أفضى
القلق لسخونة الكرة الارضية والبحث عن مصادر طاقة نقية، بدول كثيرة ومنها اسرائيل،
الى أن تزن استعمال الطاقة الذرية لانتاج الكهرباء. أثارت شركة الكهرباء ووزارة
البنى التحتية خطة لانشاء محطة طاقة ذرية في اسرائيل، وقد اختيرت منطقة ملائمة
شفتا، في مركز النقب. وكل ذلك دون نقاش جماهيري.
لا
شك في وجود مزايا كثيرة لمحطة طاقة ذرية، فليس هناك انبعاث غازات دفيئة ولا يوجد
انبعاث دائم لملوثات الجو الكيماوية أو لدقائق عضوية تُسبب السرطان. وستضائل محطة
الطاقة هذه التعلق باستيراد النفط والفحم. بُنيت الصناعة الذرية على مبادىء
'اللافشل'، مع نظم أمن مطورة ودعم ونظم كبح مكثفة وفرق مدربة بقصد منع الحوادث.
في
1975 قضى تقرير رسموسن، الذي قدّر الأخطار واحتمال الحوادث في محطات الطاقة الذرية
بأنه في حال حادثة جدية قرب بلدة مدنية مزدحمة، سيكون الضرر الصحي والبيئي بالغا.
قدّر كُتاب ذلك التقرير في الحقيقة أن احتمال حادثة ذرية كهذه واحد من كل مليون،
لكن منذ بدأ عصر محطات الطاقة الذرية المدنية في 1950، وقعت 29 حادثة كبيرة وصغيرة
في العالم، وسببت أضرارا بيئية بل أفضت الى إضرار بالجسم والأرواح. والاستنتاج أن
احتمالات حوادث صعبة أكبر كثيرا مما قدّروا في البداية.
قدّم
الامين العام للامم المتحدة، بان كيمون، في المدة الاخيرة تقريرا عن الأضرار التي
حدثت في تشرنوبل في اوكرانيا: 'جرى اجلاء أكثر من 300 ألف انسان، وتعرض نحو 6
ملايين للاشعاع، وتلوثت منطقة مساحتها نحو نصف مساحة ايطاليا'. ورغم كبر الكارثة
التي تسببها حادثة ذرية، ينبغي أن نذكر أن دولا مثل اوكرانيا أو اليابان أو
الولايات المتحدة تستطيع التغلب على هذه الحوادث وأن تبقى اجتماعيا واقتصاديا
وسياسيا. واسرائيل بالقياس اليها دولة صغيرة ومكتظة. سيكون الضرر كبيرا جدا في حال
حادثة شديدة. والى ذلك يملك أعداء اسرائيل سورية وايران وحزب الله وحماس صواريخ
أخذت دقتها تتحسن. قد تفضي اصابة صاروخ لمحطة طاقة ذرية الى انبعاث تلوث اشعاعي.
إليكم
تفصيل الأضرار التي قد تحدث لاسرائيل في حالة حادثة ذرية خطيرة. يقوم التقدير على
الأدبيات المختصة وعلى التجربة المرة في تشرنوبل وفوكوشيما في اليابان: سيموت 100
1000 انسان أو يصابون بمرض عضال في الحال أو بعد ذلك؛ وسيتعرض 100 250 ألف انسان
لدرجات منخفضة من الاشعاع يحتمل ان تفضي الى سرطان وضرر جيني بأولادهم؛ وسيُجلى
100 250 ألف انسان عن بيوتهم لمدة اشهر أو سنين وفيهم سكان بئر السبع وديمونا
ويروحام ومتسبيه رامون. وستُلوث مناطق واسعة في النقب وفيها الأحياء والنبات
بالدقائق المشعة. وستتضرر فروع التصدير ولا سيما تصدير الغذاء تضررا شديدا.
وسيتضرر ايضا فرع السياحة تضررا كبيرا. وسيتضرر أمن الدولة كثيرا بسبب تنقل السكان
وانهيار نظم النقل العام والبنى التحتية والفوضى التي ستنشأ.
هل يجب علينا أن ننشىء محطات طاقة ذرية
رغم هذه الأخطار كلها؟ لا أرى هذا. رغم المزايا الكامنة في استعمال الطاقة الذرية
يبدو أن محطات الطاقة الذرية في وضعها الأمني الحالي لا تلائم اسرائيل. اذا كان
الامر كذلك فما هي البدائل عن المحطة الذرية؟ أولا، توفير الطاقة في الصناعة
والزراعة والبيت. وثانيا، البحث عن وتطوير طاقة نقية من مصادر اخرى كالشمس والريح
المتوفرتين في اسرائيل. ولما كانت هذه المصادر لن تُلبي جميع الاحتياجات فلا مناص
ايضا من الاستمرار في استعمال الفحم والسولار والغاز الطبيعي الى أن تطور الصناعة
العالمية محطات طاقة ذرية 'بلا فشل' حقيقية وآمنة تماما.