اللواء محمد رفعت وهبة أحد أبطال حرب 48:
أحمد عبد العزيز اقترح تحويل المعركة مع اليهود لحرب عصابات.. واستشهد
برصاصة خاطئة من جندى مصرى.. وعاهل الأردن كان قائد القوات واستخدم المعركة
لأغراضه الشخصية الأحد، 15 مايو 2011 - 00:39
اللواء "محمد رفعت وهبة" أحد أبطال حرب 48
حاوره محمد ثروت ومحمود محيى تصوير أحمد إسماعيل
ما بين 1948 و2011، تغيرت أمور عدة، لكن تبقى ذكرى النكبة
الفلسطينية حاضرة فى أذهان كل العرب، وتبقى معها مجموعة من الأسرار الكامنة
التى حاول "اليوم السابع" التفتيش عنها فى ذاكرة اللواء محمد رفعت وهبة،
الذى رافق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى حرب فلسطين 48 وفى الذكرى 63
للنكبة.
وهبة فتح لـ"اليوم السابع" خزينة أسراره وتحدث عن أسباب هزيمة الجيوش
العربية فى الحرب، والدور الذى قام به الملك عبد الله الأول ملك الأردن فى
الهزيمة وبطولات عبد الناصر فى معركة "نتسانيم" الشهيرة، بالإضافة لتفاصيل
خطيرة يكشف عنها لأول مرة.
اللواء وهبة من مواليد القاهرة عام 1924 وتخرج فى الكلية الحربية عام 1945
وسميت الدفعة باسمه، وحصل على الدكتوراه من أكاديمية ناصر العليا عام 1966،
وتدرج فى جميع رتب سلاح الإشارة إلى أن وصل إلى منصب قائد عام سلاح
الإشارة، وفى عام 1973 كان نائب مدير سلاح الإشارة فى حرب أكتوبر وعيّّن
مساعدا لوزير الدفاع عام 1976.
فى رأيك كشاهد عيان على "النكبة".. لماذا هزمت الجيوش العربية فى حرب 48 وما هى الأسباب الحقيقية للهزيمة؟
أهم أسباب الهزيمة العربية عدم وجود تخطيط.. فإذا نظرنا إلى حرب السادس من
أكتوبر عام 1973 كنا نخطط بطرق علمية بحتة، واستمر التخطيط لمدة 6 سنوات،
أما فى حرب 48 بالإضافة إلى عدم وجود التخطيط كان التخبط فى الأوامر هى
السمة السائدة فى الحرب، ومثال على ذلك قبل قرار الحرب كنت متواجدا فى مركز
تسجيل المتطوعين فى منطقة "كشلاق" بقصر النيل، الذى مكانه فندق "هيلتون
رمسيس" حاليا، وكنا نسجل أسماء المتطوعين الذين سيشاركون فى المعركة وكان
قائد سلاح المتطوعين حين ذاك البطل "أحمد عبد العزيز" وكان منا 3 ضباط
آخرين وأثناء التسجيل جاءت لنا تعليمات تقول إن القوات التى ستسافر قوات
نظامية فقط وكان ذلك قبل السفر بـ3 أيام وتحديدا فى الـ14 من أبريل عام
1948.
• من كان صاحب قرار الحرب؟
"جامعة الدول العربية"، ممثلة فى أمينها العام الدكتور عبد الرحمن عزام باشا، وكان النقراشى باشا هو رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.
• ولماذا لا يتحمل النقراشى باشا المسئولية؟
هو لم يكن موافقا على قرار دخول مصر الحرب أصلا، وكان المسئول الرئيسى هو الملك فاروق والفريق حيدر باشا وزير الحربية.
