pop2011
مقـــدم
الـبلد : العمر : 29 المهنة : EGyPTIAN ARMY المزاج : A7med sa3d التسجيل : 19/05/2011 عدد المساهمات : 1108 معدل النشاط : 1186 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: غزوات المسلمين الأحد 12 يونيو 2011 - 22:09 | | | بسم الله الرحمن الرحيم
معركة كوسوفا.. حملة صليبية سادسة على العثمانيين
(في ذكرى انتهائها: 20 من شعبان 852هـ)
كانت بدايات الدولة العثمانية قوية، انتقلت من طور الإمارة إلى طور الدولة في أوربا بفضل سلاطينها الأقوياء الذين ألفوا الحياة الجادة، وانشغلوا بعظائم الأمور، وعنوا ببناء الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية، ولم يكد ينقضي الثلث الأول من القرن العاشر الهجري حتى صارت الدولة العثمانية أكبر إمبراطورية في العالم، تمتد أراضيها عبر قارات آسيا وأوربا وأفريقيا.
وكان من أعظم سلاطين الدولة العثمانية الذين شاركوا في مرحلة البناء والتأسيس مراد الثاني، تولى السلطنة في سنة (824 هـ = 1421م) بعد وفاة أبيه محمد جلبي، ولم يزد عمره حين اعتلى عرش الدولة العثمانية عن ثمانية عشر عاما، شابا فتيا، يفيض حماسا وطموحا، ويتطلع إلى المزيد من القوة والنفوذ.
في وجه العواصف والأعاصير
وما كاد مراد الثاني يعتلي السلطنة حتى كان على موعد مع القلاقل والثورات التي كادت تطيح به لولا أنه كان صلب العود قوي الإرادة، واثق النفس، لا تهزه العواصف والأعاصير، فقضى على ثورة عمه مصطفى جلبي الذي كان طامعا في السلطنة يرى نفسه جديرا بها أهلا لتولي مسئولياتها، وكان يقف وراءه الدولة البيزنطية التي كانت ترى في تزايد قوة العثمانيين خطرا داهما يهدد وجودها، ولذا لجأت إلى شغل الدولة العثمانية بالفتن والثورات حتى لا تلتفت إلى فتح القسطنطينية التي كان يحلم بها سلاطين آل عثمان.
وقضى مراد الثاني عدة سنوات يوجه ضربات موجعة لحركات التمرد في بلاد البلقان، ويعمل على توطيد أركان الحكم العثماني بها، وأجبر ملك الصرب "جورج رنكوفيتش" على دفع جزية سنوية، وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة الدولة العثمانية وقت الحرب، ويزوجه ابنته "مارا"، ويقطع علاقاته مع ملك المجر، كما نجح السلطان مراد الثاني في فتح مدينة سلافيك اليونانية بعد أن حاصرها خمسة عشر يوما.
على جبهة المجر
اشتبك السلطان مراد الثاني مع المجر بسبب ضلوعها في تحريض الصرب على الثورة على الدولة العثمانية، فتحرك إليها في سنة (842هـ= 1438م)، وأحدث بها خسائر فادحة، وعاد منها بسبعين ألف أسير على ما يقال.
وفي السنة التالية خرج جورج برنكوفتش أمير الصرب على طاعة الدولة العثمانية فخرج السلطان مراد في قواته وحاصر "بلجراد" عاصمة الصرب لمدة ستة أشهر لكنه لم ينجح في فتحها لبسالة المدافعين عنها، ثم اتجه إلى ترانسلفانيا بالنمسا وأغار عليها. وكان من شأن ذلك أن أعلن البابا أوجينيوس الرابع في سنة (843هـ = 1439م) قيام حملة صليبية ضد الدولة العثمانية، وسرعان ما تكون من وراء دعوة البابا حلف من المجر وبولندا والصرب، وبلاد الأفلاق وجنود البندقية، وقاد هذا الحلف القائد المجري "يوحنا هونياد"، وكان كاثوليكيا متعصبا هدفه في الحياة إخراج العثمانيين من البلقان ومن أوربا.
وقد نجح هذا القائد المجري في إلحاق هزيمة ساحقة بالعثمانيين سنة (846 هـ = 1442م) بعد أن قتل منهم عشرين ألفا بما فيهم قائد الجيش، وألزم من نجا منهم بالتقهقر إلى خلف نهر الدانوب. ولما بلغ السلطان خبر هذه الهزيمة أرسل جيشا من ثمانين ألف جندي تحت قيادة شهاب الدين باشا، للأخذ بالثأر وإعادة الاعتبار للدولة العثمانية، لكنه لقي هزيمة هو الآخر من " هونياد المجري" في معركة هائلة بالقرب من بلجراد.
