نبذة عن اسلوب العمل
يستخدم الجهاز مختلف وسائل التجسس الحديثة عبر قيام مجموعته الفنية بتطوير
الأجهزة المستخدمة وإنتاج وسائل تجسس غير متعارف عليها. إضافة إلى ذلك، يتم
استخدام عملاء مباشرين سواء كانوا دبلوماسيين أو غير دبلوماسيين وذلك بغية
الحصول على المعلومات
اولا " زكريا محى الدين" من 1954 الى 1956 زكريا عبد المجيد محيي الدين 5 يوليو 1918 كان أحد أبرز الضباط الأحرار علي الساحة السياسية في مصر منذ قيام ثورة يوليو، ورئيس وزراء ونائب رئيس جمهورية مصر العربية، عرف بميوله يمين الوسط.
التحق بالمدرسة الحربية في 6 أكتوبر عام 1936، ليتخرج منها برتبة ملازم ثاني في 6 فبراير 1938. تم تعيينه في كتيبة بنادق المشاة في الإسكندرية. انتقل إلي منقباد في العام 1939 ليلتقي هناك بجمال عبد الناصر، ثم سافر إلي السودان في العام 1940 ليلتقي مرة أخرى بجمال عبد الناصر ويتعرف بعبد الحكيم عامر.
تخرج محيي الدين من كلية أركان الحرب عام 1948، وسافر مباشرة إلي فلسطين، فأبلي بلاءً حسناً في المجدل وعراق وسويدان والفالوجا ودير سنيد وبيت جبريل، وقد تطوع أثناء حرب فلسطين ومعه صلاح سالم بتنفيذ مهمة الاتصال بالقوة المحاصرة في الفالوجا وتوصيل إمدادات الطعام والدواء لها. بعد انتهاء الحرب عاد للقاهرة ليعمل مدرساً في الكلية الحربية ومدرسة المشاة.إنضم زكريا محيي الدين إلي تنظيم الضباط الأحرار قبل قيام الثورة بحوالي ثلاثة أشهر، وكان ضمن خلية جمال عبد الناصر. شارك في وضع خطة التحرك للقوات وكان المسئول علي عملية تحرك الوحدات العسكرية وقاد عملية محاصرة القصور الملكية في الإسكندرية وذلك أثناء تواجد الملك فاروق الأول بالإسكندرية.تولي محيي الدين منصب مدير المخابرات الحربية بين عامي 1952و 1953، ثم عين وزيراً للداخلية عام 1953. أُسند إليه إنشاء جهاز المخابرات العامة المصرية من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1954. عين بعد ذلك وزيراً لداخلية الوحدة مع سوريا 1958. تم تعينه رئيس اللجنة العليا للسد العالي في 26 مارس 1960. قام الرئيس جمال عبد الناصر بتعيين زكريا محيي الدين نائباً لرئيس الجمهورية للمؤسسات ووزيراً للداخلية للمرة الثانية عام 1961. وفي عام 1965 أصدر جمال عبد الناصر قراراً بتعينه رئيسا للوزراء ونائبا لرئيس الجمهورية.
عندما تنحي عبد الناصر عن الحكم عقب هزيمة 1967
ليلة 9 يونيو أسند الحكم إلي زكريا محي الدين، ولكن الجماهير خرجت في
مظاهرات تطالب ببقاء عبد الناصر في الحكم. قدم محيي الدين استقالته، وأعلن
اعتزاله الحياة السياسية عام 1968.
شهد زكريا محيي الدين، مؤتمر باندونج
وجميع مؤتمرات القمة العربية والإفريقية ودول عدم الانحياز. ورأس وفد
الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية في يناير ومايو
1965. وفي أبريل 1965، رأس وفد الجمهورية العربية المتحدة في الاحتفال بذكري مرور عشر سنوات علي المؤتمر الأسيوي ـ الأفريقي الأول.
عرف عن زكريا محي الدين لدي الرأي العام المصري بالقبضة القوية والصارمة
نظرا للمهام التي أوكلت إليه كوزير للداخلية ومديراً لجهاز المخابرات
العامة، وكان يتم الترويج له علي انه يميل للسياسة الليبرالية، كما كان
رئيساً لرابطة الصداقة المصرية-اليونانية.
ثانيا " على صبرى" 1956 الى 1957 انه سياسي مصري وأحد قيادات الصف الثاني في مجلس قيادة الثورة المصرية وأحد مؤسسي المخابرات العامة المصرية ومديرا لها منذ 1956 إلى غاية 13 مايو من سنة 1957.تولي
رئاسة الوزراء عام 1964 فكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر يحقق بنجاح
تنفيذ الخطة الخماسية الوحيدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية نجحت بنسبة
20 % كما قال سامي شرف.
