نعكس الانقسام اللبناني الحاد انقساماً حاداً في القراءة العربية لتطورات الأزمة في بيروت. واستهلك الاجتماع الوزاري العربي في الجامعة العربية عشر ساعات من السجالات التي كانت كافية لعدم الخروج بقرار نوعي، وخصوصاً أن التباين في شأن تشخيص ما يجري سبّب عدم التوافق على جملة من المقترحات المتبادلة، فيما كان المميز في اللقاء السجال العنيف الذي دار بين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ومندوب سوريا في الجامعة السفير يوسف أحمد، قبل أن يتدخل الأمين العام للجامعة عمرو موسى، داعياً إلى صيغ وسطية تقوم على فكرة أن الجامعة معنية بإعادة الاعتبار إلى مبادرتها من خلال تفعيل الاتصال مع اللبنانيين، لكن دون التوصل إلى موعد ثابت للقدوم الى بيروت بسبب صعوبات متنوّعة بعضها سياسي وبعضها الآخر تقني.من جانبه كان الوزير طارق متري يخرج ويدخل إلى الجلسة مقدّماً معلومات كمراسل حربي، وأكثر من الحديث عن حصار منزل سعد الحريري والسرايا الكبيرة، إلى جانب حديثه المتكرر عن قصف براجمات الصواريخ لمعقل وليد جنبلاط المحاصر، قبل أن يكرّر الحديث عن ضرورة دعم العرب لحكومة فؤاد السنيورة وهو ما واجهه به آخرون بينهم السفير السوري يوسف أحمد لناحية أنها حكومة خلافية وتمثّل أقل من نصف اللبنانيين. كذلك تدخل متري مرة أخيرة رافضاً الاقتراح اليمني بأن يرأس قائد الجيش العماد ميشال سليمان الحوار قائلاً إنه «مجرد قائد للجيش وموظف ولا يمكنه الاضطلاع بدور سياسي»، في ما بدا أنه موقف تحفظ يعود الى انتقادات من فريق السنيورة الوزاري لقيادة الجيش على خلفية عدم استجابتها لطلب الحكومة التصدي للمتظاهرين ورفضاً لطلبها من الحكومة إلغاء القرارين الصادرين عن الحكومة. وقدم الوزير السعودي مداخلة طويلة، استهلّها بالحديث عن الحرب المجنونة التي يخوضها حزب الله في بيروت، وتناول الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله مباشرة، واصفاً إياه بأنه شارون، لأنهما «اتفقا على اجتياح بيروت». وقال «إن الحكومة الشرعية في لبنان تتعرّض لحرب شاملة ولا يمكننا كعالم عربي أن نقف مكتوفي الأيدي، وإن إيران هي التي تتولى إدارة الحرب وحزب الله يريد أن يفرض على لبنان دولة الولي الفقيه، وعلينا القيام بكل ما يلزم لوقف هذه الحرب وإنقاذ لبنان ولو تطلب الامر إنشاء قوة عربية تتولى الانتشار سريعاً في لبنان وتعيد إليه الأمن وتحمي الشرعية القائمة. وعلينا الآن أن نخرج أولاً ببيان يدين صراحة حزب الله وإيران على الاجتياح القائم، ونرسل تحذيراً الى المسلحين لكي يوقفوا المعركة ويتم انسحابهم، ومن ثم علينا أن نقف الى جانب حكومة السنيورة ونشكرها على صمودها وندعم موقفها». وبعد توقف الوزير السعودي طلب السفير السوري الكلام فقال إن «وزير الخارجية وليد المعلم يغيب لأسباب خاصة، وإن دمشق ترى ما يجري في لبنان شأناً داخلياً، وهي لا تريد التدخل، ولكن الوزير السعودي قدّم مداخلة منحازة، وعرض مجموعة من الأضاليل تحتّم عليّ التقدم بمداخلة حتى لا تصبح مواقفه حقائق».