وتوالت الهزائم بالسلطان؛ الأمر الذي جعله يعقد معاهدة للصلح لمدة عشر سنوات مع المجر في (26 من ربيع الأول 848 هـ= 13 من يوليو 1444م) بمقتضاها تنازل السلطان عن الصرب، واعترف بجورج برانكوفتش أميرا عليها، وتنازل عن الأفلاق (رومانيا) للمجر. وبعد عودة السلطان إلى بلاده فجع بموت ابنه "علاء الدين" أكبر أولاده، فحزن عليه وسئم الحياة فتنازل عن الحكم لابنه محمد الذي عرف فيما بعد بـمحمد الفاتح وكان في الرابعة عشرة من عمره، وتوجه مراد الثاني إلى "مغنيسيا" في آسيا الصغرى ليقضي بقية حياته في عزلة وطمأنينة ويتفرغ للعبادة والتأمل.
المجر تنقض معاهدة الصلح
أنعش تخلي السلطان مراد الثاني عن الحكم آمال الأوربيين في الانقضاض على الدولة العثمانية، ولم يكن مثل السلطان الصغير محمد الثاني أهلا لأن يتحمل أعباء مواجهة الحلف الصليبي، وبالفعل نقض ملك المجر المعاهدة بتحريض من مندوب البابا، الذي أقنعه بأنه في حل من القسم الذي تعهد به، وكان ملك المجر قد أقسم بالإنجيل وأقسم مراد الثاني بالقرآن على عدم مخالفتهما شروط معاهدة الصلح ما داما على قيد الحياة.
وعلى أنقاض المعاهدة قام حلف صليبي تكون من المجر وبولونيا وألمانيا وفرنسا والبندقية والدولة البيزنطية، وحشدوا جيشا ضخما.
مراد الثاني يعود إلى السلطنة
تحركت هذه الحشود الضخمة نحو الدولة العثمانية، ونزلت إلى ساحل البحر الأسود واقتربت من "فادنا" البلغارية الواقعة على ساحل البحر، وفي الوقت الذي كان تجري فيه هذه التحركات كان القلق والفزع يسيطر على كبار القادة في "أدرنة" عاصمة الدولة العثمانية، ولم يكن السلطان الصغير قادرا على تبديد هذه المخاوف والسيطرة على الموقف وانتزاع النصر من أعداء الدولة؛ من أجل ذلك اجتمع مجلس شورى السلطنة في "أدرنة"، واتخذ قرارا أبلغه إلى السلطان محمد الثاني، نصه: "لا يمكننا مقاومة العدو، إلا إذا اعتلى والدك السلطان مكانك.. أرسلوا إلى والدكم ليجابه العدو وتمتعوا براحتكم، تعود السلطنة إليكم بعد إتمام هذه المهنة".
وعلى الفور أرسل محمد الثاني في دعوة أبيه مراد الثاني الموجود في مغنيسيا، غير أن السلطان مراد أراد أن يبعث الثقة في نفس ولده، فبعث إليه قائلا: إن الدفاع عن دولته من واجبات السلطان.. فرد عليه ابنه بالعبارات التالية: "إن كنا نحن السلطان فإننا نأمرك: تعالوا على رأس جيشكم، وإن كنتم أنتم السلطان فتعالوا ودافعوا عن دولتكم".
اللقاء المرتقب في "فادنا"
أسرع السلطان مراد الثاني في السير إلى "فارنا" في اليوم الذي وصل فيه الجيش الصليبي، وفي اليوم التالي نشبت معركة هائلة، وقد وضع السلطان مراد المعاهدة التي نقضها أعداؤه على رأس رمح ليشهدهم ويشهد السماء على غدر العدو، وفي الوقت نفسه يزيد من حماس جنده.