عين نائبا لرئيس الجمهورية ورئيسا للاتحاد الاشتراكي العربي من 1965 حتى
1967، وأصبح عضوا في اللجنة التنفيذية العليا، ومساعدا لرئيس الجمهورية
لشؤون الدفاع الجوي، ومسئول الاتصال بين القوات المسلحة المصرية والقيادة السوفيتية في كل ما يخص التسليح والتدريب والخبراء، وعضو مجلس الدفاع الوطني الذي تشكل في نوفمبر 1970 ويتعلق دوره ما يختص بقضيتي الحرب والسلام
ثالثا " صلاح نصر " 1957 الى 1967
- الحرب النفسية - الجزء الأول: معركة الكلمة
- الحرب النفسية - الجزء الثاني: معركة المعتقد
- تاريخ المخابرات - الجزء الأول: حرب العقل والمعرفة
- تاريخ المخابرات - الجزء الثاني: الحرب الخفية
- الحرب الشيوعية الثورية
- مقالات سياسية
- مذكرات صلاح نصر - الجزء الأول: الصعود
- مذكرات صلاح نصر - الجزء الثاني: الانطلاق
- مذكرات صلاح نصر - الجزء الثالث: العام الحزين
- مذكرات صلاح نصر - الجزء الرابع (تحت الطبع)
- عملاء الخيانة وحديث الإفك
- الحرب الاقتصادية في المجتمع الإنساني
- عبد الناصر وتجربة الوحدة
- ثورة 23 يوليو بين المسير والمصير
- أوراق صلاح نصر (تحت الطبع)
أمر الرئيس المصري جمال عبد الناصر
باعتقال صلاح نصر وقدمه للمحاكمة وأدانه في قضية انحراف المخابرات بالسجن
لمدة 15 سنة وغرامة مالية قدرها 2500 جنيه مصري، وحكم عليه أيضا لمدة 25
سنة في قضية مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر. لكنه لم يقض المدة كاملة، إذ أفرج عنه الرئيس المصري أنور السادات في 22 أكتوبر 1974 ضمن قائمة أخرى وكان ذلك بمناسبة عيد النصر.كان مدير المخابرات المصرية صلاح نصر على موعد مع أزمة صحية مفاجئة فقد سقط في مكتبه في صباح 13 يوليو عام 1967 مصابا بجلطة دموية شديدة في الشريان التاجي، هزت تلك الأزمة الصحية صلاح نصر من الأعماق فهو لم يكن يتوقع أن يداهمه المرض بكل هذه القوة وهو في مكتبه الخاص في جهاز المخابرات العامة، وبقى مع معاناته مع المرض إلى أن توفي عام 1982
رابعا "امين الهويدى" 1967 الى 1970 مين هويدي (22 سبتمبر 1921 ـ 31 أكتوبر 2009) تولى رئاسة المخابرات العامة المصرية ووزارة الحربية في عهد جمال عبد الناصر، من مواليد قرية بجيرم مركز قويسنا محافظة المنوفية تخرج في الكلية الحربية وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ليشارك في ثورة 23 يوليو 1952م.
- بكالوريوس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية المصرية.
- ماجستير العلوم العسكرية من كلية أركان حرب المصرية.
- ماجستير العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان الأمريكية وهي أرقى كلية قيادة يدخلها أجنبي من أبوين غير أمريكيين.
- ماجستير في الصحافة والترجمة والنشر من جامعة القاهرة.
- مدرس في الكلية العسكرية، وأستاذ في كلية الأركان، ورئيس قسم الخطط في
العمليات العسكرية بقيادة القوات المسلحة، وقد وضح خطة الدفاع عن بور سعيد،
وخطة الدفاع عن القاهرة في حرب 56.
- قبل 67 كان نائبا لرئيس جهاز المخابرات العامة وبعد هزيمة 67 تولى رئاسة جهاز المخابرات.
- كان مستشارا للرئيس عبد الناصر للشؤون السياسية، ثم سفيرا في المغرب وبغداد.
تولى منصب وزير الإرشاد القومي ثم وزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء ثم
جعل الرئيس عبد الناصر يختاره رئيسا للمخابرات العامة ووزيرا للحربية
المصرية بعد نكسة حزيران 1967 في سابقة لم تعرفها مصر من قبل. وكانت غاية
عبد الناصر من ذلك اعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعيداً عن مراكز
القوى التي ساهمت صراعاتها في حصول النكسة
[1].شرف على عملية تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات بتاريخ 21 أكتوبر 1967. وأشرف أيضا على عملية هائلة عرفت بعملية الحفار وذلك تيمناً باسم حفار النفط الإسرائيلي الذي تم تفخيخه وتدمير جزء كبير منه، جرى ذلك في 28 أذار مارس من عام 1968
[2].
كانت أحداث 15 مايو اعتبرت من وجهة نظر البعض بمثابة انقلاب على المشروع الناصري
[من صاحب هذا الرأي؟] ،
حيث تم خلالها اعتقال بعض القيادات الناصرية، هذا فيما أطلق عليها الرئيس السادات حينئذ ثورة التصحيح.
وبدأت هذه الأحداث، عندما استقال خمسة من أهم وزراء السادات وعلى رأسهم وزراء الحربية والداخلية والإعلام وبعد أقل من ثمان وأربعين ساعة كان السادات يلقى خطابا يعلن فيه اعتقال من سماهم بمراكز القوى
ويروى قصة المؤامرة التي تعرض لها ومحاولة الوزراء المستقيلين إحداث فراغ
سياسى قي البلاد وقيام أعوانهم بالتجسس عليه بهدف إحراجه والتطاول عليه.
