ما ثمن القذافي بالنسبة لروسيا؟

ما ثمن القذافي بالنسبة لروسيا؟

كيف يتذبذب النهج السياسي الخارجي على خلفية مصالح البزنيس الكبير؟

شكلت
التصريحات المتضاربة للرئيس الروسي دميتري مدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير
بوتين في مارس/آذار بشأن القضية الليبية، دافعا للعديد من "الخبراء"
لتشخيص وجود خلاف في الثنائي الحاكم. ومع ذلك فان موقفي القائدين الروسيين
كانا مدورسين، وعلى الارجح منسقين مسبقا. فان الرئيس الروسي يركز اهتمامه
على الحفاظ على سمعة بلدنا السياسية الخارجية، واما رئيس الوزراء، فعلى
الحفاظ على التواجد الاقتصادي الروسي في ليبيا، وحل قضية الديون الليبية
البالغة 4.5 مليار دولار، وضمان فرص عمل للعديد من المؤسسات الروسية. هذا
ومن الممكن الجزم بثقة اليوم، بان تسوية المواجهة الليبية على الارجح نافعة
لروسيا، في حين كانت كبريات الشركات الروسية تعكف وقتئذ، في آذار/مارس على
حساب الخسائر المحتملة بالمليارات.شركة "السكك الحديدية الروسية"

بدأ
تاريخ علاقات السكك الحديدية الروسية مع ليبيا منذ 2006 ـ 2007، عندما
وقعت اتفاقيات تمهيدية حول مشاركة الشركة في تحديث بنية السكك الحديدية
الليبية التحتية.فجرى ابان زيارة الرئيس الروسي بوتين وقتها الى
طرابلس توقيع عقد "سكك حديدية" بقيمة 2.2 مليار يورو. وفي نهاية عام 2008
وردت الى حساب السكك الحددية الروسية اولى السلف بمبلغ يزيد على 360 مليون
يورو. ونفذت الاعمال الاساسية شركة "زاروبيج ستروي تكنولوجيا"، فرع السكك
الحديدية الروسية. وفي عام 2009 مدت "زاروبيح ستروي تكنولوجيا" اول 14 كم
من قضبان السكك الحديدية، ونصبت 110 منظومات تحويل، كما انشأت في رأس لانوف
مختبر البناء المركزي وبلدة عمالية. وشارك في اعمال مد الطريق نحو 3500
شخص من العاملين في البناء، بينهم 289 مهندسا، واكثر من 1734 آلية.وان
"زاروبيج ستروي تكنولوجيا" ليست المنفذ الروسي الوحيد للمشروع، اذ كان من
المفروض شراء نحو 70% من المعدات والمكائن والمصنوعات الحديدية من روسيا.
وكان من المفروض اقتناء المعدات الخاصة من منتجين روس، مثل شركة "كالوغا
بوت ماش" ومصنع كالوغا "ريم بوت ماش" ومصنع تصليح العربات بياروسلافل "ريم
بوت ماش" وشركة "تولا جيل دور ماش" و"مصنع 1 مايو/ايار للمكائن بكيروف".
وزادت مستحقات "زاروبيج ستروي تكنولوجيا" في عام 2009 نتيجة تسليف المؤسسات
الروسية في اطار المشروع الليبي 8.9 مرة (من مما يزيد على 7 ملايين $ الى
اكثر من 64 مليون $)، وفي عام 2010 زاد مجمل مبلغ العقود الموقعة على667
مليون $.وادت الاضطرابات الجماهيرية في عدد من مناطق ليبيا التي
بدأت في 15 فبراير/شباط 2011، الى وقف العمل واجلاء منتسبي الفرع الليبي
لشركة السكك الحديدة الروسية. وان وقف الانشاء اصبح بؤرة عدد من المشاكل
مرة واحدة. اولا ـ اصبح هذا معضلة حيوية في مجال تسوية الديون الليبية.
وثانياـ احتمال فقدان مئات ملايين الدولارات المستثمرة في المشروع، سواء في
روسيا او في ليبيا. وثالثا ـ ضرورة مواصلة تمويل العقود مع المنشآت
الروسية العديدة.مؤسسة "روس اوبورون اكسبورت"لغرض
تسوية الديون الحكومية الليبية وفق مخطط "عقود مقابل التنازل"، وقعت روسيا
وليبيا في يناير/ كانون الثاني عام 2010 عقدا حول تزويد ليبيا باسلحة
روسية بقيمة 1.3 مليار يورو.وبوسع "روس اوبورون اكسبورت" التي تزيد
مجمل حقيبة طلباتها في الوقت الحاضر على 38.5 مليار $، مخولة بالطبع،
بتصريف المنتجات الى زبائن آخرين. وفي حالة تغير السلطة فقد تبرز مشكلة
الديون الليبية من جديد.ولو جمعت مبالغ العقدين، مع السكك الحديدية
الروسية (2.2 مليبار يورو) و"روس اوبورون اكسبورت" (1.3 مليار يورو)، فان
مجمل المبلغ 3.5 مليار يورو، وكانت الديون الليبية بمبلغ 4.5 مليار $.
وبهذه الصورة من الممكن تسوية قضية الديون نتيجة توقيع وتنفيد العقود مع
السكك الحديدية الروسية و"روس اوبورون اكسبورت" وكذلك تنفيذ بروتوكولات
نوايا مع شركات روسية اخرى بمبلغ نحو 5 مليارات $، باكمل وجه.شركة "غازبروم"

