دراسة للأهداف النووية لكل من مصر وإسرائيل :
قامت الدنيا ولم تقعد- ولن تقعد- لمجرد إعلان إيران عن بدء إجرائها بعض عمليات تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية . ووصفت الست (حلاوتهم ) كوندا ليزا رايس إيران بأنها البنك المركزي الرئيسي للإرهاب في العالم . بينما بلغ الرضا السامي عن البرنامج النووي الإسرائيلي مداه لدرجة أنها لم تتعرض من قريب أو من بعيد لخطورته. وبعد إعلان مصر المفاجئ عن نيتها دخول مجال الطاقة النووية أعلن ديفيد ويلش مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط رضا بلاده السامي عن المشروع النووي المصري وقال : إن واشنطن لا تشعر بقلق تجاه البرنامج النووي المصري. وبذلك وضعت الولايات المتحدة كل من مصر وإسرائيل تحت مظلة الرضا السامي . ولكن شتان بين دوافع الرضا الأمريكي عن الأهداف النووية المصرية و الأهداف النووية الإسرائيلية.
فمن المعلوم أن هناك قائمة طويلة من المحرمات تفرض على هذه الأمة. من بين هذه المحرمات عدم السماح لأي من البلدان العربية والإسلامية بامتلاك برامج نووية حقيقية تمثل قوة ردع في المنطقة . بينما امتلاك إسرائيل للسلاح النووي أمر عادي وطبيعي .ومن هذا المنطلق وقفت إسرائيل ومعها صبيان الصهيونية في العالم - طيلة الخمسين سنة الماضية - أمام كل محاولات العرب والمسلمين لامتلاك سلاحا نوويا . ومن هنا جاءت سلاسل الاغتيالات الطويلة لعلماء الذرة العرب والمسلمين في الداخل والخارج . ومن هنا كانت معارضتهم لامتلاك إيران للفكر النووي . ومن نفس المنطلق حطموا البرنامج النووي العراقي. ومن هذا المنطلق تآمروا علي البرنامج النووي الليبي . ومن نفس المنطلق أجهضوا البرنامج النووي المصري في عهد الرئيس عبد الناصر .وبالتوازي مع ذلك طورت إسرائيل قوتها النووية حتى أصبحت القوة السادسة في العالم .
انه لمن المفيد في هذه الظروف أن نسترجع تصريحات الفني النووي الإسرائيلي مردخاي فانونو الذي عمل في مفاعل ديمونة لمدة 10سنوات والذي دعم معلوماته بعدد 60صورة من داخل المفاعل والذي قال فيها : إن إسرائيل تملك مخزونا من القنابل النووية يتراوح عددها ما بين150 : 200 قنبلة انشطارية أصغر حجما وأشد تأثيرا من قنبلتي ناجازاكي وهيروشيما. ولكي نوضح حجم الميزانية المرصودة للبرنامج النووي الإسرائيلي نسترجع هنا أيضا ما يقوله خبراء الذرة بالأمم المتحدة الذين يعتبرون التكلفة لفعلية لصنع قنبلة واحدة بحوالي 4ر10 مليون دولار أمريكي مما يبين حجم الميزانية المرصودة للبرنامج النووي الإسرائيلي .
لقد أوضحت تصريحات مردخاي فانونو( والتي أدت إلى اختطافه واعتقاله فيما بعد لمدة 18سنه بسبب إفشائه بهذه الأسرار النووية الخطيرة ) أوضحت مدى الخطر الذي يهدد الأمة نتيجة هذا التفوق الإسرائيلي خاصة بعدما وضعت إسرائيل عدة أهداف حيوية عند الاضطرار لاستخدام السلاح النووي أهمها تدمير :
1- السد العالي في مصر
2- سد الفرات في سوريا والعراق
3- مدن القاهرة والإسكندرية والجيزة وأسوان وبورسعيد في مصر
3- مدن دمشق وحلب واللاذقية في سوريا
4- مدن بغداد والبصرة والموصل في العراق
5- مدن عمان والزرقا وإربد في الأردن
6- مدن الرياض وجده ومكة والطائف في السعودية
7- مدن طرابلس وبني غازي في ليبيا
8-الآبار والمنشات النفطية في السعودية ودول الخليج وليبيا والعراق .
