خلف الحبتور
الفضيحة التي ظهرت مؤخراً في إسرائيل عن مجموعة الشحن والنقل الإسرائيلية الخاصة “الأخوان عوفر” التي باعت ناقلة نفط لإيران عن طريق شركة إيرانية معروفة إستعملت كواجهة وهمية، والتي تنقل المنتجات النفطية
من إيران وإليها منذ عقد، تزيدني شكوكاً بأن الأمور ليست أبداً كما تبدو عليه ظاهرياً في عالم السياسة الغامض.
فمن جهة، تدعو حكومة نتنياهو واشنطن إلى التشدّد في عقوباتها على إيران، ومن جهة أخرى تتعامل شركة يملكها الرجل الأكثر ثراء في إسرائيل، سامي عوفر (الذي توفّي يوم الخميس 2 يونيو عن عمر 89 عاماً)، مع إيران منذ سنوات وترسو سفنها بانتظام في الموانئ الإيرانية.
أنكر المسؤولون الإسرائيليون معرفتهم بما يجري. بيد أن نظريات المؤامرة تنشط بعدما أوقف كبير المسؤولين الأمنيين في وزارة الدفاع الذي كان عضواً من قبل في مجلس إدارة “الأخوان عوفر”، نقاشاً كان يجريه أعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية في الكنيست حول المسألة. في البداية، أكّدت عائلة عوفر أنها تعاملت مع إيران باسم إسرائيل، لكنها عادت فبدّلت أقوالها بالكامل مما أثار تكهّنات حول عقد صفقة معها. نكون سذّجاً إلى أقصى الحدود
إذا صدّقنا أن الموساد وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بت) لم يكونا على علم بما يجري طوال عشر سنوات، ويعرف الجميع أن فضيحة عوفر قد تكون رأس جبل الجليد.
تُذكّرنا هذه القضيّة بالجدل الذي أثير حول ناحوم منبر، المظلّي السابق في قوة الدفاع الإسرائيلية الذي اتُّهِم ببيع إيران مكوِّنات تُستعمَل في صنع غاز الخردل وغاز الأعصاب. عام 1997، صدر حكم بسجنه 16 عاماً على إثر محاكمة أجريت خلف الأبواب الموصدة. كشف الكاتب وعضو الموساد السابق، فيكتور أوستروفسكي، أن منبر كان على صلة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية فيما لمّح آخرون مطّلعون على بواطن الأمور إلى أن إسرائيل استعملته كبش فداء عندما فُضِح أمر الصفقة. لطالما أصرّ منبر على أن تعامله مع الإيرانيين تمّ بمباركة الاستخبارات الإسرائيلية، ويستهجن التساهل الذي تعاملت به الحكومة الإسرائيلية مع عائلة عوفر. قال “انتقم النظام منّي في حين أن للإخوان عوفر روابط مع الحكومة، ولا أحد يمسّهم”.
الأسبوع الماضي، أورد موقع Ynetnews (الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت) أن “الروابط التجارية تزدهر بين إسرائيل وإيران” مع “انخراط عشرات الشركات الإسرائيلية في علاقات سرّية مع الجمهورية الإسلامية عن طريق أطراف ثالثة”. ينقل المقال عن رئيس “رابطة الصداقة الإسرائيلية-العربية” يهوشوا ميري، قوله “على الرغم مما نراه على الأرض، تبلغ قيمة العلاقات التجارية السرّية مع إيران عشرات ملايين الدولارات سنوياً… تزدهر الأعمال على الرغم من صدور تصاريح حادّة اللهجة عن الجانبَين. العلاقات مع الشركاء التجاريين الإيرانيين ممتازة، بغض النظر عن التصريحات السياسية”.