وقد مثل بالفعل هؤلاء الوزراء وآخرون معهم أمام محكمة استثنائية بتهمة
محاولة قلب نظام الحكم وحكم على بعضهم بالإعدام لكن السادات خفف الحكم إلى
السجن لمدد متفاوتة منهم من قضى المدة بأكملها وراء القضبان، ومنهم من أفرج
عنه لأسباب صحية أو غير ذلك. وقد أفرج عنه بعدها ووضع تحت الحراسة ليعمل
في البحث والتأليف والكتابة
[3].
له 25 مؤلفا باللغة العربية والإنجليزية ويكتب في عدد من المطبوعات : "الأهرام والأهرام الأسبوعي والحياة والأهالي".
ومن مؤلفاته:
- كيف يفكر زعماء الصهيونية.
- الفرص الضائعة.
- 50 عاما من العواصف: ما رأيته قلته.
- حرب 1967: أسرار وخبايا.
- البيروسترويكا وحرب الخليج الأولي.
- زلزال عاصفة الصحراء وتوابعه.
توفي أمين هويدي في 31 أكتوبر 2009 في مستشفى وادي النيل بحدائق القبة، وشيعت جنازته بعد صلاة الظهر
في جنازة عسكرية من مسجد القوات المسلحة بامتداد رمسيس. حضر الجنازة عدد
من كبار قادة القوات المسلحة وكبار رجال الدولة وتلاميذه وأصدقائه وأسرته.
[4]
وهناك جدلا مثار حول عملية الوحدة ويقول امين الهويدى
شهادة مثيرة لرئيس المخابرات المصرية الأسبق أمين هويدى عن الوحدة المصرية السورية ...
أيام دمشق
شهادة مثيرة لرئيس المخابرات المصرية الأسبق أمين هويدى عن الوحدة المصرية السورية
السيد أمين هويدى أحد الضباط الأحرار وعمل رئيسا للمخابرات العامة
ووزيرا للحربية فى نفس الوقت. ووزيرا للإرشاد القومى، وكان عضوا فى لجنة
العمل اليومى التى كانت تتولى إعداد التوصيات للرئيس جمال عبدالناصر فيما
يتعلق بأمور الدولة.. وبأمانة نادرة ودون ادعاء يروى عبر كتابه 50 عاما من
العواصف الذى صدر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر حكاية 50 عاما شكلت مرحلة
عاصفة وحاسمة فى تاريخ مصر وأمتها العربية، شارك فى صنع كثير من أحداثها
ومنها محاولات الوحدة العربية بين مصر وسوريا، الذى كان أحد شهود عيانها
وهى التجربة التى نرصدها فى ذكرى الوحدة.
يقول أمين هويدي: فى يناير 1957 نقلت من قسم الخطط بالعمليات الحربية
برئاسة القوات المسلحة للعمل فى المخابرات العامة رئيسا لمجموعة المعلومات
والتقديرات، وكان السيد زكريا محيى الدين يسلم رئاسة الجهاز للسيد على صبرى
الذى كان سيمضى فى رئاسته الجديدة فترة قصيرة ينقل بعدها الى رئاسة
الجمهورية ليتولى السيد صلاح نصر الرئاسة من بعده وحينئذ أصبح نائبا له.
كان افراد المجموعة من المواطنين الممتازين من أمثال السادة فتحى الديب،
وعزت سليمان، وابراهيم بغدادى، ومحمد فايق الذين عاونونى بإخلاص فى
العمليات الكثيرة التى كنا نتولاها مثل الحصول على المعلومات وتجهيز
تقديرات الموقف ومساعدة الثورة الجزائرية وجنوب اليمن والحركات التحريرية
فى البلدان الافريقية وهى تكافح من أجل الاستقلال، والذين تولوا بعد ذلك
مراكز حساسة.
وكنت أمثل جهاز المخابرات العامة فيما كان يسمى لجنة العمل اليومى
برئاسة السيد على صبرى الذى كان قد نقل حديثا كوزير برئاسة الجمهورية. وكان
اعضاء اللجنة السفيرين حسين ذو الفقار ومراد غالب برئاسة الجمهورية،
والسيد عبد القادر حاتم رئيس مصلحة الاستعلامات، وأمين هويدى من المخابرات
العامة. وكانت الاجتماعات تتم يوميا لمدة ساعة فى مكتب السيد على صبرى،
وكان يتولى سكرتارية اللجنة السيد سامى شرف سكرتير الرئيس للمعلومات. وكان
واجب اللجنة النظر فى القضايا المهمة اليومية وعرض توصياتها على السيد
الرئيس الذى كان يؤشر بعلامة صح بالموافقة أو علامة خطأ بالاعتراض، أو بعدم
وضع أى اشارة ومعنى ذلك إما مزيد من الدراسة أو ترك الأمر للجنرال وقت..
لأن لهذا الجنرال قدرة غريبة على تهدئة المواقف بل أحيانا حلها وأحيانا
أخرى زيادتها تعقيدا.
من ضمن الموضوعات التى بدأت تفرض نفسها على جهاز المخابرات واللجنة
موضوع العلاقة بين مصر وسوريا، الى جانب موضوعات أخرى أهمها الوضع فى منطقة
القناة.. كان عبد الناصر قد أممها وخاضت مصر من جراء ذلك حربا ضد العدوان
الثلاثى عام 1956 وأخذت فى مواجهة ذيوله حتى تم انسحاب القوات المعتدية،
وكلف المهندس محمود يونس الذى قام هو وجماعته بتنفيذ عملية التأميم بنجاح
مبهر رغم العقبات العالمية والمحلية الكبيرة بإدارة المنطقة، وأطلقت يده
لغرض الاستقرار فيها، وتسبب ذلك فى اثارة بعض القضايا نتيجة لتصرفات لم ترض
بعض الأفراد والجهات.. وهو شيء طبيعى اذا نظر إليه فى اسوأ الظروف الحساسة
التى سادت وقتئذ.
