تحقيق / حمودة كامللم يكن
يتوقع أحد في تركيا أو في العالم أن حزب العدالة والتنمية، الليبرالي
المحافظ المعتدل، - الذي تأسس في 2001 ، من النواب المنشقين من حزب الفضيلة
الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان والذي تم حله بقرار صدر من
محكمة الدستور التركية في 22 يونيو/حزيران 2001، وكانوا يمثلون جناح
المجددين فيه - أن هذا الحزب هو الذي سيحكم البلاد في 2002 ، وأنه سيحقق
المعادلة الصعبة في التوازن بين التيارين العلماني والإسلامي، وانه سيصل
بتركيا لحالة غير مسبوقة من الإستقرار تولد عنها تطور كبير ونمو ملحوظ في
الاقتصاد التركي، إنها تركيا أردوغان وأوغلو، الذين يقومان ومعهما وفد
دبلوماسي واقتصادي رفيع وكبير بزيارة تاريخية لمصر تبدأ من اليوم الثلاثاء
13 سبتمبر ولمدة ثلاثة أيام، موقع اخبار مصر www.egynews.net طرح السؤال التالي:
كيف
يرى الباحثون والمتخصصون في العلوم السياسية والسياسة الدولية هذه الزيارة
وتداعياتها وسط ما تمر به مصر والمنطقة من أحداث ومتغيرات ؟، وإليكم
الإجابة:
فريد زهران- الباحث السياسي وعضو الهيئة العليا للحزب
المصري الديمقراطي الاجتماعي- يؤكد أنه لا يمكن تكرار تجربة أي دولة في
أخرى، ولكن يجب على الدول أن تستفيد من تجارب بعضها، وبالنسبة للتجربة
التركية ، كان من أبرز الجوانب التي ميزتها، هو القدرة على تحويل القوى
الإسلامية من تيارٍ معادٍ للمجتمع إلى قوى مدنية تدفع المجتمع للأمام،
ونتيجة لفض الاشتباك بين الإسلام السياسي وبين السلطة والحكم، إستطاعت
تركيا أن تحقق نجاحا في تجربتها.
ويضيف زهران، انه مما لا شك فيه أن
توتر العلاقلات التركية الإسرائيلية ، له تأثير في التوجه التركي نحو مصر
وشقيقاتها العرب، وخاصة في وجود صلة مشتركة ، وهي تعرض تركيا لإعتداء
إسرائيلي تمثل في هجوم البحرية الإسرائيلية على سفن أسطول الحرية لغزة ،
وكذلك قتل إسرائيل للمصريين على الحدود المشتركة، وفي كلتا الحالتين لم
تقدم إسرائيل إعتذارا، ولم تدفع تعويضات مقابل الأرواح التي أزهقتها، لذا
فمصر وتركيا كلاهما في مركب واحد أمام إسرائيل.
وينهي الباحث السياسي
فريد زهران كلامه، مؤملا على زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان
لمصر في تحقيق التعاون المثمر بين البلدين على مختلف المستويات السياسية
والعسكرية والاقتصادية .
التحالف التركي المصري
أما
الدكتور أحمد جلال محمود، الباحث في العلوم السياسية، والمتخصص في الشأن
التركي، فيرى أن حزب العدالة والتنمية الذي تأسس في 2001 إستطاع أن يفرز
رجلا مثل رجب طيب أردوغان الذي تولى رئاسة الوزراء في 2002 ، والذي إستطاع
ان يدمج بين هوية الدولة العلمانية مع الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب،
وبهذا وضع حدا فاصلا بين علمانية الدولة وإسلامية أفرادها، كما استطاع أن
يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وجنب بلاده من الحركات والانقلابات
العسكرية التي كانت تعاني منها تركيا من حين لآخر.
ويفسر أحمد جلال
التوجه التركي نحو مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، في هذا الوقت،
بأنه نتيجة لفشل تركيا في تحقيق هدفها الاستراتيجي بالإنضمام للإتحاد
الأوروبي، فآثرت عدم الانتظار طويلا أمام البوابة الأوروبية ، واتجهت نحو
الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، وإدراكا منها لأهمية مصر ودورها
الإقليمي، ونظرا لما تمر به مصر الآن من مرحلة إنتقالية صعبة، وبالإضافة
لسوء العلاقات التركية مع إسرائيل، فقد أرادت تركيا أن توصل رسالة
لإسرائيل؛ مفادها أن سياسة تركيا الخارجية مستقلة وذات إرادة لا تقبل
التأثير الخارجي أو وضع القيود عليها ، وأن تركيا تستطيع أن تكون تحالفا مع
مصر وتأسيس مجلس إستراتيجي للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، مما
يؤدي لعزلة إسرائيل.
ويؤكد جلال في ختام كلامه بأن هذه الزيارة تبدأ
مرحلة جديدة في العلاقات بين مصر وتركيا، لا يمكن فيها إغفال دور وزير
الخارجية التركي، احمد داوود أوغلو، السياسي المحنك وأستاذ العلوم السياسية
، والذي اتخذه أردوغان مستشارا سياسيا له منذ توليه في 2002 ، ثم أعطاه
حقيبة الخارجية في 2009، ليكون له دور مهم في ترسيخ دور ومكانة السياسة
الخارجية لتركيا إقليميا، وهذا لا يتعارض من قريب أو بعيد مع دور مصر
الإقليمي في المنطقة.
