** منذ الثورة المصرية عام 1952م.. ومجيء جمال عبدالناصر إلى السلطة بعد الانقلاب على (محمد نجيب) وحتى اليوم.. فإن المنطقة العربية لم تشهد محاولات جادة.. وصادقة.. وفعالة.. لتحقيق الوحدة العربية على أسس صحيحة.. وواقعية.. كما هي تجربة دول مجلس التعاون الخليجية الست التي رافقت تشكيل هذا المجلس في العام (1981م) وتمكنه من الاستمرار وإثبات الوجود والصمود أمام جميع التحديات ومحاولات التشكيك فيه .. بدءاً بمقاومة قيامه واتهامه بأنه (جنين غير شرعي) لأب موجود.. وكيان مستقر منذ العام (1945) وحتى اليوم.. وهو الجامعة العربية..
** لكنه ورغم تلك الهجمة الضارية والمبكرة التي وصلت حد الاتهام لهذا الكيان الخليجي العربي بأنه (صنيعة) لدول الغرب.. ومحور من محاور وتكتلات تفتيت الأمة، الا أن دول المجلس أثبتت على مدى الثلاثين عاماً انها دول عربية أصيلة.. وأن تجمعها لم يعد بالخير عليها فقط.. وإنما عاد به على أمتها أيضاً.. كما أثبتت أيضاً انها بعملها المشترك.. وتعاونها البناء كانت أكبر سند لقضايا الأمة والدفاع عن مكتسباتها أيضاً..
** وبالمقابل فإنه لا حلف بغداد الذي أُسس عام 1955م والذي مات قبل ولادته، ولا الوحدة المصرية / السورية عام (1958م) لم تستطع أن تصمد أكثر ! من (ثلاث سنوات ونصف) .. ولا الاتحاد المغاربي الذي تكون عام (1989م) استطاع ان يعيش.. أو أن يفعل شيئاً لمنظومته العربية المغاربية.. ولا الاتحاد العربي الذي قام في نفس الفترة والتحقت به اليمن استطاع هو الآخر ان يعيش يوماً واحداً.. ولا مشاريع الوحدة الزائفة التي كان يدعو لها ويبشر بها العقيد معمر القذافي على المستويين العربي والافريقي استطاعت ان ترى النور.. ومن باب أولى ان تقدم شيئاً لهذه الأمة..
** وحتى الجامعة العربية .. ومنذ تأسيسها وحتى اليوم لم تستطع ان تعمل على توحيد كلمة العرب فضلاً عن أن تجمعهم في تكتل سليم.. وقوي .. ومتماسك..
** بل على العكس من ذلك فبدلاً من أن تقوم بهذ الدور الحيوي.. فإنها كانت - في الآونة الأخيرة - متحمسة كل الحماس لمشروع تحالف إقليمي مع دول الجوار.. وتحديداً مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في وقت كانت فيه دول العالم وشعوبه ترصد تدخلاتها القوية في الشؤون الداخلية للدول العربية مجتمعة ودون استثناء..
** أما مجلس التعاون الخليجي .. فقد ظل هو المنظمة العربية والاقليمية الوحيدة التي استطاعت أن تستمر، وأن تواجه الأخطار والعواصف العاتية التي هبت على المنطقة مراراً وكادت أن تقتلع بعضها من جذورها.. تارة بالتآمر على دولها وشعوبها.. وطوراً بإثارة الفتنة بين شعوبها وأنظمتها.. بل بين بعض شعوبها ضد بعضها الآخر.. ومرة ثالثة بالعدوان عليها والتآمر على أنظمتها وتشريد شعوبها وقيادتها.. كما حدث عند غزو صدام حسين للكويت عام (1990م)..
** كما أن دول المجلس الست.. ظلت هي الدول الأنموذج في الأمن والاستقرار بالرغم من تعرضها لهجمات الإرهاب الضارية والزج بها في مشكلة هائلة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكافة دول العالم وشعوبه بعد أحداث (11) سبتمبر عام 2001م..
