بعد النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية عام 1991، وبعد انهيار الإتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وما تبع ذلك من فقدان التوازن الدولي، وتحوله نحو سيادة القطب الواحد الأمريكي، بدأت تتكشف الاستراتيجية الأمريكية الهادفة للهيمنة المطلقة على العالم تبدو بأجلى مظاهرها، وتميّزت هذه الاستراتيجية بتقديس السيطرة التكنولوجية التي تتمتع بها كوسيلة فعّالة لتحقيق أهدافها.
وجاءت تحركات الولايات المتحدة الأمريكية في الإعداد لحرب الخليج الثالثة ضد العراق كمرحلة أولى ضمن هذا السياق، وكلحظة تجسيدٍ لذلك الانحراف الأمريكي الهادف لتحقيق السيطرة الكلية على مصير العالم، ومصير البشرية، متذرعة بضرورة العمل بأقصى سرعة ضد المجمع الصناعي العسكري العراقي الذي سعت لتضخيمه، وحذرت من برامجه المتقدمة في مجال صناعة أسلحة الدمار الشامل، النووي والكيماوي والبيولوجي، وسعت لإقناع حلفائها الغربيين بأن العمل العسكري المباشر هو السبيل الوحيد للتخلص من هذا الخطر الماثل علماً أن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هم من ساعدوا نظام الدكتاتور العراقي في هذا المجال، ومدوه بكل الخبرات والوسائل أبان حرب الخليج الأولى التي خاضها النظام ضد إيران بالنيابة عن الولايات المتحدة، والتي امتدت لثمانية أعوام من دون أي مبرر، ودفع الشعب العراقي خلالها ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه، ناهيك عن الخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي حل بالبلاد.
ويقدم الكاتب الفرنسي المعروف [ آلن جوكس ] في كتابه [أمريكا المرتزقة ] تحليلاً تفصيلياً لميكانيزمات هذا التحول الأمريكي نحو تبني نظرية الحرب الهجومية كوسيلة للدفاع عن المصالح الأمريكية، اعتماداً على توثيق دقيق للشهادات التي يدلي بها صناع القرار والتوجيه الأمريكيين أمام اللجان المختلفة للكونغرس، إضافة إلى تلك الوثائق والدراسات التي يعدها كبار الخبراء، والتي تلعب دوراً مهماً في صوغ المواقف السياسية لجزء هام من النخبة الأمريكية. إن أحد أهم مفاصل هذا التحليل المعمق لميكانيزمات صنع القرار السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة يتمثل في توضيح العلاقة المتشابكة ما بين [ السلطة التشريعية ] متمثلة بالكونغرس و [ السلطة التنفيذية ] متمثلة بمؤسسات الرئاسة، ووزارة الخارجية والبنتاغون، حيث أن الانفصال بينهما يجسد أحد أهم مبادئ الدستور الأمريكي، وهكذا فإن للكونغرس سلطة فعلية، تتمثل بالسلطة المالية، حيث أن سحب الثقة عن أية ميزانية مقدمة من طرف إحدى المؤسسات التنفيذية، إنما هو سلاح فعال لمواجهة سياسات لا يتفق الكونغرس على خطوطها الرئيسية.
لكنَّ هذه السلطة لدى الكونغرس ليست سوى سلطة منقوصة في حالات الحرب، وبخصوص قضايا الأمن القومي التي ينظر إليها الدستور الأمريكي على أنها حكر ٌعلى السلطة التنفيذية بامتياز.
ولغرض إقناع الرئيس الأمريكي بوش للكونغرس للموافقة على مشروع الحرب المخطط لتنفيذها إزاء العراق، كخطوة أولى في المخططات الأمريكية للهيمنة على العالم، كان سلاح المناورة والتحايل، وتضخيم الأخطار إزاء الولايات المتحدة والشعب الأمريكي، سلاحاً فعالاً بيد الإدارة الأمريكية لخلق قبول عام لفكرة الحرب على العراق.