دور إقليمي أكبر لتركيا
وعن
إمكانية تكرار التجربة التركية، تقول الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير
مجلة الديمقراطية، إن تركيا كنموذج بين العلمانية والتيار الإسلامي، هي
تجربة خاصة وإستثنائية، وغير قابلة للتكرار، حيث نجد فيها رئيس حكومة مثل
رجب طيب أردوغان يمثل التيار الإسلامي وحزبه ، التنمية والعدالة، يقبل
الآخر ويتحدث عن الدولة العلمانية بالمفهوم الأوسع والأشمل الذي لا يخيف
أحدا سواء كان منتميا للتيار الإسلامي أو الفكر العلماني أو غير ذلك، فنحن
في مصر ، على سبيل المثال، لدينا مشكلة على كلمة العلمانية ومفهومها.
وتضيف
هالة مصطفى ان تركيا تريد ان يكون لها دور إقليمي اكبر، وأن تصبح دولة
قائدة، ولتحقيق ذلك، إتخذت العديد من الآليات؛ فقد حرصت على النمو والنهوض
بالجانب الإقتصادي لديها، فحققت تقدما في الصناعة والتجارة وغيرها من
الجوانب الاقتصادية، كما حرصت على زيادة شعبيتها في المنطقة، من خلال
موقفها مع إسرائيل التي كانت حليفا كبيرا لها، من تجميد علاقات وتخفيض
التمثيل الدبلوماسي، ولكني لا أتفق مع من يقولون أن تركيا تريد تحالفا مع
مصر ضد إسرائيل، لن تركيا تربطها علاقات قوية مع دول عربية اخرى في المنطقة
مثل السعودية وسوريا وغيرهما، كما ترى أنه لا يجب أن نعلق آمالا كبيرة علي
نتائج الزيارة التركية لمصر ، التي قد تؤدي إلى زيادة التعاون التجاري أو
الإقتصادي فقط.
ومن جانبه، يؤكد ممدوح سالم، الخبير في الشئون
العربية، أنه من حق تركيا كدولة أن تسعى لإيجاد ثقل أكبر لها على المستوى
الإقليمي، وكان لمواقفها المختلفة مما يدور في المنطقة تأثيرا كبيرا، حيث
لها موقف إيجابي مع الثورة السورية، ومن قبل ذلك ، حاولت التوسط بين سوريا
وإسرائيل، كما كان موقفها أيضا إيجابيا مع الثورة المصرية، وكانت تركيا من
الدول التي نصحت الرئيس السابق بترك الحكم، ثم موقفها الأخير مع إسرائيل
التي كانت تربطها بها علاقات قوية ومصالح مشتركة، كما ان لها دور أيضا في
منظمة المؤتمر الإسلامي، فهي دولة لها تاريخ في العلاقة في الشرق الأوسط،
وتتاخم دولتين عربيتين هما سوريا والعراق، وهي جسر لدول المنطقة في أوروبا،
كما حققت تركيا طفرات إقتصادية؛ تجارية وصناعية وسياحية.
إسرائيل أساءت لتركيا ومصر
ويضيف
على ما سبق الدكتور محمد أبو غدير، أستاذ الإسرائيليات بجامعة الأزهر، أن
تركيا تلعب السياسة بأصولها ، وأنه بالرغم من الصداقة التاريخية التي
تربطها بإسرائيل، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون هناك خلافات، وتركيا لم تحاول
إخفاء المشاكل من أجل تمرير بعض المواقف كما يفعل البعض، وإنما هي تضع
مصالحها نصب أعينها، ولأن المشكلة تكمن في الطرف الآخر، الإسرائيلي، حيث
تحاول إسرائيل دائما أن تشعر الطرف الآخر بأنها الأفضل وأنها صاحبة الحق
دائما، دون الإلتفات لمصالح الآخر، وبالرغم من الضغوط الأمريكية القوية على
تركيا لإعادة العلاقات مع إسرائيل كما كانت، إلا أن تركيا أصبحت تبحث أين
مصلحتها، والآن، ترى أن مصالحها مع مصر أكثر من إسرائيل، وخاصة بعد إساءة
إسرائيل لها مثلما أساءت لمصر، ولكنها تمسكت بحقها في ضرورة إعتذار إسرائيل
لها.
ويؤكد أبو غدير ان العالم فهم خطأُ أن مصر الآن بها فراغ سياسي
وتشريعي، ووضع مصر في موضع العاجز غير القادر على إتخاذ القرارات ، وذلك
لحين إستقرار الأمور وإجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية واستباب
الأمور في كافة مؤسسات الحكم. ونحن أخطأنا في التعامل مع ملف الجنود
المصريين الذين قتلوا على الحدود، وخاصة بعد خروج وزير الدفاع الإسرائيلي
في وسائل الإعلام الإسرائيلية معترفا بأن طائرة هليكوبتر عسكرية إسرائيلية
قد اخترقت الحدود المصرية وأطلقت نيرانها على الجنود المصريين، حتى أن
كتابا إسرائيليين قالوا أنه كان يجب على مصر أن تصر في طلب حقها من
إسرائيل.
وينهي دكتور محمد أبو غدير كلامه موضحا أن المصالح هي التي
تحرك الدول وتشكل سياساتها، وليس الصداقات، وخاصة مع دولة مثل إسرائيل،
الصداقة عندها تعني تنفيذ طلباتها هي وتحقيق مصالحها هي، دون غيرها، حتى
تحقق الهيمنة على الشرق الوسط وفقا لمفهوم الشرق الأوسط الجديد، ولكنها
تواجه عقبات تحول دون تحقيق أهدافها تتمثل في تركيا وإيران ومصر، وأخيرا،
يجب أن تعي القيادة المصرية أن ما يحركها هو المصالح المصرية ولا شئ غيرها.
http://www.egynews.net/wps/portal/reportages?params=139576