بدأت فكرة الكتابة عن الوقت الذى أمضيته فى الأمم المتحدة تتلاعب
برأسى، منذ أن تركت منصبى فى "نيويورك" فى مارس عام 1999، إلى درجة أنى قمت
بإختيار عنوان وهو" ذكريات سفير مصرى فى الأمم المتحدة"، وقد قام بعض
أصدقائى بتشجيعى على الخوض فى هذا العمل ولكنى كنت متردداً لسببين، السبب
الرئيسى أن الكتابة فى حد ذاتها تحتاج إلى مساحة من الوقت، والسبب الآخر
أنها ستكون بمثابة تسريب لأسرار الدولة، ولم أكن مستعداً بعد لمباشرة مثل
هذه المحاولة.
أود الإشارة إلى إحدى المسئوليات الهامة التى كان يجب على رفضها عندما كنت سفيرا فى جينيف وهى تحكيم طابا.
فى حقيقة الأمر بدأت التعامل مع هذا الملف عندما عُينت للمرة الثانية
المستشار القانونى لوزارة الخارجية فى نوفمبر 1983 وذلك بعد رجوعى من منصب
سفير مصر لدى الهند، ووجدت نفسى أواجه مشكلة لا يمكن حلها.
ارتفعت وتيرة النزاع بين مصر وإسرائيل فى الوقت الذى يعمل فيه كل جانب على
إنهاء الترتيبات اللازمة لانسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء المقرر أن
يجرى فى 25 ابريل 198. وفى اللحظة الأخيرة، تنازعت إسرائيل على حدود طابا،
ودخل الجانبان فى مناقشات بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وأخيرا تم
توقيع اتفاقية مؤقتة تضمن انسحاب إسرائيل من جميع أراضى سيناء ماعدا طابا،
ولكن وقع الجانبان يوم 25 ابريل 1982 مع الأخذ فى الاعتبار أمر طابا، على
أن يسوى الطرفان النزاع القائم بينهما وفقا لشروط المادة السابعة من معاهدة
السلام والتى تنص على:
1- تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق التفاوض.
2- إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق التفاوض فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.
أرادت الحكومة الإسرائيلية حل النزاع من خلال المصالحة برؤية استفزازية من
الناحية التوازنية والسياسية، فى حين أصرت مصر على التحكيم الدولى لتضمن
أن تكون النتائج وفقا للحقائق التاريخية والقانون. وبعد مفاوضات شاقة بدأت
فى 1982، كان من المحتمل أن يتم التوصل إلى تسوية فى الحادى عشر من سبتمبر
1986 لإحالة النزاع إلى التحكيم الدولى.
كانت هناك العديد من الصعاب فى الموافقة على أسماء لمحكمة التحكيم،وأخيرا
اقترحت الولايات المتحدة قائمة تضم ما يقرب من 40 اسما بحيث يتفق الطرفان
على اثنين منها، وبعد ذلك اقترح الطرفان فى أحد الاجتماعات بجنيف قائمة
بسبعة أسماء وأخيرا تم اختيار رئيس لمحكمة التحكيم.
فى 1985، باشرت مصر على وضع خطة شاملة للاستعداد، فتم تعيين لجنة قومية
يرأسها وزير الخارجية بأمر وزارى من رئيس الوزراء وتم تمثيلى كمقرر اللجنة.
وتضم عضوية اللجنة أساتذة قانون، ومؤرخين وخبراء عسكريين وخبراء فى علم
الجغرافيا والمساحة بالإضافة إلى أعضاء من وزارة العدل ومجلس الدولة
وبالطبع العديد من الدبلوماسيين من وزارة الخارجية. وأجرى البحث فى مختلف
تلك النواحي، كما تمت مراجعة الأرشيفات البريطانية وأرشيفات الإمبراطورية
العثمانية. حتى فإن الأرشيف الإسرائيلى كان متاحا جزئيا خلال عمليات النشر
التى تجريها الحكومة الإسرائيلية فى بياناتها الرسمية حول مفاوضات الهدنة
والتى تتضمن بعض المعلومات الهامة التى لم استطع إيجادها فى أى مكان أخر.