• هل قال "حيدر" للضباط إن حرب فلسطين ستكون مجرد "نزهة" للجيوش العربية؟
لا.. الذى قال ذلك "الفريق عثمان باشا المهدى"، الذى كان رئيسا لأركان حرب
القوات المسلحة، وقالها على رصيف القطارات التى كانت فى طريقها للسفر صباح
يوم 14 أبريل، فكانت قوات الجيش المصرى النظامية الذى ستحارب موجودة على
رصيف قطارات العباسية "الموجود حاليا عند كبرى العباسية"، وكان عدد
القطارات 10، وكل قطار يحمل عليه كتيبة مسلحة وكنا نقوم بتحميل الجنود
وعربات نقل الجنود والمدافع والأسلحة وبقينا 3 أيام على هذا الحال، وكنا
نتساءل إلى أين سيذهب بنا هذا القطار؟، ولكن لا أحد كان يعرف إلى أين ستتجه
القوات المصرية.. هل إلى مدينة "رفح" المصرية أم إلى "غزة" أو "حيفا" أم
ستتجه مباشرة إلى "تل أبيب"؟
وتحرك القطار لمدة 5 ساعات إلى أن وصلنا إلى مدينة "قنطرة غرب"، ومن هناك
كانت المشكلة فى عبور "قناة السويس"، لأنه لم يكن هناك أى كوبرى لعبور
القوات إلى القنطرة شرق، فكانت تحمل القطارات على "معديات" وكان كل قطار
يقسم إلى 3 عربات تحمل على معدية ثم تجمع القطار بالكامل ثم يتم تجميع
القطار الذى يليه، وبالتالى استغرقت هذه العملية ثلاثة أيام إلى أن تم
تجميع الـ5 وحدات المقاتلة، وتم عبورها قناة السويس، ووصل الجيش بالكامل
إلى القنطرة شرق وحتى هذه اللحظة لم نكن نعلم إلى أين سنذهب.
وكان عندما يريد المواطنون أن يذهبوا إلى القنطرة شرق يأخذون قطارا يسمى
"قطار شرق" والذى كان يديره السلطات البريطانية، وهذا كان مخططا لكى تنتهى
حدودنا عند قناة السويس وذلك للاستيلاء على سيناء بالكامل فى وقت لاحق.
• وكيف تم مواجهة ذلك المخطط البريطانى فيما بعد؟
الفضل يرجع هنا للزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"، فأنا قابلته بصفة شخصية
عام1954 وكان هذا النظام ما زال موجودا وكانت قواتنا عندما تريد الذهاب إلى
الضفة الأخرى للقناة أو إلى غزه كان يتم تفتيشها من جانب السلطات
البريطانية وكذلك الحال عند نقل البضائع، فكان يتم دخولها إلى الجمارك، ولم
يكن التفتيش أو الجمارك هى المشكلة بل كان يعتبرون أن حدود مصر الشرقية
تنتهى عند قناة السويس، وكانوا يعتبرونها حدودا طبيعية مناسبة، وبعد لقائى
بعبد الناصر بأسبوعين أصدر قرارا بترحيل الجمارك إلى "رفح"، وتكون هذه
النقطة هى حدودنا الشرقية.
• عودة مرة أخرى لأحداث المعركة.. ماذا حدث عندما ذهبتم إلى العريش؟
قمنا بإنزال المعدات الحربية والأسلحة الثقيلة والعربات وبقينا هناك لمدة تصل لـ10 أيام.
• ومن كان المسئول عن الجيش المصرى فى ذلك الوقت؟
اللواء أحمد المواوى باشا كان هو المسئول عن تنظيم القوات المسلحة المحاربة.
• كم كانت بالضبط عدد قوات الجيش المصرى التى ذهبت للقتال فى حرب48؟
5 كتائب مشاة، و3 مدفعية، وكتيبة مدافع ماكينة، وكتيبة مدرعة مضادة للدبابات، و7 طائرات مقاتلة و3 طائرات نقل جنود.
