أعاد اكتشاف سعودي نقشا أثريا إلى الواجهة ملفات وحقائق تاريخية، تكاد تكون من المسلمات؛ فمن تاريخ الإعجام "تنقيط الحروف"
مروراً بتاريخ الخط العربي، والخط الحجازي تحديداً، وانتهاءً بقضية أكثر جدلاً، وهي تاريخ وفاة الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
المُلقب بـ "الفاروق"، التي يؤرخها مختصون بمصادر متواترة أنها يوم 26 ذو الحجة من عام 23 للهجرة، كان "نقش زهير"
الفيصل فيها جميعاً، وهو الاسم الذي اختاره له مكتشفه الباحث السعودي الأستاذ الدكتور علي الغبّان.
بين العلا والحجر
اكتشاف هذا النقش كان على يد الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم الغبّان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لشؤون الآثار والمتاحف
وزوجته الدكتورة حياة الكلابي، في صيف عام 1420هـ "1999م"، حينما كان يرافقها في رحلة ميدانية لجمع أطروحتها للدكتوراه، ليحسم
الجدل في تواريخ عدة، كان قد يئس باحثون من المضي في دراستها لعدم وجود دلائل ومصادر تاريخية غنية.
عثر الباحثان على النقش أثناء العمل في المنطقة الواقعة بين العلا والحجر "مدائن صالح"، حيث يُعرف الطريق الذي يوجد عليه النقش باسم
"درب الحاج"، ويعتبر أحد مسارين لطريق الحج الشامي، أقدم مسار استخدمه الحجاج والمسافرون إبان فترة صدر الإسلام، وبعد التحقق من
أصالة كتابته وعدم اختلاف لون الحز في جميع حروفه، وعدم حدوث إضافات إلى كتابته الأصلية، والتأكد على وجه الخصوص من أصالة
النقط الموجودة على بعض حروفه، أطلق الباحث على النقش مسمى "نقش زهير"، نسبة إلى صاحبه الذي قام بتنفيذه.
في كتابه "نقش زهير"، الصادر في عام 1432هـ، يقول الدكتور الغبّان "إنه مسح النقوش الأخرى المجاورة لاستيضاح علاقتها بالنقش، وعُثر
في المنطقة نفسها على نقش آخر نُفذ بالخط نفسه، يبدأ بكلمة أنا، ويحمل اسم زهير منسوباً إلى مولاته ابنة شيبة، إلا أنه غير مؤرخ، ولا يمكن
حسم اسمه كاملاً، لوجود عدد من الشخصيات التي عاشت في تلك الفترة وتحمل اسم زهير، وكذلك اسم ابنة شيبة،
ويحملنه أيضاً عدد من الصحابيات وغيرهن".
نقش تذكاري
نُفذ النقش على واجهة صخرية من الحجر الرملي، ترتفع بضعة أمتار عن مستوى الأرض، ويتكون من ثلاثة أسطر غير متساوية الطول، الأول
منها طوله 50 سنتيمترا والثاني 215 سنتيمترا والثالث 54 سنتيمترا، ويشغل مساحة مكتوبة أبعادها 215×50 سنتيمترا،
وقد أفرد زهير بسملة غير كاملة في سطر مستقل.
والنقش هو:
السطر الأول: بسم الله
السطر الثاني: أنا زهير كتبت زمن توفي عمر سنة أربع
السطر الثالث: وعشرين
يعد النقش من النقوش التذكارية التي يدونها المسافرون على الطرقات تذكاراً لمرورهم بها، ويؤرخ حادثة وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
بورود التاريخ الهجري صريحاً، ولعله لم يذكر اسمه كاملاً بسبب طول جملة التاريخ المدون، إذ إن النقش على الحجر ليس بالأمر السهل.
حسم الجدل
يكفي أن نضرب مثلاً هنا يدل على عظم هذا النقش، المسجل في ذاكرة الإنسانية في منظمة "اليونيسكو" في نوفمبر 2003م، ما يوثقه من تطور
للخط العربي، وتطور أشكال الحروف، وإدخال الأشكال الزخرفية عليها، وهو ما دعا الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بقيادة رئيسها
الأمير سلطان بن سلمان، إلى اعتماد خط هذا النقش خطاً رسمياً للهيئة، يستخدم في جميع مكاتباتها ومطبوعاتها.
وفقاً لكتاب الغبّان، فإن جملة "كتبت زمن توفي عمر" يعد أهم جزء في النقش، ولو لم يرد في النص لفقد جانباً كبيراً من أهميته التاريخية
أما ذكر التاريخ 24 "644 ميلادية" مع الاسم فساعد على توضيح شخصية عمر.
نقطة الخلاف التي أثارها النقش: هل كانت وفاة عمر في الأول من المحرم سنة 24، أم في 26 من ذي الحجة سنة 23؟ يعتبر نقش زهير داعماً
للرأي الأول الوارد في المصادر التاريخية، رغم تساؤلات من نوع: لماذا أثبت زهير عام 24؟ هل لأنه شاهد حادثة الوفاة، أم لأن أحدهم أخبره
بها فبقيت عالقة في ذهنه؟
تطور الخط العربي
ورغم قلة ما كتب حول "نقش زهير"، إلا أن الأكيد أن له دورا في دراسة تطور الخط العربي، وكونه أقدم نقش إسلامي مؤرخ، وثاني أقدم
وثيقة كتابية إسلامية مؤرخة يعثر عليها حتى الآن، إذ إن الوثيقة الأقدم منه تسبقه بسنتين في تاريخها، وهي بردية أهناسية المؤرخة بسنة 22هـ
، فإن ذلك يكسبه أهمية في الدراسات التاريخية.
كتب زهير على الصخر بالخط الحجازي، المستخدم في مكة المكرمة والمدينة المنورة آنذاك، والمعلومات المتوافرة عنه ضئيلة جداً
لكنه أفضل نماذج النقوش التي ظهرت حتى الآن للخط الحجازي، الذي بطل تداوله خارج الحجاز بعد شيوع الخط الكوفي، ويوفر لنا نموذجاً
للكتابة العربية في عهد الخلفاء الراشدين.
أما التنقيط، أو الإعجام، فهو قديم يعود إلى العصر الجاهلي، رغم تأكيد مصادر تاريخية أنه يعود إلى العصر الأموي استناداً إلى أمر الحجاج.
ورغم وجود نقوش وكتابات بأحرف عربية منقوطة كلها أو بعضها، وتعود إلى ما قبل هذا التاريخ، يؤكد هذا النقش أن الإعجام كان موجوداً
أيام الخليفة الفاروق عمر، أي قبل كتابة المصاحف، وقد اختلف كثيرون في تاريخ إعجام الخط العربي
لكن "نقش زهير" يؤكد أن ذلك قبل كتابة المصاحف.
http://www.aleqt.com/2016/04/21/article_1048832.html