الجيومولوفولوجيا
والمعارك الحربية
.
تعرف الجيومورفولوجيا بعلم شكل الأرض
ويهتم هذا العلم بدراسة قشرة سطح الارض وتمييز الظاهرات المتكونة على سطحها
فالمعنى الحرفي الى الجيومورفولوجيا هو علم دراسة سطح الارض.
(1) تلعب طبيعة سطح الارض من الناحية التركيبية والمظهرية دوراً هاماً في المعارك
الحربية الأرضية فالمعارك البرية تتطلب حفر الخنادق ليحتمي فيها المقاتلون
بالاضافة لذلك قد تتطلب الحصول على المياه الباطنية فالحفر في داخل الأرض سواء
خنادق أم آبار يتطلبان معرفة جيولوجية لكن دور الجيومورفولوجي يتمثل في وضع خطط
الهجوم حيث تقع عليه مسؤولية كبيرة وهي التعرف على تضاريس أرض المعركة من حيث
التعرف على الطرق السهلية التي يستطيع أن يسلكها الجنود ومواقع الخنادق التي تكون
بعيدة عن العدو.
(2) ان المظاهر الاستراتيجية ليست وليدة العلم والمعرفة في الوقت الحاضر بل هي
قديمة منذ القدم ولكن لم يكن يوجد علم الجيومورفولوجيا بهذا الاسم وانما نفس
المحتوى تقريباً فقد كان يستفاد من هذا العلم في الميادين الحربية.
(3) ومن الناحية العسكرية فانه من الأهمية معرفة وتحديد موقع المكان وقد يتطلب
الأمر عدداً من الأشياء الممكنة وقد يحدث تغيير سريع في الأمور التي تحتاجها
القوات المسلحة.
(4) إن خبراء الجيش الالماني والياباني لم يبديا الإهتمام بالاستعانة بما تقدمة
نتائج الدراسات الجيومورفولوجية خلال الحرب العالمية الأولى لكن المسؤولين في
الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا أدركوا القيمة الفعلية للدراسات
الجيومورفولوجية في استخدماتها الحربية حيث ساهمت الدراسات الجيومورفولوجية بخدمات
عظيمة في ساحات القتال وفي إقامة منشآت للجيش وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية
وخلال الحرب العالمية الثانية تضافرت الجهود من قبل المهندسين والجيولوجين وساعدهم
الجيومورفولوجيين في بناء المعسكرات المؤقتة في الصحراء الكبرى حيث أختيرت أصلح
المناطق لعمل الخنادق والملاجئ وفي شق ومد الطرق وبناء الجسور والكباري واختيار
أفضل المواقع لبناء المطارات في شمال وشمال غرب أفريقيا واختيار أفضل المناطق لحفر
الآبار الارتوازية من أجل الحصول على المياه الجوفية في الصحراء الكبرى.
(5) لقد أصبحت جيومورفولوجية المكان ذا أهمية عظيمة بعد طريقة الانتشار السريع في
الحرب العالمية الثانية.
ففعالية هذه الطريقة تعتمد اعتمادا كبيرا على:
1 - امكانات الحركة في المنطقة.
2- اختيار المناطق الاستراتيجية للسيطرة على العمليات الحربية.
وبالرغم من أن الجيومورفولوجي ليس مختصاً بالتكتيكات الحربية لكن معرفته لطبيعة
المنطقة تكون دقيقة أكثر من معرفة العسكري أو الجيولوجي فالجيومورفولوجي يفهم
العلاقات المتبادلة بين جيولوجية المكان والعمليات الجيومورفولوجية وأثرها في
تشكيل ظاهرات جديدة فالظاهرات الطبيعية لم تتكون اعتباطاً (عشوائياً) فالظاهرات
الطبيعية تشكلت على أساس علاقات منظمة فهذه الظاهرات تبين لنا دورها في ابراز نوع
الصخر الذي تقوم عليه ونوعية التربة والنباتات التي كانت قبل أو خلال تشكل هذه
الظاهرة الطبيعية ففي عام 1943م تحدث Erdmen في كتابه تطبيقات
جيولوجية للأسس الحربية "إن الجيومورفولوجي قد حباه الله بعين فاحصة لسطح
الأرض لها القدرة على تكوين صورة كاملة من اجزاء متناثرة كما أن لها القدرة على
التحقق من الظاهرات البعيدة التي كثيراً ما تخدع المرء" .