وبدأت المعركة بهجوم من "هونياد" قائد الجيش الصليبي على ميمنة الجيش العثماني وجناحه الأيسر، وترك السلطان مراد العدو يتوغل إلى عمق صفوف جيشه، ثم أعطى أمره بالهجوم الكاسح، فنجحت قواته في تطويق العدو، واستطاعت قتل ملك المجر "لاديسلاس" ورفعت رأسه على رمح وكان لهذا أثر مفزع في نفوس العدو حين رأوا رأس ملكهم مرفوعة على أحد الرماح، فاضطربت صفوفهم وتهاوت قواهم وخارت عزائمهم، ولم يلبث أن هرب القائد المجري "هونياد" تاركا جنوده تقع في الأسر، وقد بلغ عددهم ما بين ثمانين إلى تسعين ألف جندي، وتم هذا النصر في (28 من رجب 848هـ= 10 من نوفمبر 1444م)، وفرح المسلمون بهذا النصر، ولم يقتصر الاحتفال به على تركيا وحدها، بل امتد إلى العالم الإسلامي.
معركة كوسوفا.. حملة صليبية
مضت أربع سنوات على انتصار العثمانيين في "فارنا" لكن الألم كان يعتصر قلب "هونياد"، ورغبة الثأر تأكل قلبه، يريد الانتقام ومحو آثار هزيمته وهروبه من ساحة القتال، فقام بتجهيز الحملة الصليبية السادسة ضد العثمانيين، اشترك فيها مائة ألف جندي من المجر وألمانيا وبولونيا وصقلية، ونابولي، وتألف الجيش من 38 كتيبة، معظمها لا تعرف لغة الأخرى.
تقدم هذا الجيش الجرار حتى صحراء كوسوفا والتقى بالجيش العثماني الذي كان يقوده مراد الثاني، واستمر اللقاء ثلاثة أيام، بدءا من (18 من شعبان 852 هـ = 17 من أكتوبر 1448م)، وفي اليوم الثالث نجح السلطان مراد في محاصرة العدو الذي أنهكه التعب وضربات القوات العثمانية المتتالية، وأغلق أمامه طريق العودة.
عجز "هونياد" عن المقاومة، حتى إذا حل الظلام تمكن من الهرب، تاركا خلفه 17 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الأسرى، وأعاد هذا النصر ذكرى انتصار السلطان مراد الأول على "لازار" ملك الصرب في هذا المكان سنة (791 هـ = 1389م) أي قبل 59 عاما من النصر الثاني، كما قضى على آمال الأوربيين في إخراج العثمانيين من بلاد البلقان لعصور طويلة.</B> |
|
pop2011
مقـــدم
الـبلد : العمر : 29 المهنة : EGyPTIAN ARMY المزاج : A7med sa3d التسجيل : 19/05/2011 عدد المساهمات : 1108 معدل النشاط : 1186 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: غزوات المسلمين الأحد 12 يونيو 2011 - 22:09 | | | |
|
pop2011
مقـــدم
الـبلد : العمر : 29 المهنة : EGyPTIAN ARMY المزاج : A7med sa3d التسجيل : 19/05/2011 عدد المساهمات : 1108 معدل النشاط : 1186 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| |
pop2011
مقـــدم
الـبلد : العمر : 29 المهنة : EGyPTIAN ARMY المزاج : A7med sa3d التسجيل : 19/05/2011 عدد المساهمات : 1108 معدل النشاط : 1186 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: السلام عليكم الأحد 12 يونيو 2011 - 22:11 | | | |
|
pop2011
مقـــدم
الـبلد : العمر : 29 المهنة : EGyPTIAN ARMY المزاج : A7med sa3d التسجيل : 19/05/2011 عدد المساهمات : 1108 معدل النشاط : 1186 التقييم : 21 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: غزوات المسلمين الأحد 12 يونيو 2011 - 22:12 | | | بسم الله الرحمن الرحيم
حرب العاشر من رمضان
( 10 رمضان 1393هـ - 6 أكتوبر 1973م )
من أهم ما حدث في شهر رمضان المبارك: ما فاجأنا وفاجأ العالم كله من حدث اهتزت له القلوب طربا، وابتسمت له الثغور فرحا، ولهجت به الألسنة ثناء، وسجدت الجباه من أجله لله شكرا.
إنه الحدث الذي عوضنا عما فوجئنا به من قبل في الخامس من حزيران (يونيو) 1967، والذي خسرت به الأمة ما خسرت، وكسبت إسرائيل ما كسبت، وضاعت به -إلى اليوم- القدس والضفة والقطاع والجولان، بالإضافة إلى سيناء التي استردتها مصر فيما بعد.
