أكتب إليك رسالتى بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على انطلاقة ثورة 25 يناير،
أكتب مستلهما كتب التاريخ والوثائق التى عكفت على قراءتها خلال الأسابيع
الماضية لأعرف تاريخ ثورات بلادنا وأتعرف على كافة أبعاد تلك الثورات بعيدا
عن صفحات الكتب الدراسية التى فرضت علينا رأيا واحدا وهو رأى من حكمها
لعشرات السنين
أراد الله لى دون رغبة منى أن أكون واحدا من وجوه كثيرة ارتبطت فى الأذهان
بأحداث الثورة بعد خروجى من المعتقل الذى قضيت فيه فترة قصيرة لا تقارن
بغيرى من عشرات الآلاف الذين قضوا سنوات وشهورا فى السجون أو فقدوا حياتهم
لا لشىء إلا لأنهم نادوا بوقف نزيف الوطن وإنقاذه من الهاوية
أكتب وأنا أتخيل ابنى يقرأ هذه الرسالة بعد ثلاثين عاما من الآن فأستشعر
تبعات ذلك من مسئولية تاريخية ملقاة على عاتقى"، مؤكدًا أن النظام الفاسد
الذى نشأ آباؤنا فيه على أن يصبحوا مفعولا به لا محل له من الإعراب،
مضيفاً:" النظام السابق أراد أن يردد أباؤنا أمثالا من قبيل: "كل عيش وخليك
فى حالك"، و"من خاف سلم"، و"امشى جنب الحيط"، و"الجبن سيد الأخلاق"، وزرع
فى قلوبهم الخوف من قمع الأجهزة الأمنية، وكان من نتيجة تلك السلبية تشويه
الحياة فى مصر، فأسست ديمقراطية ورقية وانتخابات صورية وأحزاب كرتونية
ووسائل إعلام تعبيرية وأنشأت السجون والمعتقلات لمن قرر أن يسير ضد هذا
التيار، ديمقراطية جعلت رؤسائنا على مر السنين يفوزون فى استفتاءات
وانتخابات هزلية بنسب وصلت إلى 99.99%؛ ولكن المراقب المحايد لثمار ما فعله
ذلك النظام فى بلادنا يعلم جيدا أن ما حدث لم يكن سوى جريمة فى حق أجيال
خرجت للنور، ولم تر سوى رئيس واحد حدث فى عصر نظامه الأمنى القمعى ازدياد
قياسى فى نسب الفقر والفساد والبطالة والجهل، جريمة جعلت مئات الآلاف من
المصريين يتقدمون سنويا إلى يانصيب لعلهم أن يكونوا من أصحاب الحظ ويهاجرون
بدون رجعة من وطنهم إلى وطن جديد يحترم آدميتهم ويقدم لهم فرصة الحياة
الكريمة.
فى الحادى عشر من فبراير خرجنا جميعا نحتفل بالانتصار على نظام اعتقدنا
أننا أسقطناه، وبدأنا جميعا بعد أن تخلصنا من كابوس جاثم على صدورنا فى أن
نحلم، وقضى الكثير من الشباب الأيام تلو الأخرى فى زيارات واجتماعات لإنتاج
أفكار وأحلام وطموحات ممزوجة بنية خالصة وعزيمة لا تقهر، استشعر الكثير
ولأول مرة فى حياتهم أن مصر عادت لهم، وأنهم الآن مسئولون أن يضعوا بلادهم
على الطريق الصحيح.
مجموعات كبيرة من الشباب الذى يعمل فى شتى المجالات داخل وخارج مصر بدءوا
فى التواصل مع بعضهم البعض ليضع كل منهم خبراته بين يدى الآخر لعلاج
المشكلات المزمنة فى مصر، ومبادرات لا نهائية على الإنترنت بعضها خرج من
شباب لم يتجاوز الـ 16 عاما والتى رغم بساطتها إلا أنها كانت تؤكد على أن
أكبر جريمة هى تلك التى اقترفها نظام حكمنا ثلاثين عاما لا يحاول إلا بث
الخوف والرعب من التغيير وتخوين كل من يخالفه والاستئثار بموارد الوطن
لصالح منظومة الفساد التى صنعها وأدارها بمهارة منقطعة النظير.
مضت الأسابيع والشهور، ولم تتغير طريقة إدارة البلاد تغيرا جذريا تحت دعاوى
الاستقرار حتى لو كان استقرارا فى القاع، وغاب الحوار مع الشباب الغاضب
بسبب البطء الملحوظ فى تحقيق مطالب الثورة التى يفخر المجلس فى كل بيان له
أنه قد حماها، وتم القبض على بعضهم وذهبوا إلى السجون الحربية بعد محاكمتهم
عسكريا فى ذات الوقت الذى يحاكم فيه كل قادة النظام السابق محاكمات مدنية
عادية برغم فداحة الجرائم التى ارتكبوها فى حق الوطن، بل ووصل الأمر
لازدياد لغة التخوين والاتهامات بالعمالة لبعض من يعارض سياسات المجلس
العسكرى بحجة محاولة الوقيعة بين الشعب والجيش على الرغم من أن الكثير من
هؤلاء كانوا فى الصفوف الأولى فى ثورة وصفها المجلس العسكرى بأنها من أعظم
اللحظات التاريخية فى حياة الوطن.