سوريا فى ذلك الوقت كانت ترفع راية الوحدة، يتبنى شعاراتها كل أفراد
الشعب. وسوريا تربطها علاقات تاريخية مع مصر على مر السنين، وكانت تخضع فى
وسط الخمسينيات لضغوط من تركيا وتهديدات من اسرائيل دفعت البلدين الشقيقين
الى الاتفاق على ارسال قوات مصرية الى ميناء اللاذقية عام 1957 لدعم الموقف
السورى ضد تلك الضغوط والتهديدات مما ضاعف من المد الوحدوى. قدم مجلس
النواب السورى دعوة الى مجلس الأمة المصرى لزيارة سوريا، ولبى الدعوة وفد
من أربعين نائبا برئاسة السيد أنور السادات وكيل مجلس الأمة فى نوفمبر
1957. وفى الجلسة المشتركة لأعضاء المجلسين التى عقدت فى دمشق صدر قرار
بالإجماع يدعو حكومتى البلدين للدخول فوراً فى مباحثات مشتركة لاستكمال
تنفيذ الاتحاد بين سوريا ومصر وفى 31 ديسمبر 1957 حضر وفد من مجلس النواب
السورى برئاسة احسان الجابرى الى مصر، وعقد اجتماعا مع مجلس الأمة وصدر
قرار يعزز قرار المجلسين الذى كان قد صدر فى دمشق منذ أسابيع.
وتلا ذلك تكثيف زيارات الوفود السورية العسكرية والمدنية الى مصر، والتى
انتهت بقيام الوحدة بين البلدين والتى أعلنها صبرى العسلى رئيس وزراء
سوريا من شرفة مبنى مجلس الوزراء المصرى، وألقى بعده الرئيس السورى شكرى
القوتلى خطابا وتلاه خطاب الرئيس جمال عبد الناصر. كان ذلك ظهر يوم أول
فبراير 1958 وكنت حاضرا فى الشرفة أسمع وأرى الحدث التاريخى.
تقرر أن يجرى استفتاء على قيام الوحدة وعلى رئيس الجمهورية يوم 21
فبراير 1958 وفى يوم 3/2/1958 تقرر سفرى والزميل شعراوى جمعة الى سوريا
لتقصى الأحوال هناك ومعرفة ردود الفعل على الأرض ولتقييم الأوضاع من وجهة
نظر المخابرات العامة. ونزلنا فى فندق سميراميس بالقرب من نهر بردى، وأخذنا
فى التنقل بين ربوع سوريا ومدنها.. حمص وحماة وحلب واللاذقية حيث نزلنا فى
لوكاندة صغيرة جميلة على البحر مباشرة. وحينما عدنا فى مساء أول يوم لنا
فى اللاذقية وجدنا أن احدى العائلات العريقة فى البلدة نقلت حقائبنا الى
دارهم لنقيم فى منزل كانوا قد خصصوه لابنتهم العروس التى كانت قد تزوجت
حديثا ولما يمض على زواجها إلا أيام قليلة. طالت الزيارة والضيافة لعدة
أيام، ورأينا ولمسنا فيها المشاعر السورية الحميمة والكرم الذى لا ينسى.
واستأنفنا تجوالنا من جديد.
كان الشعور الغالب هو تأييد الوحدة، ولكن الأمر لم يخل من وجود عدد من
غير المتحمسين بل والمعارضين. وعلى سبيل المثال تعمدنا أن نجلس فى قاعة
السينما التى كانت بجوار فندق سميراميس بدمشق حيث كانت تجرى سهرة فنية
اشترك فيها فنانون مصريون وسوريون، ولاحظنا أن صفوفا من المشاهدين لم
يشاركوا فى التصفيق أو الترحيب.. بل عندما كان الفنان محمد قنديل يغنى
أغنيته المعروفة من الموسكى لسوق الحمدية، أنا عارف السكة لوحدية، كانت
تعليقات بعض المستمعين والمستمعات: الموسكى فين وسوق الحمدية فين!! أما دم
ثقيل صحيح!! روح غنى فى بلدكم. وكانت مثل هذه المشاعر تتكرر فى الأحياء
التجارية وبعض المقاهى، ومن بعض المظاهر العفوية التى كنا نلمسها فى
الشوارع مما ضمناه فى تقريرنا الذى قدمناه للرئيس بعد ذلك وأبدينا نصحنا
فيه بالتريث.
كانت حصيلتنا من المعلومات والملفات والوثائق كبيرة.. كنا نرسلها يوميا
الى جهازنا بالطائرة ليستقبلها مندوب فى المطار ليوزعها رئيس المخابرات على
المجموعة المختصة لدراستها واستكمالها بالمعلومات الموجودة من قبل لإصدار
تقارير معلومات الى مراكز اتخاذ القرار. وكان لدى السفارة المصرية ومكتب
الملحق العسكرى والملحق الإعلامى والثقافى فيض من المعلومات ايضا، علاوة
على أن سوريا لم تكن كوكب المريخ بالنسبة لمصر ولم تكن مصر كوكب المشترى
بالنسبة لسوريا وكان البلدان عضوين فى الجامعة العربية لأكثر من 13 عاما.