3- ان الأهمية للتضاريس خلال المعارك الحربية هي مسلمة بديهية عند كل قائد عسكري
ناجح وبالرغم من تطور العلم وتقدم المعرفة وتطور وسائل القتل والتدمير تطور أيضاً
في الاستفادة من الاشكال التضاريسية الاستراتيجية في الدفاع والهجوم فالقائد
العسكري الناجح لابد له من الاستفادة القصوى من الجغرافيا العسكرية فالتضاريس
الأرضية هي من مهمة الجيوش البرية حيث تساعد الجيوش البرية أسلحة البحرية والجو في
اتمام العمليات الحربية فسلاح البحرية يساعد رجال المشاة على الانتقال من ضفة نهر
إلى الضفة الأخرى أو الانتقال في البحر لاحتلال مكان آخر واما سلاح الجو فيساعد
القوات البرية على اجتياز العوائق الجبلية وبالرغم من ذلك مازالت الجيوش تهتم
بطبيعة وأشكال التضاريس الاستراتيجية.
4- ومن المفيد عسكرياً أن تعرف شيئاً عن المنطقة الاقليمية للعدو وبما أنه من غير
المحتمل أن يسمح العدو باستقصاء ميداني فان الاعداد لخرائط التضاريس والصور الجوية
والمعلومات عن تضاريس أرض العدو قد لا تعرف بكاملها فنستعين بالصور الجوية حيث
تسهم الصور الجوية بتعريفنا بالظروف المناخية للمنطقة وطبيعة المنطقة والارض
المستعملة والنباتات الموجودة بالمنطقة فإذاً قد تأتي المعلومات مباشرة من تحليلات
الصور الجوية وربما تأتي المعلومات من خلال عمليات المسح الجيولوجي والاستقصاء من
خلال البحث العلمي أو من خلال دراسة مناطق مشابهة تكون الدراسة التفصيلية لها
متعذرة في منطقة العدو .
5- لقد جندت الولايات مئات من الخبراء الجيومورفولوجين وعملت لهم لهم مكاتب في
أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة حيث يتم اشراف القوات المسلحة الامريكية على هذه
المكاتب وتعمل هذه المكاتب على سطح الارض في مختلف انحاء الولايات المتحدة وتهتم
بدراسة الصحاري الحارة الجافة وقد تركزت الابحاث بصحاري اريزونا ونيفادا وكلورادو
اما باقي صحاري العالم الجافة فقد درستها عن طريق الصور الجوية المفسرة فقد قام
الامريكيون بدراسة الصحاري الجافة عن طريق تصنيفها لوحدات جيومورفولوجية متنوعة
حسب التركيب الجيولوجي وحسب اختلاف أشكال السطح وعند دراستها لباقي الصحاري الجافة
في العالم اعتمدت نفس التصنيف بمساعدة الصور الجوية.
أهمية الجيومورفولوجيا في الميدان الحربي
- إن للتضاريس أهمية كبيرة في تحديد مصير المعارك حيث تلجأ الجيوش لاقامة مناورات
في أراض مختلفة التضاريس وذلك كتجربة لدراسة مدى النتائج وتطبيقها مستقبلا في المعارك
الحربية .
- وللسرعة أهمية عظيمة في الحرب فالقائد عادة لا يستطيع أن ينتظر ليتفحص ثم ينفذ
ولذلك فان تصنيف تضاريس منطقة إذا أُعدّ مسبقاً يمكن القائد من الحصول على معلومات
في وقت قليل نسبياً وكل هذا يتطلب نوعاً من المعرفة في تفسير خرائط تضاريس المنطقة
.
وسأعدد الأهميات الجيومورفولوجية في الميدان الحربي:
1- امكانية القدرة على اجتياز وعبور الأراضي بالسيارات والآليات (الدبابات
والناقلات وغيرها من الآليات الثقيلة) والمشاة بحيث يتم الابتعاد عن الطرق
والمسالك الصعبة والخطرة التي تعيق تحرك القوات بصورة حسنة خلال المعركة فيجب قياس
مدى سرعة خطوات الجندي فوق الأراضي الخشنة والناعمة والحصوية والصخرية وتقاس أيضاً
سرعة السيارات والآليات الثقيلة في الصحراء الرملية أو الحصوية أو الصخرية أو فوق
الاراضي الجبلية والمنخفضة والسهلية .
2- اختيار أفضل الاماكن القريبة لاقامة مهابط ومدرجات للطائرات لتكون قريبة من
المعركة.
3- اختيار أفضل المناطق لانزال رجال القوات الخاصة (المظليين) مع مستلزماتهم من
الأسلحة والطعام بحيث يتم اختيار المكان المناسب ليصل المظلي سليماً وتوفر له ظروف
هجومية دفاعية ممتازة في وقت واحد.
4- لتغير أشكال سطح الارض وإيجاد أشكال تضاريسية مناسبة عسكرياً ومن أمثلة ذلك:
حفر الخنادق فالسهولة في حفر الخنادق مهمة جداً للقائد من أجل السرعة وذلك
للاحتماء بالخنادق.