أن تشكيل أي رأي عام مؤيد للحرب من شأنه ممارسة أشكال من الترهيب والتخويف للمجتمع الأمريكي من مخاطر الإرهاب الدولي، مستغلاً أحداث الحادي عشر من أيلول الإجرامية، وكذلك للضغط على السلطة التشريعية لإقناعها بضرورة الحرب المطلوبة، أو لإجبارها مكرهة على الالتحاق بهذا الركب.
و لا شك أن الجيل الأمريكي المتلفز قد أصبح سهل الانقياد لمناورات التضليل بعد أحداث أيلول، والأهداف المتوخاة منها، والمتمثلة بما تدعي الإدارة الأمريكية بمكافحة الإرهاب من أجل تبرير مشاريعها الحربية الهادفة للهيمنة على العالم.
وفي ظل هذا الواقع يجد المتتبعون للسياسة الأمريكية أن الديمقراطية الأمريكية قد فقدت الكثير من مصداقيتها المتمثلة بالتلاعب بالرأي العام الأمريكي بشكل خاص، والرأي العام العالمي بشكل عام، والذي يطلب منه تبني فكرة اللجوء إلى الحرب الهجومية كضرورة لا مفرَّ منها، وهذا التلاعب قد امتد إلى فترة زمنية طويلة، وكان شعارها الاقتصادي والعسكري كسلاح وحيد وفعّال لإجبار النظام العراقي على الانسحاب من الكويت عام 1991، وعلى تدمير أسلحته ذات الدمار الشامل، وفي ظل هذا الشعار المخادع جرت الاستعدادات للحرب الهجومية على قدم وساق، وهذه الاستعدادات لم تكن سراً من الأسرار، فلا مجال في الولايات المتحدة لكتمان الأسرار طويلاً، وهكذا باتت الحرب ضد العراق مؤكدة بنظر أهل الاختصاص من ذوي العلاقة بالدوائر الحاكمة حيث تعمل المؤسسة العسكرية جاهدة على تجهيز خطة متكاملة للحرب لكي تكون جاهزة في لحظة قرار سياسي من قبل الرئيس بوش.
إن التفكير الأمريكي الذي يقدس الإمكانيات والوسائل التكنولوجية لدرجة سيادة نوع من دكتاتورية الأدوات والوسائل تتقدم لتملي على السياسة مبادئ عملها وأهدافها قد غدا العامل المحرك لسياستها الهادفة للهيمنة على العالم، وهذا الجانب المأساوي من الفكر الإستراتيجي الأمريكي الذي ينظّر لسيادة التكنولوجيا على السياسة، وهذا الانسحاب للمجتمع المدني ولتعبيراته البرلمانية والجماهيرية أمام تقدم طبقة أو شريحة من التنكوقراط المرتبطة بجملة مصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو ما دفع أوربا خصوصاً، والعالم عموماً، إلى إطلاق صيحة تحذيرٍ من الأهداف الأمريكية، ذلك أن الانصياع والخضوع للسياسات الأمريكية إنما يحمل خطراً جسيما على مستقبل البشرية جمعاء .
أخذت الولايات المتحدة تعمل في تلك الأيام بنشاط مكثف من أجل الحشد الميداني الذي يفوق بالفعل حاجات الانخراط في ميادين المعركة الحقيقية وذلك لتحقيق هدف استراتيجي يتجاوز البعد العسكري للمواجهة مع العراق، في محاولة لردع النظام العراقي دون أن يضطر الطرف الأمريكي للتورط في معركة فعلية ذات أبعاد كارثية إذا ما أمكن ذلك، ومهددة النظام بمواجهة خطر التدمير الساحق الذي يتجسد عياناً بتلك الحشود الهائلة في الميدان، وهي مصرة على شن الحرب لإسقاط النظام العراقي إذا ما أصرَّ على تجاهل تلك الحشود والتهديدات.
وكما أصر رأس النظام صدام من قبل على تجاهل الدعوات له للخروج من الكويت، رغم كل النصائح المقدمة له من خطورة الحرب التي كانت الولايات المتحدة تهيئ لها، مستقدمة قوات هائلة، ومسلحة بأحدث ما أنتجته المصانع الحربية الأمريكية، فإن صدام استمر على مواقفه الخاطئة، ولم يتعلم الدرس من حروبه السابقة، رغم كل النصائح التي قُدمت له بعد احتلاله للكويت بضرورة الانسحاب حفاظاً على مصير العراق وشعبه، وعلى جيشه من التدمير الذي ينتظره إذا لم ينفذ قرار مجلس الأمن القاضي بالانسحاب من الكويت دون قيد أو شرط.
