ اسرائيلية تجري بعيدا عن اعين الاعلام. وكان السيد احمد قريع رئيس فريق المفاوضات الفلسطيني قد اشتكي من وجود قناة تفاوضية موازية وسرية تتم من خلف ظهره. اي ان التاريخ يعيد نفسه، فمثلما كان السيد قريع يتفاوض في اوسلو خلف ظهر الدكتور الراحل حيدر عبد الشافي والفريق المفاوض معه انطلاقا من قرارات مؤتمر مدريد، جاء من يذيق السيد قريع من الكأس نفسه، ويفتح قناة مفاوضات سرية دون علمه.
السؤال هو: لماذا يلجأ السيد عباس الي المفاوضات السرية طالما ان هناك مفاوضات علنية يقودها السيد قريع الرجل الثاني في تنظيمه، ومن المفترض ان يكون محل ثقته، ثم ماذا يجري في هذه المفاوضات السرية والعلنية، اليس من حق الشعب الفلسطيني ان يعرف ماذا يطبخ له ولقضيته؟
ثانيا: خرج علينا السيد عباس بتصريحات قال فيها انه يسعي للتوصل الي اتفاق اطار وليس اعلان مبادئ كنتيجة لمفاوضاته مع الاسرائيليين برعاية امريكية، ولا نعرف اسباب هذا التلاعب بالكلمات، فالفروق بسيطة جدا بين الاثنين، والشعب الفلسطيني ما زال يكتوي بنار اتفاق اوسلو الذي هو اعلان مباديء ووظفته اسرائيل لمضاعفة استيطانها، وتدمير منظمة التحرير ومؤسساتها، واخراج حركة فتح كبري المنظمات الفلسطينية واهمها من دائرة المقاومة.
ثالثا: تتردد انباء ان الولايات المتحدة تفضل تأجيل القضايا الكبري الخلافية مثل القدس والمستوطنات لمدة خمس سنوات، واقامة دولة فلسطينية مؤقتة في الضفة الغربية، والغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي، باعتباره حقا غير عملي لا يمكن تطبيقه.
رابعا: الرئيس عباس صرح، بالصوت والصورة، لقناة العربية ايضا انه سيتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين لا سيما في لبنان مؤكدا انه لن يبقي في لبنان اي لاجيء فلسطيني ولكنه لم يقل الي اين سيعود هؤلاء، هل سيعودون الي الجليل وحيفا وصفد وعكا حيث ما زالت بيوتهم واراضيهم موجودة، ام الي الدولة الفلسطينية التي ستقام علي اشلاء الضفة الغربية وقطاع غزة؟
خامسا: السيدة تسيبي ليفني التي حظيت باستقبال حار في الدوحة قبل اسبوع، وهو امر مؤسف، قالت ان حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب ان يمارس في الدولة الفلسطينية تماما مثل حق العودة لليهود الي الدولة اليهودية، وذهبت الي ما هو ابعد من ذلك عندما قالت ان عرب 48 الذين يقدر تعدادهم بمليون ومئتي الف مواطن فلسطيني يجب ان يعودوا ايضا الي هذه الدولة الفلسطينية، اي طردهم من اسرائيل.
سادسا: تتردد بكثرة هذه الايام مقولة عرض اي اتفاق يتوصل اليه الرئيس عباس علي الشعب الفلسطيني في استفتاء عام، ومن المؤلم ان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقع في هذه المصيدة بحسن نية، عندما قال للرئيس الامريكي جيمي كارتر انه يقبل بأي اتفاق يقره الشعب الفلسطيني في استفتاء عام حتي لو جاء متعارضا مع مواقف حماس .
ونخشي ان تعمي اضواء الاعلام المرافقة لزيارة الرئيس كارتر قادة حماس عن بعض الحقائق، وعليهم ان يتذكروا ان لقاءات كهذه هي التي دفعت الرئيس عرفات للتنازل عن مشروع الدولة العلمانية علي كل فلسطين، والقبول بقرار مجلس الامن رقم 242 وحل الدولتين، ومن ثم نبذ الارهاب او المقاومة، وتبني الحلول السلمية كخيار وحيد للتسوية.