• وهل 7 طائرات حربية مقاتلة كافية لخوض معركة كهذه ضد العصابات اليهودية والصهيونية؟
لا بالطبع.. فالتفوق الجوى كان لصالح القوات الجوية الإسرائيلية، التى كان
عددها حوالى 60 طائرة حربية، ولم يكن هذا التفوق منذ بداية المعركة، فكان
التفوق العسكرى فى بداية الحرب لصالحنا، لأننا ضربنا كلا من تل أبيب وحيفا
فى الـ10 أيام الأولى من الحرب، ولكن ما قلب موازين المعركة ضدنا وأضعف
قواتنا الجوية هم الإنجليز وليس اليهود، ففى إحدى الطلعات قمنا بضرب قوات
اليهود فى "حيفا" وعن طريق الخطاء تم إصابة عدد من القوات البريطانية
فقاموا برد عنيف وتم تدمير 5 طائرات مصرية من الـ7 مما أثر بشدة على الغطاء
الجوى للقوات المصرية.
• ماذا حدث بعد وصول القوات المصرية لمدينة العريش؟
فى البداية قمنا بتنظيم أنفسنا وقواتنا، لم نكن نعلم ميعاد الهجوم حتى تلك
اللحظات إلى أن وصلت إلينا الأوامر فى ساعات متأخرة من مساء يوم 14 مايو،
وقالوا لنا سنهجم، وجاءت لنا "أتوبيسات مدنية" لنقل الجنود إلى غزة، وركبت
القوات بالكامل فيها وأخذنا الطريق الصحراوى الوحيد بين غزة ورفح.
• وماذا عن تفاصيل خطة الهجوم من جانب القوات المصرية؟
الخطة كانت كالآتى.. الكتيبة 6 مشاة كلفت بالهجوم على مستعمرة "دانجور"،
والكتيبة 9 مشاة كانت مهمتها مهاجمة مستعمرة "كفر داروم"، وتمت هزيمة
الكتيبتين فى تلك المستعمرتين خلال الحرب لاحقا، أما "الكتيبة 3 مدفعية"
فكانت تنتظر فى الخطوط الخلفية وراء "رفح" حتى يتم فتح المستعمرتين فتدخل
غزة وتقوم بمساندة كتيبتى المشاة بالمدفعية المضادة للطائرات.
• ما هو دور البطل "أحمد عبد العزيز" فى الحرب؟.. وهل كان يحضر اجتماع عمليات القيادة؟
البطل "أحمد عبد العزيز" حضر اجتماع عمليات القيادة لأول مرة، وفى هذا
الاجتماع اختلف مع اللواء المواوى وحدثت بينهما مشادة كبيرة، وقد كنت جالسا
أثناء ذلك الموقف وقلت للمواوى باشا، إن أحمد عبد العزيز قائد ذو شأن
وخطته جيدة للغاية، فقام بطردى من حجرة الاجتماعات لما قلته من كلمات فى حق
البطل أحمد عبد العزيز.
وكانت خطة عبد العزيز هى ألا نتوقف عند مستعمرة بعينها ونستمر فى قتالها
حتى لا تستنفذ طاقتنا فى مستعمرة واحدة، ولكن نقوم بالسير عبر المستعمرات
حتى نصل إلى مدينة "حيفا" و"القدس" و"تل أبيب"، وأن تكون الحرب عبارة عن
"حرب عصابات" ولكن المواوى رفض تلك الخطة نهائيا.