لكنه تجاهل كل تلك النصائح، وركب رأسه رافضاً الانسحاب، وحينما التقى وزير الخارجية الأمريكية [ جيمس بيكر ] بطارق عزيز في جنيف قبيل نشوب الحرب وجه بيكر تحذيراً صارماً لصدام حسين من خلال الرسالة التي سلمها إلى طارق عزيز بأن البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، والقوات المسلحة العراقية ستتعرض لدمار هائل، وأن العراق سيعود القهقرة عشرات السنين إلى الوراء.
لقد كان من الطبيعي أن لا يذرف المواطن العراقي الدمع على صدام ونظامه إذا ما تم إزالة ذلك النظام الفاشي الذي جثم على صدور المواطنين خلال خمسة وثلاثين عاماً عجافا، أذاق خلالها العراقيين من الويلات والمآسي والمصائب ما لا يوصف جراء فاشيته و وحشيته، وحروبه العدوانية ضد إيران والكويت، وضد أبناء شعبه، وإن الشعب العراقي بمختلف أطيافه كان يتطلع إلى يوم الخلاص من ذلك النظام الذي فاق بإجرامه أعتا الأنظمة الدكتاتورية في العالم.
لكن الشعب العراقي كان في الوقت نفسه ينتابه القلق الشديد مما تخبئه الولايات المتحدة له، ولاسيما وأن ما بدأ يتكشف من المخططات الأمريكية المستهدفة للهيمنة على مقدرات الشعوب، وهو الذي كانت لديه هواجس كثيرة، وعدم الاطمئنان والثقة بالسياسة الأمريكية، ولاسيما وأنها قد خذلته في انتفاضة آذار المجيدة عام 1991، ودعمت نظام الدكتاتور صدام في قمعها، وابتلع الرئيس جورج بوش الأب دعوته الشعب العراقي للانتفاض ضد النظام، كما سبق وأن خذلت الولايات المتحدة الحركة الكردية بزعامة السيد مصطفى البارزاني عام 1975، بعد أن وقع صدام وشاه إيران اتفاقية الجزائر، والأمثلة كثيرة على عدم مصداقية وجدية السياسة الأمريكية التي لا تعرف غير مصالحها الذاتية. كان أخشى ما يخشاه الشعب أن يبدل نظاماً دكتاتورياً فاشياً باحتلال أمريكي قد يطول لسنوات عديدة، فلم يعد الشعب قادراً على تحمل المزيد من العبودية والمظالم ، ناهيك عن الويلات والمصائب والخراب والدمار الذي يمكن أن تسببه الحرب، ولاسيما وأن الولايات المتحدة قد أعدت آخر ما ضمته ترسانتها الحربية من الأسلحة الفتاكة، وما عاناه الشعب من ويلات خلال حربي الخليج الأولى والثانية، والحروب الداخلية المستمرة في كردستان العراق، وهو لا ينشد سوى العيش بسلام وحرية وأمان، وأن يحيا في ظل نظام ديمقراطي تعددي تسوده قيم العدالة والحرية والوئام بعيداً عن الحروب ومآسيها وويلاتها.
كان حلم الشعب أن يطيح بالنظام الصدامي من دون حرب واحتلال وضحايا ودمار وخراب، وكان طموحه أن يجبر مجلس الأمن النظام الصدامي على أجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية في البلاد، وإعادة الحقوق والحريات الديمقراطية المسلوبة، وإجراء انتخابات برلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، وقيام نظام حكم ديمقراطي حقيقي يطلق الحريات العامة بما فيها حرية الصحافة، والتنظيم الحزبي والنقابي، وحرية تأسيس الجمعيات ذات النشاط الاجتماعي.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية التي أصدرت عشرات القرارات ضد النظام العراقي قبل نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991، تحت البند السابع الذي يلزم النظام العراقي بالتنفيذ، استثنت القرار الوحيد رقم 688 والمتعلق بحقوق وحريات الشعب العراقي من هذا البند، مما حول القرار في واقع الحال إلى حبر على ورق، ولم يعر له صدام أي اهتمام ما دام غير ملزم له، بل وتمادى في تزييف إرادة الشعب من خلال الاستفتاء الزائف على رئاسته، والذي جاءت نتائجه بتأييد 99و99% وهو رقم لم يشهد له مثيلاً لدى كل دول العالم، واستمر سيفه المسلط على رقاب الشعب، واستمر يقطع رؤوس كل من يشك بعدم ولائه لنظامه الدكتاتوري الشمولي.
