كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نية الإدارة الأمريكية تزويد حلفائها في منطقة الخليج العربي، وفي مقدمتهم السعودية، بأسلحة ومعدات عسكرية لتعزيز أمن هذه المنطقة في مواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية، وهو ما لقي معارضة داخل إسرائيل التي ترغب في الحفاظ على تفوقها العسكري بين جيرانها في الشرق الأوسط، وكذلك من جانب بعض أعضاء الكونجرس المموالين للدولة العبرية.
وفي هذا السياق أصدر "مكتب أبحاث الكونجرس" أو “Congressional Research Service” دراسة بعنوان: "الحوار الأمني الخليجي ومقترحات بيع الأسلحة" أو “The Gulf Security Dialogue and Related Arms Sale Proposals” . وأعد هذه الدراسة كل من "كريستوفر بلانشارد" “Christopher M. Blanchard” وهو أحد المتخصصين في الشؤون الشرق أوسطية والخارجية والدفاع، و"ريتشارد جريمت"“Richard F. Grimett” وهو متخصص أيضًا في شؤون الأمن الدولي والدفاع.
الكونجرس وصفقات التسلح
تسترجع الدراسة ما ذكره مدير وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأمريكي الجنرال "جيفري كوهلر" في أكتوبر 2006 بأن مبادرة الحوار الأمني الخليجي سوف تحرك على الأرجح صفقات الأسلحة إلى دول الخليج خلال عام 2007. وحسب إفادات "كوهلر" فإن تطوير قدرات الدفاع الصاروخي لهذه الدول يأتي على أولويات الأجندة الأمريكية. ومن ضمن صفقات الأسلحة التي ذكرها "كوهلر" معدات أمن الحدود والأمن البحري والتي تشمل أجهزة الردار والاتصالات.
وكانت العديد من التقارير الصحفية قد كشفت العام الماضي عن عزم الرئيس "بوش" بيع تكنولوجيا "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" والمعروفة اختصاراً بإسم "JDAM" إلى المملكة العربية السعودية، وهي قنابل ذكية في الأصل عبارة عن قنبلة "حرة السقوط" من طائرة قاذفة تم دمج "مجموعة توجيه "guidance kite" بذيلها لتعطيها القدرة على التوجه لأهدافها مستعينة بنظام تحديد المواقع العالمي.
وقد أثارت هذه التقارير ردود فعل معارضة داخل إسرائيل كما لاقت رفضاً من بعض أعضاء الكونجرس الذين أرسلوا خطابات إلى "بوش" يحذرونه فيها من أنه في حال عدم اتخاذ أي إجراءات أو وضع ضمانات للحد مما يعتبرونه مخاطر الـ"JDAM" على إسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة، فإنهم (أي النواب) سيقدمون أو على الأقل سيدعمون أي قرارات ترفض هذه الصفقة.
وبالتوافق مع أهداف المبادرة الأمنية المشار إليها، أبلغت الإدارة الأمريكية بالفعل الكونجرس رسمياً في الرابع عشر من يناير الجاري بعزمها بيع 900 قذيفة "JDAM" إلى السعودية.
ووفقاً للقانون الأمريكي فإنه يحق للكونجرس أن يرفض أي صفقات سلاح تحت "قانون التحكم في مبيعات الأسلحة،" إذ ينبغي على الإدارة الأمريكية إخطار الكونجرس بالصفقة والذي بدوره يجب عليه في غضون 30 يوماً تقديم قرار مشترك بين مجلسي النواب والشيوخ لرفض هذه الصفقة.
كما ينص قانون مبيعات الأسلحة على أن الخدمات الدفاعية الأمريكية يجب أن تباع فقط إلى حلفاء واشنطن من أجل استخدامها في خمسة أغراض رئيسية، وهي تعزيز الأمن الداخلي، والدفاع الشرعي عن النفس، وتمكين الدول المستقبلة لهذه الخدمات من المشاركة في التدابير الجماعية المطروحة من الجانب الأمريكي للحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وأخيراً المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الحليفة.
وتلفت الدراسة الانتباه إلى وجود عقبتين رئيسيتين تواجهان الكونجرس في سبيل رفض أو إجراء تعديل على أي مقترح رئاسي لبيع معدات وتجهيزات عسكرية لدول أخرى. فمن ناحية يجب أن يكون الكونجرس قادراً على تمرير تشريع يعبر عن رغبته بشأن الصفقه. ومن ناحية ثانية ينبغي أن يمتلك القدرة أيضاً على التغلب على الفيتو "حق النقض" الرئاسي المحتمل إزاء القرار الصادر عن الكونجرس.
الاستراتيجية الأمريكية في الخليج
ويأتي الحفاظ على استقرار منطقة الخليج العربي على رأس أولويات الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي أعلنه مراراً وتكراراً الرؤساء الأمريكيين منذ أمد بعيد، مثلما أكد الرئيس الأسبق جيمي كارتر عام 1980 أن بلاده ستستخدم كل الوسائل الضرورية ومنها العسكرية إذا تطلب الأمر لمنع أي قوة خارجية من محاولة السيطرة على منطقة الخليج.
