وكأن القدار رتب لزيارة رجب طيب أردوغان وكبار اركان حكمه لمصر (الاثنين
123 سبتمبر) عقب (ثورة مصر) التي خلصتها من ديكتاتور كان يرهن البلاد
ومستقبلها لأمريكا واسرائيل ، وعقب تفسخ العلاقات التركية الاسرائيلية
الاستراتيجية وتفكيك هذا التحالف الشاذ السابق الذي فرضه علمانيو تركيا ،
بين تركيا كدولة اسلامية قوية متصلة طبيعيا وحضاريا بعالمها العربي ، وبين
تل أبيب تلك الدولة الصهيونية التي قامت علي عظام وأشلاء ودماء شعوب عربية
امتصت دماءها !.
كأن القدر رسم الصورة ومهد الطريق نحو تبدل التحالفات في المنطقة ، تمهيدا
لقيام تحالف مصري تركيا قوي يكمل نقصا خطيرا في منظومة الأمن القومي
المصري والعربي في المنطقة التي يطلق عليها الغرب (الشرق الأوسط) ، والتي
بقي أن تكتمل بتحالف آخر يضم دول الخليج وإيران يفرض سيطرته التاريخية
الطبيعية علي المنطقة الاسلامية الوسطي ويعيد أمجاد الاسلام وفق أسس حضارية
اقتصادية عسكرية متينة ، بعدما ذهبت شوائب التخلف والجهل وفشل التآمر الذي
دام سنين طويلة في إبعاد هذه الدول عن بعضها .
فلم يعد يبقي علي تدشين هذا التحالف الاقتصادي السياسي العسكري بين مصر
وتركيا سوي نفض مصر غبار وأتربة ما علق بها من شوائب عقب ثورة 25 يناير
واللحاق باليد التركية الممدودة لتدشين تحالف مصري تركيا سيغير وجه المنطقة
العربية وكل منطقة الشرق الاوسط ويعيد للدور العربي – الاسلامي سيطرته
بعدما وصلت الأحوال في السنوات الماضية لحد تحكم الدولة الصهيونية في هذا
الشرق الاوسط وتشكيله وفق أهدافها وضرب كل مناطق النفوذ المعادية لها فيه .
ولم يعد هذا التحالف السياسي والاستراتيجي بين أنقرة والقاهرة ينتظر سوي
سرعة استجابة مصر له ، والتصدي للمؤامرات الامريكية والاسرائيلية التي تجري
وستزيد في الفترة المقبلة لعرقلة هذا التحالف التاريخي ووضع العقبات أمامه
.
الجمهورية التركية الثانية أقرب لمصر
فقد حزمت تركيا أمرها وسيطر حزب العدالة والتنمية علي الحياة السياسية
وأصبح له أغلبية في البرلمان ، ونجح في ترويض القوي العلمانية الشرسة التي
ترهن مصير تركيا بالغرب واسرائيل ، وجاءت السيطرة الاخيرة علي مجلس الأمن
القومي العسكري وتعيين أردوغان لقادة عسكريين جدد بدل الذين قدموا
استقالتهم بهدف الانقلاب عليه ، ليحسم قيادة أردوغان و(الاسلام الحضاري
العلمي) لتركيا مستقبلا بعد سلسلة اصلاحات ينتظر أن تكتمل بوضع دستور جديد
للبلاد سيدشن الجمهورية التركية الثانية القريبة من عالمها العربي
والاسلامي بعدما أبعدتها جمهورية أتاتورك العلمانية الأولي عن محيطها
الطبيعي وسعت لإلحاقها بالغرب عنوة رغم رفض الاوروبيين المتكرر والمتعجرف
لضم تركيا لما أسموه (الاتحاد المسيحي) المسمي بالاتحاد الأوروبي !.