فالقول اذن بأن الوحدة التى قامت بين البلدين كانت وحدة غير مدروسة غير
صحيح على الإطلاق، وقيام البعض بإرجاع الانفصال الذى تم بعد ذلك بثلاث
سنوات الى أن البلدين لم يكونا على دراسة كافية بأحوالهما وأن الوحدة كانت
عملية انفعالية تنقصها المعرفة والدراسة، لا يمت للحقيقة بصلة. كان موضوع
الوحدة موضوعا رئيسيا لمناقشات جادة فى لجنة العمل اليومى. ومن المفارقات
أن اعضاء اللجنة ما عدا السيد على صبرى الذى لم يفصح عن رأيه كعادته فى
تعامله مع كافة القضايا التى كانت تعتبر نقطة تحول كانوا يعارضون القفز
بالعلاقات الى مستوى الوحدة الكاملة، لأنها سوف تتجسد وقتئذ غرضا توجه إليه
سهام المعارضين من دول الكتلة الغربية والكتلة الشرقية والأنظمة المحافظة
العربية، علاوة على عدم وجود حدود مشتركة بين البلدين الأمر الذى يعتبر
حيويا عند التصدى لأى تهديدات خارجية أو فرقعات داخلية.
كانت ضمن الموضوعات الرئيسية التى كنا نعالجها معرفة الشخصيات التى يمكن
التعامل معها فى المستقبل القريب والبعيد، وكان البعض من مختلف الاتجاهات
والميول يدرك ذلك فكان الاقتراب المرغوب من الطرفين سهلا، ولكنا لمسنا
ظاهرة غريبة.. فالكل يتحدث عن نقائص الكل، وكأن أحداً خال من العيوب. وكان
الشيوعيون الذين قابلناهم أو سمعنا عنهم قد حددوا موقفهم سلفا بالوقوف ضد
الوحدة تماما كموقفهم من ثورة يوليو 1952، اذ بدأت علاقاتهم معها بالمعارضة
والنقد والشك. وكان من المظاهر أيضا أن للأحزاب أذرعها الحربية داخل
الجيش، وكانت الخلافات السياسية بين الأحزاب تنعكس على فروعها العسكرية
بالوحدات.. لدرجة أن الضباط والجنود الحزبيين كانوا لا يغادرون ثكناتهم
خوفا من انتهاز البعض الفرصة للانقضاض على السلطة. كل ذلك وأكثر منه ضمناه
فى تقرير من صورة واحدة ومكون من ثلاث صفحات ومكتوب بخط اليد لرفعه بعد ذلك
الى رئاستنا حينما تنتهى مأموريتنا ونعود الى القاهرة.
وقد حدثت مفارقات كثيرة أحب أن أركز على اثنتين منها:
المفارقة الأولى، مقابلة تمت بيننا
وبين البكباشى أركان حرب مقدم أ.ح أبو المكارم عبد الحى فى ظروف غريبة.
والثانية: كانت قصة مليونى جنيه استرلينى دفعت لمنع الوحدة، مما ينبئ
بالعواصف الى سوف تهب عليها وهى وليدة.
أبو المكارم عبد الحى ضابط ذو كفاءة عالية كان مدرسا فى الكلية الحربية
وحاصلا على أعلى شهادة علمية فى القوات المسلحة فى ذلك الوقت، وكان من
الاخوان المسلمين.. الذين أرادوا السيطرة على الثورة حين قيامها، ولما
اعترضت الثورة على ذلك عارضوها وتآمروا عليها الى درجة محاولة قتل زعيمها
فى الاسكندرية، فى أول عملية ارهابية منذ قيام الثورة. ولظروف مؤسفة لا
داعى للاستطراد فيها فضل أبو المكارم أن يترك مصر ليعيش فى المنفى. كان أبو
المكارم متزوجا فى ذلك الوقت من ابنة الشيخ أمين الحسينى مفتى القدس، وكان
يقيم فى دمشق وقت المقابلة. عندما صحوت فى صباح أحد الأيام وجدت ورقة على
الأرض ملقاة من تحت الباب، وقرأت ما فيها ووجدتها من الأخ أبو المكارم يحدد
موعدا للقاء بعد ظهر ذلك اليوم.
وعندما فتحت الباب وجدت أحد الجارسونات واقفا عن بعد وهو يبتسم، وأخبرنى
بأن الضابط كلفه بوضع الورقة حتى أتسلمها، فعرفت أن أبو المكارم مازال على
نشاطه وأن له عيونا فى الفندق الذى نقيم فيه. وتحاورت مع شعراوى فى موضوع
اللقاء فكان غير مشجع لإتمامه. كنت على صلة مع أبو المكارم قبل وعند قيام
الثورة، وزارنى فى المنزل فى حمامات القبة! محاولا أن يضمنى الى الاخوان
وقت الاستقطابات النشيطة فى تلك الفترة، وبالرغم من رفضى ذلك فقد كنت من
الضباط الأحرار إلا أن علاقتنا لم تنقطع حتى غادر البلاد. وأخيرا اقتنع
شعراوى بمصاحبتى عند ملاقاة الرجل، وأخذنا فى عربة تاكسى الى احدى مقاهى
الغوط، وأفاض الرجل فى شرح الموقف فى سوريا محذرا من التسرع فى إتمام
الوحدة.. سوريا بها 5 ملايين زعيم، ومن الصعب قيادتهم فهم ليسوا كالشعب
المصرى يسهل قيادته. وكان ملما بمعلومات عن الشخصيات الذين يمكن التعامل
معهم.
