الحديث من صحيح مسلم بشرح النووي .
قال أبو زكريا يحيى
بن شرف الدين النووي : "رحمه الله"
( باب بيان ان الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ( وأنه يأرز بين
المسجدين ) [ 145 ] فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( بدأ الاسلام غريبا وسيعود كما
بدأ غريبا فطوبى للغرباء )
وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية فى جحرها ) [ 147 ] وفى
الرواية الاخرى ( ان الايمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ) أما
ألفاظ الباب ففيه أبو حازم عن أبى هريرة واسم أبى حازم هذا سلمان الاشجعى مولى عزة
الاشجعية وتقدم ان اسم ابى هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولا
وقوله صلى الله عليه و سلم بدأ الاسلام غريبا كذا ضبطناه بدأ بالهمز من الابتداء
وطوبى فعلى من الطيب قاله الفراء قال وانما جاءت الواو لضمة الطاء قال وفيها لغتان
تقول العرب طوباك وطوبى لك وأما معنى طوبى فاختلف المفسرون فى معنى قوله تعالى طوبى
لهم وحسن مآب فروى عن بن عباس رضى الله عنهما أن معناه فرح وقرة عين وقال عكرمة نعم
ما لهم وقال الضحاك غبطة لهم وقال قتادة حسنى لهم وعن قتادة ايضا معناه أصابوا خيرا
وقال ابراهيم خير لهم وكرامة وقال بن عجلان دوام الخير وقيل الجنة وقيل شجرة فى
الجنة وكل هذه الأقوال محتملة فى الحديث والله اعلم وفى الاسناد شبابة بن سوار
فشبابة بالشين المعجمة المفتوحة وبالباء الموحدة المكررة وسوار بتشديد الواو وشبابة
لقب واسمه مروان وقد تقدم بيانه وفيه عاصم بن محمد العمرى بضم العين وهو عاصم بن
محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم وقوله صلى الله عليه و سلم
وهو يأرز بياء مثناة من تحت بعدها همزة ثم راء مكسورة ثم زاى معجمة هذا هو المشهور
وحكاه صاحب المطالع مطالع الأنوار عن أكثر الرواة قال وقال أبو الحسين بن سراج
ليأرز بضم الراء وحكى القابسى فتح الراء ومعناه ينضم ويجتمع هذا هو المشهور عند أهل
اللغة والغريب وقيل فى معناه غير هذا مما لا يظهر وقوله صلى الله عليه و سلم بين
المسجدين أى مسجدى مكة والمدينة وفى الاسناد الآخر خبيب بن عبد الرحمن وهو بضم
الخاء المعجمة وتقدم بيانه والله أعلم وأما معنى الحديث فقال القاضي عياض رحمه الله
فى قوله غريبا روى بن أبى أويس عن مالك رحمه الله أن معناه فى المدينة وأن الاسلام
بدأ بها غريبا وسيعود اليها قال القاضي وظاهر الحديث العموم وأن الاسلام بدأ فى
آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والاخلال حتى لا يبقى الا فى
آحاد وقلة أيضا كما بدأ وجاء فى الحديث تفسير الغرباء وهم النزاع من القبائل قال
الهروى أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله تعالى قال القاضي وقوله
صلى الله عليه و سلم وهو يأرز إلى المدينة معناه أن الايمان أولا وآخرا بهذه الصفة
لأنه فى أول الاسلام كان كل من خلص ايمانه وصح اسلامه أتى المدينة اما مهاجرا
مستوطنا واما متشوقا إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه و سلم ومتعلما منه ومتقربا
ثم بعده هكذا فى زمن الخلفاء كذلك ولأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة
رضوان الله عليهم فيها ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى
لأخذ السنن المنتشرة بها عنهم فكان كل ثابت الايمان منشرح الصدر به يرحل اليها ثم
بعد ذلك فى كل وقت إلى زماننا لزيارة قبر النبى صلى الله عليه و سلم والتبرك
بمشاهده وآثاره وآثار أصحابه الكرام فلا يأتيها الا مؤمن هذا كلام القاضي والله
أعلم بالصواب.