كما حزمت تركيا أمرها قبل فترة بأن مستقبل ازدهارها وانتعاش اقتصادها
وتعاظم دورها السياسي الشرق أوسطي ، متصل بتوثيق عري التعاون الاقتصادي مع
كل دول العالم الاسلامي الـ 57 والدول العربية الـ 22 ، ولهذا فتحت كل افاق
التعاون الاقتصادي مع هذه الدول وأصرت علي إلغاء التأشيرات بينها ، وبقي
توثيق التحالف مع القوي الأكبر في المنطقة وهي مصر ، وهو سبب استقبال مصر
رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان فى ظل ظروف بالغة الحساسية تعيشها
منطقة الشرق الأوسط بشكل عام بسبب التنافس التركي – الايراني – الاسرائيلي
علي السيطرة علي المنطقة ، وحساسية الاوضاع التي تعيشها خصصا مصر وتركيا
أكبر دولتين فى المنطقة .
ولا ننسي هنا أن أول زيارة للرئيس التركي عبد الله جول كانت لمصر وكان أول
رئيس يزورها بعد ثورة يناير ، كما أن أول زيارة لرئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان بعد الانتخابات العامة التى شهدتها تركيا مباشرة كانت مصر ، وكسر
بذلك بروتوكولا كان متبعا من قبل بزيارة قبرص التركية أولا وأذربيجان !.
ولوحظ أن أوردغان يرافقه وفد كبير، يضم ستة وزراء ولفيفا من كبار
المسئولين إلى جانب نحو 200 من رجال الأعمال، بهدف رفع حجم التجارة بين مصر
وتركيا الذي يبلغ 3.1 مليار دولار أمريكي حاليا .
تحالفات شعبية لا فوقية
ولأن التحالف التركي - المصري لا يجب أن يأتي بقرارات فوقية كما هي عادة
التحالفات العربية القديمة الفاشلة ، وإنما بقرارات جماهيرية ، فقد حرصت
الحكومة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان على أن تستبق زيارته المقررة لمصر
بدعوة مجموعة من الكتاب والصحفيين المصريين لزيارة تركيا والالتقاء بكبار
مسئوليها وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية عبد الله جول لاحاطتهم بالتغييرات
الجارية فى تركيا سواء على المستوى الداخلى أو على مستوى دوائر سياستها
الخارجية وبخاصة الدائرة الشرق أوسطية ، كما استقبلت مجموعات من شباب
الثورة المصريين ، والتقي الرئيس التركي في مصر بالعديد من القوي السياسية
المختلفة الاسلامية والليبرالية .
وقد حرص (أرشاد هرمز أوغلو) كبير مستشارى الرئيس التركى – خلال لقائه
بالوفد المصري الذي استضافته تركيا – علي تأكيد أن تركيا لم تدر وجهها من
الغرب الى الشرق بل صححت فقط هذا المسار فهى لا تزال فى عضويتها الفاعلة
بالعديد من المنظمات كالناتو ، منظمة التعاون الاقتصادى ، منظمة الأمن
والتعاون الاقتصادي، ومنظمة التعاون للبحر الأسود والبلقان وتسعى للانضمام
لعضوية الاتحاد الأوروبى لكنها وفى الوقت نفسه أصبحت مراقبا فى الجامعة
العربية، وعضوا فاعلا فى المؤتمر الاسلامى ولديها تعاون استراتيجى مع مجلس
التعاون الخليجى .. ولخص كبير مستشارى عبد الله جول هذه الفلسفة بقوله ان
تركيا أصبحت دولة "تطير بأجنحة متعددة " وليس لحساب منطقة على حساب الاخرى .
كما لخص كبير مستشارى عبد الله جول فى الوقت نفسه علاقة حكومة بلاده ذات
الجذور الاسلامية بالمؤسسة العسكرية ذات النفوذ السياسى التاريخى فى تركيا،
بقوله:" ان الجيش والحكومة ليسا طرفين بل أمة واحدة .. ونحن نفخر بالجيش
فهو جزء من الدولة وليس دولة داخل الدولة" .. هذان هما طرفا المعادلة
الداخلى والخارجى اللذان خاض بهما أردوغان مشروعه لاقامة تركيا القوية
العصرية فى عصر العولمة والقطب الواحد والشرق الأوسط المتوتر .
وهذا المشروع لم يكتمل بعد وينتظر تدشينه بدستور جديد بعدما نجح حزب
العدالة والتنمية فى تمرير 38 تعديلا فى الدستور على مدى سنوات خاض خلالها
معارك سياسية طاحنة مع كافة القوى وتغلب عليها مستندا فى ذلك الى ارادة
شعبية والى دعم من القوى العظمى فى اطار توازنات أجاد أردوغان اللعب على
أوتارها .. كان من أهم عناصرها تبرير اصلاحاته بتلبية معايير وضعها الاتحاد
الأوروبى لضم تركيا لعضويته.. ومن أهم هذه المعايير تطوير الاقتصاد التركى
وتقليص نفوذ المؤسسة العسكرية فى صنع القرار السياسي
من هذا المنطق تأتي زيارة أردوغان للقاهرة باحثا عن حليف شرق أوسطى فى شرق
أوسط ثائر بهدف البحث عن تحالف بين مصر وتركيا تحديدا كأكبر دولتين فى
المنطقة بشكل خاص .
ومهندس هذه السياسة الخارجية – وهو وزير الخارجية أوغلو – لا يتحرك
عشوائيا فهو درس دراسات عليا في مصر من قبل في كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية معنا في الكلية في الدراسات العليا ، ويعرف مصر جيدا ويعرف
إمكانيتها ، ويقود هذا التحالف المصري التركي وفق رؤية ووعي ودراسة وحماسة .
فهو صاحب فكرة سياسة (صفر مشاكل) مع دول الجوار التركي ، ولم يتورع عن
تحسين العلاقات حتي مع الخصم التاريخي اليونان أو قبرص اليونانية لأن
الانطلاق الاقتصادي وتشييد بنية اقتصادية قوية يحتاج لإزالة كل الاحتقانات
السياسية .. ومن هذا المنطق جاء القفز الي الشرق الاوسط بعدما ثبتت تركيا
اقدامها في محيطها الأقليمي ، وبعدما نفضت يدها المغلولة من بعض القيود
الأمنية والاقتصادية والتجارية مع تل ابيب عقب أزمة تقرير (بالمر) الذي ظلم
شهداء أسطول الحرية التركي لغزة لصالح العدوان الصهيوني العسكري علي
سفينتهم المدنية .
ولا شك أن هذا التحالف المصري التركي المفترض أن يبدأ اقتصاديا سيفيد مصر
بشدة في وقت هي في أشد الحاجة للتعلم من التجربة التركية في النهوض السريع ،
كما أنها ستفيد تركيا ومصر معا وتبعدهما عن قيود السياسة الأمريكية ، كما
أنه سيفيد الدولتين في التصدي للدولة الصهيونية في المنطقة بعدما تحولت الي
"ولد مدلل" في المنطقة بحسب تعبير الرئيس التركي أردوغان .
هناك تحد خطير يواجه مصر الثورة عقب زيارة أردوغان يتمثل في المضي قدما في
هذا التحالف الوثيق اقتصاديا علي الاقل مع تركيا ، وما لم تتحرك مصر بسرعة
للأخذ بهذا الفرصة واغتنامها والابتعاد عن الضغوط الأمريكية والصهيونية
التي تحاول لعب نفس دورها القديم الذي كانت تلعبه قبل الثورة ، فسوف تخسر
الثورة المصرية الكثير وستتأخر الجمهورية المصرية الرابعة الحرة
الديمقراطية القوي اقتصاديا صاحبة قرارها السياسي لسنوات طويلة .. وهنا دور
القوي الشعبية قبل حكومة شرف أو المجلس العسكري .
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - أردوغان في مصر .. مصر بديل إسرائيل