وتوجه السفير السوري الى الوزير السعودي قائلاً: «أنتم الآن تكشفون عن موقفكم الحقيقي والمنحاز الى جانب فئة من اللبنانيين ضد فئة أخرى، وأنت تقول إن حكومة لبنان شرعية وكلنا يعرف أنها حكومة أمر واقع، وهي لا تمثل اللبنانيين جميعاً، بل تمثل جزءاً منهم. وعندما اتخذت القرارات الأخيرة بعد اجتماع دام 11 ساعة، فهذا يعني أنها كانت تعرف مضاعفات هذا الموقف، ولكنها كانت تدرس التداعيات وفقاً لوجهة نظرها، وهي التداعيات التي أدّت الى ما يجري الآن». وأضاف «كما أنك تريد إرسال قوات عربية الى لبنان، هل تريد من العرب أن يذهبوا الى لبنان لمقاتلة غالبية اللبنانيين دفاعاً عن سمير جعجع الجاسوس الإسرائيلي والعميل الذي بات اليوم حليفكم».قاطعه الفيصل: «ليس حليفنا». فرد السوري: «حليفكم ويتلقى منكم الدعم والأموال ايضاً، وهل تريد أن تفرض علينا مفاهيمك، وتريد أن تقول لنا إن إيران هي العدو لا إسرائيل التي تقتل الأطفال يومياً دون توقف، وتريد أن ترسل الآن القوات الى لبنان ولم تحرك ساكناً يوم كانت إسرائيل تقصف لبنان دون توقف، لماذا لم تفكر بإرسال قوات لمواجهة الاجتياح الاسرائيلي. ثم إنك تتحدث عن حزب الله بصورة عدائية. وأنت وكلنا يعرف أن هذا الحزب تغيّر كثيراً عما كان عليه يوم قام، وهو قدم التضحيات الهائلة من أجل لبنان بلده ومن أجل أمّته وهذه أثمان لا يقدمها إلا من يريد الخير لبلده. أما إيران التي لم تكن إلا الى جانب قضايانا ووقفت الى جانبنا فتريد أنت أن تفرض علينا أنها العدو. وقبل مدة حين أثرنا في الاجتماع المغلق في القمة العربية ملف العلاقات العربية ـــــ الإيرانية كان الكل حاضرين ولم يقل أحد إنه يواجه هذه المشكلات فهذا يعني أن السعودية تريد أن تفرض هواجسها علينا وهو أمر لن نقبل به».عاد الفيصل ليقول إن إيران تدعم الانقلاب، وقال للسفير السوري: «أنت تتحدث معي بطريقة وتلفت الى موقعنا كأننا الى جانب إسرائيل، وإذا كررت هذا الكلام فسوف يكون لي موقف آخر».
فرد السوري بحدة: «لا تهدّدني، وإذا تكلمت أنت بكلام مختلف فسوف تسمع مني ما لم تسمعه من أحد قبلاً. وأنا أقول لك وللجمتمعين إن الجامعة العربية يجب أن تكون على مسافة من الجميع في لبنان، وهناك المبادرة العربية التي أقرت هنا، والتي يعرف الأمين العام أنها خطة مرحب بها لدى الجميع على أساس أنها سلة وليست مجموعة خطوات منفصلة».