فازت
شركة "غازبروم" الروسية في 20 ديسمبر/كانون الاول عام 2006 في مناقصة
استشكشاف واستثمار موقع النفط رقم 19 في جرف البحر الابيض المتوسط الليبي(
شاركت في المناقصة اكثر من 45 شركة). وحصلت "غازبروم" على حق استثمار الحقل
لفترة تصل الى 30 سنة، باستثمارات تزيد على 200 مليون $.وفي
مارس/آذار وقعت اتفاقية حول التنقيب عن النفط واقتسام المنتوج مع شركة
النفط الوطنية الليبية. كما وقعت "غازبروم" في 27 يناير عام 2007 علاوة على
ذلك، اتفاقية اطارية مع الشركة الالمانيةBASF حول تبادل الموجودات، تحصل
الشركة الروسية بموجبها على 49% من اسهم شركة "Wintershall AG".وان
العملية في ليبيا جرت بصورة اساسية، كما تشير "غازبروم" نفسها، من خلال
شركة "Wintershall AG" المؤازرة. وشكلت ايرادات "Wintershall AG" حسب
احصائية 31 ديسمبر عام 2010، ما يعادل 2.1 مليار $، والاستثمارات من جانب
"غازبروم" 361 مليون $، والارباح الصافية 135.5 مليون $، وحصة "غازبروم"
منها 66.4 مليون $. وبهذه الصورة فان خسائر "غازبروم" المحتملة المحسوبة
للمساءلة العامة، قد تصل الى ما يقارب 361 مليون $.شركة "تاتنفط"

فازت
"تاتنفط" في اكتوبر/ تشرين الاول عام 2005 في التنافس على عدد من حقول
النفط في منطقة غدامس وكذلك في منطقة سرت، مسقط راس معمر القذافي. وجرت
البحوث الزلزالية واعمال الاستكشاف الجيولوجي، كما في حالة "غازبروم"، على
اساس الاتفاقيات حول الاستكشاف واقتسام المنتجات التي وقعت مع شركة النفط
الوطنية الليبية لفترة 30 عاما. وفي الفترة 2009 ـ 2010 تم استخراج بواكير
النفط من عدد من آبار النفط.وفي فبراير عام 2011 اوقفت معظم الشركات
التي تعمل بصفة مقاول لدى "تاتنفط" نشاطها، واخذ الاختصاصيون الاجانب
يغادرون البلد، واضطرت "تاتنفط" في ظل الظروف التي نشأت، لاجلاء ملاكها
وتعليق سريان العقود الموقعة سابقا. وفي نهاية فبراير 2011 تم اغلاق كافة
الابار التي في طور الحفر الاستكشافي او التي بدأ استثمارها.وتعول
"تاتنفط" على ان تتسنى لها بعد عودة الوضع الى حالته الطبيعية( في احسن
الاحتمالات ـ احتفاظ نظام القذافي بالسلطة)، مواصلة العمل. وبعكس ذلك ستكون
خسائر "تاتنفط" ما لايقل عن 193 مليون $.شركة "روسال"