• ما هى قصة استشهاد البطل "أحمد عبد العزيز"؟.. وما هى حقيقة الرصاصة التى قتلته من المعسكر المصرى؟
فى الحقيقة لم يكن مقتل البطل أحمد عبد العزيز مدبراً، كما كان يُعتقد،
فأنا حضرت حادثة استشهاد البطل أحمد عبد العزيز شخصيا، والذى حدث عندما
دخلنا الحرب كنا نقيم كمائن للحراسة.. عبارة عن "حفرة" يجلس بها طاقم
الحراسة ويخرج منها جندى واحد وعند مرور سيارة البطل "أحمد عبد العزيز" أخذ
الجندى المكلف بالحراسة فى هذه الليلة بالإشارة إليه لكى يتوقف، ولم يكن
يعلم هوية تلك السيارة أو قائدها ولم ير عبد العزيز الإشارة، وكان يقود
السيارة بنفسه، فقال له الجندى "من أنت؟"، ولكنة لم يسمعه بسبب ضوضاء وصوت
الرياح فأصيب برصاصة أطلقها الجندى عليه، واستشهد على الفور عن طريق الخطأ
من الجانب المصرى.
• هل كان بجانبه اللواء "صلاح سالم" كما تذكر كتب التاريخ؟
لا.. كان بجانبه سائقه الشخصى.
• كيف نجحت خطة البطل "أحمد عبد العزيز" فى الوصول للقدس التى رفضها المواوى؟
كانت خطة عبد العزيز هى أن يتفادى كل المستوطنات والمستعمرات اليهودية
المحصنة ويقوم بالسير من خلالها حتى يصل إلى "القدس" و"تل أبيب"، فكانت
خطته عبارة عن حرب "عصابات"، وهذا ما كانت تفعله معظم جيوش العالم فى ذلك
الوقت، لتفادى المصاعب وتوفير الوقت والجهد للقوات حتى تصل إلى هدفها
الرئيسى، وقد قام البطل أحمد عبد العزيز بالسير من رفح حتى منطقة "بئر سبع"
إلى أن وصل إلى مدينة "الظاهرية" ومنها إلى "القدس"، وقام بتحرير كل من
بئر سبع والظاهرية والخليل والقدس، وقام بكل تلك الانتصارات ونحن كنا لا
نزال مع اللواء أحمد المواوى فى غزة نحاصر مستوطنة "دانجور" و"كفر داروم"
التى لن نستطيع إسقاطها حتى ذلك الحين.
• هل معنى ذلك أن حرب العصابات كانت أفضل من الحرب النظامية فى نكبة 48؟
بالطبع نعم.. فقد اعتمدت العصابات اليهودية والمليشيات الصهيونية المسلحة
فى فلسطين والتى تشكلت من كتائب "البلماخ" و"الأرجون" و"الهاجاناه"
و"الشتيرن" والمتطوعون اليهود من خارج حدود الانتداب البريطانى على فلسطين
بشكل كبير عليها، وخاضوا المعركة بأكملها عن طريق حرب العصابات، تلك
العصابات الصهيونية التى خاضت الحرب شكلت فيما بعد منها الجيش الإسرائيلى،
وبالتالى كان يجب مواجهتهم بحرب عصابات أيضا كما كان يريد البطل أحمد عبد
العزيز.
• اذكر لنا ماذا حدث صباح يوم 15 مايو "النكبة"؟
كنت مع بقية الكتائب المسلحة أمام المستوطنتين اليهوديتين فى غزة نحاول أن
ندمرها، وعرف اللواء المواوى فى ذلك الوقت أن البطل أحمد عبد العزيز قد
تقدم بقواته حتى وصل إلى "القدس"، وأدرك أن خطة عبد العزيز كانت صائبة مائة
فى المائة، وأن خطته كانت خطأ استراتيجيا فادحا، فترك المستوطنتين ولكن
وضع عندها سريتين مسلحة وأكمل طريقه إلى أن وصل إلى غزة، ولو كنا تأخرنا
قليلا لكان اليهود قد استولوا على غزة بالكامل قبل أن نصل إليها.
وبعد ذلك قمنا بنقل قيادة القوات إلى هناك فى مركز البوليس بغزة وخرجت البلاغات فى مصر بأن الجيش المصرى استولى على غزة بالأفراح.