وأخيرا طلب أن نرفع للرئيس رجاءه بأن يسمح له بالعودة إلى مصر على وعد
منه بإيقاف نشاطه فى مقابل عدم القبض عليه لتهم سابقة، ووعدته بذلك وأخذنا
تاكسيا الى الفندق، أما هو فقد انطلق الى حال سبيله. ولما رفع الأمر الى
الرئيس لم يوافق محذراً من خطورة أبو المكارم، وقد بلغته الرسالة.. ورحم
الله الرجل اذ توفى ودفن بالقاهرة منذ شهور..
ذكرت القصة لأن المصرى مصرى حتى وهو فى المنفى يخاف على مصر مهما كانت دوافعه وآلامه.
أما المفارقة الثانية، فقد تمت على غداء فى منزل الأخ عبد المحسن أبو النور الملحق العسكرى المصرى بدمشق وقتئذ، وكان
الأخ عبد الحميد السراج رئيس المكتب الثانى السورى مدعوا ايضا. وكان عبد
الحميد قد قام أثناء العدوان الثلاثى على مصر. وبمبادرة فردية، بقطع أنبوب
البترول الذى ينقل البترول السعودى وبترول شمال العراق الى موانى سوريا
ولبنان على البحر لحرمان الدول المنتفعة من النفط الغالى، كما كانت له سمعة مرهوبة لتدخلاته وجهازه فى بعض البلدان المجاورة.
ويحضرنى بهذه المناسبة قصة. كان السفير الأردنى فى الرباط حيث عملت
سفيرا قبل تعيينى سفيرا فى بغداد يدعى عبد الحميد سراج، وناديته فى إحدى
المرات باسم عبد الحميد السراج، فقال معاتبا: يا أخ أمين اسمى عبد الحميد
سراج، فأنا رجل معروف لا أحتاج الى ال للتعريف كعبد الحميد السراج فى
سوريا، وطبعا ما قاله السفير يحتاج إلى تصحيح..!!
تأخر الأخ عبد الحميد عن الموعد كثيرا فأكلنا، وقبل أن ننتهى حضر وحيا
وبدأ طعامه وهو يقول فى جدية: حد عاوز مليون جنيه استرليني؟ ورد عليه أبو
النور: مليون جنيه؟! انت عندك حاجة؟ وهنا أبرز عبد الحميد شيكا باسمه
بالمليون أرسله له! الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية كدفعة أولى
لهدم الوحدة قبل أن تنشأ..!! ناقشنا الموضوع بجدية وقدرنا كم هى التهديدات
التى ستواجهها الوحدة الوليدة حينما يبدأ فى تكوينها..!!
واتفقنا على أن يسافر شعراوى الى القاهرة لإخطار الرئيس عبد الناصر
والعودة فى نفس الليلة أو فى صباح اليوم التالى. وأمر الرئيس بصرف الشيك،
وتلا ذلك شيكان آخران ليبلغ حجم الرشوة مليونى جنيه استرلينى.. ولم يقدر
الراشون أن ثمن الوحدة عند المؤمنين بها لا يقدر بمال حتى لو بلغ الملايين.
تم الاستفتاء على الوحدة فى الإقليمين، وعلى عبد الناصر كأول رئيس لها
يوم 21 فبراير 1958، وكانت النتيجة 98% الى جانب الوحدة ورئيسها. وفى يوم
24 فبراير 1958 رأينا شعراوى وأنا الذهاب الى بيروت فى رحلة قصيرة نعود
بعدها ليلا الى دمشق. وفى شارع الحمراء ببيروت انقلب كل شيء على عقبيه
فجأة..
انطلقت الزغاريد، تجمهر الناس، ارتفعت الهتافات، وعلقت الأعلام بينما
كان الراديو يعلن بصوت مذيع مجنون فقد السيطرة على نفسه وصول عبد الناصر
الى دمشق. وعلى الفور قفزنا فى أول تاكسى وجدناه وعدنا بكل سرعة الى دمشق،
ولم نكن قد مكثنا ببيروت إلا جزءا من ساعة !! كانت السرية كاملة على تحركات
الرئيس، فقد اشتعلت المنطقة وتكاثر المتربصون والمتآمرون، إذ حققت القومية
العربية أول انتصاراتها وهذا شيء مقلق وخطير لمن كانوا خارج الدار ولبعض
من كانوا بداخلها وللأسف الشديد!!
وصلنا بصعوبة الى قصر الضيافة، ودخلنا ونحن نعدو الى صالة الدور الأسفل
لنجد الرئيس يتصدر الصالون الكبير المكتظ بالناس وهو واقف يبتسم يحيى طابور
المهنئين. وسلمنا على الزعيم واحتضناه، وأعطيته التقرير ذا الصفحات الثلاث
والمكتوب باليد، وكان التوقيت سخيفا ولكنه ابتسم أكثر ودسه فى جيبه..
