الأورانيوم المنضب فهو، كونه قابل للالتهاب، يشتعل عند الصدمة أو إذا لامسته النار. ويسهل العمل عليه أكثر
لأن درجة ذوبانه هي عند 1132 درجة مئوية. وهو يمنح مجاناً لمصنعي الاسلحة لأنه من النفايات النووية. أضف الى
ذلك أنه يخفف كثيراً من مشكلة تخزين النفايات النويية كونه يستخدم في تصنيع تشكيلة كبيرة من الاسلحة.
وبإمكان هذا السلاح أن يخترق في ثواني معدودة عشرات الأمتار من الاسمنت المسلح او من الصخور. ورأس المقذوفة المصنوع
من الأورانيوم المنضب يكون مزوداً بمفجر مضبوط بواسطة جهاز كمبيوتر يحدد كثافة المادة المخترقة فيصبح شحنة متفجرة
تنطلق على عمق محدد سلفاً أو بمجرد بلوغها "الفراغ"، وكل ما يتواجد في هذا "الفراغ" يتحول في ثواني معدودة مسحوقاً
أسود نتيجة احتراق الأورانيوم المنضب، إلا أن هذا الأخير يتحول في الوقت نفسه الى مسحوق أوكسيد الأورانيوم. وإذا
ما كان 30 في المئة فقط من الأورانيوم المنضب الموجود في "المقذوفة الخراقة" من عيار 30 ميلليمتراً يتأكسد
فان أورانيوم الصاروخ يتأكسد بنسبة 100 في المئة. ومعظم الغبار المتولد في هذه الحالة يكون بقياس أقل من 1.5
ميكرون ويكون بالتالي قابلاً للاستنشاق.
وترى حفنة من الباحثين في هذا المجال أن الجدال الذي أثاره استخدام أسلحة الأورانيوم المنضب خلال حرب كوسوفو قد
انحرف عن هدفه. فبدلاً من التساؤل فيه عن طبيعة الأسلحة التي استخدمت على غالبية الأهداف (تحت الأرض في الجبال)
والتي وافق عليها الحلف الأطلسي، فقد تركز على مسألة القذائف الخراقة من عيار 30 ميلليمتراً المضادة للمدرعات،
التي وافق عليها الحلف الأطلسي والتي لا فعالية لها ضد التحصينات التحت أرضية. لكن طالما ان النقاش بقي محصورا
بهذه القذائف الخراقة المضادة للمدرعات كان الحديث يدور حول أسلحة لا يتعدى الثقيل الوزن من بينها
(عيار 120 ميلليمتراً) الخمسة كيلوغرامات. في المقابل ان الشحنات المتفجرة المصنوعة من الأورانيوم المنضب من انظمة
القنابل الموجهة التي استخدمت في أفغانستان يصل وزنها الى طن ونصف الطن في حالة قذائف "بانكر باستر"
(GBU-28) التي تصنعها شركة رايثيون[4].
وفي جنيف حيث تتمركز منظمات التعاون الانساني العاملة في أفغانستان أثار تقرير السيد داي وليامز ردات فعل متنوعة
جداً. وإذا كان الناطق باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة تنسيق الشؤون البشرية قد كلف نفسه
عناء نشره، فان القادة الرئيسيين لم يبدوا أي قلق. فقط منظمة أطباء بلا حدود وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يخشون
كارثة صحية وبيئية في المدى المنظور.
وقد نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية على التوالي في آذار/مارس ونيسان/أبريل عام 2001
تقريرين مهمين، كثيراً ما يستشهد بهما المتمسكين بالموقف غير المعارض للأورانيوم المنضب، بدءاً من البنتاغون الذي يشدد
على استقلالية وحيادية هاتين المنظمتين. وفي اي حال فان تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة واهيا في أحسن الاحوال فيما
تقرير منظمة الصحة العالمية لا يوحي بالثقة.
فزيارة برنامج الأمم المتحدة الى كوسوفو التي على اساسها وضع تقريره قد نظمت على أساس أذونات من الحلف الأطلسي
الذي رافقت قواته الباحثين لحمايتهم من الذخائر غير المتفجرة ومن ضمنها الذخائر الثانوية من نوع القنابل الانشطارية.
وما اكتشفه السيد داي وليامز هو أن هذه الذخائر كانت تحمل على أكبر تقدير شحنات مفرغة من الأورانيوم المنضب.
ولا بد أن هذه القوات قد منعت اي اقتراب من هذه الأسلحة الثانوية حارمة بذلك البعثة اكتشاف وجودها.