• ماذا عن كتائب المتطوعين التى أعدها مفتى القدس "أمين الحسينى" والتى طالب عبد الرحمن عزام باشا بتسليحها؟
فى ذلك الوقت كنا مشتتين، وكان عبد الرحمن عزام باشا يقول شيئا، و"جلوب"
باشا قائد القوات الأردنية والملك عبد الله بن الشريف ملك الأردن يقول شيئا
آخر.
• وما هو دور الملك عبد الله عاهل الأردن فى الحرب؟
كان القائد العام للقوات العربية باسم جامعة الدول العربية، ولكنه فى الحقيقة كان يخدم لأغراضه الشخصية وإقامة مملكة شرق الأردن.
• إذاً ما هو الدور الحقيقى الذى قام به فى الحرب؟
دوره كان متفقا مع الإنجليز واليهود، فقد قال لجولدا مائير يوم 21 مايو
وكانت مائير حينها قائدة لإحدى كتائب "الهاجناة" وأخبرها أنه سيتحرك إلى
"تل أبيب" من "القدس"، وقام بحصر المعركة كلها بين "القدس" ومدينة "اللد"
و"الرملة" واستولى عليهم بالفعل، ولكنه قام بضم المدن التى استولى عليها
إلى الأردن، وكان هذا هو اتفاقه مع الإنجليز أن يقوم بالاستيلاء على المدن
التى يتم احتلالها وضمها إلى شرق الأردن لتوسيع مملكته حتى يتم بعد ذلك
رسميا الإعلان عن مملكة "شرق الأردن" وبعد ذلك يتم تسميتها بالمملكة
الأردنية الهاشمية.
• وماذا عن الهدنة الأولى وقرار وقف إطلاق النار؟
كانت الهدنة الأولى فى 11 يونيو عام 1948 وتم فرضها علينا من الأمم المتحدة
وقبلتها الحكومة المصرية، ولكن شباب المتطوعين رفضها واستمروا فى التحرك
إلى أن وصلوا على بعد 30 كيلو مترا من تل أبيب.
• من هم أبرز الشخصيات التى أثرت فى الحرب؟
كان من أبرزهم قائد مقام "سيد طه" قائد الكتيبة الأولى، والمرحوم "يونس
باشا عبد السلام عفيفى" قائد ثانى الكتيبة التاسعة و"حسين كامل" قائد
الكتيبة السادسة واليوزباشى "جمال عبد الناصر" وكان قائدا فعليا للكتيبة
السادسة، وهذه الكتيبة التى قامت بالفعل بأعمال بطولية أثناء الحرب،
والقائم مقام "كامل الرحمانى".
• ما حقيقة دور الإخوان المسلمين دور فى الحرب؟
شارك الإخوان المسلمون بقيادة البطل "أحمد عبد العزيز" من مصر والأردن
وسوريا وفلسطين والعراق، وكان من أبرز مجاهديهم من مصر "أبو الفتوح شوشة"
والوزير الأردنى "كامل الشريف" والشيخ "محمد فرغلى" والسورى "مصطفى
السباعى"، والعراقى "محمد محمود الصواف"، وعندما دخلت قوات البطل أحمد عبد
العزيز للقدس رفعوا علم الإخوان بجانب أعلام الجيوش العربية.
وكانت بطولاتهم هى نفس بطولات الشباب المتطوعين مع أحمد عبد العزيز، وقد
وصلوا القدس مع بقية القوات ولكنها لم تكن حربا بالمعنى المفهوم، لأنه حتى
الهدنة الأولى لم يقم لليهود قائمة، بمعنى أننا لو كنا أكملنا الحرب بدون
الهدنة لكانت الجيوش العربية استولت على فلسطين كلها ووصلت إلى تل أبيب.