قال أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي في التمهيد
:
قال عمر بن الخطاب في قوله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال من فعل
مثل فعلهم كان مثلهم.
وقال ابن عباس في قوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبية
وهذا كله يشهد أن خير قرنه فضلا أصحابه وأن قوله خير الناس قرني أنه لفظ خرج على
العموم ومعناه الخصوص وقد قيل في قول الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ} أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعني الصالحين منهم وأهل الفضل هم
شهداء على الناس يوم القيامة قالوا وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا
حين كفر الناس وصدقوه حين كذبه الناس وعزروه ونصروه وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم
وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام وقد قيل في توجيه أحاديث الباب مع
قوله خير الناس قرني إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار
وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم وإن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به
وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند
ذلك أيضا غرباء وزكت أعمالهم في ذلك الزمن كما زكت أعمال أوائلهم ومما يشهد لهذا
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء" ويشهد
له أيضا حديث أبي الخشني وقد تقدم ذكره ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:
"أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره".وقد ذكر البخاري قال حدثنا محمد بن بشار
قال حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا
تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قال أبو جعفر الطحاوي
:
حدثنا فهد ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد قال هذه
الأحاديث عن يحيى بن سعيد قال كتب إلي خالد بن أبي عمران بهذه الأحاديث قال حدثني
أبو عياش قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الإسلام بدأ غريبا وإنه سيعود كما بدأ فطوبى للغرباء قالوا ومن هم يا رسول الله قال
الذين يصلحون حين يفسد الناس.
فالرواية تفسر ما تقدم .
و قال
أيضا :
قال أبو محمد ونحن نقول إنه ليس في ذلك تناقض ولا اختلاف لأنه
أراد بقوله إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا أن أهل الإسلام حين بدأ قليل وهم في
آخر الزمان قليل إلا أنهم خيار ومما يشهد لهذا ما رواه معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق
عن الأوزاعي عن يحيى أو عروة بن رويم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خيار
أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منه والثبج الوسط وقد جاءت في
هذا آثار منها أنه ذكر آخر الزمان فقال المتمسك منهم يومئذ بدينه كالقابض على الجمر
ومنها حديث آخر ذكر فيه أن الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر وفي حديث آخر أنه سئل عن
الغرباء فقال الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي وأما قوله خير أمتي القرن الذي
بعثت فيه فلسنا نشك في أن صحابته خير ممن يكون في آخر الزمان وأنه لا يكون لأحد من
الناس مثل الفضل الذي أوتوه وإنما قال مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره
على التقريب لهم من صحابته كما يقال ما أدري أوجه هذا الثوب أحسن أم مؤخره ووجهه
أفضل إلا أنك أردت تقريب منه وكما تقول ما أدري أوجه هذه المرأة أحسن أم قفاها
ووجهها أحسن إلا أنك أردت تقريب ما بينهما في الحسن ومثل هذا قوله في تهامة إنها
كبديع العسل لا يدرى أوله خير أم آخره والبديع الزق وإذا كان العسل في زق ولم يختلف
اختلاف اللبن في الوطب فيكون أوله خيرا من آخره ولكنه يتقارب فلا يكون لأوله كبير
فضل على آخره .
قال ابن الجوزي رحمه الله في شرح الحديث
:
المعنى أنه ظهر بين جهل به واستنفار منه وكانت العادات قد غلبت فإذا رؤي
ما يخالفها أنكر وهكذا في آخر الزمان وها نحن في وسط الشرب فإن العادات قد غلبت حتى
صارت الصلوات والمعاملات عادات يعمل بمقتضاها سواء وافقت المشروع أوخالفت وصار قول
العلماء غريبا والمشروع مستنكرا والله المستعان.
تذكير بالحديث من طرق
أخرى :
عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم :
إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء
قالوا : يا
رسول الله ومن الغرباء ؟ قال : " الذين يصلحون عند فساد الناس "
رواه الطبراني
في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم وهو ثقة .