الأستاذ الجامعي مروان علي جابر كندي من أصل لبناني (من بلدة ديرعْمار قرب طرابلس شمال لبنان). مقيم في مونتريال منذ 20 عاماً. يُدرّس في جامعتي «بوليتكنيك» و «كيبك». وخصصت الجامعة الأخيرة، ومقرها «تروا ريفير» لجابر مختبراً لمتابعة أبحاثه واكتشافاته العلمية والتكنولوجية. نال الدكتوراه في هندسة الإلكترونيات ومعالجة الإشارات الرقميةDigital Signal Processing.
حواسيب «تُفكّر» في الموجات وتردّداتها
أنجز جابر مجموعة من الأبحاث والمحاضرات التي تناولت تطوير الإلكترونيات الدقيقة المستعملة في المجالين المدني والعسكري وتحديثها. أسّس شركة باسمه هي «جابر تكنولوجي»، وسجّل باسمها تسع براءات اختراع في كندا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وتتضمن قائمة تلك الابتكارات:
> تصميم حاسوب لمعالجة الإشارات الرقمية، يتمتع بسرعة قياسية في الدقة والتصويب Accuracy-Resolution. ويستخدم عسكرياً في تحديد الأهداف ومعالجتها في شكل دقيق. كما يمكن استعماله في مجالات الإلكترونيات المدنية، بحيث يزيد من فاعلية التعامل مع الموجات في شبكات الخليوي، من خلال تطوير أسلوب التعامل مع الإشارات فيها. ويؤدي ذلك الى رفع كفاءة استعمال تلك الموجات، بحيث تستطيع الموجة أن تتعامل مع عدد أكبر من المستخدمين. ويعطي ذلك الشركات القدرة على رفع عدد المشتركين معها من دون ان تضطر الى شراء موجات لا سلكية إضافية لشبكاتها. وكذلك من المستطاع استعمال ابتكار جابر في تطوير عمليات تشفير المعلومات، للحيلولة دون اختراق نُظُم المعلومات المتعلقة بالمصارف مثلاً، ولحماية بطاقات الائتمان وغيرها.
> استعمال أسلوب المعلوماتية المتوازية (باراليل كومبيوتنغ) في مجال التعامل مع الإشارات الرقمية. والمعلوم أن الحوسبة المتوازية هي تقنية في استعمال الذكاء الاصطناعي للكومبيوتر بطريقة عالية الكفاءة؛ ما يمكن مثلاً من الاستعاضة عن عمل كومبيوتر خارق، بأربعة حواسيب عادية نسبياً تعمل بطريقة الحوسبة المتوازية. واستطاع جابر تطويع هذا المقترب، ليُستعمل في التعامل مع الإشارات الإلكترونية في الشبكات الرقمية؛ ما يمكن الإشارة إليه بمصطلح «المعالجة المتوازية المتعدّدة للإشارات الرقمية» Parallel Multi-Processing of Digital Signal Processing. وتُساهم هذه الطريقة في الاقتصاد في استهلاك الطاقة، ما يُساعد أيضاً على التخلص من مشكلة السخونة في الأجهزة الإلكترونية ويزيد من كفاءة عملها ويطيل عمر استعمالها.
> اختراع حاسوب يستطيع التعامل بكفاءة مع الصور المنقولة عبر موجات شبكات الاتصالات، ومن دون أن يحتاج الى ذاكرة رقمية ضخمة في إنجاز تلك العمليات المُعقّدة. ومن شأنه أيضاً تأمين نقاوة عالية لتلك الصور.
> ابتكار جهاز شديد الكفاءة لجهة قدرته على عزل الأصوات، بحيث يمكن أن يؤمن مساحة خالية من الضجيج حتى في أمكنة مثل المناجم ومصانع الحديد والمنشآت النفطية وحتى ساحات المعارك العسكرية. ويهدف الجهاز الى حماية الشخص وسط الضوضاء، وتوفير سبل التواصل والاتصال خليوياً ولا سلكياً من دون تشويش. كما يضمن للجندي في المعركة التخلص من الضجيج حوله والتواصل مع قيادته بوضوح، حتى لو كان في ذروة العمل على سطح حاملة الطائرات أو في دواخل محركات المدمرات البحرية أو غيرها.
> تصميم حاسوب يعمل على الأصوات بطريقة ذكيّة، وفق تقنية «تقصي سرعة الأنشطة» («فويس اكتفيتي ديتكشن» Voice Activity Detection). ويستطيع هذا الكومبيوتر التمييز بين أنواع الذبذبات ويحللها، ويفرز تلك التي تصدر من نشاط إنساني (أي الصوت البشري) عن غيرها. وتستعمل هذه التقنية لتنقية الاصوات وزيادة وضوحها ودقّتها.