• كيف انقلبت موازين الأمور أثناء المعركة لصالح اليهود.. وكيف وصلت إليهم التعزيزات العسكرية خلال الهدنة؟
هناك قصة كنت شاهدا عليها تؤكد ضخامة التعزيزات التى وصلت لليهود من جانب
الإنجليز، حيث ضلت إحدى طائرات النقل الإسرائيلية طريقها وكانت محملة
بمعدات وذخيرة، وأثناء تحليقها خطرت على بال قائد كتيبة مدفعية يدعى "أحمد
حسن" شغل منصب سفير مصر لدى ليبيا بعد ذلك خلال الستينيات من القرن الماضى
فكرة رائعة وهى ترصيص سيارات الكتيبة بالكامل على جانبى الطريق وقام بإضاءة
جميع المصابيح الأمامية للسيارات حتى هيأ للطيار أنه ممر هبوط وبالفعل
هبطت الطائرة الإسرائيلية على الممر وتم أسر الطائرة والطيارين
الإسرائيليين الذين كانوا على متنها وتم ترحيلهم إلى مصر بعد ذلك، وعند فحص
الطائرة اتضح أنها كانت محملة بكميات ضخمة من الأسلحة والمعدات القتالية
من "بريطانيا" و"تشيكوسلوفكيا"، وبعد ذلك تلقت تلك الكتيبة المدفعية ضربة
قوية إثر هجوم مكثف إسرائيلى قتلوا فيه أكثر من عشرين جنديا مصريا.
• كم كانت عدد القوات اليهودية قبل وبعد الهدنة الأولى؟
كانت قوات اليهود تقدر بحوالى 29 ألفا بينما كان عدد قوات الجيوش العربية
عبارة عن 10 ألف جندى مصرى و10 آلاف جندى أردنى و23 ألف جندى عراقى و1000
من لبنان و2000 من سوريا، وبالتالى كانت أعداد الجنود العرب أكثر بكثير من
اليهود، ولكن لم نكن منظمين، فبعد الهدنة الأولى أصبح عددهم 63 ألفا وقاموا
بحشد كامل للقوات وللطائرات لدرجة أنهم كانوا يلقون بصفائح من "الديناميد"
و"البارود" من طائرات صغيرة على قواتنا، ونحن أيضا كنا نفعل ذلك فقد قمنا
بضرب "حيفا" و"تل أبيب".
وكان من أشهر المعارك الجوية المصرية ما قام به اللواء "جمال سالم" قائد
إحدى الأجنحة الجوية بتحويل طائرة نقل لطائرة قاذفة قنابل، وضرب بها إحدى
المناطق فى "تل أبيب" وأثناء عودته من الطلعة الهجومية، أصيبت طائرته فاضطر
أن يهبط وأصيب إصابة بالغة فى رأسه أدت إلى استشهاده.
• ما هو بالضبط دور الجيش الأردنى وبقية الجيوش العربية فى حرب فلسطين؟
قام الجيش الأردنى باحتلال مدينة "اللد" و"الرملة" وكان هذا باتفاق مع
اليهود، ثم انسحب فجأة، حيث أعطى جلوب باشا القائد البريطانى الذى كان يقود
القوات البريطانية الأمر للجيش الأردنى بالانسحاب.
• لماذا عيّن الملك عبد الله شخصا بريطانيا قائدا لجيشه؟
للإجابة عن السؤال يجب أن نعرف أولا من هو "عبد الله"، فهناك قصة شهيرة له
مع "وينستن تشرشل" رئيس الوزراء البريطانى فى ذلك الوقت، حيث قال، "أنا قد
قمت بمعاونتكم فى الحرب العالمية كما عاونكم الملك شريف حسين ملك الحجاز
والملك فيصل الذى أعطيتموه دمشق وسوريا، وأعطيتم شريف الحجاز وأنا أيضا
أريد أن تعطونى شيئا من كل هذا".