ناقشناه معه فى إحدى فترات الاستراحة.. فهناك اختلافات كبيرة وكثيرة يجب
أخذها فى الاعتبار، وهناك أحزاب متجذرة لها أذرعها فى الجيش وتجار لا
يعرفون أى قيود، وكان الرجل على علم بكل ذلك.
ودعاه المواطن الأول شكرى القوتلى ليحيى الجماهير من شرفة الدور الأعلى،
وكنا هناك لنرى مالا عين رأت ولا أذن سمعت.. الناس بالآلاف بل بالملايين
تملأ كل الشوارع الموصلة الى القصر، والأهازيج العربية تشدو والطبول تقرع
بأصوات رهيبة، والهتافات تشق عنان السماء. وألقى عبد الناصر خطابه، وأعلن
عن شيكات المليونى جنيه استرلينى.. كانت فضيحة عالمية تناقلتها وكالات
الأنباء، ولكنها كانت فى نفس الوقت إنذارا يجب وضعه فى الاعتبار.
ثم أخذت العجلة تدور وسط تحديات وأخطاء وايجابيات البناء، وفى ظل
المؤامرات التى كانت تحيكها القبعات والعمائم والعقالات والبريهات والتى
دفعت لتنفيذها الدولارات والليرات والريالات.
وحدثت بعد ذلك جريمة الانفصال.. ثم اتصالات ومباحثات تختلط فيها الخديعة
بالصدق لعودة الوحدة، وفى نفس الوقت جرت خطط وتدبيرات لغزو سوريا لإسقاط
جماعة الانفصال.. وكنا عن قرب من كل ذلك نسمع ونرى.
بعد أسابيع من عودتى من سوريا أخبرنى السيد صلاح نصر بأن الرئيس اختارنى
سكرتيرا للمعلومات فى الإقليم الشمالى لصفات ذكرها وأعتز بها، وأن السيد
على صبرى ألح فى ذلك أيضا إلا أن الأخ صلاح اعتذر نيابة عنى.. فلأمين ظروفه
العائلية التى تحول دون مغادرته القاهرة!! ولم يكن هناك مثل تلك الظروف
التى ذكرها، ولكن لعله كان فى حاجة لوجودى فى جهازنا فرأى الاعتذار نيابة
عنى دون أخذ رأيى!! ولكن الخيرة فيما اختاره الله.
هناك تساؤل قد يلح على البعض: التحذيرات والانذارات كثيرة للتريث فى
إقامة الوحدة، فلمَ قرر الرئيس قبولها رغم أنه كان من أنصار عدم التعجل؟!
هل للرئيس أى رئيس الحق فى تجاوز نصائح مستشاريه؟ فى تقديرى أن الرئيس
سيد داره، وهو ليس أسير مستشاريه أو التحذيرات التى تقدم له. واجب عليه أن
يسمع بآذان كبيرة ثم يفكر ثم يقرر فهو المسئول عن قراراته سواء كانت
المسئولية دستورية أو ثورية.. هو شاهد رخامى تحفر عليه ايجابيات وسلبيات
حكمه، وهو لا يصبح بذلك منفذا دائما لاتجاهات الرأى العام رغم ضرورة أخذ
ذلك فى الاعتبار اذ واجب عليه أن يرفعه الى آماله وطموحاته، علاوة على أن
لكل قرار ايجابياته وسلبياته.. مؤيدين ومعارضين، وهو يستمع إليهم ثم واجب
عليه بعد ذلك أن يتخذ قراره، علما بأن لكل قرار جانبا من المجازفة
المحسوبة.. ولذلك فاتخاذ القرار عملية صعبة معقدة ويتعرض لها الرئيس عدة
مرات فى اليوم الواحد، فهذا واجبه اليومى وكثيرا ما يفرض عليه اختيار قرار
سيئ من قرارات وبدائل أسوأ.
وسط هذه المفاهيم، وتقديرا للموقف فى سوريا الذى أصبح خطيرا وهى تواجه
التهديدات الخارجية والضغوط الداخلية، ولإيمانه بالوحدة العربية اتخذ
قراره.. أقول هذا رغم أننى كنت معارض الوحدة الدستورية الكاملة مع اعضاء
جامعة العمل اليومى، وكان ذلك واضحا أيضا فى التقرير الذى قدمناه شعراوى
وأنا الى الرئيس فى قصر الضيافة فى دمشق.
حدث الانفصال ولم يكن مفاجأة لنا فى المخابرات العامة حيث كنت أعمل
وقتئذ نائبا لرئيس الجهاز لشئون المعلومات والتقديرات، لأن الشارع السورى
كان يتحدث به علنا، وكانت المخابرات تدرى بدورها وتحذر.. بعض مدبرى
الانفصال كانوا من مكتب المشير عامر الذى كان يتولى تسيير الأمور هناك..