وقعت
"روسال" في 22 سبتمبر/ايلول عام 2008 مذكرة تفاهم مع الصندوق الوطني
الليبي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بشأن تأسيس مؤسسة مشتركة لتنفيذ
مشروع مجمع ميتالورجيا وطاقة في ليبيا. ومن المفروض ان يضم المجمع مصنع
المنيوم بطاقة انتاجية تصل الى 600 الف طن في السنة، ومحطة كهرغازية بقدرة
1500 ميغاواط.ومن المعروف ان الطاقة الكهربائية الرخيصة نسبيا التي
تستخدم في صناعة الالمنيوم حسب عرض "روسال"، تشكل احد مزايا الشركة
التنافسية الرئيسية. فان الوزن النوعي للطاقة الكهربائية في كلفة الالمنيوم
يصل في المؤسسات الاوروبية الى 42 ـ 44 %، وفي مؤسسات روسال (كما يستشف من
تقارير الشركة الروسية): في عام 2009 ـ 28 %، وفي 2010 ـ 26.3%. ولو تعمل
"روسال" في ظروف تحديد اسعار الطاقة الكهربائية بشكل عادل، فمن المتعذر
منافسة منتجاتها. ولذلك بالذات منحت الاولية في المشروع الليبي لانشاء محطة
كهربائية تعمل بالغاز الطبيعي المحلي (الرخيص).ومن المفروض ان يصبح
مصنع الالمنيوم الليبي بحجم انتاج الالمنيوم الثالث بين منشآت الالمنيوم
لاوليغ ديريباسكا، بعد مصنعي الالمنيوم في كراسنويارك (979 الف طن وفق
نتائج 2010) وفي براتسك (978 الف طن). ولكن الازمة المالية الاقتصادية التي
بدأت في العالم، ومن ثم شملت روسيا، وتردي حالة الاسواق العالمية وتفاقم
مشاكل ديون "روسال" ، كل هذا ازاح تنفيذ المشروع الى الموقع الثاني.وشكل
الاكتتاب العام لاسهم "روسال" في بداية عام 2010، حدثا آخر في تاريخ
علاقات الشركة واسرة القذافي. وان تصريف 10.6% من اسهم "روسال" وفر للشركة
2.2 مليار $، واصبح بنك العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسي باقتنائه 3.2
% من الاسهم بمبلغ 663 مليون $، وصندوق الاستثمار الليبي المستقل Libyan
Invetment Authority (LIA) الذي امتلك 1.4% من الاسهم بمبلغ 300 مليون $،
من اكبر الممستثمرين. ويؤكد العديد من المصادر ان قرار شراء صندوق الاسهم
اتخذ بموافقة اسرة القذافي شخصيا وكذلك اعلى المسؤولين في روسيا.واقتنى
حصة ملموسة في "روسال" خلال الاكتتاب صندوق ناتانيل ـ فيليب روتشيلد
الاستثماري "NR Investment Limited" (0.48% من الاسهم مقابل 101 مليون $)،
والمحفظة الوقائية (Hedge Fund) للمستثمرالامريكي جون باولوسون (Paulson
& Co.)، شريك روتشيلد على مدى سنين عديدة (0.47% مقابل 99 مليون $)،
وكذلك مؤسسات رجل الاعمال الصيني روبرت نيونغ (0.09% من الاسهم مقابل 19
مليون $)ولا يجوز صرف النظر عن رواية حول ادارة صندوق روتشيلد الاستثماري وروتشيلد شخصيا قسما من رؤوس اموال اسرة القذافي.ولا
يستبعد ان صندوق روتشيلد كان على استعداد صيف عام 2010 لشراء مجموعة اسهم
"نوريلسكسي نيكل" التي تعود لشركة "اينتروس" القابظة بامواله او سوية مع
اسرة القذافي.وان احداث ليبيا وضعت ديرباسكا في مأزق. فمن جانب ـ
تملي العلاقات الشخصية مع سيف الاسلام القذافي، واموال النظام الليبي
الموظفة في اسهم "روسال" وغيرها من المشاريع المشتركة غيرالمعلنة، ضرورة
الالتزام بالحياد كحد ادنى، وعدم ادانة النظام الليبي في كافة الاحوال. ومن
جانب آخر ـ يفرض احتمال وضع اليد على اسهم "روسال" التي تعود لـ (LIA)،
ولربما اتهام ديريباسكا بدعم القيادة الليبية المذنبة في هلاك آلاف
المواطنين ماليا، "تخليه" عن الصداقة مع القذافي، ودعم اجراءات التحالف
الغربي. وتجدر الاشارة الى ان روتشيلد الذي تنصل عن "الوريث" الليبي بتحد،
يفضل السيناريو الثاني.هذا وسيكون التنفيذ الناجح لمهمات الوساطة
التي عرضتها روسيا على قمة "مجموعة الـ8" بصدد تسوية النزاع الليبي، نجاحا
اقتصاديا وفي السياسة الخارجية جليا لبلدنا، يتيح وقف اراقة الدماء وتفادي
الخسائر بمبلغ 5.5 مليار $. وفيما يخص الخلافات الليبية "السامية"، فسيلفها
النسيان في القريب.المصدر نيكيتا كريتشيفسكي ـ نوفايا غازيتا 14 يونيو/حزيران 2011

القذافي هو من عزل نفسه و ليس العكس