وكان تشرشل حين ذاك فى مصر وكان معه خريطة وقام بوضع علامة بقلمه الرصاص
وقال له، "سأعطيك هذه البقعة، ولكن ماذا نسميها فالجنوب يسمى الحجاز والغرب
منطقة فلسطين وهنا سوريا، فماذا نسمى تلك المنطقة؟" فأجابه عبد الله
قائلا: "نسميها مملكة شرق نهر الأردن"، وفى البداية كان يوجد فصال فقالوا
له سنعطيك مهلة لمدة 6 أشهر، لكى يعلموا جديته وقاموا بتعيين كل القادة
لقواته بريطانيين بما فيهم "جلوب" باشا البريطانى الجنسية بالطبع، فقد كان
القائد العام للقوات العربية هو الملك عبد الله، وكان هذا صوريا أما "جلوب"
رئيس أركان حربه كان هو من يتحكم فى كل صغيرة وكبيرة فى الجيش.
• وماذا عن الهدنة الثانية؟
استمرت الهدنة الثانية من 18 يوليو عام 1948 حتى 15 أكتوبر 1948 هذه الفترة
التى تم حصار جمال عبد الناصر خلالها وقابل "موشى ديان" فى تلك الفترة.
• وهل تم تفاوض بين عبد الناصر وموشى ديان خلال المقابلة؟
نعم.. كان هناك تفاوض وذلك لمقايضة بعض الخطوط حيث كان يريد "ديان" أن يوحد
خطوطه لأن معظمها كانت معزولة عن بعضها البعض، وكذلك قواتنا أيضا فكان
الاتفاق هو أن تجمع الجيوش العربية مع بعضها وكذلك جيوش اليهود، ولكنهم فى
النهاية لم يتفقوا على شىء.
وبعد ذلك بيومين، هاجمت المدفعية والطيران الإسرائيلى قوات جمال عبد الناصر
هجوما قاسيا، وقد كان جمال عبد الناصر يعلم أن قواتنا فى الهجوم روحها
المعنوية ضعيفة، بعكس خطوط الدفاع التى كانت تتميز بقوتها، وفى المقابل
كانت قوات الهجوم لديان قوية للغاية، حيث إنه فى إحدى المرات اخترقت القوات
اليهودية خطوط الدفاع، ولكن عبد الناصر قام بإحباط الاختراق، حيث إنه لو
كانوا نجحوا فى الاختراق لكانت تمت تصفية كتيبة عبد الناصر بالكامل وسرعان
ما تم استعادة عبد الناصر لتوازنه، وقام بمهاجمة الكتيبة اليهودية وتم أسر 6
جنود إسرائيليين وأخذ غنائم وقتل أكثر من 12 جنديا وتم مقايضة جثثهم بأسرى
مصريين.
• ما هى أهم المعارك التى تعتز بها فى حرب فلسطين 48؟
بعد معركة غزة قام أحمد المواوى بتكرار ما فعله من قبل حيث قام بمحاصرة
مستعمرة "نتسانيم" وقمنا بمهاجمتهم لمدة 5 أيام متتالية، وكنا كلما نقوم
بمهاجمتها نفشل، إلى أن نجحت فى النهاية كتيبة القائد "الرحمانى" الذى قال
للمواوى أنتم تفرضون علينا أن نهاجم بالنهار والأفضل الهجوم ليلا، وقمنا
بمهاجمتهم بالفعل، وكنا عندما نحاربهم فى كل مرة لا نترك لهم منفذا للهرب،
ولكن فى تلك المعركة قاموا بالهروب لأننا هجمنا عليهم على غرة لدرجة أننا
عندما دخلنا معسكراتهم وجدنا أموال تحت وسادتهم، وذلك يعنى أنهم لم يلحقوا
أن يأخذوا حتى أموالهم، بالإضافة إلى ترك أغنامهم وأبقارهم.
