خفايا حركة الانقلاب الفاشلة في السودان:إسقاط النظام والانسحاب من الجامعة العربية وإعلان السودان دولة افريقية
كتب خالد محمد علي في صحيفة الاسبوع المصرية التقرير التالي:"أمريكا وتشاد أعدتا المؤامرة بالقصر الجمهوري.. والعدل والمساواة قامت بالتنفيذ
• تشكيلات الشرطة والجيش بمعاونة الأهالي تصدوا للمحاولة ومنعوها من دخول الخرطوم
• هدف المخطط: إسقاط النظام.. الانسحاب من الجامعة العربية وإعلان السودان دولة افريقية
• توقع هجمات أخري في الفاشر والجندية ونيالا قريبا
• 300 عربة مسلحة مزودة بهواتف 'الثريا' ومركز قيادة متقدم تابع المحاولة عبر الأقمار الصناعية
وفي ذلك كله، لم يكن متمردو العدل والمساواة يمزحون، أو يعبرون عن أحلام يقظة تراودهم منذ زمن، لكنهم كانوا يعلنون عن بدايات تنفيذ خطة شاملة وضعت بالخارج، وتسلموا الاموال والاسلحة التي تمكنهم من تنفيذها بمجرد وصولهم الي العاصمة.. كانوا يحملون وثائق ترسم بوضوح مستقبل السودان، وخرائط تقسيمه، بل وصورا للرئيس الجديد للبلاد، ونصا لخطاب يفترض أن يلقي علي الشعب حول المرحلة القادمة وما تفرضه من اجراءات استثنائية. وكعادة الانقلابيين، تم التحرك باتجاه مقري اذاعة الخرطوم والقصر الجمهوري، أملا في نجاح سريع لمغامرتهم، لكنهم تجاهلوا العامل الاكثر حسما، وهو الشعب السوداني نفسه، الذي فاجأهم بموقف لم يتوقعوه، وهو مشاركته القوات الحكومية في الذود عن نظام الإنقاذ الوطني.. كان الموقف مفاجئا لأن الشعب السوداني كان يتعامل مع الانقلابات السابقة - وربما باستثناء ثورة 1985 - بشيء من الحياد، وهو أمر اختفي تماما في الاحداث الاخيرة اذ تسابق المدنيون لإحباط تقدم المتمردين، مقدمين للقوات الحكومية فرصة انهاء الازمة واعادة الاستقرار الكامل الي العاصمة.
• تفاصيل ما جري
تفاصيل المحاولة الانقلابية، التي تنفرد 'الاسبوع' بنشرها كاملة، بدأت خارج الحدود السودانية وتحديدا في القصر الجمهوري التشادي، عندما اتفق الرئيس ادريس ديبي وصديقه خليل ابراهيم زعيم العدل والمساواة علي اسقاط نظام البشير، ردا علي ما تشيعه انجامينا عن دور للأخير في دعم محاولة الانقلاب التي شهدتها تشاد قبل شهور وكادت تطيح بديبي ونظامه لولا التدخل الغربي و(الفرنسي بالذات) لإنقاذه. وتضمن هذا الاتفاق أن تزود الحكومة التشادية المتمردين بالضباط والجنود و العربات الحديثة والاسلحة والاموال اللازمة لإنجاح محاولتهم.
وحسب المعلومات التي قدمها مصدر سوداني مطلع ل'الاسبوع' فقد كانت الولايات المتحدة علي علم بالمخطط وانها دعمته بقوة، املا في تحقيق اهدافها الاستراتيجية بالسودان والتي لخصها وزير الدولة للشئون الخارجية السوداني علي كري في تقسيم البلاد الي خمس دول (شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط)، بمجرد الاطاحة بنظام البشير.. مخطط الانقلابيين كان يهدف أيضا الي تشكيل حكومة مؤقتة وتسليم كبار المسئوليين السودانيين للجهات الدولية بزعم ارتكابهم جرائم ابادة جماعية، ووقف العمل بالدستور، واعلان انسحاب السودان من الجامعة العربية باعتبار أنها دولة افريقية لا علاقة لها بالعرب، هذا فضلا عن فتح دارفور وكل السودان أمام محققي المحكمة الجنائية الدولية والقوات الدولية دون حد أقصي.