علاوة على ذلك تم مراجعة أرشيف عصبة الأمم لوضع رؤية ذات خلفية تاريخية
كاملة عن فلسطين المنتدبة. فكنا فى حاجة لفحص جميع الخرائط وهنا يجب أن أكد
ما ذكرته فى إحدى الحوارات الصحفية بالماضى أن الكثير من المصريين وخاصة
الضباط العسكريين السابقين خلال فترة الانتداب أتوا بالخرائط التى كانت
بحوزتهم وكان هناك اهتمام عام لمشاركة الشعب المصري. واتصل بى إسماعيل شرين
صهر أخر وزير دفاع خلال فترة حكم الملك فاروق ثم عرض خدمته، فقد شغل منصب
كولونيل فى وزارة الدفاع خلال فترة اتفاقية الهدنة.
كانت المفاوضات التى انتهت بتوقيع اتفاقية تهدف إلى إحالة النزاع إلى
التحكيم صعبة ومحبطة للغاية؛ فخلال المرحلة الأخيرة للمفاوضات التى بدأت فى
يناير 1986، ترأستُ وفدا مصريا بينما رأس الوفد الإسرائيلى ثلاثة مسئولون
رفيعو المستوى حيث مثل أحدهم رئيس الوزراء والثانى وزير الخارجية "بريز"
والثالث وزير الدفاع إسحق رابين ولعبوا الثلاثة لعبة الشد والجذب . وكان
الهدف الأساسى لمصر هو التأكد من أن أعضاء لجنة التحكيم يمتازوا بالمساواة
والنزاهة. وهذا ما حدث وعينت مصر الأستاذ الدكتور حامد سلطان حكما لها
والذى يعتبر فى تلك الفترة عميد المحامين العرب بينما عينت إسرائيل الأستاذ
روث لابيدوت من جامعة القدس. وعندما خولت لى سلطات القسم القانونى وملف
طابا تم إعلامى أن الحكومة المصرية ترغب فى ترشيح الأستاذ الدكتور وحيد
رأفت حكما، فلم أكن مقتنعا بهذا الاختيار والسبب الأساسى أن الأستاذ رأفت
الذى لاشك بأنه محام معروف إلا أنه سريع الانفعال ويمكن لأسلوبه أن يثير
غضب الحكام الآخرين فى حين يعتبر الأستاذ سلطان بإجماع الاراء متسما
بالسلاسة فكلاهما محاميين متميزين ولكن كحكماء أحدهما يعد عامل سلسا،
وعندما اتضحت رؤيتي، طلب منى أن أرسل النتيجة للأستاذ رأفت مما تعد من أصعب
اللحظات فى حياتي، فقد كان شخصية أبية جدا وشديد الغضب. كان الدكتور رأفت
فى أوائل الثلاثينيات مساعدا لوالدى بكلية الحقوق جامعة القاهرة فكان
يعاملنى على أننى رجلا صغير السن . وعلى الرغم من ذلك، فقد تقبل الاختيار
بكل كرامة واستمر فى ذلك من أمره حتى وافته المنية فى 1986، فارتباطه بفريق
القانون ونصائحه ووجهة نظره أمر قيم وثمين وله كل الاحترام.
اعتمد فوز مصر بحكم المحكمة على كلمات عبارة "العمود النهائى عند رأس طابا"
التى ظهرت فى التسوية ولكن المحكمة تمسكت بطرح سؤال حاسم حول ما إذا كانت
هذه الكلمات حقا تشير إلى الموقع المصرى." كما إن مصر ليست على علم بإزالة
العمود الأخير وعندما توصل الطرفان إلى تسوية، كان الموقع الذى طرحته مصر
وتم تحديده بالفعل هو موقع العمود الأخير، وألغت إسرائيل، بسوء نية، هذه
الحقيقة الهامة واعتقدت المحكمة أن إسرائيل ليست فى موقف أفضل جراء مثل هذا
الفعل.