• ما حقيقة وجود مجندات روسيات فى صفوف اليهود؟
كان وجود الروسيات فى معركة "نتسانيم" كبير للغاية، وكانت تقع تلك
المستوطنة بين المجدل وأشدود تلك المعركة التى استخدمنا فيها الدبابات لأول
مرة، حيث قام الجنود بالتدريب عليها لمدة يومين لا أكثر، وعندما دخل
اليهود فوجئوا بها ففروا وقمنا بأسر أكثر من 110 جندى إسرائيلى وهى المرة
الأولى التى كنا نأسر فيها هذا العدد من الجنود الإسرائيليين، وبعد أن قمنا
بإخلاء المستعمرة بالكامل، أعطى قائد القوة المهاجمة أمر بالتفتيش فى
"الدشم" وكان أحد الجنود المصريين عندما دخل أحد الدشمات فوجئ بوابل من
النيران يطلق عليه أدت إلى استشهاده، وكانت إحدى الروسيات هى من أطلقت
النيران، وقام الجنود المصريون بالرد عليها بسرعة وقتلها ولم يتركوا بها
قطعة جزء فى جسدها سليم، وتم أسر 6 روسيات حتى وصل عدد الأسرى إلى 116
أسيرا، وعند تم استجواب أولئك الروسيات من قبل المخابرات العسكرية المصرية،
وتوجيه السؤال لهن لماذا فعلتم ذلك؟ أجابوا بأن الجيش الإسرائيلى كان قد
حذرهم بأنهم إذا وقعوا فى أيدى المصريين، سيتناولوننا ويتم اغتصابنا
بالكامل.
وفى معركة "نتساريم" قام اليهود بمهاجمتنا مرة أخرى، وقامت سرية من الكتيبة
السادسة بقيادة عبد الناصر بصد اليهود ولكن اليهود هاجمونا ليلا مرة أخرى،
وأصابوا عبد الناصر فى تلك المعركة وكبدو السرية خسائر فادحة.
• اللواء وهبة.. هل التحقت بحركة الضباط الأحرار عقب تأسيسها؟
لقد كنت من مؤسسى حركة الضباط الأحرار فقد كنت صديق "عزيز المصرى" باشا حيث
كان جارى فى عين شمس بجانب محطة السكة الحديد وقد تعرفت عليه عندما كان
يأتى إلى زوج عمتي، وفى أحدى الزيارات عرضت عليه شيئا مماثلا لتنظيم الضباط
الأحرار لكى نعرضه لعبد الناصر لكنه أخبرنى بأنه لم يتم الموافقة عليه،
وبعد ذلك لم يتم عرض على أى شىء للانضمام للضباط الأحرار بالرغم من أننى
كنت أعرف عبد الناصر من زمان.
• بالنسبة للصرع العربى الإسرائيلى.. هل ترى أنه سيكون هناك حروب مقبلة
بعكس ما قاله الرئيس الراحل أنور السادات أن حرب أكتوبر ستكون نهاية
الحروب؟
أنا أتمنى ألا تحدث حروب مقبلة فى المستقبل، وذلك لأن الحروب هذه الأيام
أصبحت حروب "تدميرية" فقط، فالذى يمتلك القوة الآن، يدخل الحرب ويقوم
بالتدمير الشامل ثم يقتحم المدن ويحولها لخراب، كحرب الكويت الأولى عندما
قام صدام بحرق الكويت وتدمير كل المنشات والكبارى ثم دخول الكويت واحتلها،
وكذلك حرب العراق الأخيرة عام 2003، وحرب غزة "الرصاص المصبوب" عام 2008
والتى دمرت بشكل شبه كامل القطاع، وحرب بيروت 2006 وكما حدث بيوجسلافيا
وفيتنام، وأصبحت الحروب الآن هى من يمتلك قوة الدمار لا أكثر وليس قوة
قتالية فقط، وبالرغم من أننا كمصر أو بعض الدول العربية لدينا قوة قتالية
على أعلى مستوى فى العالم كله، إلا أننا نفتقد القوة التدميرية التى
تمتلكها الولايات المتحدة مثلا أو إسرائيل.
المصدرhttp://www.youm7.com/News.asp?NewsID=412544&SecID=12