الاستفتاء في حال حدوثه سيقتصر علي اهالي الضفة والقطاع فقط، ويمكن تزويره بسهولة علي ايدي من زوروا التاريخ ونفوا وجود شعب اسمه شعب فلسطين.
سابعا: العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني يتواجد في واشنطن هذه الايام، والتقي الرئيس بوش قبل ان يلتقي الثاني الرئيس عباس، الامر الذي يؤكد ان هناك جهودا متسارعة لبلورة اتفاق ما ، وهناك من يهمس في الاردن بان عودة صيغة المملكة المتحدة بين الضفتين باتت موضع دراسة مستفيضة، ومن ضمن الخيارات المطروحة حاليا وتلقي قبولا من الادارة الامريكية.
ثامنا: كل هذه الزيارات واللقاءات والمفاوضات السرية والعلنية، والقنوات الموازية وغير الموازية، وتحالف دول المعتدلين وزيارات رايس التي بلغت حتي الان 15 زيارة في اقل من 18 شهرا، وقمم عباس واولمرت التي اقتربت من الرقم 17، نقول رغم كل هذا السيرك لم يتم حتي الآن تفكيك حاجز عسكري اسرائيلي في الضفة، او وقف بناء وحدة سكنية واحدة في المستوطنات المحيطة بالقدس الشرقية المحتلة رغم صراخ السيد عباس وعويل المتحدثين باسمه.
تاسعا: الرئيس عرفات صمد لاكثر من اسبوعين في كامب ديفيد، وواجه ضغوطا لا تحتملها الجبال من قبل الرئيس بيل كلينتون وبعض الزعماء العرب، ورفض القبول بأي سيادة منقوصة علي القدس، او التنازل عن حق العودة، لانه كان يدرك ان اي اتفاق لا يتضمن القدس واللاجئين سيكون نهايته، وقال للرئيس كلينتون انه سيمشي في جنازته اذا وقع هذا الاتفاق. وللتاريخ نؤكد ان الرئيس عباس كان من اكبر المساندين لعرفات في هذا الموقف في مواجهة مجموعة من المستسلمين الذين كانوا يحيطون به ويشجعونه علي التفريط.
الرئيس عرفات اختار ان يموت شهيدا في مقره في رام الله علي ايدي الاسرائيليين، علي ان يموت خائنا برصاص أحد ابناء شعبه، وسجل بذلك سابقة لكل مسؤول فلسطيني من بعده. ولا بد ان السيد عباس يعرف هذه الحقيقة وهو يجلس الي مائدة المفاوضات مع الرئيس بوش صباح اليوم.
عاشرا: اي اتفاق سلام او اطار او اعلان مباديء يتم في ظل حال الانقسام الفلسطيني الراهن، وفي ظل الحصار التجويعي الذي يمر به الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، هو مشروع فتنة وربما حرب اهلية ولذلك كان علي السيد عباس ان يذهب الي دمشق او غزة او القاهرة ويلتقي قادة حماس لانهاء هذا الوضع الشاذ المؤسف، وبعدها يذهب الي واشنطن او موسكو او اي مكان آخر.
نتمني، بل ونصلي، ان يصمد الرئيس عباس في مواجهة ضغوط رايس وبوش وبعض الزعماء العرب الذين يتوقون للدخول في حلف مع اسرائيل ضد ايران وسورية و حزب الله و حماس ، وان لا يسمح باستخدام هذه القضية الفلسطينية العادلة كورقة لتنفيذ حروب امريكية قذرة ضد اشقاء عرب ومسلمين، لتكريس الهيمنة الاسرائيلية ـ الامريكية علي المنطقة.
نحن مع السلام الذي حددته الثوابت الفلسطينية وقرارات المجلس الوطني، والميثاق الفلسطيني، وقرارات الامم المتحدة جميعا بما في ذلك قرار حق العودة، ولا نعتقد ان ما تطرحه واشنطن حاليا من حلول تقترب من نصف هذه الثوابت، ولذلك الحذر مطلوب والتحذير ايضا.