والنقطة الأخيرة هنا، أن بمجرد حصولنا على قرار المحكمة فى 29 سبتمبر 1988،
فكان من وجهة نظرى، أن أصعب مرحلة بعد ذلك قد بدأت، فلم يكن هناك وكالة
لتنفيذ القانون فى محكمة القانون الدولية بالوقت الحاضر، وواجهت الكثير من
المصعاب فى محاولة تشفى بعض المعلومات من العميل الإسرائيلى السفير سابل،
كما ذكر لى أكثر من مرة أن الحكومة الإسرائيلية مازالت تدرس قرار المحكمة
ولم تقرر بعد ما إذا كان سترفع دعوة قضائية ضد قرار المحكمة فالتقينا فى
روما ولندن ونيويروورك وواشنطن لأتلقى نفس الرد؛ وأخيراعقد اجتماعى وزراء
خارجية مصر وإسرائيل فى باريس وتحت ضغط من وزير الخارجية المصرى عصمت عبد
المجيد وبعد عدة مشادات كلامية بينى وبين بنيامين نتانياهو نائب وزير
الخارجية الإسرائيلي، وافق أرينو وزير الخارجية الإسرائيلى على دخول
الجانبين فى مفاوضات لتنفيذ الحكم كما اتفقا على أن يلتقى الوفدان فى طابا
لأخذ الترتيبات اللزمة، واستمريت فى منصبى كرئيساً للوفد المصرى ولكن غيرت
إسرائيل ليرأس الوفد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية وأحد عملاء
الموساد سابقا.
وركزت المفاوضات على ثلاث نقاط:
(أ) تنفيذ الإنسحاب وفقا للحكم
(ب) شراء الفندق
(ج) اتخاذ الترتيبات العملية لدخول وخروج السياح الإسرائيليون فى منطقة طابا.
نيويورك 1991-1999
كانت بداية تكليفى فى نيويورك فى أغسطس عام 1991 تعد بمثابة بداية لما يمكن
تسميته بحقبة ما بعد الحرب الباردة، فى عام 1996 أختيرت مصر للعمل كعضو
مؤقت فى مجلس الأمن لمدة عامين، وسرعان ما أصبح واضحاً أن المجلس كان فى
حاجة ماسة إلى الإصلاح. فطوال فترة عملى كسفير بالأمم المتحدة كانت القضية
الفلسطينية دائماً مشكلة قصوى حتى بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993، إلى جانب
مختلف الجوانب المتعلقة بالإجراءات الإسرائيلية التى تتطلب اعتبارات عاجلة
وأيضاً اثنين من القضايا العربية الأخرى مثل قضية البوسنة التى هيمنت على
الموقف اَنذاك بالإضافة إلى أن تطبيق العقوبات على العراق وليبيا سوف
تستهلك الكثير من الوقت والجهد وكانت سبباً رئيسياً للمواجهة مع الولايات
المتحدة الأمريكية.
وقد كان توقيع العقوبات على العراق أمر متوقع منذ أن قامت العراق بالغزو
على دولة مستقلة وذات سيادة، ومع ذلك فإن قسوة ووحشية هذه العقوبات قد فاقت
الحد.
انتخابات الأمين العام
تزامن وصولى إلى "نيو يورك" كممثل دائم عام 1991 مع ترشح الدكتور" بطرس
غالى" -الذى شغل فى ذلك الوقت منصب نائب رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية فى
مصر- لمنصب الأمين العام، فى الوقت الذى قدمت فيه منظمة الوحدة الإفريقية
ستة أسماء أخرى لمرشحين أفارقة.
كان أكثرهم تميزا ً الدكتور "بطرس غالى"، "الجنرال أوبسانجو" الرئيس الفعلى
لنيجيريا، و الدكتور "شيدزيرو" وزير المالية بزمبابواى، وسرعان ما أصبح
واضحا ً ان على تكريس كل جهودى فى الشهور المقبلة وتسخيرها لدعم المرشح
المصرى.
توالت المفاوضات طوال شهرى سبتمبر وأكتوبر لعام 1991 داخل المجموعة
الإفريقية لدعم واحد من الثلاث مرشحين الرئيسين وكان لنيجيريا الحظ الأكبر
لكونها رئيسة منظمة الوحدة الأفريقية. فى هذه الأثناء عقد اجتماع لرؤساء
الدول الأفريقية فى نيويورك فى محاولة لإختيار أحد المرشحين، وقد كان
اجتماعا ً صعبا ً لم يحضر وزير الخارجية المصرى وترك على عاتقى إيجاد حل
حتى لايسقط ترشيح "بطرس غالى"، فى هذه اللحظة قررت تجنب الدخول فى مهاترات
وحصرت نفسى فى تقديم العقبات القانونية، وبالفعل طلبت السماح لى بالحديث،
واندفعت قائلاً:" لم يحضر وزير الخارجية المصرى وأنا هنا لأمثله، ولن أقوم
بتقديم أى اقتراحات ولكن بكونى محام يجب على أن أشير إلى الوزراء
المتميزين الذين إنحصروا فى ستة مرشحين وقع الإختيار عليهم من قبل رؤساء
الدول أثناء اجتماعهم فى "أبوجا" فى يوليو 1991،ونحن اليوم فى اجتماع وزارى
لا يمكن له أن يتخطى قرار القمة".