لعلكم تعرفون أكثر منى أن النظام ليس شخصا ولا قانونا، النظام هو "فكر"
و"أسلوب عمل"، وما لاحظه الكثير من الشباب أن الثورة استطاعت تغيير بعض
الأشخاص ولكنها لم تنجح بعد فى فرض تغيير حقيقى بقوانين وقرارات ثورية تضمن
وضعنا على الطريق الصحيح، فحتى ما تم إلى الآن من مطالب مشروعة للثورة لم
يكن ليحدث أغلبه سوى بضغط التظاهر والاعتصام فى ميدان التحرير.
إن كل يوم يمر بدون وضوح لخارطة طريق وتغيير جذرى فى أسلوب إدارة بلادنا
يصيب مجموعات أكبر من الشباب بالإحباط ويدفع بعضهم إلى تصعيد نتيجته التى
تدخلنا جميعا فى طريق مجهول غير مأمونة عواقبه.
إن التجارب فى العالم بأسره أثبتت أن الدول الديمقراطية هى الأقدر على
الاستمرار والنهوض، وأننا الآن فى عصر أصبح فيه من المستحيل استمرار سياسات
القمع وبث الخوف للسيطرة على الشعوب فى ظل تطور وسائل الاتصالات الحديثة،
ولذا فالأمر فى النهاية محسوم لصالح الشعوب لا الأنظمة الدكتاتورية.
إن لديكم كمجلس عسكرى فرصة تاريخية للمساهمة مع الشعب الذى انتفض ليثور أن
تبدأ مصر فى السير على الطريق الصحيح، ولدينا كشباب مثقف محترف فى شتى
المجالات فرصة تاريخية لأن يقدم كل واحد منا أفضل ما لديه لتحقيق نهضة مصر،
ولكن الأمر مرهون بتغيير حقيقى، تغيير فى طريقة الفكر وليس الأشخاص، تغيير
فى الإستراتيجية وليس التكتيك، تغيير يحقق العدالة الاجتماعية والحرية
التى نحلم بها بعد عقود من الظلم والقمع.
نريد منكم كسلطة اكتسبت شرعيتها من ثورة قام بها الشعب أن تعلنوا لنا وبشكل
سريع جدولا زمنيا محددا لتسليم السلطة بشكل كامل من المجلس العسكرى إلى
سلطة مدنية تحكم كافة مجريات الأمور فى البلاد ينتخبها الشعب، وذلك عبر
تحديد مواعيد وآليات تجمع عليها القوى الوطنية لانتخابات مجلسى الشعب
والشورى والرئاسة.
نريد منكم بشكل عاجل تدخلا حاسما وفعالا وحقيقيا فى إعادة بناء المنظومة
الأمنية على أساس من احترام حقوق الإنسان، والتى بدونها قد لا ننجح فى
تحقيق أهداف الثورة، ونريد منكم أن تعملوا على إعادة الثقة مرة أخرى بينكم
وبين جموع شباب الثورة الغاضب بسبب استمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين
الذين من حقهم الأصيل أن يتم مقاضاتهم أمام قاضيهم الطبيعى، لأن استمرارها
إهانة لثورة قامت فى الأساس ضد قمع الحريات والتعامل مع المواطنين فى ظل
قوانين استثنائية تنال من حقوقهم الأصيلة، نريد منكم تصحيحا سريعا للخطاب
الإعلامى الرسمى يبعث الأمل فى نفوس أبناء الوطن ويشحذ الهمة لإعادة البناء
والتبشير بمستقبل باهر، بعد استكمال التحول الديمقراطى وأن يحرص المجلس
العسكرى فى خطاباته ألا يركّز على لغة التآمر والتخويف والتحذير من المجهول
والمخططات والتآمرات، فلغة التفاؤل والأمل هى الطريق الوحيد لصنع النهضة،
نريد منكم أن يتواصل المجلس العسكرى ومجلس الوزراء بشكل مستمر مع أبناء
الوطن عبر وسائل الإعلام، وأن يتسم هذا التواصل بالشفافية ومراجعة ما تم
إنجازه، وأن يعترف المسئولون على غير ما تعوّدنا بأى أخطاء تحدث وآلية
تصحيحها، فالغموض وغياب الشفافية يولّد المزيد من الاحتقان، نريد منكم أن
يكون لدينا حكومة قوية لديها كل الصلاحيات؛ لتبدأ فى اتخاذ قرارات ثورية
لمحاربة الفساد المستشرى داخل المؤسسات الحكومية، نريد منكم حماية حقيقية
للثورة بأن تبادروا بإجراء تغييرات جذرية فى سياسات تعود بالنفع على
البسطاء الذين استبشروا خيرا بالثورة فى أول أيامها والآن يتساءلون: "ما
الذى استفدناه منها؟" ولنبدأ بمشكلة الدعم الذى لا يصل أغلبه لمستحقيه
فكلنا نعلم كم المليارات المهدرة بسبب ذلك، نريد منكم أن تؤمنوا أن الشباب
الذى أبهر العالم بثورته بيده الكثير من الحلول وأن تعطوهم فرصة يستحقونها
لقيادة مسيرة الوطن.