ومعروف أن حركة العدل والمساواة التي تتمركز في دارفور وتلعب دورا معروفا في الحفاظ علي حالة التوتر في الاقليم، ترتبط بعلاقات وثيقة مع النظام التشادي، اولا لانتماء معظم عناصرها لقبيلة الزغاوة كبري قبائل دارفور و التي تمتد الي تشاد وافريقيا الوسطي، وينحدر منها الرئيس التشادي وأركان حكمه، ثم لدورها الكبير في حماية نظام ديبي خلال الانقلاب الاخير.
ومما عزز من علاقة تشاد بالحركة، أن زعيمها خليل ابراهيم كان علي الدوام من المعوقين لكل محاولات تسوية الازمة القائمة في دارفور، وابرزها اتفاق السلام في ابوجا في مايو 2006، حيث تهرب ابراهيم، ومعه عبدالواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان، من توقيع الاتفاق قبيل ساعات من الاحتفال الرسمي بالتوصل اليه، وهو حدث يعتبره ادريس سليمان، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية بسفارة السودان بالقاهرة، دليلا علي ان الرجل يتحرك بأوامر واشنطن التي تعمل لإدامة الصراع في الاقليم، تمهيدا لفصل غرب السودان عن الحكومة المركزية في الخرطوم.
المدهش أن خليل نفسه كان متحالفا مع حكومة البشير حينما اعتمدت علي ابناء الزغاوة في الحرب ضد الجنوبيين. كما انه كان من ابرز قادة الجبهة الاسلامية، ولقب بأمير المجاهدين تقديرا لمشاركاته الفاعلة في هذه الحرب، ويرتبط خليل بعلاقات وثيقة مع الدكتور حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي والحليف السابق للرئيس البشير، علما بانه تولي في عهد الترابي منصب وزير الصحة الولائي.
أما في الوقت الراهن، فلا يعترف رئيس العدل والمساواة بالنظام الحالي ويرفض باستمرار الدخول في مفاوضات معه بزعم انه نظام لا يحترم تعهداته، كما أنه يختلف جذريا مع سياسات حكومة الانقاذ، ويؤكد أن هدفه هو اسقاطها 'نصرة للمهمشين في الجنوب والشرق والغرب'، وهو خطاب شبيه بما كان ينادي به الراحل جون قرنق الذي دعا لإقامة سودان جديد تحكمه القبائل الافريقية.
كان يمكن لخليل ابراهيم، الذي يصفه الرئيس عمر البشير دائما بالخائن والعميل، ان يصبح رئيسا للسودان لو سار الانقلاب الاخير في الطريق الذي رسم له في انجامينا، وكان يتضمن قيام الانقلابيين فور دخولهم الخرطوم بإزالة صور البشير من كل مكان ووضع صور زعيم العدل والمساواة مكانها، مع وضع توقيعه علي عدد من الاجراءات الاستثنائية مثل الحكم بإعدام كبار المسئولين وكوادر حزب المؤتمر الحاكم والقضاء علي كل القيادات العربية والافريقية خاصة أبناء دارفور الذين انتموا للحزب الحاكم.
ورغم ان مقدمات الانقلاب كانت تشير الي وجود فرصة كبيرة لنجاحه، حيث تمكن المتمردون من السيطرة الكاملة علي مدينة أم درمان واقتربوا كثيرا من القصر الرئاسي، بعد جولة من حرب الشوارع مع القوات الحكومية والسكان، الا أن النتائج النهائية جاءت لصالح الحكومة التي تمكنت من بسط سيطرتها علي العاصمة، منهية حالة الغموض التي أحاطت بمستقبل البلاد عدة ساعات .
كان الوضع خطيرا، باعتراف مصدر سوداني قال ل 'الاسبوع': ان تسليح المتمردين كان حديثا، معتبرا أن الاخطر من ذلك هو الشجاعة اللافتة التي ميزت حركتهم داخل العاصمة، واقر المصدر نفسه بان المتمردين نجحوا في مفاجأة الحكومة وارباكها لبعض الوقت، لكن التدخل الحاسم للجيش السوداني كان عاملا فاصلا في الانهاء السريع لهذه الازمة.