بالنظرإلى الماضى أدركت أنه كان يجب اتباع المثل القائل بأن"كل شئ مباح فى
الحب والحرب" وقد كانت الحرب قد احتدمت فعلاُ داخل المجموعة الإفريقية،
وبعد العديد من المشاورات بين أعضاء مجلس الأمن كان على أن ألجأ إلى صيغة
لفظية من الحيل القذرة على أن تتضمن التأكيد على أن "أحد المرشحين " ضابطاً
بالجيش، وبالطبع لا يرجح أحد تولى ضابط فى الجيش منصب الأمين العام، أما
بالنسبة "للمرشح الآخر" فهو ماركسى شهير. وفى اعتقادى أن هذه الحجج التى
تناولتها من شأنها أن تطيح لمدى بعيد بالقوى الغربية.
مرة أخرى وبكل تواضع يجب على أن أعترف أنه تم قطع الكثير من الوعود الحميدة
لضمان دعم الدول الإفريقية وأعضاء مجلس الأمن للاثنين من الثلاثة
المترشحين، وكانت نيجيريا هى الدولة الإفريقية الثالثة التى تمكن سفيرها
"إبراهيم غمبارى" من الضغط بنجاح من أجل مرشحه. وقد قمت بحث "القاهرة"
للإبقاء على إتصال العلاقات أو الضغط -إذا جاز التعبير- على الثلاث دول
الإعضاء فى مجلس الأمن. وفى مرحلة من منتصف نوفمبر تراءت لى الدلائل التى
تشير أنه لم يتبق سوى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى هم من
يترددون فى دعم "بطرس غالى". فى خلال هذه الفترة كنت أعمل عن قرب مع الممثل
الفرنسى الدائم ونائبه وهو حالياً الممثل الدائم فى نيويورك، وبعد العديد
من الاجتماعات تمكنا من التوصل إلى نتيجة نهائية وهى أن فى حالة عدم
إنتخاب "بطرس غالى" لن يتم إنتخاب أى مرشح إفريقى، قمنا باستخدام هذا
البرهان فى إقناع الدول الأفريقية وباقى الدول، وأخيراً أخبرنى السفير
البريطانى "لورد حنا" بثقة فى الثامن عشر من نوفمبر قبل الموعد المحدد
لانعقاد الانتخابات، أن حكومته سوف تقوم بدعم "بطرس غالى"، وبالفعل عُقدت
الانتخابات وتم انتخاب "بطرس غالى" بواقع 11 صوت بلا معارضة، ومازلت على
يقين أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدعمه ولكنها فى الوقت نفسه لم
تعارضه فقد اكتفت بالامتناع عن التصويت. لا أستطيع أن أصف السعادة التى
شعرت بها أنا وزملائى فى البعثة الدائمة الذين بذلوا مجهودا شاقا للوصول
لهذا الإنجاز.
2-للأسف لقد كنت أيضاً جزء من فشل "بطرس غالى" فى إعادة انتخابه فى الوقت
الذى كنت أشغل فيه منصب رئيس المجلس فى يونيو 1996 حيث أعلنت الولايات
المتحدة الأمريكية معارضتها لإعادة انتخاب بطرس غالى. فى يوم 18أو 19من
يونيو تقريبا ً طلبت "مادلين أولبريت" مقابلتى لأمر عاجل وقد استقبلتها فى
مكتب رئيس المجلس وخلال المقابلة أعربت عن رغبتها فى شرح الأسباب التى دفعت
الحكومة الأمريكية للوصول إلى قرار رفضها إنتخاب"بطرس غالى"، ثم قامت بحصر
هذه الأسباب فى خمسة أسباب وهى:
• إنه وعد عند انتخابه للمرة الأولى عام 1991، أنه سوف يمارس عملة فترة لا تزيد عن مدة واحدة.
