1948
إبتسامات عبدالله
أول فتاة عربية تخدم فى الحروب وتحصل على مرتبة ملازم أول
ساعة الملك فاروق الذهبية في معصمي حوار: طاهر البهي
· الملك فاروق زار الجرحى في الرابعة فجراً بعد عودته من رحلة صيد!
· سر الحقيبة الغامضة التي أخفاها الرئيس محمد نجيب في منزلي قبل الثورة المصرية ب48 ساعة!
· زوجي قام بتأمين الرئيس عبد الناصر في الجامع الأزهر
هى .. أول سيدة تشارك ميدانيا في الحروب العربية في عصرها الحديث، وكان ذلك في حرب 1948، وهي أول سيدة مصرية تحصل على رتبة "ملازم أول" وهي أول سيدة تحصل على نوط الجدارة والاستحقاق من أخر ملوك مصر "فاروق الأول" والذي منحها ساعته الذهبية – لازالت تزين معصمها حتى اليوم – تقديراً لدورها المشرف في تمريض مصابي حرب 1948م في المستشفى الميداني الذي أقيم خصيصا داخل أحد المنازل فى مدينة غزة، لتضميد جراح جنود وضباط العمليات العسكرية والفدائية في هذه الحرب
التقيت بالسيدة ابتسامات في منزلها البسيط ، الأنيق، الذي تزين جدرانه عشرات من الصور التي تستحق أن يقام لها متحفا مستقلا ، حيث تقف صورها مع اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بعد الثورة، وهناك صورا للسيدة أم كلثوم سيدة الغناء العربي، التي تحتفظ الملازم إبتسامات بذكريات طيبة معها.. وأيضا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان صديقا شخصيا لزوجها ..
والسيدة "الملازم أول ابتسامات محمد عبدالله" ، من أسرة وطنية عريقة، عمل معظمها بالخدمة ، إما في الشرطة ، أو في الجيش الوطني..
بنت السلطان
والدها هو محمد بك عبدالله، حاصل على لقب "البكوية" من القصر الملكي، كان يعمل كضابط مفتش غفر بمديرية أسيوط ، برتبة" بكباشي" تعادل مقدم الآن، وهو مصري من الريف مركز ميت غمر في دلتا مصر، أما الأم السيدة فاطمة فضل، فهي ابنة لسلطان إقليم" الواو" في السودان، ووالدها إسمه السلطان" جمعة كيانجو" بمديرية بحر الغزال، والتقى بها الأب عندما خدم في السودان.
على الحنان الزائد تربت الملازم إبتسامات، خاصة أنه كان لها شقيق توأم اختاره الله في سن مبكرة. ، فكانت الأم تخاف على إبتسامات "من الهوا الطاير"......
أم الملازم ابتسامات
غرست الأم في ابنتها الصراحة والطيبة ، والإحسان والعطف على المساكين والمحتاجين، وتعلمت من والدها الكرم والسخاء وحب الوطن.
تعلمت في المدارس الابتدائية الفرنسية ، وإن كانت للأسف لم تكمل تعليمها العالي .. وتعرفت على زوجها الضابط والرياضي محمد حبيب في سن مبكرة ، وتزوجت منه، لتستقل بحياتها الجديدة ولم يشاء الله أن ترزق منه بأطفال ، فعوضت ذلك بأن وزعت حنانها الغريزي على الضعفاء.
إلى أن جاءتها الفرصة، لتخدم قطاعا عريضا من هؤلاء الضعفاء، حينما نشر إعلانا بالصحف عنوانه: " مطلوب متطوعات"، وكأنها تنتظر هذه الفرصة النادرة، لتحقق حلمها في العمل التطوعي.
الثقة بالنفس
تقدمت إلى مكان المقابلة، وكلها ثقة بالنفس.. ثقة زرعتها الأم والأب بداخلها، وكانت الممتحنة لها هي " ناهد رشاد" وصيفة الملك ، والاسم الذي كان يتردد همسا داخل القصر.. كانت ناهد رشاد في ذلك الوقت تحمل رتبة "صاغ" – رائد – وهى التي تختار المتطوعات بنفسها.
· سألتها: عن أي المزايا كانت تركز ناهد في اختيارها لكم؟
· قالت : كانت تبحث عن بنات العائلات، حتى يحسن معاملة الجنود ، وأيضا كانت سمة ذلك العصر الاهتمام بالطبقة العليا.. وبنات الأصول.
· كم عدد الفتيات المتقدمات لتلك المهمة.
· كنا 75 فتاة وسيدة أبدين رغبتهن – وهن من سيدات المجتمع الراقي – في أداء واجب التمريض والإسعاف لجرحي الميدان.
· وكم عدد الناجحات؟
· 7 فقط، كنت أنا الفتاة الأولى من بينهن – اختارونا بعد اختبارات شاقة، وقد اشترت هؤلاء الفتيات ملابسهن العسكرية من مالهن الخاص.