وكانت الخلافات قد بدأت في مستهل الجلسة بسبب إصرار مصر والسعودية على أن يتضمّن البيان الختامي «إدانة» لقوى المعارضة اللبنانية التي سيطرت على بيروت. وقالت مصادر عربية إن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى «لم يكن سعيداً بتأليف لجنة وزارية عربية موسعة تتولى مهمة الوساطة مع مختلف الفرقاء اللبنانيين، وأنه كان يفضل في المقابل لجنة مصغرة تقتصر عضويتها على قطر وجيبوتي لتحقيق فاعلية أكثر».وأوضحت المصادر أنه «في ضوء التنافس بين الدول العربية على الانضمام للجنة، تم تجاهل تحفظ موسى على الرغم من إشارته الضمنية الى أن اللجنة الموسعة قد لا تحقق أهدافها». وأصدر وزراء الخارجية العرب، بعد اجتماعهم الطارئ في القاهرة أمس، بياناً بشأن الوضع اللبناني تضمّن خصوصاً تأليف لجنة وزارية عربية للسفر إلى لبنان لتطبيق المبادرة العربية، مع إدانة ضمنية «لاستخدام السلاح واللجوء إلى العنف»، من دون تسمية أي طرف. وفي ما يلي النص الحرفي للقرار الذي حمل عنوان «احتواء أزمة لبنان»:
«إن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في اجتماعه غير العادي المنعقد يوم 11/5/ 2008، إدراكاً منه لخطورة الوضع الراهن في لبنان، وتداعياته على مستقبل الأمن والاستقرار في لبنان، وانعكاساته على الأوضاع في المنطقة بكاملها، وانطلاقاً من المسؤولية العربية تجاه لبنان، واستمراراً للجهود العربية المبذولة لمساعدة لبنان على تجاوز وضع الأزمة، وإزاء المستجدات القائمة البالغة الخطورة التي من شأنها تصعيد الوضع السياسي والأمني في لبنان للوصول إلى أوضاع يصعب احتواؤها، وإذ يؤكد المجلس مجدداً على قراراته السابقة بشأن الأوضاع في لبنان، فإنه يقرر التالي:
1 ــــ التأكيد على رفض الدول العربية الكامل لما آلت إليه التطورات في الأيام الأخيرة في لبنان، وبشكل خاص استخدام السلاح واللجوء إلى العنف بما يهدد السلم الأهلي في هذا البلد.
2 ــــ التأكيد على رفض المجلس استخدام العنف المسلح لتحقيق أهداف سياسية خارج إطار الشرعية الدستورية، مع التأكيد على ضرورة سحب جميع المظاهر المسلحة من الشارع اللبناني، وتسوية الأزمة السياسية اللبنانية الراهنة بشكل يحفظ لكل طائفة دورها الفعال في التركيبة اللبنانية.
3 ــــ الترحيب بالإعلان الذي أصدرته قيادة الجيش بالتعامل مع القرارين الخاصين بجهاز أمن المطار وشبكة الاتصالات السلكية ووضعهما في عهدته، وكذلك الترحيب بتفويض الحكومة إلى الجيش تولّي مسؤولية حماية الأمن العام، وتهدئة الأوضاع، وتأمين عمل المؤسسات العامة والخاصة، والإشادة بدور الجيش، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدته ودعم دوره وتعزيز قدراته صوناً لأمن لبنان.
4 ــــ التأكيد على ضرورة فتح وتأمين طريق مطار بيروت الدولي بشكل فوري لعودة حركة الملاحة الجوية، وسائر الطرقات، وفتح ميناء بيروت لتأمين حرية الحركة للبنانيين والمسافرين من وإلى البلاد.
5 ــــ التأكيد على المبادرة العربية بكافة عناصرها باعتبارها أساساً لأي حل.
6 ــــ تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس وزراء دولة قطر، والأمين العام، وعضوية وزراء خارجية الأردن والإمارات والبحرين والجزائر وجيبوتي وعمان والمغرب واليمن.
7 ــــ الطلب من اللجنة الوزارية السفر إلى بيروت فوراً.
8 ــــ يدعو المجلس رئيس مجلس النواب (نبيه بري)، ورئيس مجلس الوزراء (فؤاد السنيورة)، وقادة الموالاة والمعارضة، إلى حضور جلسة خاصة مع اللجنة الوزارية المشار إليها في ما بعد لمناقشة الوضع، والاتفاق على التنفيذ العاجل للمبادرة العربية، والإحاطة بالوضع الخطير الذي يهدد به استمرار التطورات الجارية.
9 ــــ إبقاء مجلس الجامعة في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات.