قد لا تصدق أن رجلا بدأ يظهر منذ 5 أشهر كأخطر محرّض على إسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، لا يبقى في جيبه فلس واحد من راتبه الشهري، لأنه قليل وهو معيل، ويضطره إلى شراء الجلابية التي يرتديها طوال 10 سنوات بأقل من 3 دولارات.
بتلك الجلابية يطل الشيخ السوري عدنان العرعور 5 مرات بالأسبوع من قناتين تلفزيونيتين وعلى رأسه وشاح أبيض ليحقن السوريين بشحنات من الثورة على النظام، مع أنه كان طوال عشرات السنين يحذر من الانتفاض عليه، كما يحذر السوريين من اللجوء لاستخدام أي سلاح ضد النظام، سوى سلاح اللاعنف.. هكذا هو "مهاتما سورية" بامتياز.
وتحدثت "العربية.نت" إلى الشيخ العرعور طوال 3 أيام مضت بالتقسيط، لأن الدنيا رمضان وهو لم يكن في السعودية التي يقيم في عاصمتها منذ غادر سورية قبل 37 سنة، بل في القاهرة حيث مقر قناة "صفا" التليفزيونية التي يطل عبرها 3 مرات بالأسبوع، وكذلك مرتين أسبوعيا عبر نظيرتها "وصال" التي تبث أحيانا من تركيا فضلا عن القاهرة، ليحرّض ويحذر السوريين من اللجوء إلى السلاح في الثورة، لأنه يكره العنف والتطرف والمزايدات.
يلح الشيخ العرعور على سياسة اللاعنف دائما، ويقول: " أتحدى أيا كان أن يثبت بأني حرضت على استخدام العنف في أي تصريح لي أو حديث تليفزيوني، وأقول دائما إننا نريدها سلمية، ولولا رسائلي اليومية الى الشباب الثائرين لربما غطت الدماء الركب في سورية" مشيرا بذلك إلى أن اعتماده سياسة اللاعنف التي اشتهر بها المهاتما غاندي كأسلوب لمقاومة الاستعمار البريطاني، وحققت للهند استقلالها، هي ما يحث السوريين عليه دائما.
اسأل ما شئت وسأجيب
وكشف الشيخ عدنان العرعور أثناء حديثه إلى "العربية.نت" عبر الهاتف من القاهرة الكثير مما قال إنه "أسرار" يرويها لأول مرة ولا تعرفها سوى زوجته وأولاده منها، وهم 3 بنات و8 أبناء أبصروا النور جميعهم في الرياض، لكنهم مثله لا يحملون سوى الجنسية السورية.
ومن "أسرار" الشيخ العرعور انه ربما يكون أفقر ساكن في حي "الملز" بالرياض، وهو حي شعبي بطعم المتوسط ويطمح ساكنوه لأن يعود الى ما كان عليه من أمجاد في الزمن القديم "لأن الملز كان أول حي راق في السعودية كلها حين بنوه وقاموا بتأهيله للسكن قبل 50 سنة" كما يقول الشيخ الذي لم يقم بزيارة سورية منذ غادرها في 1974 للعمل مدرسا بالرياض، أي بعد عامين من تخرجه بالعلوم والتربية من جامعة حمص، لا جامعة دمشق كما يكتبون.
سموه "الملز" لأن مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز، كان "يلز" الخيل، أي يلصقها بجانب بعضها البعض في السباق "حيث كانت أرض الحي ميدانا للتنافس قرب جبل أبو مخروق" طبقا لما كتبوا عن الحي الذي يقيم فيه الشيخ ببيت من 3 غرف نوم يضمه وزوجته و8 أبناء. أما بقية أبنائه، وهم بنت وابنين، فتزوجوا وأصبحت لهم بيوتهم.
ذلك البيت "متواضع أكثر مما تتصور" وفق تعبير الشيخ المولود في 1948 بمدينة حماة في الوسط السوري، وهي المدينة التي ولدت فيها زوجته أيضا. وفي غرفة من ذلك البيت ينام أولاده الستة، وفي الثانية ينام هو وزوجته وابنته. اما الثالثة فجعلها مكتبا لعمله الذي كان وما يزال مخصصا كليا للكتابة بالشؤون الاسلامية البعيدة عن أي تطرف.
العيش في القرن 21 بزهد السلف الصالح
لكن الثورة السورية غيرت من حياة الشيخ ومن عمله وتفكيره أيضا، وبدلا من أن يظل يقارع "متطرفي الشيعة" ونظرائهم من الصوفيين على الشاشات كما اعتاد في السنوات الأخيرة، فانه أضاف الى هذا النشاط، كما إلى عمله كمدير علمي للبحوث والنشر في الرياض، مهمة جديدة هي تحريض السوريين على الثورة المصبوغة بدم الثائرين.
مع ذلك، راح يهتف لهم عبر التليفزيونات ويحثهم على الاستمرار بإسقاط النظام، ولكن من دون أن يريقوا أي نقطة دم، فاشتهرت التظاهرات السورية على نظام الأسد بهتافات "سلمية سلمية" لشدة تأثر المشاركين فيها بنصائحه في اعتماد سياسة اللاعنف التي يؤكد حتمية انتصارها "على أعتى نظام عربي حتى إسقاطه بعد الآن بشهرين على الأكثر" كما يعتقد.
ومع أن الشيخ العرعور لا يحب أن يسأله أحد عن حياته الخاصة، الا أن "العربية.نت" أقنعته بعد جهد جهيد بأن يتكرم بالمعلومات بعض الشيء ليعطي صورة شافية ووافية عنه شخصيا "والا فإن شكوكا ستساور القراء عن حجم ومصدرالتمويل المالي لكل هذا النشاط التحريضي" وفق ما أبلغناه، فتنهد ورد على التحدي وقال: "اذن، اسأل ما شئت وسأجيب" وأقسم بالله العظيم على صدق ما قال.
ومعظم ما قاله، وننشره في الحلقة المقبلة، يثير الاستغراب، ويكشف أن الشيخ العرعور يعيش في القرن الواحد والعشرين مستخدما ما فيه من تكنولوجيا وإعلام تليفزيوني متقدم كسلاح على التحريض الثوري المسالم، إلا أنه متى انفرد الى نفسه في دورة الحياة اليومية فانه يعيش ضاربا الدنيا واغراءاتها بعرض الحائط، تماما كما السلف الصالح قبل أكثر من 1400 عام.