قبل بضعة أيام فقط، كان على وزارة التجارة الإيرانية أن تُقدِّم إجابات للمصدِّرين / المستوردين الإيرانيين الذين اشتكوا من بيع التفّاح والبرتقال الإسرائيلي في أسواق البلاد. إنه سرّ مكشوف أن إسرائيل تشتري
الرخام والكاجو والفستق من إيران فيما تستورد الأخيرة الأسمدة العضوية والهرمونات الاصطناعية لزيادة إنتاج الحليب، وأنابيب الريّ والحبوب من إسرائيل.
على الأرجح أنكم تتساءلون، كيف يُعقَل ذلك في الوقت الذي يوجّه فيه الرئيس محمود أحمدي نجاد انتقادات شديدة القسوة لإسرائيل منذ تسلّمه منصبه؟ ورد في مقال نُشِر مؤخراً على الموقع الإلكتروني الإنجليزي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن كبير المستشارين لدى أحمدي نجاد، إسفنديار رحيم مشائي، صرّح قبل ثلاث سنوات أنه يتعيّن على إيران إقامة “روابط ودّية” مع الدولة اليهودية، وهذا كلام أيده فيه رئيسه.
أشرت في إحدى مقالاتي الأخيرة إلى أن العداوة المتبادلة التي تظهر حالياً بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى هي تمثيلية في جزء منها، بحيث تتيح لطهران أن تنال حظوة لدى العالم العربي، ولإسرائيل أن توجّه إصبع الاتّهام إلى إيران معتبرةً أنها تشكّل تهديداً لوجودها وبهذه الطريقة تضع إسرائيل نفسها في موقع الضحية، كما أن أمريكا تستخدم العداء مع إيران كذريعة للإبقاء على قواعدها العسكرية في المنطقة.
ولقد أشرتُ إلى أنه على الرغم من أن واشنطن وطهران “عدوّتان لدودتان” منذ الثورة الإسلامية عام 1979، سهّل الإيرانيون القصف الإسرائيلي لمفاعل نووي عراقي عام 1981، وشحنت إدارة ريغان أسلحة لإيران في منتصف الثمانينات عن طريق إسرائيل. وبعد اجتياح أفغانستان والعراق، عرضت إيران تدريب الجنود
الأفغان تحت إشراف أمريكي وحضّت العراقيين الشيعة على عدم مقاومة المحتلّين الذين تقودهم الولايات المتحدة.
فضلاً عن ذلك، على الرغم من فشل إيران في تهدئة شكوك المجتمع الدولي حول تطويرها لأسلحة نووية، تبيّن أن العقوبات ضدّها مجرّدة من أي فاعلية مقارنةً بالعقوبات التي شلّت العراق في عهد صدام حسين لأكثر من عشر سنوات.
ويوجّه الرئيس أوباما رسائل متناقضة في هذا السياق. فقد تعهّد الشهر الماضي مواصلة الضغوط على إيران، لكن السؤال المطروح هو “أيّ ضغوط؟” من المؤكّد أنها لا تصل أبداً إلى مستوى الضغوط التي مارسها البيت الأبيض على الرئيسَين مبارك وبن علي للتنحّي.
خلاصة الموضوع أن القوى العسكرية الثلاث تعتبر أن منطقة الشرق الأوسط والخليج هي دائرة نفوذ لها، ولن تذرف دمعة واحدة إذا اندحر العرب في هذه المنطقة الغنيّة بالنفط والغاز ذات الموقع الاستراتيجي.
أناشد قادة دول مجلس التعاون الخليجي العربي التركيز على التهديدات المحدقة بالمنطقة واتّباع خط سياسي وعسكري مستقل، ويتعيّن على مصر بشكل خاص أن تقاوم الاقتراحات الإيرانية الداعية إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية والتي تصبّ في مصلحة طهران. في الوقت الذي تُحتضَر فيه عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، وتتقاذف العواصف “الربيع العربي”، وتعمل إيران على توسيع نفوذها، لم يعد مقبولاً أن نستمرّ في التفرّج ونكتفي بالتمنّي.
المصدر : العربية.نت