وفي ظل هذا الرعب النووي المحيط بأمتنا , يخرج علينا قادة مصر بفكرة برنامج نووي اقل ما يوصف به انه برنامج مرتعد برنامج خائف مهزوز . يسعى كل من له علاقة بالموضوع إلى التصريح على استحياء بان البرنامج سلمي من الألف إلي ما بعد الياء. فهذا رئيس هيئة الطاقة الذرية يؤكد ” إن مصر تسير في برنامجها النووي السلمي بشفافية كاملة وان المحطة النووية المزمع إنشاؤها لا تستطيع إنتاج قنبلة ذرية! .وهذا وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشعب يؤكد أن المشروع سيكون قاصرا علي إنتاج الكهرباء لتجنب الدخول في صدامات سياسية مع الولايات المتحدة أو غيرها. كما يحدث حاليا في إيران! .
يأتي ذلك في الوقت الذي لم يخف فيه قادة إسرائيل يوما بأن جميع العواصم العربية من مراكش إلى بغداد رهينة يد إسرائيل, وأن إسرائيل تستطيع أن تدمر المنطقة العربية عدة مرات بفضل سلاحها النووي . وإن كنا نرى أن تسريب هكذا أخبار عن قوة إسرائيل النووية ما هو إلا نوع من استعراض العضلات , وهو فن من فنون الحرب النفسية يعرفه القاصي والداني . ولكن تهدف إسرائيل من وراء تطوير قدراتها النووية إلى تحقيق العديد من المكاسب الإستراتيجية للدولة العبرية منها :-
1- دفع بعض القادة العرب المستسلمين إلى التوقيع على اتفاقيات مهينة بحجة أنه لم يعد ممكنا للحرب التقليدية التوصل إلى تحرير الأرض .
2- تشجيع يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين وبعث الطمأنينة في نفوسهم .
3- رفع الروح المعنوية للسكان اليهود في الكيان الصهيوني .
4- إيقاف حركة النزوح التي تشتد بعد كل حرب تكثر فيها الضحايا .
5- إيهام الكيان الصهيوني أن الردع النووي سينهي كل المخاوف الأمنية المتعلقة بإسرائيل كحدود .
6- إيهام الرأي العام العربي بأن التوازن الإستراتيجي مازال بعيد المنال بين القوتين .
ومع كل هذا فهناك رعبا يسيطر على الإدارة الإسرائيلية من مجرد تفكير أي من الدول العربية أو الإسلامية لامتلاك ا لسلاح النووي .ويجمع المختصون على أن الرعب الإسرائيلي من امتلاك العرب والمسلمين للسلاح النووي مفاده أن إسرائيل دولة ليست ذات عمق استراتيجي . فعرضها لا يزيد عن عشرات الكيلومترات من البحر المتوسط وحتى الحدود الأردنية . وسكانها يتجمعون بكثافة على الشريط الساحلي الذي لا يزيد عرضه عن 15 كيلومتر . وهذا يعني أنها لا تستطيع احتمال أية ضربة نووية لأنها ستكون القاضية بالنسبة لها . بينما يستطيع العرب احتمال أكثر من عشرة ضربات نووية ويبقى لديهم من يستطيع الوقوف لمحاربة إسرائيل . وبكلمة مختصرة كما يقول الأستاذ عرفات حجازي يمكن للعرب القضاء على إسرائيل بضربة نووية واحدة , بينما لا يستطيع الإسرائيليون التخلص من العرب بعدة ضربات .