• شواهد علي المؤامرة
تشير وقائع المعارك التي جرت بين المتمردين والجيش السوداني الي ما كان يمكن أن يصيب الخرطوم اذا استمرت الازمة أكثر من ذلك.. لقد قام المتمردون مثلا بنسف عدد من المنازل وتدميرها بمن فيها لمجرد ان جنود الجيش احتموا بها، كما انهم كانوا يحملون أسلحة حديثة، ويتحركون ب300 عربة عسكرية مزودة بهواتف ثريا مرتبطة بالاقمار الصناعية، ما يعني ان جهة خارجية كانت تتابع الحدث لحظة بلحظة.
و يقول المسئول السوداني: 'انه سيناريو شبيه بما قامت به قوات الاحتلال الامريكي لحظة دخولها بغداد عام 2003، كان يمكن لهذا السيناريو أن يشعل حروبا أهلية طاحنة بين جميع الأعراق السودانية. والحق أن التشابه لا يتوقف عند هذا الحد فقد قامت حركة العدل والمساواة بشيء أخر قريب بما قامت به البشمركة الكردية عندما حاولت استنزاف الجيش العراقي بعمليات خاطفة في الشمال قبيل الغزو مباشرة'.
ويضيف المسئول نفسه: 'قاموا بفتح جبهة قتال في ولاية كردفان قبيل اقتحامهم الخرطوم ب 3 أيام، مما استدعي نقل وحدات عسكرية كبيرة الي هناك وقد تصدي الجيش لهم واجبرهم علي الانسحاب، لكنه أفرغ مساحات كبري حول العاصمة أمام الموجة الثانية للهجوم المخطط له في تشاد'.
تصور العسكريون السودانيون أن الانتصار في معركة كردفان قد بدد الخطر، فدخلوا في حركة استرخاء فيما كان المتمردون يتحركون ب 300 عربة مسلحة ومزودين بهواتف الثريا المرتبطة بالاقمار الصناعية وقال المصدر إن عملية التنسيق دلت علي ان هناك مركز قيادة عالي القدرات كان يقوم بتوجيه القوات لطرق التفافية بعيدا عن الوحدات العسكرية واتهم المصدر الولايات المتحدة التي لديها عدد من المراقبين ورجال المخابرات علي الحدود مع تشاد وفرنسا صاحبة النفوذ الأكبر في تشاد بلعب دور رئيسي في تزويد القوات الغازية بالعربات الحديثة والأسلحة والمعلومات وتنيسق العمليات عبر الاقمار الصناعية وقامت تشاد بتزويد حركة العدل والمساواة بالضباط والجنود الذين شكلوا عصب العملية. وأوضح المصدر أن جهاز المخابرات السودانية قدم معلومات وافية عن تحرك مجموعات خليل إبراهيم واستهدافهم العاصمة وسلمت المعلومات تفصيلا إلي القيادات العسكرية التي لم تأخذ الأمر مأخذ الجدية واعتبرت أن هزيمة الحركة عسكريا في كردفان لن يمكنها من القيام بعمل عسكري آخر قبل مرور عدة شهور ولكن المفاجأة كانت في اعتماد الموجة الثانية التي استهدفت العاصمة علي المرتزقة التشاديين وبهذه الاعداد الكثيفة.
واعترف المسئول بنجاح الهجوم في تدمير عدد من المؤسسات السودانية منها مستشفي 'مبدي' وقبة الامام المهدي وجزء من السلاح الطبي وعشرات المنازل ومئات السيارات وقال إن الهجوم الذي اعتمد عنصر المباغتة تصدت له داخل أم درمان تشكيلات الشرطة والمخابرات بشكل اساسي والمواطنون الذين تعاونوا بشكل غير مسبوق اضافة إلي بعض الوحدات العسكرية، وقال إن عشرات العربات نجحت في الافلات وعادت إلي الحدود التشادية ومما يزيد الأمر سوءا أن هناك عددا كبيرا من المتمردين تسللوا إلي داخل البيوت السودانية ويشكلون خطورة كبري علي الأمن في العاصمة علي الرغم من التعاون الكبير الذي ابداه المواطنون الذين تقدموا بأكثر من عشرين ألف بلاغ لأجهزة الأمن عن مشبوهين، وكشف المصدر عن بدء تحقيقات سرية مع قيادات عسكرية وأمنية لتحديد المسئولية عن الثغرة الأمنية التي نجح المتمردون في استغلالها وتنفيذ مخططهم من خلالها.
