تقرير سنوي: روسيا تستعيد نفوذها العالمي
قضى الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف الآن أكثر من 7 أشهر في الكريملين مثل سلفه رئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين في منصبه الجديد رئيسا للحكومة الروسية.
ويواصل الاثنان اللذان يمثلان النسر ذا الرأسين على الشعار الوطني في إتباع سياسة خارجية براجماتية ووقائية بدأت خلال فترة رئاسة بوتين، ويكافحان لاستعادة النفوذ العالمي لروسيا الذي كان قويا في الماضي.
حليفان قريبان بسياسة متسقة
عندما أعلن بوتين الذي كان رئيسا في ذلك الوقت دعمه الواضح في ديسمبر الماضي لميدفيديف حليفه القريب والنائب الأول لرئيس الوزراء في الانتخابات الرئاسية في مارس، فقد ضمن الأخير النصر تقريبا.
وقام ميدفيديف بعد ذلك بعرض رئاسة الوزراء على بوتين، وتعهد بالاستمرار في سياسات بوتين قائلا إنها تشتمل أيضا على أفكاره الخاصة وإسهاماته.
وفي أول بيان أصدره حول الخطوط العامة لسياسته الخارجية في يوليو تعهد ميدفيديف بالاستمرار على الطريق الذي رسمه بوتين والحفاظ على مصالح روسيا في العالم، وسط تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وورثت سياسة ميدفيديف الخارجية على الخصوص نبرة بوتين المتشددة في انتقاد خطة الدرع الصاروخي الأمريكي والتي تقترح نشر صواريخ اعتراضية في بولندا ومحطة رادار في تشيكيا.
وقد يكون تبادل الاتهامات حول الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ البالستية قد دفع العلاقات بين موسكو وواشنطن الى التراجع. ومع ذلك أعرب الجانب الروسي عن رغبته في التعاون مع الولايات المتحدة.
وتؤكد سياسة ميدفيديف التي لم تبتعد عما طلبه بوتين في السابق - "من الضروري إحداث تغيير حول العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الى حالة الشراكة الاستراتيجية من اجل تجاوز حواجز المبادئ الاستراتيجية للماضي".
مواجهات بسبب دعم الناتو لجورجيا
في 8 أغسطس شنت القوات الجورجية هجوما مفاجئا على أوسيتيا الجنوبية لاستعادة السيطرة على هذه المنطقة القوقازية، وفي المقابل أرسلت روسيا قوات في اليوم التالي للدفاع وهزمت الجورجيين.
وقد انتهى الصراع العسكري في 12 أغسطس باتفاق وقف إطلاق نار ابرم بوساطة فرنسية وتعهدت موسكو بمقتضاه بسحب قواتها. ووضع اتفاق تالي جدولا زمنيا لانسحاب القوات الروسية ولنشر بعثة مراقبة أجنبية.
وتتهم جورجيا ، الجمهورية السوفيتية السابقة والساعية للحصول على عضوية الناتو مع أوكرانيا، منذ وقت طويل موسكو بدعم أوسيتيا الجنوبية وابخازيا، الشريط الضيق المتاخم لمنتجع سوتشي الروسي الواقع على البحر الأسود. ثم اعترفت موسكو بالاستقلال أحادي الجانب لأوسيتيا الجنوبية وابخازيا في 26 أغسطس 2008.
وقال مراقبون إن الصراع الذي استمر 5 أيام كان أول رد روسي عسكري على أيادي الولايات المتحدة الممتدة والتوسع الشرقي للناتو بقيادة الولايات المتحدة والذي تعتبره موسكو تهديدا لأمنها الوطني.
"إستراتيجية خلفية" لتحذير الولايات المتحدة
بالإضافة الى الإجراءات المضادة للدرع الصاروخي الأمريكي مثل استئناف الدوريات على المناطق الرئيسية في محيطات العالم واختبار إطلاق صواريخ عابرة للقارات، فقد أرسلت روسيا أيضا بعثات بحرية الى المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي هذا العام.
وأجرت السفن الحربية الروسية تدريبات عسكرية في شمال المحيط الأطلسي في يناير في أول مناورة واسعة النطاق تقوم بها البلاد في هذا المحيط منذ 15 سنة . وضمت المناورات العسكرية حاملة الطائرات "الأدميرال كوزنيتسوف" ومدمرتين وسفينتي إمدادات.
وفى سبتمبر، هبطت قاذفتان إستراتيجيتان روسيتان من طراز "تو-160" في مطار عسكري في فنزويلا لإجراء عدد من رحلات التدريب فوق المياه القريبة.
وخلال جولة ميدفيديف التي استغرقت أسبوعا في أمريكا اللاتينية في أواخر نوفمبر، أجرت بعثة من البحرية الروسية، تضم سفينة حربية نووية ومدمرة مضادة للغواصات وناقلة وزورق جرار، مناورات مشتركة مع سفن حربية فنزويلية.
كما وقعت روسيا سلسلة من عقود بيع الأسلحة والنفط مع فنزويلا وكوبا وليبيا في محاولة لتعزيز العلاقات المتبادلة في القطاعين الاقتصادي والعسكري.
وقال ميدفيديف خلال اختتام جولته الأولى في دول أمريكا اللاتينية والتي شملت بيرو والبرازيل وفنزويلا وكوبا "إن روسيا عادت الى أمريكا اللاتينية، بما فيها كوبا".
ولكن على الرغم من استعراض روسيا لقدرتها العسكرية، إلا أن المحللين أعربوا عن شكوكهم إزاء احتمال حدوث مواجهة شاملة بين موسكو وواشنطن. واعتقدوا أن الجانبين سيسعيان الى إمكانية التعاون في بعض المجالات الأخرى من اجل الحفاظ على الاستقرار العالمي.
وقد تأكدت وجهة النظر هذه من خلال اقتراح روسيا تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات مثل استكشاف الفضاء وحظر الانتشار النووي وضبط التسلح.
خلق الدعم والنفوذ عبر الوكالات الدولية
وسط النزاعات مع الغرب دعت روسيا مرارا الى التعاون متعدد الأطراف وإصلاح المؤسسات الدولية لضمان الأمن الدولي. وانتقدت روسيا نظام القطب الواحد، ودعت الى التعاون المتبادل، مؤكدة أنه يتعين على الأمم المتحدة أن تلعب دورا رئيسيا في ضبط العلاقات الدولية وتنسيق السياسات.
وشاركت موسكو خلال السنوات القليلة الماضية بشكل نشط في مجموعة الدول الثماني الكبرى، ورابطة الدول المستقلة ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا- المحيط الهادئ، ومنظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة الى منظمات دولية وإقليمية أخرى.
وعلى خلفية الأزمة المالية العالمية الحالية، شاركت روسيا في قمة مجموعة الـ20 التي عقدت في واشنطن في نوفمبر الماضي من اجل إيجاد حلول، وتعهدت بتعزيز التعاون مع الدول الأخرى لمواجهة الأزمة.
ومن ناحية أخرى لعبت روسيا دورا نشطا في الشؤون الدولية والإقليمية الرئيسية مثل القضيتين النوويتين الكورية الشمالية والإيرانية، وعملية السلام في الشرق الأوسط، وبذلت جهودا لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية.
وفي 21 نوفمبر وافق مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب) على مشروع قانون بتمديد فترة الولاية الرئاسية من 4 أعوام الى 6 أعوام، بعد16 يوما من طرح ميدفيديف لهذا الاقتراح . واعتبر محللون هذه الموافقة إشارة واضحة على أن القوى السياسية الرئيسية في روسيا راغبة في تمديد فترة صلاحيات الرئيس واستمرار السياسات الحالية.
(وكالة "شينخوا" الصينية - ديسمبر 2008)