فقد تطورت فكرة حفر الخنادق عند
العسكريين عبر التاريخ فمثلاً في غزوة الخندق حيث أشار سلمان الفارسي على النبي{
بحفر خندق فقد تعاون الرسول الكريم مع المسلمين بحفر خندق مناسب من الناحية
الدفاعية عن المدينة أما بقية الأطراف التي لم يحفر فيها الخندق فكان على اعتبار
أن المدينة المنورة تحميها تضاريس طبيعية جبلية عالية جداً ولذلك بني خط
"ماجينو" اثناء الحرب العالمية الثانية على نفس المفهوم ولا ننسى بأن خط
بارليف هو صورة من الصور التضاريسية الدفاعية حيث يمتد في خنادق عميقة جداً تبدأ
من عند جبل شاهق صعب الاجتياز من جبال سيناء إلى البحر المتوسط في الشمال .
5- لتحديد الأراضي الصالحة لاقامة مخابيء سرية وملاجيء تحت الأرض.
6- بناء استحكامات عسكرية قوية للمدفعية ذات الرماية المستقيمة لأن الأمر يتطلب
صلابة في الاساسات لمرابض المدافع .
7- اختيار أسلحة معينة في كل معركة محتملة وذلك حتى تلائم ظروف أرض المعركة حيث
يصنع كل قائد حساباته لمقدرة حركة الآليات والمشاة وسرعة كل مجموعة على طبيعة
ونوعية الارض المحتمل قيام عليها المعركة فمثلا سرعة المشاة والآليات فوق الأراضي
الطينية تختلف عن سرعتها فوق الأراضي الرملية والصخرية فيفضل استعمال الآليات
المجنزرة التي لا تسير على العجلات المصنوعة من الكاوشوك لان العجلات معرضة للعطل
ولا ننسى بأن سرعة المشاة فوق الأراضي الطينية المبتلة تعرقل سير المشاة حيث يتعرض
أفراد المشاة للانزلاقات ويتعرض أفراد المشاة فوق الأراضي الكارستية التي تحتوي
على أشباه الخرائب والحفر ففي الحرب العالمية الثانية وبالتحديد معركة العلمين
التي خسر فيها رومل المعركة وقررت هذه المعركة مصير الجبهة الافريقية ومن أسباب
خسارة رومل فيها جهلة بطبيعة الظروف القتالية فوق الأراضي الصحراوية.
8- المقدرة في المرور فوق الحواجز الطبيعية وحساب سرعة العبور لمختلف أصناف الجيش
المشترك في المعركة ويتمثل ذلك بسرعة بناء الجسور الكافية والمناسبة لعدد
المقاتلين وأسلحتهم فوق الأنهار أو الاقنية.
9- اختيار المرتفعات الاستراتيجية لإقامة نقاط المراقبة الجوية والقلاع والحصون
عند الممرات الطبيعية ومفارق الطرق فالمرتفعات منذ القدم ماتزال لها أهمية عسكرية
استراتيجية كبيرة فالمرتفعات هي أماكن طبيعية محصنة وبالاضافة لذلك ففي الحرب يلجأ
العسكريون بزيادة تحصينها .
10 -
تساعد الجبال والغابات التي هي عبارة عن مكامن طبيعية عسكرية استراتيجية العسكريين
والثوار والعصاة القليلي العدد على الاستفادة من هذه المكامن فاهتمام الثوار
والعصاة بهذه المكامن يعود لعملهم مخابيء سرية تحميهم من هجمات السلطة الحكومية
حيث تتفوق على الثوار بالجيش المدرب والمسلح ذي الامكانات العالية ومن أمثلة ذلك
الثورة التي حدثت في عُمان وأهمية الجبال والغابات للثوار أيضاً لانه يصعب السير
فيها واستعمال الآليات وأيضاً مدى الرؤية فيها قصير فتساعدهم في القيام بهجوم
مباغت . والغطاء النباتي يعطي وزنا في الحرب
فيغير من ميزان المعركة اذا ما قورن بالأرض الغير مغطاة بالنباتات.
11- اختيار أفضل المناطق لحفر الآبار الإرتوازية للحصول على المياه الجوفية.
الخلاصة
إن أهمية الدراسات الجيومورفولوجية في
الأغراض الحربية لها شأن عظيم فالقائد الناجح لابد له من الخبرة الفطرية والمخبرية
والعملية حتى يتفوق على عدوه فالقائد الناجح يستطيع بخبرته الجيومورفولوجية أن
يدير المعركة بكل سهولة .
مصدر عسكري أسترالي