• انه ليس مديرا كفئا
• إنه غير ملتزم بفكرة الإصلاح
• كثير السفر
• إن سنه الكبير لا يسمح له بالتغيير
وقد جاء رد فعلى على ما قالته أنى لا أجد أى من هذه الأسباب على قدر كاف من
الجدية ثم تساءلت إذا ما كان هناك قضية بعينها دفعت حكومتها باتخاذ مثل
هذا القرار خاصة بوجود دعم هائل لإعادة إنتخابه.وقد جاء ردها بأنه ليس هناك
سبب محدد وانها "عندما يقتضى الأمر فهى دائماً قادرة على السيطرة على
الموقف" فتساءلت مرة أخرى عما إذا كان السبب هو موقفه فى إبريل الماضى
عندما قام بنشر تقرير عن "قانا" (لبنان) ولكنها طمأنتنى بأن القرار قد تم
اتخاذه فى مارس 1996 أى قبل شهر كامل من حادثة "قانا" بالرغم من إعلان هذا
القرار فى يونيو، فى الوقت الذى تواجدت فيه فى الساحل الغربى بالإضافة إلى
أنها ليس بيدها حيلة حول تاريخ إعلان القرار وأن هذا قرار خاص بالبيت
الأبيض.
سرعان ما أصبح واضحاً أن على أحدهم أن يقدم قراراً لمجلس الأمن لكى تبدأ
عملية الانتخابات، وقد كنت على إقتناع ان الولايات المتحدة سوف تدفع بأحد
الدول الأعضاء لإقتراح إعادة الإنتخاب ثم تقوم بإستخدام حق "الفيتو" ضده
ولكن فجأة وعلى غير المتوقع دعانى الأمين العام مساء السبت لمقابلته وهناك
زادت دهشتى، عندما وجدت ما يقرب من 10 سفراء وكل أعضاء مجلس الأمن مجتمعين
معاً لتسليم قرار إعادة انتخاب "بطرس غالى" و أن وزن الجماعة الأكبر سوف
يقنع الولايات المتحدة بالإحجام عن إستخدام حق "الفيتو" ضد القرار، وعلى
الرغم من عدم تحمسى لهذا النهج وشعورى الدفين أن الولايات المتحدة سوف
تستخدم حق الفيتو لم يكن لدى بدائل سوى القول أن مصر سوف تدعم وتشارك فى
رعاية هذا القرار وإنتهى الإجتماع بمطالبتى بعمل مسودة للقرار وطلب التعاون
فى رعاية القرار.
وبالفعل شارك 10 من الدول الأعضاء فى دعم القرار بما فى ذلك دول عدم
الإنحياز وهى الصين، روسيا،ألمانيا، إيطاليا وعندما عرض القرار للتصويت
تلقى 14 صوت تضمنت صوت المملكة المتحدة "إنجلترا" ولكن الولايات المتحدة
إستخدمت حق الفيتو، عقب التصويت قمت بإثارة نقطة نظام أشرت فيها أنه لا
يوجد فى وثيقة الأمم المتحدة أو القواعد الإجرائية للمجلس ماينص على أن
إعادة انتخاب الأمين العام يجب أن يتم التصويت عليها،ورد على السفير
البريطانى قائلاً إن هذه هى تقاليد مجلس الأمن.
بعد بضعة أيام تمت عملية التصويت بشكل غير رسمى. ووفقاً لممارسات مجلس
الأمن يجب أن يتم التصويت فى اجتماع رسمى فى نطاق عملية تدعى "اقتراع غير
رسمى" وقد كان "كوفى عنان" على رأس القائمة وقد انضم بعد حصوله على حوالى
12 صوتا على الرغم من وجود صوت سلبى لعضو دائم كان معروف من الجميع أنه
فرنسى. وحملت كل من "مصر" و"غينيا بيساو" باقى الأصوات المعارضة. وقد بذلت
"مادلين أولبرايت" ضغطاً شديداً على الدول الأعضاء وخاصة مصر وعلى الرغم من
اعترافى أنه كان واضحاً أننا لن نستطيع أن ندفع "ببطرس غالى" لإعادة
الانتخاب وأن استمرارنا فى ما نفعله كان يقود إلى معاداة "كوفى عنان" فقد
ظلت مصر صامدة على موقفها. وبالفعل نقلت وجهة نظرى للقاهرة وبعد العديد من
المشاورات تلقيت التعليمات بالإحجام عن معارضة "كوفى عنان"، ما لم أكن على
علم به وقتها أنه تم عقد اتفاق مع الفرنسى الذى صوت ضد "كوفى عنان" من أجل
إسقاط موقفهم المعارض فى مقابل حصوله على منصب وكيل الأمين العام لشئون
حفظ السلام وقد تم عقد الإتفاق بواسطة"كوفى عنان نفسه" ومازالت فرنسا تتقلد
هذا المنصب حتى يومنا هذا.