وعلى حد ذكر الدراسة، تدور الأهداف الرئيسية لأمريكا في هذه المنطقة حول ضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، ودعم الحكومات الخليجية في جهودها الرامية للتصدي للتهديدات الخارجية والحفاظ على الأمن الداخلي. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف ارتبطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعلاقات أمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان) من خلال:
ـ بيع الأسلحة لتلك الدول، فمنذ عام 1981 وحتى سبتمبر 2006 حصلت الولايات المتحدة على 72 مليار دولار مقابل صفقات التسلح والتجهيزات والتمارين العسكرية وغيرها من الخدمات ذات الصلة لدول مجلس التعاون.
ـ القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في البحرين والكويت وقطر والإمارات.
ـ التدريبات العسكرية المشتركة، والتي عقدت العام الفائت في قطر.
ـ التدخلات العسكرية المباشرة مثلما حدت في حرب الخليج عام 1991 عندما تدخلت القوات الأمريكية لإخراج القوات العراقية من الكويت، أو عندما تدخلت لإسقاط نظام "صدام حسين" في 2003.
وقد أسست دول الخليج العربية مجلس التعاون عام 1981 كآلية لحل كل قضاياها السياسية والاقتصادية الداخلية فضلاً عن زيادة التعاون الأمني فيما بينها، ودعمت هذه الأهداف الرغبة الأساسية لدى أعضاء المجلس في تقليل التدخل الخارجي المحتمل في الشؤون الخليجية. وتشير الدراسة هنا إلى تركز النشاط العسكري الأمريكي في هذه المنطقة خلال تسعينات القرن المنصرم على احتواء المخاطر التقليدية القادمة من إيران والعراق. وبحلول أواخر العقد الماضي أنشئت إدارة الرئيس "بيل كلينتون" برنامج لتعزيز التعاون الأمريكي ـ الخليجي لمواجهة التهديدات النابعة من إنتشار أسلحة الدمار الشامل.
الحوار الأمني الخليجي. الأهداف والتحديات
مع ظهورالشبكات الإرهابية والنووية، وسقوط نظام "صدام" فى العراق, وزيادة النفوذ الإيراني النسبى فى المنطقة. كل هذه التطورات أوجدت بيئة إستراتيجية أكثر تعقيداً, مما حدا بالرئيس" جورج بوش" إلى تأسيس ما يسمى بـ"الحوار الأمنى الخليجي ـ الأمريكي" في مايو 2006 كآلية لتعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون فضلاً عن مواجهة التهديدات الإرهابية ومخاطر الانتشار النووي، وإلى جانب هذا وذاك الاستجابة للتغيرات الطارئة على التوازن الاستراتيجي الاقليمي.
ومن ثم يمثل هذا الحوار إطاراً للترابط الأمريكي مع دول مجلس التعاون في ستة مجالات أساسية: أولها تحسين القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون، وثانيها القضايا الأمنية الإقليمية مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي ولبنان، وثالثها الحد من الانتشار النووي، ورابعها الإرهاب ومعضلة الأمن الداخلي، وخامسها حماية البنية التحتية الخليجية، وآخرها العراق.
ويعقد الحوار الأمني الخليجي ـ الأمريكي بشكل نصف سنوي، حيث يحضره من الجانب الأمريكي ممثلون عن مجلس الأمن القومي ووزراء الخارجية والدفاع للتشاور مع المسؤولين الخليجين حول كيفية دعم المبادرات المطروحة في ظل هذا الحوار.
وتجدر الإشارة إلى أن الجولة الأخيرة من هذا الحوار وهي الثالثة كانت قد عقدت نهاية عام 2007، ومن المنتظر عقد الجولة القادمة أوائل العام الجاري.
وطبقًا للدراسة، يعد الحوار الأمني الخليجي امتداداً لمحاولات الإدارات الأمريكية السابقة والرامية إلى دعم التعاون مع دول الخليج كوسيلة لتقليص اعتماد تلك الدول على القوات الأمريكية، وفي هذا الإطار أيدت الولايات المتحدة إنشاء قوة خليجية متعددة الأطراف تعرف باسم "قوة درع الجزيرة"، كما دعمت تأسيس دول الخليج ما يسمى بشبكة نطاق التعاون لرصد الطائرات، أيضاً عززت إدارة الرئيس "كلينتون" التعاون مع دول مجلس التعاون للتصدي لمخاطر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية تحت مظلة "المبادرة التعاونية الدفاعية متعددة الأطراف".
وتنتقل الدراسة إلى الحديث عن التحديات التي تحول دون تفعيل التعاون الأمني على مستوى دول مجلس التعاون أو بينها وبين الولايات المتحدة، فمن ناحية رغم ما تتطلبه التهديدات المعقدة التي تواجه الدول الخليجية الست من ضرورة اتباع المزيد من السياسات التعاونية فيما بينها إلا أن هذه الدول لا تزال تفتقر لمثل هذا التعاون. ومن جهة ثانية مع أن العرب يدركون جيداً الأهداف والتطلعات الإيرانية والقدرات العسكرية لتلك الدول الفارسية، بيد أن دول مجلس االتعاون مازالت مستمرة في التواصل مع القادة الإيرانيين لتجنب الظهور أمام طهران بمظهر المتحالف مع أمريكا ضد هذه الجارة الخليجية. أما التحدي الثالث فهو أن بعض الحكومات الإقليمية وعلى رأسها السعودية لا تزال ترفض توطيد علاقتها واتصالاتها مع الحكومة العراقية، بحجة أن القادة العراقيون الشيعة تحكمهم وتسيطر عليهم الاعتبارات والمصالح الطائفية.