وتمادت الولايات المتحدة من جانبها في إيذاء الشعب العراقي بفرض الحصار الجائر ليس على صدام ونظامه، بل على الشعب المهضومة كافة حقوقه وحرياته، وسيف النظام المسلط على رقبة أبنائه، واستمر ذلك الحصار ثلاثة عشر عاما عجافاً لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل في كل تاريخه الحديث، فقد كان الحصار يمثل أشنع أنواع الحروب، حرب التجويع والإذلال والفقر والأمراض، وانهيار البنية الاجتماعية، واختفاء القيم الإنسانية النبيلة التي تعود عليها الشعب لتحل مكانها قيم وسلوكيات على النقيض منها، حيث لم يعد ما يهم المواطن العراقي غير
تأمين مصادر العيش له ولعائلته مهما كانت الوسائل والسبل!!.
وتصاعدت الأخطار المحدقة بالعراق من جديد جراء لعبة القط والفأر التي مارسها صدام مع فرق التفتيش الدولية حول أسلحة الدمار الشامل معرضاً الشعب لكارثة حرب جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها جراء إصراره على افتعال الأزمات مع اللجنة الدولية لنزع أسلحة الدمار الشامل من جهة، وإصرار الولايات المتحدة وبريطانيا على إيجاد واستغلال كل الذرائع الممكنة لتوجيه ضربة قاضية للعراق، حيث لا أحد يعلم مدى ما ستسببه من مآسي وويلات لشعبنا المنهك أصلاً، جراء الحصار الاقتصادي اللاإنساني، حيث بادرت الولايات المتحدة بحشد سفنها الحربية وطائراتها المجهزة بآخر ما توصلت إليه مصانعها الحربية من الأسلحة الفتاكة استعداداً لشن الهجوم على العراق بحجة تدمير الأسلحة الكيماوية والجرثومية البيولوجية التي كانت تقول أن النظام العراقي قد خبأها في مخازن تحت الأرض، ولم يظهر لها أثراً بعد الحرب، وباتت المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه كبيرة جداً، ولا أحد يستطيع تحديد مداها، لكنها في غالب الأحوال كان مقدراً لها أن تكون أشد وطأة من حرب الخليج الثانية عام 1991، وأنها ستأتي على البقية الباقية من بنية العراق الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظل تلك الظروف الخطيرة المحدقة بالعراق وشعبه، والتطورات التي يمكن أن تحدث بين يوم وآخر كانت قوى المعارضة العراقية ما تزال على انقسامها وتشتتها غير عابئة بما يمكن أن تؤول إليه تلك الأحداث، فقد كانت دون مستوى الإحداث، بل كانت تهرول وراءها، واستطاعت الولايات المتحدة أن تستقطب معظم تلك القوى التي انحازت إلى المخطط الأمريكي لغزو العراق بحجة إسقاط النظام الدكتاتوري وإنقاذ الشعب من طغيان صدام.
أخذت الأخطار المحدقة بالعراق تسارع الخطى، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة عازمة عزماً لا رجعة فيه على غزو العراق، و إسقاط نظام صدام واحتلال العراق، ومن أجل تحقيق هذا الهدف جري نقل القوات والأسلحة المتطورة والفائقة التدمير إلى قواعد الانطلاق القريبة من العراق في الخليج العربي وتركيا وإسرائيل والأردن، وتوجهت حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية نحو أقرب
المواقع للعراق.