** وإذا ذُكرت الدول الأكثر نمواً وتقدماً خلال السنوات الثلاثين الماضية فإن أحداً لا يستطيع أن يحجب عين الشمس ويتجاهل ما تحقق في بلداننا.. ولصالح شعوبنا ولله الحمد.. ومع ذلك فإننا كنا وما نزال نطالب بالمزيد، ونتطلع إلى ما هو أكثر وأكثر .. ولم نكتف بالقول إن كل شيء على ما يرام..
** والحقيقة أنه لولا سلامة المسار الذي انتهجته دولنا الست ، لما تحقق كل هذا.. ولما ظلت شعوبنا ترفع سقف المطالب والاحلام بهدوئها المعهود.. وبتصالحها مع النفس.. وبكراهيتها للفوضى.. أو اللجوء إلى الغوغائية.. ولميلها إلى العمل الصامت.. ولتمسكها بالأمل الدائم والمستمر في التغيير.. وحرصها على تحقيقه..
** واليوم وقد اتخذ قادة المجلس قرارهم التاريخي في (عاصمة القرار العربي الرياض) يوم الثلاثاء الماضي.. بقبول المملكة الاردنية الهاشمية عضواً في المجلس ودعوتهم للمملكة المغربية للالتحاق به أيضاً.. فإن أحداً لا يمكن الا ان يتوقع النجاح لهذا التجمع المبارك فهو مرحلة جديدة من مراحل النضج العربي في التعامل مع الأحداث والتطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة أملاً في التغيير إلى الأفضل.. لكننا لاحظنا أن بعض الأطراف الاقليمية والدولية قد سعت وماتزال تسعى إلى توظيفها لصالح أجنداتها ومخططاتها الخطيرة في لمنطقة .. بدل دعمها.. وتعزيز خطواتها الموفقة في الثورة على الذات..
** ذلك أن دول المجلس.. بانضمام الأردن والمغرب إليها اليوم ودول عربية أخرى في مرحلة قادمة.. تكون قد جسدت حلم هذه الأمة في التوجه نحو الوحدة الحقيقية بدءا بتحقيق التكامل التام بين دولها المتجانسة.. والمتفاهمة.. حتى تكون هذه الدول الثماني.. بمثابة قوة دعم حقيقية.. سياسياً.. واقتصادياً.. واجتماعياً.. وأمنياً.. لكافة الشعوب العربية التي دخلت مرحلة التغيير مثل تونس ومصر.. أو تهم بدخول حياة جديدة فيها كما هي الحال في ليبيا.. واليمن.. وسورية.! . وبالذات في ظل غياب الجامعة العربية.. وضعف أدائها على كل المستويات.. وكذلك في ظل غياب المرجعية العربية بعد تضعضع الوضع العربي.. وبلوغه درجة الانهيار مع كل أسف..
** ولاشك أن هذا الوضع العربي المتصدع.. كان بحاجة إلى مثل هذه الخطوة الجريئة بكل المقاييس (القومية) وبكل الحسابات (السياسية والأمنية) الدقيقة.. فالعرب يواجهون الآن حالة غرق.. وليس هناك من يقوم بدور المنقذ لهم الا الدول الأكثر استقراراً.. والشعوب العربية الأصيلة في مواقفها.. ودوافعها.. ومنطلقاتها..
** وكم سنكون سعداء.. حين يلتئم العقد العربي من جديد.. ويصبح مجلس التعاون الخليجي في القريب بمثابة أول وأكبر مجلس تعاون عربي.. يتقدم طلائع هذه الأمة.. بكل ما أخذت تتطلع إليه من مستقبل أكثر أماناً.. وأعظم استقراراً.. وتحرراً من كل صنوف التسلط والاستبداد وخنق الحريات وهيمنة الفقر والتخلف على أجزاء كثيرة من وطننا العربي الكبير.
***
ضمير مستتر:
**(لا مستقبل لأي أمة.. لا تميّز بين عدوها وصديقها.. ولا تتحرك لنجدة إخوتها وحمايتهم وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم إلى المستقبل الأجمل).
مقآل للـ د. هاشم عبده هاشم
جريدة الرياض ..