وهذا الحدث الذي أحيا الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، بل الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط، هو: حرب العاشر من رمضان، وأنا أحب دائما أن أسميها معركة العاشر من رمضان، وليس السادس من أكتوبر؛ لأن شهر رمضان ونفحاته وبركاته وإمداداته التي هبت نسماتها على الجنود والصائمين والمصلين كان له أثره في تحقيق النصر، وإمداد المقاتلين بشحنة إيمانية دفعتهم إلى البذل والفداء، أما أكتوبر، فليس له أي إيحاء أو دخل في هذا النصر.
ما زلت أذكر هذا اليوم المشرق، وقد خرجت من درس العصر في مسجد الشيخ خليفة، فإذا الأنباء المبشرة تستقبلني، وإذا الهواتف تدق ولا تتوقف، للاتصال بي من هنا وهناك، مهنئة بما وقع، شاكرة لله تعالى، الذي صدق وعده، وأعز جنده، وهزم الظالمين وحده.
في أول الأمر خفت أن نكون مخدوعين، كما خدع كثيرون أيام نكبة 5 يونيو 1967، فقد كانت القاهرة تذيع الأكاذيب على الناس، وتخدرهم بأخبار لا أساس لها: طائرات إسرائيلية تسقط بالعشرات، والحقيقة أن طائراتنا هي التي ضُربت في مدرجاتها، ولم تطر حتى تسقط، ولكن كانت الشواهد كلها تؤكد أن هذه حقيقة وليس حلما، وأنه واقع وليس من نسج الخيال.
ألا ما أحلى مذاق النصر، وخصوصا بعد تجرع مرارة الهزيمة المذلة من قبل! وللأسف طالت هزائم الأمة في معارك شتى، وذرفت الدموع كثيرا على هزائمها، حيث لم تغنِ الدموع، وآن لها أن تجد مناسبة تفرح بها بعد حزن، وأن تضحك بعد طول بكاء.
لقد عبر الجيش المصري القناة، صنع قناطر أو جسورا للعبور عليها، مكونة من أجزاء، تُركب في الحال، ويوصل بعضها ببعض، فتكون جسرا فوق الماء تعبر فوقه المصفحات والمجنزرات والدبابات إلى البر الآخر، وقد بدأ بالعمل فيها منذ سنوات، ثم بدأت تجربتها، والتدريب عليها منذ شهور، في تكتم وسرية بالغة، وهذا عمل مصري خالص، لم يشترك فيه خبراء أجانب، ولهذا حفظ السر، ولم يبح به أحد.
بعد عبور القناة بسلام وأمان ونجاح، اقتحمت القوات المصرية ما عُرف باسم خط بارليف، الذي أقامته إسرائيل؛ ليكون حاجزا ترابيا بعد الحاجز المائي، وكانت العدة قد أعدت لتخطيه بإحكام ومهارة.
وكان كل شيء مُعدا بجدارة وأناة وحكمة، ولم يكن هناك شيء مرتجل، وقام كل سلاح بدوره: سلاح المهندسين، وسلاح الفرسان والمدرعات، وسلاح الطيران، كل قام بما هيئ له، وما كلف به.
وقد اختير التوقيت المناسب لبدء المعركة، وكان رمضان هو الوقت الملائم نفسيا وروحيا، لما يمد به الجنود من نفحات، وما يعطيهم من شحنة روحية، وكان أكتوبر مناسبا، من حيث المناخ، وليس فيه حرارة الصيف، ولا برد الشتاء.
وكان الوقت مناسبا من ناحية أخرى: أنه يوم الغفران، أو عيد الغفران عند اليهود، فلننتهز غفلتهم وانهماكهم في الاحتفال بالعيد، لنفاجئهم بضربتنا، كما فاجئونا بضربتهم في يونيو 67.
ولا يقال: كيف نباغتهم ولا ننذرهم؟ فمثل هذه الحرب لا تحتاج إلى إنذار ولا إبلاغ؛ لأنها حرب دفاع للمحتل، وهي مستمرة معه لم تتوقف.
وأهم من هذا كله: الروح المعنوية التي كان يحملها المقاتل المصري.. إنها روح الإيمان؛ الإيمان بالله تعالى، وأنه ينصر من نصره، والإيمان بأننا أصحاب الحق، والحق لا بد أن ينتصر، والباطل لا بد أن يزهق )وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا( (الإسراء: 81).