وكانت مصادر سودانية قد تحدثت عن خلافات بين أجهزة الأمن والقوات المسلحة بدأت قبل العملية الأخيرة حيث يري العسكريون أن جهاز الأمن السوداني يتنامي دوره بشكل كبير علي حساب الجيش وأن العملية الأخيرة تعمدت أجهزة الأمن ادارتها بشكل شبه منفصل عن القيادة العسكرية، ما منح المتمردين الفرصة لمفاجأة الجميع بهجومها.
• البشير يعد بالنصر
توقع المصدر تكرار ما قامت به الحركة في مدن أخري خاصة في الفاشر والجنينة ونيالا عواصم ولايات دارفور الثلاث خاصة أن الدعم البشري لا ينقطع من تشاد كما أن الدعم العسكري والتقني والمادي لا يتوقف من واشنطن وباريس ودول الغرب، وأكد أن الحكومة سوف تقبل الدخول في مفاوضات مع الحركة رغم حالة السخط الشعبي العام في الشارع السوداني، وكان الرئيس البشير قد رفض التفاوض مع خليل إبراهيم لانه خائن وعميل وتساءل أمام اكثر من ٠٧ ألف مواطن أمام مقر القيادة العامة من اين جاء إبراهيم بالعربات الحديثة والأسلحة والهواتف الدولية؟! وقال البشير: إن النظام التشادي ساند بالجنود وهو نظام فقير لا يملك تمويل هذه العملية وتوعد البشير النظام التشادي بالرد علي محاولة استهداف نظامه، كما وعد السودانيين بالنصر الشامل علي حركات التمرد التي لم تعمل يوما لصالح قضية دارفور ولكنها تنفذ اجندة خارجية.
أما حركة العدل والمساواة فذكرت علي لسان محمد آدم المسئول الاعلامي بمكتب القاهرة أن تشكيل واعلان حكومة مؤقتة لم يكن سريا وتم ابلاغ الاحزاب السياسية الكبري به.
وقال آدم إن المحاولة الحقت اضرارا بالغة بالنظام السوداني لأنها اثبتت فشله في حماية العاصمة، وقال: كان في مقدور الحركة تدمير الكباري التي سيطرنا عليها ومبني الاذاعة والتليفزيون ولكننا رفضنا تدمير مؤسسات الدولة وأكد آدم أن نسبة الخسائر لم تتجاوز ٠٢٪ من قوات الحركة وان ٠٨٪ عادوا إلي دارفور في الجزء الأكبر منه وتحتضن الجماهير الباقي.
وقال آدم إننا طورنا وخططنا وسوف تستهدف صناع القرار في مراكزهم وأن حرب المدن هي استراتيجيتنا في الأيام القادمة وعلي المستوي السياسي نحن الحركة الوحيدة التي نجحت في الوصول إلي العاصمة وهو ما فشلت الحركة الشعبية في الجنوب التي شكل زعيمها جون قرنق لواء الشمال لدخول العاصمة ولكنه فشل منذ عام ٣٨٩١ وحتي توقيع اتفاق السلام في ٥٠٠٢.
واعترض آدم علي أن ماقاموا به يعتبر انتحارا جماعيا لان الأهداف السياسية والعسكرية تحقق جزء كبير منها وقال إن شباب الحركة شاركوا بهذه الروح لأنهم شاهدوا امهاتهم وآباءهم واخوتهم يذبحون أمام اعينهم كما حرقت قراهم وزروعهم فلم يبق لهم شيء يخافون عليه حتي لو كان حياتهم.
وشدد آدم علي أن الحرب الحقيقية لاسقاط النظام قد بدأت وأن الأيام القادمة سوف تشهد مفاجآت مفرحة للشعب السوداني.
وكان عبدالمنعم مبروك السفير السوداني بالقاهرة قد حذر من طابور خامس في العاصمة يعمل لحساب حركة العدل والمساواة وقال علي الرغم من القضاء بشكل تام علي المرتزقة التشاديين إلا أن الحذر واليقظة مطلوبتان لأن العملية اعتمدت علي دعم من داخل العاصمة. ومن المعروف أن أم درمان يقطنها مليون زغاوي تقريبا ويري المراقبون انهم لم يقدموا أي مساعدة للتمرد لانحيازهم للاستقرار خاصة أن معظمهم يعمل بالتجارة وهم في الأصل هاربون من جحيم الحروب في دارفور".
المصدر
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-128640.html