ملحوظات ثلاث نتوقف عندها:
الملاحظة الأولى هى أنه منذ اللحظات
الأولى لبناء الوحدة والانفصال غرض من أغراض القوى الأجنبية وبعض القوى
العربية.. ثابروا ورابطوا لتحطيمها بالمال والتآمر. وقد مارست اسرائيل ايضا
ضغوطا عن طريق تحرشاتها فى منطقة الحولة فى 31/3/1958 على سبيل المثال
باستمرارها فى تحويل مياه نهر الأردن وتصدى قواتنا السورية والمصرية لها
بالوسائل المتاحة، بما فى ذلك طائراتنا التى كانت تطير ليلا فوق اسرائيل
للتصوير باستخدام المشاعل، الأمر الذى أجبرها على الإعلان عن تأجيل العمل
والحفر. الضغوط الخارجية لا يمكن أن تؤتى ثمارها إلا بمساعدة داخلية أو ضعف
داخلى، الأمر الذى يحتم الانطلاق بالمجهودات الخارجية من قاعدة داخلية
وطيدة.
الملاحظة الثانية هى حظر وجود
المخابرات المصرية فى الإقليم الشمالى.. سأقطع رجل أى نشاط من عندكم عندنا،
هذا ما قاله عبد الحميد السراج أثناء غداء عمل أقامه صلاح نصر له بمناسبة
وجوده فى القاهرة. ولذلك حينما تدهور الموقف واستقال السراج مما ترتب عليه
إبعاد كل مساعديه الرئيسيين الى القاهرة وإقامتهم هنا فى قصر الضيافة الى
أن حدث الانفصال، حدث فراغ هائل قيل إن السراج ورجاله استغلوه مع الآخرين
لتأييد الانفصال.
وفعلا عرض الرجل خدماته على القادمين الجدد الذين رفضوا الخدمات
واعتقلوه فى سجن المزة بدلا من ذلك، إلا أن السراج برر موقفه بأنه كان يريد
أن يركب موجتهم ثم يضربهم بعد ذلك لإعادة الوحدة.. أكد أن هذه كانت
نياته.. والنيات علمها عند الله.
الملاحظة الثالثة خاصة بحزب البعث
أيام الوحدة، فقد لعب دوره السلبى أثناء الوحدة وفى عملية الانفصال. وقد
ظهر جليا أن مناداته بالوحدة ليس معناها إيمانه بها. فقد كان يبغى من وراء
ذلك الانفراد بحكم سوريا بعد أن عجز عن ذلك من قبل.. فهو يتعاون مع غيره
وهو خارج الحكم بصفته الحزب المشارك، فإذا ما وصل الى السلطة يعمل على أساس
أنه الحزب القائد ثم يصفى من تعاون معه ليصبح الحزب الواحد. وقد حدث أن
فاتح كل من ميشيل عفلق وصلاح البيطار الرئيس عبد الناصر تكوين لجنة سرية
تحكم الوحدة مكونة من ثلاثة من كل إقليم، والسوريون الثلاثة هم الثلاثة
الكبار فى الحزب، شريطة أن يبقى الحورانى فى القاهرة لخطورته. ورفض الرئيس
لأن الوحدة غرض نبيل لا يمكن أن نهبط بمستواه ليحكم بلجنة سرية.. ثم بالرغم
من أن الرئيس عند قبوله الوحدة كان قد اشترط حل الأحزاب الموجودة فى سوريا
لأن مصر كانت قد ألغت الأحزاب، فإن حزب البعث حل نفسه فى الظاهر ولكنه لم
ينفذ ذلك فى واقع الحال فكانت الاجتماعات مستمرة، وكانت التعميمات تصلنا
أولاً بأول بعد صدورها مباشرة..
ثم حينما أراد وزراء الحزب الاستقالة لم يراعوا أن استقالتهم من الحكم
معناها! استقالة من الوحدة، وقد عمل كل من الزعماء الثلاثة عن طريق الضابط
المصرى داود عويس على أن يؤثروا على الوزيرين توفيق عبد الفتاح وعباس رضوان
كى يشاركاهم الاستقالة، حتى تكون الاستقالة قومية وليست قطرية.. ثم عند
حدوث الانفصال كان صلاح البيطار أول الموقعين عليه، وحينما عاتبته وهو
يزورنى فى منزلى قبل اغتياله فى باريس بأيام بكى، وكان صلاح سريع البكاء
فلا تعرف إن كانت دموعه دموع تأنيب الضمير أم دموع التماسيح.. ثم ألاحظ
الآن أن الحزب يحكم فى كل من سوريا والعراق ولا حديث عن الوحدة بل سيطر
العداء والتنافس عليهما، لدرجة أن سوريا كانت فى صف ايران وقت الحرب
العراقية الايرانية، وقامت بقطع أنابيب النفط التى توصل نفط الحقول
الشمالية فى العراق الى الموانى السورية على البحر المتوسط.
حصلت أخطاء لا شك فى هذا، ومن مصر ايضا، ولكن هل علاج المريض بقتله
وذبحه؟! هل نحمل مصير الأمم أخطاء أولادها؟ هل نحمل الوحدة أخطاء من
يديرونها فنقضى على الآمال والمصير؟!
كنت أستمع وأنا فى الجلسات التى بحثت فيها الوحدة الثلاثية بين سوريا
والعراق ومصر فى ابريل 1963 الى ما كان يتبادله الحاضرون من أسباب
الانفصال، وأتساءل بينى وبين نفسي: هل نحن جادون؟ هل نحن وحدويون؟ هل نرغب
ونحب؟ هل نعرف ونقدر؟