فرق بين حربَين
وفرق كبير بين هذه الحرب وحرب يونيو 67، فقد كان العنصر الإيماني والروحي مغيبا عنها تماما؛ لذلك لم يحالفها النصر.
كانت كلمة السر في حرب 67: "بر بحر جو"، ولكن الواقع يقول: إنهم لم ينتصروا في بر ولا بحر ولا جو، ولم يكن الذنب ذنب الجيش وجنوده، ولكن ذنب القادة الذين جروهم إلى حرب لم يخططوا لها، ولم يعدوا لها العدة، ولم يأخذوا لها الحذر، كما أمر الله.
لقد ترك الجنود أسلحتهم، وتركوا دباباتهم ومصفحاتهم، لم يحاولوا أن يشعلوا فيها النار بعد أن تركوها، حتى لا يغنمها العدو ويستفيد منها؛ لأن هم كل واحد منهم كان هو النجاة بنفسه، واللياذ بالفرار.
لقد اعتمدوا على الآلات، فلم تغنِ عنهم الآلات، واتكلوا على السلاح فلم ينجدهم السلاح؛ لأن السلاح لا يقاتل بنفسه، إنما يقاتل بيد حامله، ويد حامله إنما يحركها إيمان بهدف، وإيمان برسالة، وهذا لم يعبأ به الجنود.
يقول أبو الطيب:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا ... إذا لم يكن فوق الكرام كرام!
ويقول الطغراني في لاميته:
وعادة السيف أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل!
ماذا تجدي خيل بغير خيال، وفرس بغير فارس، وسيف صارم بغير بطل؟!.
فلا عجب أن كانت الهزيمة الثقيلة المذلة في 67؛ فهذه نتيجة منطقية لمقدمتها، كما قال العرب: إنك لا تجني من الشوك العنب، وصدق الله إذ يقول: )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا( (الأعراف: 58).
سُئل الرئيس حسني مبارك، عندما كان نائبا للرئيس السادات في 27-9-1975، سأله بعض الصحفيين: ماذا أخذنا من دروس 67 في الإعداد لقتال 6 أكتوبر؟ قال: باختصار.. في 67.. لا تخطيط.. لا إعداد.. لا تدريب.. لا تنسيق بين العمل السياسي، والعسكري. اهـ.
وأهم من ذلك: أننا لم نزود جنودنا بالإيمان، في حين تجتهد إسرائيل أن تزود جيشها بتعاليم التوراة، وتوجيهات التلمود، ونصائح الحاخامات.
وكان من ثمرات محنة 67: أنها أيقظت في الناس المعنى الديني، والضمير الديني، والرجعة إلى الله، وبدأت حركة إيمانية قوية في القوات المسلحة، وكان الحرص على إقامة الصلاة، وقام وعاظ الأزهر بدورهم في التنبيه والإحياء، وكان هناك شعور عام بالحاجة إلى الله، والدعاء بنصر الله، فلا غرو أن كان شعار المعركة "الله أكبر".
إن الجندي المصري في 73 هو نفسه في 67 من حيث الشكل والمظهر، ولكنه غيره من حيث الباطن والجوهر، إن الإنسان إنما يقاد من داخله، لا من خارجه، ولا يقود الناس في بلادنا شيء مثل الإيمان، ولا يحركهم محرك مثل الإيمان.
وهذا ما لم تفهمه قيادة 67، فقد عزفوا على منظومة القومية، ومنظومة الاشتراكية، ومنظومة الثورية، فلم تحرك ساكنا، أو تنبه غافلا في الجندي المصري، أو الجندي العربي عموما.
ولكنك إذا حركته بـ"لا إله إلا الله والله أكبر".. إذا رفعت أمامه المصحف، إذا قلت: يا ريح الجنة هبي، إذا ذكرته بالله ورسوله، وذكرته بالأبطال العظام: خالد وأبي عبيدة وسعد وطارق وصلاح الدين وقطز وعبد القادر الجزائري، وعمر المختار -فقد خاطبت جوانيته، ودخلت في أعماقه، وأوقدت جذوته، وحركت حوافزه، وبعثت عزيمته، وهنا لا يقف أمامه شيء، إنه يصنع البطولات، ويتخطى المستحيلات؛ لأنه باسم الله يتحرك، وباسم الله يمضي، وعلى الله يتوكل: )وَمَنْ يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( (الطلاق: 3)، )وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( (آل عمران: 101).
[line]
** من مذكرات القرضاوي</B> |
|