ميدان حرب 1948
تميزت عندما عملت بالتمريض في الميدان، أثناء حرب 1948 ، وبعد أن نقلونا بطائرة عسكرية ذات محرك واحد، وكانت أول مرة يسمح فيها بالتحاق الفتاة المصرية بالخدمة العسكرية، وكتبت عنا الصحف وأفردت لنا صفحاتها، وكيف أمضينا شهر ونصف الشهر في تدريبها مكثفة، قبل أن يتم توزيعنا على الوحدات، حتى جاء يوم 26 مايو من عام 1948 ، عندما استدعتني الصاغ ناهد رشاد، واختارتني للسفر فورا – كما أشرت – إلى مستشفى غزة الميداني بفلسطين، عقب اندلاع النكبة، وسافرت مع 12 طبيبا مصريا برئاسة ناهد رشاد ، وكانت رحلة الطيران إلى العريش تنطوي على مخاطرة كبيرة ، ومن هناك استقلينا القطار، فضلا عن أن رحلة العشرة أيام التي قضيناها بين الجرحي كانت عذابا ليس بعده عذاب، فطوال النهار والليل نستمع إلى أنين الجرحي، وكثيرا ما يستشهد بعضهم ، ويتم دفنهم إلى جوار المستشفى ، ولكني كنت أحضر لمرضاي" جرامفون " وأسطوانات للمطرب المحبوب جدا وقتها عبدالعزيز محمود، ونجحت بالفعل في التخفيف عن الجنود والضباط، ولذلك كنت محبوبة بينهم.. وأكثر ما آلمني صرخة مجند جريح، أنا عايز أرجع الميدان علشان آخذ حقي وحق بلدي!
ساعة الملك فاروق
.. في أحد الليالي كانت تنام في سريرها بالمستشفى الذي تخدم به، عندما جاءها مجند يوقظها وهو يرتعد، وعندما سألته ما الأمر؟ قال: جلالة الملك في المستشفى، ولما كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا ، فإنها لم تصدق، وظنت أن المجند وقعت له لوثة بسبب الأهوال التي يعيشها بين الحالات القاسية من الجرحي داخل المستشفي.
ولكنها لم تجد مفرا من استطلاع الأمر، فارتدت ملابسها العسكرية بسرعة ونزلت إلى الطابق الأرضي المخصص لاستقبال المصابين، فيما الدور الثاني للعمليات، والثالث كاستراحات لطاقم التمريض.
نزلت لتجد نفسها وجها لوجه أمام الملك فاروق الأول، الذي كان يصطاد السمك في مياه البحر الأحمر، ورأى أن يمر ليطمئن على أحوال جنوده المصابين، ويمنحهم سمكة ضخمة اصطادها بنفسه، لم يروا مثلها من قبل ، وعندما سمع شهادات اعجاب المصابين بالتمريض، وخصوا بالذكر الملازم ابتسامات منحها ساعته الذهبية المدون عليها اسمه (كانت الساعة في يد السيدة ابتسامات وقت إجراء هذا الحوار).
الرئيس اللواء نجيب:
ومن أصدقاء الملازم ابتسامات المقربين الرئيس الأول لمصر الراحل اللواء محمد نجيب، الذي كان والده صديقا لوالد السيدة ابتسامات ، وجاءها كجريح في مستشفى العجوزة على نيل القاهرة، فداعبها بقوله: أنت بتعملي أيه هنا؟
ردت الدعابة بمثلها: أنا مستنياك يا سيادة اللواء!
ثم جاء إلى منزلها قبل الثورة بيومين، ومنحها حقيبة ضخمة، طالبا منها أن تحفظها في منزلها – وكان صديقا لزوجها أيضا – ولكن شدد عليها ألا تحاول فتحها ، لخطورة الأمر، وقال ليطمأنها: فيها أوراق نادي الضباط والحدود، ومرة أخرى جاء إليها ليسترد الحقيبة الغامضة في لهفة، وفي صباح اليوم التالي استمعت ابتسامات مع جماهير الشعب المصري إلى بيان قيام نجيب ورفاقه بالثورة المصريةــ يوليو تموز 52ـ ، وكان اللواء محمد نجيب يثق جدا في ابتسامات ، ويخصها بأسراره، ولكنه انقطع عنها في فترة توليه رئاسة مصر، وإن كانت هي التي ذهبت إليه، تطلب منه أن يسأل عن شخص تقدم للزواج منها ( أصبح زوجها فيما بعد) وبالفعل طلب من معاونيه معلومات عن هذا الشاب، وبعدها قال لها ده خطيبك برىء أكثر مني.!
ملحوظة: كل من اقترب من اللواء محمد نجيب لمس فيه الروح المرحة وميله إلى الدعابة، على الرغم مما تعرض له من مآسي ، كان أقساها على نفسه مصرع ابنه "علي" خارج مصر.
وبعد تحديد اقامته كان دائم التردد على منزل السيدة ابتسامات ، وكان يجب أن يأكل من يدها الجمبري البانيه، ويلقي بتبغ غليونه على السجادة من باب الدعابة!
الرئيس عبدالناصر:
وكان من أصدقاء الأسرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان زوجها على علاقة صداقة قوية به، وفي أحد أيام الجمعة ، كان زوجها يصلي في الجامع الأزهر، وهناك فوجئ بالرئيس عبدالناصر من دون حراسة ولا مرافق، فأبدى زعره من ذلك، خاصة أن المسجد كان ممتلىء عن آخره؛ أصر الزوج على لعب دور الحماية للرئيس، حتى علم المشير عبد الحكيم عامر بالأمر، فجاء على وجه السرعة هو والرئيس السادات في عربة جيب عسكرية ليكونا إلى جوار الرئيس عبد الناصر، ومما زاد من قلقهم أن اكتشفوا أن بعض المصلين يحملون أسلحة !
المصدر: مقابلة شخصية مع الكاتب الصحفى طاهر البهى