لماذا لم يصفق سفراء فلسطين لاردوغان 21 مرة؟
اسطنبول - موفد معا ناصر اللحام - أثبت الفلسطينيون مرة اخرى انهم غير محترفين، وانهم بسطاء لدرجة المبالغة، ويعتقدون ان على العالم ان يفهمهم من دون ان يعبّروا عن مشاعرهم بطريقة مادية. وبعكس الاحتلال الاسرائيلي لا يزال الفلسطينيون عاطفيون تلقائيون لدرجة السذاجة، هم فلاحون بمعنى الكلمة، ينتظرون السماء ان تمطر من ان اجل ان تروي ارضهم، وينتظرون الارض ان تثمر من اجل ان تعطيهم منتوجا، وينتظرون المنتوج ان يكون وفيرا لدرجة الكفاف. انهم يعيشون على القدرية المطلقة وقلّما يفكرون في خلق الظروف التي تخلق ظروفهم.
اكثر من مئة سفير فلسطيني يرأسهم رئيس السلطة ووفد رفيع المستوى ووزير الداخلية ووزير الخارجية، جلسوا في فندق كونراد باسطنبول واستمعوا الى سفيرنا هناك نبيل معروف وهو يفتتح المؤتمر الثاني لسفرائنا في العالم، وبعد كلمة الرئيس التي خلت من المفاجئات، وتعمّت التاكيد على الثوابت الثابتة، جاءت كلمة رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان. ووسط عشرات كاميرات وكالات الانباء في العالم - بينها كاميرا "معا" وتلفزيون فلسطين، وقف اردوغان يلقي كلمة حماسية ارتجالية من اجل عيون فلسطين ... وهنا كانت المفاجئة.
بدأ الزميل الصحافي عبد الرؤوف ارنئوط من صحيفة الايام ينظر الى وجهي ونتهامس بكل الم: لماذا لا يصفقون للزعيم التركي ؟ لماذا يجلس السفراء بهدوء ؟ مع ان كل القاعة تملك سماعات الترجمة الفورية والسريعة ؟ لماذا لم يقف احد حين قال " اريد ان اقبّل العيون الدامعة للامهات الفلسطينيات " ؟ لماذا لم يصفق احد حين قال : القدس خط احمر ؟ ولن نسامح اسرائيل طالما هي تحاصر قطاع غزة ؟
ورغم ان معظم السفراء من غزة ولهم عائلات اولاد في غزة لم يتململ احد !! ثم اتسع الهمس بين الصحافيين، وتوصلنا الى قناعة بأننا فلاحين بسطاء ومساكين نعتقد ان العالم يجب ان يحبنا من دون ان نقوم بعمل شيء محدد ونوعي وجديد في كل مرة !! ونسينا مقولة جبران خليل جبران ان المحبة التي لا تنبع كل يوم تموت كل يوم !!
اردوغان ارتجل الكلمة دلالة على الصدق، وكانت كل كلمة تستحق التصفيق، لان كلمته نابعة من قوة الحق، من قوة الايمان، من قوة الانتماء والصداقة والاخوة، وهي ارقى واكثر عدالة واخلاق من كلمة اوباما امام اليهود الاف المرات ... فالرئيس الامريكي اوباما كان ينافق لليهود وهم كانوا يقفون ويصفقون في كل دقيقة، وما هو الا مؤتمر الظلم والاحتلال والرياء والمصالح الدنيئة، بينما لقاء ابو مازن مع اردوغان كان لقاء الاخوة والمحبة والصدق والعدل والشرف الثوري والانسانية الطاهرة . ولكن من سخف القدر ان اليهود الاثرياء وجنرالات الحرب في امريكا صفقوا كثيرا لاوباما الظالم الذي باع ضميره وشرفه على مائدة الاحتلال . اما الفقراء والمعذبون الفلسطينيين فقد "نسوا " ان يصفّقوا للقائد التركي الذي كاد يبكي وهو يتحدث عن فلسطين.
ويبدو ان الرئيس شعر بذلك، وعرف ان سفراء فلسطين "طيبون" و"بسطاء " فصفق هو مرتين ووقف الحضور لاردوغان عند اتمام خطابه، مع ان الخارجية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الموجودة هناك وخبراء البروتوكول كان يجب ان ينتبهوا لهذه القصة وان يرتّبوا الامر، فكل تصفيق في اللوبي اليهودي يكون معدا سلفا، وكل سؤال يكون قد جرى مراجعته وتدقيقه، ونذكر كيف قامت فتاة يهودية متضامنة مع غزة وسألت سؤالا في امريكا فتعرضت للضرب المبرح على يد الحراس والمتشددين !!!ومع ذلك لم يفت الاوان، ونحن كصحافيين فلسطينيين، نصفق نيابة عن الشعب الفلسطيني للزعيم اردوغان، نصفق له 21 مرة، وفي كل مرة نقف على ارجلنا ونقول شكرا للشقيقة تركيا، وللاخت والجارة اسطنبول :
تصفيق لان تركيا استضافت المؤتمر - وتصفيق لان اردوغان حضر المؤتمر - وتصفيق لانه القى الكلمة الحماسية - وتصفيق لانه قال باللغة العربية بسم الله الرحمن الرحيم وارحب بكم من كل صميم قلبي - وتصفيق حينما قال انه الان الوقت المناسب لمن يريد ان يدعم الشعب الفلسطيني وليس بعد حين الان يجب دعم فلسطين - وتصفيق حين حيا الامهات الدامعات عيونهن والاباء واطفال وقال انه يقبّل عيونهم فردا فردا - تصفيق حين قال ان تركيا كانت وستظل تسيّر قوافل الدعم الى غزة - تصفيق حين عدّد اسماء شهداء سفينة مرمرة فردا فردا وقال لن ننسى - تصفيق حين قال لن تعود علاقتنا مع اسرائيل طبيعية طالما لم تعتذر اسرائيل وتدفع تعويضات الشهداء وترفع الحصار عن غزة - تصفيق حين قال وهو يرفع رأسه للسماء : ان الظلم لن يدوم يا اسرائيل - تصفيق حين اكد على ثوابت القدس واللاجئين والقرارات الدولية - تصفيق حين قال لا يمكن ان نقبل الاستيطان في القدس وان تركيا ستقدم الدعم المعنوي والمادي بكل قوة - تصفيق حين قال لا للحواجز ولا لتشتيت العائلات وللهيمنة الاقتصادية على شعب فلسطين - تصفيق حين صاح يقول ارفعوا الحصار عن غزة - تصفيق حين طالب حماس وفتح ان يتحدوا وقال ارجوكم اخي الرئيس محمود عباس سامحوا بعضكم فالاخ يسامح اخاه - تصفيق حين طلب من رجال الاعمال الاتراك الاستثمار والعمل مع رجال الاعمال الفلسطينيين لتطوير الضفة وغزة - تصفيق حين اعلن الحث على انشاء منطقة صناعية في جنين - وتصفيق حار مع وقوف مطوّل حين قال : نصف قلبي مكة والنصف الاخر المدينة والقدس ستارة تغطي على قلبي - تصفيق حين انشد اشعار محمود درويش عن الوطن والنضال والثورة والصمود . وتصفيق وقوفا حين عاهد الله والرئيس عباس ان تعمل تركيا على رفع فلسطين الى مصاف الدول.