و يجمع الخبراء على أن السلاح النووي في العالم ليس الهدف الأول منه الاستخدام في ساحات الحروب والمعارك , قدر ما هو سلاح ردع في المقام الأول , وهذا ما نراه في الحالة الهندية الباكستانية . فكلا الدولتين تملكان سلاحا نوويا ولكن لا تجرؤ أي منهما على استخدامه ضد الأخرى لأن كل دولة لديها ما يجعل الأخرى تفكر ألف ألف مرة قبل استخدام ترسانتها النووية ضد الأخرى. وبالتالي خلقت القوة النووية حالة من التوازن بين الدولتين . ولعل هذا ما يفسر لنا سر الذعر الأمريكي والصهيوني من امتلاك إيران للأسلحة النووية. أما حينما تنفرد قوة ما بتفوق نووي على جيرانها فان هذا يكون مدعاة للابتزاز , وهذا ما نراه في الحالة الإسرائيلية .
فلقد لوحت إسرائيل باستخدام السلاح النووي أكثر من مرة وكان ذلك على سبيل الابتزاز ليس إلا . فعندما قام الجيش المصري بعملية العبور العظيمة , وتدميره لأكبر الحصون الإسرائيلية الذي كان يعرف بخط بارليف, توجه موشى دايان وزير الحرب في ذلك الحين إلى رئيسة الوزراء جولدا مائير وقال لها إنه يخشى الآن من خراب الهيكل الثالث, وطلب منها إذنا باستعمال السلاح النووي . وقد قبلت جولدا مائير في البداية الطلب , وجرى بالفعل نقل 13 رأسا نوويا من النقب إلى الجبهتين في سيناء لمواجهة القوات المصرية, وفي الجليل لمواجهة القوات السورية . وكانت هذه الرؤوس من طراز ” بريجو ” إلا أن الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته اليهودي هنري كيسنجر أجريا اتصالا بجولدا مائير وأبلغاها أن السوفيت تلقوا علما بنقل هذه الرؤوس النووية وأن استعمالها سينقل الحرب إلى مواجهة بين الدولتين ( أمريكا والاتحاد السوفيتي ) . وأمام هذا التهديد , وأمام هذا التلويح باستخدام السلاح النووي ومقابل هذا الابتزاز قامت الحكومة الأمريكية بعمل جسر جوي ما بين القواعد الأمريكية والقواعد الإسرائيلية وقامت أمريكا بتزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة العسكرية التقليدية والتي استطاعت في النهاية إقامة التوازن مع القوات العربية بل والتفوق عليها مما حدا بالرئيس السادات المطالبة بوقف إطلاق النار مصرحا بأنه لا يستطيع أن يحارب الولايات المتحدة .
وفي التسعينات مارست إسرائيل الابتزاز النووي إبان حرب عاصفة الصحراء 1991م عندما صرحت للولايات المتحدة أنها تنوي استخدام سلاحها النووي ضد أهداف محددة في العراق ردا على قيام الأخيرة بقصف بعض الأهداف الإسرائيلية بالصواريخ . ولقد أصاب أمريكا هذا القرار بالذعر فهي كانت تسعى بشتى الطرق على الحفاظ على شكل التحالف القوي والمكون من 32 دولة , وتصرف مثل هذا كفيل بتحطيم هذا التحالف في مقتل . وأمام هذا التلويح, وأمام هذا الابتزاز قامت أمريكا بإمداد إسرائيل بمزيد من العتاد الحربي علاوة على صفقة صواريخ( باتريوت) المضادة للصواريخ , وخرجت إسرائيل أكبر المستفيدين . ولن يتوقف هذا الابتزاز مستقبلا طالما انفردت إسرائيل بتفوقها النووي .
إن ولادة برنامج نووي مصري في ظل هكذا واقع محيط, , يجعلنا نتساءل لصالح من تدخل مصر المجال النووي و هي تصر على ان برنامجها سلمي, وسلمي من الإلف إلى ما بعد الياء؟.