> حاسوب يُحلّل أنماط الموجات التي يتعامل معها، ما يمكنه من توقّع السلسلة المقبلة منها. فمثلاً، من المستطاع رصد التقلّبات في أسعار البورصة التي تتخذ بياناتها شكلاً متماوجاً، لتوقّع السلسلة الآتية من تلك التقلّبات فيها. ومن الممكن استعمال ذلك الكومبيوتر أيضاً في مجالات عسكرية تشمل أعمال الصواريخ والطائرات والأقمار الاصطناعية. ويمكن الاستفادة منه أيضاً في عمل الشبكات السلكية واللاسلكية.
مشاريع «بالتوازي»
يعمل جابر حالياً على انجاز ثلاثة مشاريع يصفها بـ «الواعدة». يتناول أولها تقنية تُسمى «ماتريكس بارليل ملتي بروسسنغ» Matrix Parallel Multiprocessing، وقوامها معالجة جداول كبيرة من الأرقام بحيث تتوزع على مجموعة من الأدمغة الإلكترونية التي تُنسّق عملها بأسلوب «الحوسبة المتوازية»، ما يرفع سرعة التعامل معها بصورة هائلة. والمعلوم أن الكومبيوتر «يُفكر» في كل الأشياء باعتبارها سلاسل من أرقام، ولذا يؤدي تطبيق أسلوب الحوسبة المتوازية على جداول الأرقام إلى تسريع تطبيق العمليات الحسابية عليها. ويرى جابر أن أهمية هذا المشروع في قدرته على معالجة الصور، خصوصاً تلك التي تتطلب تعاملاً فورياً معها كحال الرادارات التي ترصد الأشياء وتحدد تحركها. كما يمكن الحاسوب عينه معالجة صور الأشعة الطبية، بحيث «ينظر» إليها من زوايا متعددة لزيادة الدقّة في تشخيص المرض ومتابعته. ويتوقع جابر أن ينجز هذا المشروع في غضون الأشهر القليلة المقبلة. ويركّز المشروع الثاني على البيئة. ويلاقي دعماً من حكومة أفريقيا الجنوبية. ويهدف الى صناعة جهاز يحدّد أمكنة وجود الحيوانات البرية لحمايتها ومتابعة ما ينتابها من متغيّرات مثل المرض والصيد، سعياً وراء تحسين أنسالها وتأمين سلامة تكاثرها وعيشها.
ويتصل المشروع الثالث بعمليات مثل التنقيب عن النفط وكشف السيارات المفخخة والمخدرات المهرّبة والمتفجرات وميكروبات المواد الغذائية وغيرها. كما يساعد في مكافحة مرض السل، بمعنى انه يستطيع توجيه موجات لتضرب الخلايا المصابة بجرثومة السل، من دون إلحاق أذية بالخلايا السليمة.
وإضافة الى تلك المشاريع، يعمل جابر على مشروع يتعلق بأشعة الليزر. ويصبو لاستخدامها في تحليل المواد الغذائية ومعرفة مصدرها وتاريخ صناعتها وتحديد محتوياتها والتعرّف الى صلاحيتها ومدى مطابقتها المواصفات المطلوبة.
وأخيراً، يتحدث جابر بحماسة عن «مخزون كبير من الأحلام المتكسرة التي لم تنطفئ جذوتها بعد»، بحسب تعبيره. ويعطي مثالاً عنها المشاريع التي قدمها الى مصر والكويت والسعودية ولبنان والبحرين وغيرها. وتتضمن مشاريع لإنشاء نظام اتصالات متطور وشبكة عصرية للإنترنت والفاكس والخليوي وتغطية الاتصالات في الدول العربية بالقمر الاصطناعي. ويعتبر ان التعامل مع البلاد العربية «غير مجد وغير مشجع»، بخلاف الحال مع الدول الأجنبية. وأعرب عن قناعته بضرورة حصول «تغيير جذري في سياسة الابتكار والإبداع عربياً... من دون ذلك، سيبقى العالم العربي متخلفاً عن ركب الحداثة والعصرنة والتطور، ويستمر قابعاً في اسفل المنظومة الرقمية... ان معظم ما يستورده العرب من أنظمة دفاعية عسكرية أو من منشآت صناعية استراتيجية يبقى سرها العلمي والتكنولوجي في يد من يصنعها وليس من يستهلكها».
المصدر
جريدة الحياة اللندنية