اللواء باقى زكى يوسف
مبتكر مدافع المياه التى أزالت خط بارليف
******
بكل دقة وتذكراً لأدق التفاصيل بدأ اللواء باقى فى شرح ملابسات فكرته المبتكرة فيعود بالذاكرة إلى إبريل 1964 حينما أنتدب كضابطا بأحدى ورش الصيانة بمشروع السد العالى باسوان وقضى هناك أربعة أعوام أكتسب فيها الكثير من الخبرات وتعلقت بذاكرته الكثير من المشاهدات حتى ألغيت جميع إنتدابات القوات المسلحة مع بداية حرب يونيو 1967 ليعود برتبة المقدم مسؤلاً عن جميع مركبات الفرقة 19 ضمن الجيش الثالث والتى كانت بحالة يرثى لها سواء العائدة من سيناء بأصابات ونقص كبير أوتلك العائدة من اليمن بأعطاب شديدة نتيجة وعورة السير فى تضاريس اليمن الجبلية ، والتى إستدعت منه ومعاونيه جهدا مضنيا لأعادتها للحالة التى تسمح لها بنقل كل مستلزمات أى معركة قادمة من أسلحة وجنود وذخائر .
كان كل ما يشغل هم الضابط الشاب باقى من موقعه المتقدم على ضفة القناة الغربية مشاهدة خط بارليف وهو يعلو رويدا ريويدا لشكل عائق نفسى أمام المصريين إلى جوار منعته العسكرية حيث صمم ليرتفع لعشرين متراً بعمق يبلغ على الأقل 12 متراً بما يسمح للدوريات الإسرائيلية الراكبة بالسير فوقه وبذاوية ميل تكاد تكون قائمة إذ تبلغ 80 درجة وهى نفس ذاوية ميل ضفة القناة حتى القاع بحيث لا تسمح بأى موضع قدم مستوى على حافة القناة الغربية يستقر عليه الجنود قبل تسلق الساتر
وخرجت الفكرة للنور لأول مرة حينما طلب المقدم باقى زكى يوسف لحضور إجتماع قائد الفرقة 19 اللواء سعد زغلول عبد الحميد بقادته فى مايو 1969 بصفته رئيس فرع المركبات لمناقشتهم فى إستعداداتهم القتالية الخاصة بالعبور الذى كان متوقعا له شهر إكتوبر من نفس العام وإستمع المهندس باقى لعرض القادة لشرحهم للموقف وتطرق الحديث لفتح ثغرات إما بشحنات متفجرة أو قصف جوى فعلم أن الثغرة الواحدة قد تحتاج لفتحها حوالى 12 ساعة مع نسبة أصابة غير قليلة بين الجنود المصريين . والتى كان هناك إتجاهاً إلى إستعمل قنابل ذرية لأحداث الثغرات مع ما يمكن أن تحمله من تأثيرات إشعاعية ضارة على الجنود المصريين ..ومن ضمن أفكار عبور قوات الجيش كانت فكرة إقامة كبارى معلقة .. وهنا ورفع الضابط الشاب يده طالبا الكلمة ليتحدث فى موضوع غير ذى صلة بتكليفاته كرئيس فرع مركبات الفرقة ويطرح فكرته وهى إستخدام مضخات مياه ماصة كابسة ذات بشبورىعلى قوارب خفيفة تقوم بسحب المياه من القناة وضخها بقوة دفع عالية تهيل الرمال وتسقطها بفعل كتلتها إلى قاع القناة .. يذكر أن جميع الحضور أستمعوا لحديثه بإنصات تام كأن على رؤسهم الطير ومرت لحظات خالها دهراً قبل أن يناقشه قائده بمجرد ذكره أن هذه العملية كانت منفذة فى السد العالى وهنا فقط بدأ الحوار حينما سؤل : عملتم إيه فى السد العالى ؟
وكانت الأجابة: أن ثلتى كتلة السد العالى من رمال مزاحة بهذه الطريقة نقلت من أماكنها بعد ذلك وبعد أن حقنت بمادة الطفلة إلى موقها بجسم السد ، وهنا بدأت الفكرة تأخذ طريقها إلى القيادات الأعلى بواسطة الضابط المهندس الشاب الجرئ الذى لم يكتف بأداء دوره بهمة ونشاط بل تطوع لحل مشكلة لم يطلب رأيه فى حلها ( هذه هى مصر وهؤلاء هم أبناء مصر) فأرسله قائد الفرقة إلى قائد الجيش ليشرح له الفكرة وقام قائد الجيش بالأتصال بهيئة العمليات لعرض الفكرة التى لقيت إستحسانا وقبولاً وطلب منه تقريراً وافياً بفكرته فذهب إلى مقر وزارة السد العالى بالقاهرة وجمع كل ما يتصل بتلك العملية ولم ينم حتى كتب مسودة التقرير بخط يده فى حوالى الصفحتين والنصف . وفى الصباح الباكر طلب منه التوجه إلى مقر القيادة وهو فى حالة يرثى لها من الأرهاق وعدم الأعتمام بالهندام فتم كتابة التقرير على آلة كاتبة وطلب منه فى الوقت نفسه كتابة تلخيص للتقرير فى نصف صفحة علم فيما بعد أنها كانت مطلوبة لعرضها على الرئيس جمال عبد الناصر فى إجتماعه الأسبوعى فى اليوم التالى ، وأقر جمال عبد الناصر الفكرة وأمر ببدء إجراء التجارب عليها بعد أن طلب من المقدم باقى إحضار المسودة المكتوبة بخط اليد بالفرقة وقام رئيس العمليات بالفرقة بأحراقها أمامه مطالبا إياه بألتزام الصمت التام .. وقد كان ..
وقد أجرت القوات المسلحة بواسطة سلاح المهندسين بقيادة اللواء جمال محمد على 300 تجربة على هذه الطريقة كان أولها بمنطقة حلوان بواسطة مضخات كانت مستخدمة فى السد العالى قامت بفتح الثغرة فى أربع ساعات ، ومن ضمن التجارب ذلك البيان العملى الذى تم بجزيرة البلاح فى يناير عام 1972
وجائت لحظة الحسم وأنلعت ئرارة معركة التحرير بعد ظهر السادس من أكتوبر .. لتفتح أول ثغرة فى السادسة مساءاً ، ويعبر أول لواء مدرع فى السادسة والنصف قبل موعده المحدد بساعة ونصف ، وعند العاشرة مساءاً كن قد تم فتح 60 ثغرة فى الساتر الرملى .. وتأتى أجل وأروع لحظات تمر على اللواء باقى صباح اليوم اثانى للمعركة وهو يعبر القناة مع مركباته فوق أحد المعابر وهو ينفذ من خلال أحدى الثغرات التى نفذت بفكرته العبقرية ويصف ذلك الموقف بأنه شعر طول عنقه ليبلغ السحاب.