التأزم في العلاقات المصرية الامريكية ...
تتجه العلاقات المصرية ـ الامريكية نحو مرحلة جديدة من التأزم، بدأت مؤشراتها خلال زيارة الرئيس جورج بوش الاخيرة لشرم الشيخ، ومقاطعة الرئيس مبارك لخطابه الذي القاه في الاجتماع السنوي الشرق اوسطي للمنتدي الاقتصادي الدولي في المنتجع المصري المذكور.
الرئيس مبارك قاطع خطاب الرئيس الامريكي لسببين، الاول لان الاخير لم يحضر خطاب الرئيس المصري في المنتدي نفسه، والثاني، وهو الاهم، توجيه الرئيس بوش اهانات قوية للنظام المصري، عندما انتقد سجله لحقوق الانسان، وقال تلميحا ان هناك رئيسا يحكم، ومعارضة في السجون، في اشارة الي المعتقلين السياسيين المصريين، وعلي رأسهم السيد ايمن نور زعيم حزب الغد والمنافس علي الرئاسة في الانتخابات الاخيرة.
ولقيت هذه المواقف ارتياحا كبيرا في الشارع المصري الذي لا يكن غير الكراهية للولايات المتحدة ورئيسها، وسياساتها الخارجية المنحازة بالكامل لاسرائيل والناشرة للفوضي الدموية في المنطقة خاصة في العراق. ولكن هذا لا يعني ان هذا الشارع لا يريد الديمقراطية والاصلاحات السياسية والغاء حالة الطواريء.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان يفتح الاعلام الرسمي المصري نيران مدفعيته الثقيلة ضد الرئيس بوش وادارته، مستندا الي خطابه الذي القاه في الكنيست الاسرائيلي، وامتدح فيه الدولة العبرية وانجازاتها، دون ان يتطرق بكلمة نقد واحدة الي مجازرها وحصاراتها التي تفرضها علي الشعب الفلسطيني، او يطالب بوقف العمليات الاستيطانية.
هذه المواقف المنحازة بالكامل لاسرائيل، والامتناع عن ممارسة اي ضغوط عليها لدفع العملية التفاوضية مع الفلسطينيين الي الامام ربما تكون هي السبب وراء رفض الرئيس مبارك المشاركة في قمة خماسية تعقد بحضور الرئيس الامريكي في شرم الشيخ، وبمشاركة العاهلين السعودي والاردني، علاوة علي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت.
ومن المؤكد ان الرئيس مبارك يدرك جيدا المخاطر التي يمكن ان تترتب علي تدهور علاقاته مع الادارة الامريكية الحالية، وخاصة علي صعيد مشروع التوريث الذي يتطلب موافقة واشنطن ودعمها، وكذلك علي مسألة المساعدات السنوية الامريكية لمصر التي تبلغ ملياري دولار. ويبدو ان كيله طفح، ولم يعد قادرا علي الصبر تجاه السياسات الامريكية المحرجة لحلفائها في المنطقة بحروبها الدموية في العراق والمساعدة العلنية لاسرائيل فقرر التمرد، والخروج عن فضيلة الصمت التي تحلي بها لسنوات عديدة.
وهناك من يري ان الرئيس مبارك ادرك ان واشنطن تخطط مع اسرائيل لشن حرب جديدة في المنطقة ضد ايران وسورية، فقرر ان ينأي بنفسه مبكرا عنها، بسبب تبعاتها الخطيرة والكارثية علي المنطقة وامنها واستقرارها، ومصر علي وجه الخصوص.
هذا التحدي المصري للادارة الامريكية، وسياساتها، هو صرخة احتجاج تأخرت كثيرا، ولكن ان تأتي متأخرة افضل كثيرا من ان لا تأتي مطلقا، ولعلها تعطي ثمارها في فتح اعين هذه الادارة ورئيسها علي المخاطر الجمة علي المصالح الامريكية الناجمة عن الاستخفاف بالحلفاء العرب، لمصلحة تدعيم التفوق العسكري الاسرائيلي الاقليمي، وتبني جميع اطروحاته السياسية والامنية، حتي لو جاءت معرقلة لعملية سلام استثمرت فيها دول عربية، وعلي رأسها مصر، الكثير من الوقت والجهد طوال السنوات العشرين الماضية.
مصر ربما تتضرر من هذه الازمة في علاقاتها مع واشنطن، ولكن الضرر الذي يمكن ان يلحق بالمصالح والمشاريع الامريكية في المنطقة قد يكون اكبر بكثير، لان مصر اذا تمردت، فان هذا يعني حشد المنطقة بأسرها في مواجهة امريكا وحليفتها اسرائيل والعودة الي الحرب الباردة، وهي حرب من المرجح ان تتحول الي ساخنة.
ندرك جيدا ان الحكومة المصرية لن تذهب بعيدا في موقفها هذا، وستعمل علي اعادة ترميم الجسور مع واشنطن سريعا لعدم استفزاز هذه الادارة المجروحة في الاشهر القليلة المتبقية من فترة وجودها في السلطة، والمأمول ان تدرك واشنطن في المقابل انها تدفع بحلفائها الي الحائط ولا تسمح لهم حتي بالصراخ احتجاجا.