كما تبعت بريطانيا الولايات المتحدة في تعبئة أعداد كبيرة من قواتها وتجهيزاتها الحربية استعداداً للمشاركة في الحرب، كما جرت الاستعدادات الحربية في إسرائيل بكل نشاط، وبسرية مطلقة، بسبب حساسية الموقف ، استعداداً لساعة الصفر التي بات قريبة كما قدّر الكثير من المراقبين.
وفي حين كان يمضي الوقت مسرعاً نحو اندلاع الحرب التي لم يشك أحداً بنتائجها، وبالويلات والمآسي والمصائب والخراب والدمار الذي سيحل بالشعب والوطن، فإن دكتاتور العراق كان يساوره الأمل بتجاوز الحرب، والبقاء في السلطة غير عابئ بمصالح الشعب، وسيادة واستقلال العراق.
وهكذا اقتربت ساعة الحسم، ولم يعد أمام صدام متسعاً من الوقت لكي يجنب العراق وشعبه ويلات الحرب، و يجنب نفسه وحاشيته المصير المحتوم، ولم يكن هناك من سبيل أمامه سوى الرحيل بأسرع وقت، بعد أن وجهت له الولايات المتحدة إنذارا بمغادرة العراق مع عائلته خلال 48 ساعة وإنقاذ العراق من الخراب والدمار، لكنه استمر على إصراره البقاء في السلطة ولسان حاله يقول على وعلى الشعب وليكن ما يكون.
وانطلقت شرارة الحرب في فجر العشرين من آذار عام 2003 ، تلك الحرب التي لم يستطع صدام وجيشه الصمود فيها سوى عشرين يوماً، حيث انهار النظام بكل مؤسساته وأجهزته العسكرية والأمنية، واحتلت القوات الأمريكية العراق، واستحصلت قراراً من مجلس الأمن يشرعن الاحتلال، ونصبت الجنرال المتقاعد [ كاردنر] حاكماً على العراق، ثم ما لبثت أن استبدلته بالدبلوماسي الأمريكي [ بول برايمر ] الذي حكم العراق عاماً كاملاً اقترف فيه الكثير من الأخطاء الكارثية التي أوقعت الشعب العراقي في جحيم أقسى وأمر من جحيم نظام صدام، بإقامته نظام حكم طائفي متخلف، أدى إلى استقطاب طائفي شيعي وسني أشعل نيران الحرب الأهلية الطائفية التي باتت تطحن بالمئات من المواطنين الأبرياء كل يوم على أيدي المليشيات التابعة للأحزاب الطائفية بشقيها الشيعي والسني، وبات التهجير والعزل السكاني يجري في البلاد على قدم وساق وأخذت موجات الهجرة الداخلية والخارجية تتصاعد يوما ًبعد
يوم حتى جاوزت الأربعة ملايين مواطن، هرباً من الموت الزؤام.
لقد حولت الولايات المتحدة العراق إلى ساحة لتصفية الحساب مع قوى الإرهاب المدعومة من دول الجوار المحيطة بالعراق، وفي المقدمة منها إيران وسوريا بالإضافة إلى عناصر القاعدة التي مهدت لها دول الجوار السبيل للعبور نحو العراق برعاية العناصر البعثية، لتنفذ جرائمها الوحشية التي تستهدف قتل العراقيين .
كما فسحت المجال أمام العناصر البعثية التي أُسقطت من السلطة لتستعيد أنفاسها، وتعيد تنظيم صفوفها، لتشن حربا إجرامية لا هوادة فيها ضد الشعب العراقي، وهي المدربة على السلاح، ولديها ملايين قطع السلاح التي نشرها النظام الصدامي في البلاد، بالإضافة إلى الأموال الهائلة التي سرقها النظام طوال فترة حكمه الطويلة والمقدرة بحوالي 90 مليار دولار لاستخدامها في استعادة السلطة، كما قال صدام نفسه أمام قادة حزبه في احد الاجتماعات.
إنها حرب قوامها السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تقتل المواطنين بالجملة كل يوم مما حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، وسأتعرض إلى تفاصيل الأحداث التي تلت احتلال العراق في ثنايا هذا الكتاب .