فى أول اجتماع لى مع الأمين العام الجديد عقب انتخابه، حاول أن يثبت لى أنه
لايحمل أى ضغينة إزاء الموقف الذى انتهجته مصر ضده وفى محاولة لإثبات حسن
نواياه عرض على "فايزة أبو النجا" -التى كانت فى ذلك الوقت المساعد الخاص
لـ"بطرس غالى"-إمكانية أن تستمر فى نفس المنصب القديم، ولكنها رفضت
واختارت العودة إلى وزارة الخارجية بالقاهرة، وقد خلفتنى بعد ذلك فى تمثيل
مصر فى "جينيف"، وأصبحت بعدها وزيرة فى مجلس الوزراء.
القرار المتعلق بالصهيونية
أشار الرئيس الأمريكى "جورج بوش" فى الخطاب الذى ألقاه فى الجلسة رقم 46
للجمعية العامة فى سبتمبر 1991 إلى ضرورة إبطال قرار عام 1975 والمتعلق
بالصهيونية، فى وقت لاحق أصبح السفير الأمريكى السيد "بريكينغ" –هذا الرجل
العملى المتمكن الذى أصبحت أعرفه جيدا ً وأكن له الكثير من الاحترام فى
الفترة التى شغل فيها منصب السفير الأمريكى فى إسرائيل خلال فترة المفواضات
حول النزاع على طيبة-متورطاً فى حشد الدعم للقرار، كانت لنا الكثير من
المحادثات التى شعرت فيها بتصميمه وأدركت أنه فى الغالب سوف ينجح فى جمع
الأصوات المؤيدة لإبطال هذا القرار، التقت المجموعة العربية عدة مرات
لمناقشة الموقف التى سوف تتخذه إزاء هذا القرار وقد كنت على إقتناع أن
القرار سيمر بغض النظر عن الموقف الذى ستقوم الدول العربية بانتهاجه ولذلك
تلاعبت برأسى فكرة تقديم قرار يعتبر الإجراءات التى تتخذها الحكومة
الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى مخالفة للقانون الدولى وشكلاً من أشكال
العنصرية، من منطلق انه بغض النظر عن الأيدولوجية الصهيونية فإن الإجراءات
الغير قانونية التى تنتهجها الحكومة الإسرائيلية هى ما يجب أن يثير قلق
المجتمع الدولى.
ويجب على أن أذكر أن الممثل الفلسطينى الذى أصبح فيما بعد وزير الخارجية
الفلسطينى، قد انحاز للفكرة التى قمت بطرحها ولكن للأسف لم تستطيع بقية
المجموعة العربية تقبلها، وقامت الجمعية العامة لأول مرة فى تاريخها بإبطال
القرار الآنف ذكره.
اللجنة الأولى
خلال حضورى لقمة دول عدم الإنحياز عام 1992 فى "جاكرتا" أخبرنى نائبى
الدكتور "نعمان جلال" أنه قام باقتراح أسمى وعلى إثر ذلك تم ترشيحى لرئاسة
اللجنة الأولى للجلسة رقم 47 للجمعية العامة، أدركت أن هذا سوف ينطوى على
الكثير من العمل الإضافى، وكان رأيى وفقاً للقاعدة العامة أنه من المستحسن
للممثل الدائم أن يبقى بعيداً عن رئاسة لجان الجمعية العامة لأن مثل هذه
اللجان تفرض المزيد من المسؤليات. ومع ذلك تم انتخابى وتكليفى بالمسئوليات
المفروضة، وكانت اللجنة الأولى مختصة بنزع السلاح وتضمن التركيز الرئيسى
لهذه الجلسة اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وقعت مصر الاتفاقية ولكنها لم تصدق عليها وجاء موقفها بناء على مبدأ تكامل
هذه الأسلحة مع الدمار الشامل كما صدقت مصر على معاهدة الحد من إنتشار
الأسلحة النووية عام 1980 عقب مشاورات معاهدة السلام مع إسرائيل، وبما أن
إسرائيل رفضت بالكثير من العناد التصديق على معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة
النووية فقد قررت مصر ألا تكون طرفاً فى المعاهدات الخاصة بالأسلحة
النووية والبيلوجية.
بكل صراحة أنا مقتنع أنه يجب إعادة النظر فى هذا الموقف بشكل دورى لتقييم صلته بالأمن القومى المصرى. المصدر