كما انه، بحسب ما بات معلوماً الآن خلال الاشهر الستة عشر التي سبقت زيارة برنامج الأمم المتحدة، ارسل البنتاغون على
الأرض عشر فرق مراقبة على الأقل بذلت جهوداً جبارة للقيام بأعمال التنظيف[5].
ولم يستطع البرنامج أن يكتشف الا 11 قذيفة من اصل 8112 "قذيفة خراقة" مضادة للمدرعات أطلقت على المواقع التي تمت
زيارتها علماً أن معدل القذائف غير المنفجرة مرتفع نسبيا. كما ان كمية الغبار التي امكن تحديدها مباشرة في
النقاط المفترض أنها أصيبت بهذه الأسلحة جاءت ضئيلة جداً بعد ثمانية عشر او عشرين شهراً من استخدامها.
أما بالنسبة الى منظمة الصحة العالمية فهي لم تقم باي دراسة وبائية بالمعنى الصحيح للكلمة، بل بمجرد دراسة
أكاديمية. فهي إذ خضعت لضغوطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اكتفت باجراء ابحاث على الأورانيوم
المنضب كمعدن ثقيل يلوث كيميائياً. وإذ علمت في كانون الثاني/يناير عام 2001بالمقال الأساسي الذي نشرته صحيفة
"لوموند ديبلوماتيك" والذي اتهم منظمة الصحة العالمية بعدم الفعالية[6]،
عقدت هذه المنظمة مؤتمراً صحافياً لتعلن عن إنشاء صندوق برأسمال مليوني دولار، وقد يصل الى 20 مليون دولار،
من اجل القيام بأبحاث على الأورانيوم المنضب. وبحسب الدكتور ميكاييل ريباشولي فان التقرير حول هذا الموضوع،
وهو قيد الاعداد منذ آب/اغسطس عام 1999 وقد كلف به عالم الجيولوجيا البريطاني باري سميث، سوف يتوسع في مسألة
التلوث الاشعاعي. وقد اوضح أن الدراسات المحتملة ستشمل إجراء تحاليل على بول بعض الأشخاص المصابين بالورانيوم المنضب
ستجرى بطريقة تساعد على تحديد درجة الاصابة.
لكن هذه "الدراسة الاحادية" المقصودة والتي نشرت بعد حوالى عشرة اسابيع، لم تكن سوى نظرة سريعة على منتخبات من
النصوص المصطنعة المتوفرة. فمن بين مئات آلاف التقارير الفردية التي نشرت منذ نهاية حرب 1939 - 1945 والتي كان
ينبغي التدقيق فيها، لم يذكر التقرير الا تلك المخصصة للتولث الكيميائي، الا في حالات استثنائية قليلة. أما
التقارير القليلة التي استعين بها والمخصصة للتلوث الاشعاعي فقد كانت صادرة اما عن البنتاغون واما عن مؤسسة
الابحاث المقربة من البنتاغون،"راند كوربوريشن". فليس مستغرباً في هذه الحالة عدم إثارة التقرير قلق احد.
وأخيراً جاءت التوصيات في التقريرين تعبر عن تفكير سليم ولم تحد ابداً عن النصائح التي عبرت عنها من قبل منظمة
الصحة العالمية منذ نهاية الحرب، والتي كررتها باستمرار المنظمات الانسانية العاملة على الأرض، كأن يصار مثلاً الى تحديد
معالم المواقع المكتشفة وجمع القذائف الخراقة بقدر الامكان وايلاء الانتباه بنوع خاص الى الأولاد لمنعهم من الاقتراب
من المواقع الملوثة، مراقبة مياه بعض الآبار قدر الامكان،الخ.
ويمكن إيجاز جوهر القضية في نقطتين رئيستين:
- ان الاشعاع الصادر عن الاورانيوم المنضب يشكل تهديداً للجسم لأنه لدى تنشق غباره يصبح داخلي المصدر. والحال
ان المعايير الدولية للحماية من الاشعاعات، والتي يستند اليها "الخبراء" للتأكيد على ان الاورانيوم المنضب غير مؤذٍ،
لا تتناول الا الاشعاعات ذات المصدر الخارجي.
- مسألة "الاورانيوم الملوث" الذي يعود الى تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئة الفضل في كشفه. فاورانيوم
المفاعلات النووية الذي يعاد تصنيعه كذخيرة يحتوي في الواقع جميع العناصر السامة الى أقصى الحدود، مثلاً
البلوتونيوم الذي يكفي 1،6 كيلوغرام منه لقتل 8 مليارات شخص. فبدلاً من الحديث عن الأورانيوم المنضب، يبدو
من الأنسب الكلام عن "الأورانيوم الوفير" (اورانيوم+).