تصوير
رويترز غداً.. يتوجه الفلسطينيون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على الاعتراف بـ«فلسطين دولة مستقلة»، حتى لو كانت «دولة الشتات» قد أحالتهم - على خريطة الواقع - إلى «دولة الفتات».
وعلى الرغم من تآكل وتناثر الأراضى الفلسطينية عما كانت عليه عام 1946، فإن الحلم الفلسطينى - على ضالته - يواجه «الفيتو الأمريكى» فى الأمم المتحدة، حتى لا يلقى له - أبداً - موقعاً على أرض الواقع.
يتقدم الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة بعد سنوات طويلة من المفاوضات «الجوفاء» التى لم تقدمهم إلا لمزيد من المفاوضات. يحلم الفلسطينيون بـ«دولة» فى منطقة البارود المتفجر بالأحداث المتلاحقة، فهل تصبح فلسطين الدولة رقم 194، أم تظل فى «قائمة الانتظار الأبدية»؟!
الاعتراف بالدولة.. حلم المؤيدين وكابوس المعارضين
لمبدأ «إعلان الدولة» فى المسألة الفلسطينية خصوصية تمتد جذورها لقرار التقسيم رقم 181، الصادر عن مجلس الأمن الدولى عام 1947، والذى نص على إقامة دولة فلسطينية على نحو 45% من إجمالى مساحتها. آنذاك هرعت إسرائيل لإعلان دولتها يوم 15 مايو من العام نفسه، لتنال اعترافا دوليا فوريا على حدود 48، فى حين رفضه العرب استنادا للحق التاريخى فى «كامل» الأرض الفلسطينية، ويشمل: الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأراضى 1948 (إسرائيل حاليا).
منذ ذلك التاريخ، دخل الصراع العربى-الإسرائيلى نفقى المقاومة المسلحة، ثم مفاوضات السلام، تخللتهما مشاريع أحادية سابقة لإعلان الدولة الفلسطينية. الأول، كان إعلانا داخليا أهيل على ذكراه التراب عندما أعلنت «حكومة عموم فلسطين» فى مدينة غزة الدولة الفلسطينية فى 1 أكتوبر 1948.
أما الإعلان الداخلى الثانى والأشهر فقد جرى يوم 15 نوفمبر 1988 من المنفى فى الجزائر. وتلا «وثيقة الاستقلال» آنذاك الزعيم الراحل ياسر عرفات، معلنا دولة فلسطين، استنادا لقرار التقسيم 181، وهو ما شكل نقطة فارقة اعترفوا فيها لأول مرة بالقرار الذى سبق أن رفضوه. ونال إعلان الجزائر اعتراف نحو 130 دولة بشكل انفرادى، ودشن إقامة حوالى 70 سفارة فلسطينية، فى عدد من دول العالم. وبعد اتفاق «أوسلو 2» عام 1995، تم الاتفاق على أن تعلن الدولة الفلسطينية فى 4/5/1999، لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات تردد، خشية نسف المفاوضات.
تم إعلان الدولة الفلسطينية إذن مرتين خلال 40 عاما فقط، فما الجديد الذى سيطرحه المشروع الجديد فى طبعة 2011؟ يجيب أستاذ القانون الدولى، الدكتور عبد الله الأشعل، قائلا «الاعتراف الجديد يأتى على مستوى المنظمة الدولية وليس مجرد إعلان فلسطينى داخلى. وخطورته على إسرائيل قانونية، لأن إسرائيل تتحرك دبلوماسيا بشكل مباشر، وتطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولتها. لكن ما سيحدث هو أن الجمعية العامة ستؤكد أن هناك دولة تسمى فلسطين. هذا الاعتراف يمثل قيمة إضافية لأنه يحول قانونا دون قيام الدولة اليهودية».
ويضيف الأشعل لـ«المصرى اليوم» أنه بحسب ما سبق وجاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة سنة 2009، فإن تلك الدولة اليهودية تضم «كامل» أرض فلسطين، مما يترتب عليه طرد الفلسطينيين، وهو ما سيتعارض قانونا مع قرار الجمعية العامة المرتقب.
وبعيدا عن القيمة القانونية، هناك بعد أخلاقى للخطوة التى تشهدها الأمم المتحدة، بحسب دكتور عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى يؤكد أن للقرار أهمية أخلاقية وسياسية على مستوى التعامل فى البيئة الدولية، تتمثل فى الضغط على مجلس الأمن للتحرك باتجاه مفاوضات السلام. بل ويرى أن القرار لن يكتسب دلالة قانونية إلا بعد اعتراف مجلس الأمن به وإصداره توصية بشأنه، وهو الأمر المستبعد كليا، نظرا لاعتزام الولايات المتحدة بطبيعة الحال استخدام حق الاعتراض (الفيتو) ضده.
وأوضح جاد لـ«المصرى اليوم» أن قرار اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين لن يعنى انضمامها للأمم المتحدة كعضو «كامل»، إلا بتوصية مجلس الأمن. وقال «ما أسهل أن تعلن أى جهة نفسها دولة، لكن العبرة فى الاعتراف الدولى بها رسميا».
بمعنى آخر، فإن إعلانى 48 و88 لدولة فلسطين، ورغم حصولها على اعتراف حكومات دول عديدة، إلا أنه لم تكن لهما سوى أهمية تضامنية، وما يميز إعلان 2011 عنهما أنه سيكون سياسيا عبر المنظمة الدولية، مجسدة فى الجمعية العامة، حتى وإن افتقر للقوة القانونية النافذة لمجلس الأمن.
ورغم تأكيد السلطة الفلسطينية أن واحداً من أهم مكتسبات تلك الخطوة هو «تدويل» الصراع على المستويين القانونى والسياسى، وفتح المجال لملاحقة إسرائيل فى المحافل الدولية، يرى مراقبون أن التطور الوحيد الذى قد يطرأ بعد إعلان الدولة ربما يتمثل فى انضمام فلسطين إلى اتفاقية «روما»، الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وما يعنيه ذلك من احتمال قدرتها على مقاضاة مجرمى الحرب فى إسرائيل.
لكن المؤرخ الفلسطينى، عبد القادر ياسين، يقول لـ«المصرى اليوم» إن «أى قرار جديد سيضاف لقائمة القرارات السابقة»، وأشار إلى أن القرار الجديد ينص على إقامة دولة (على أساس) حدود 67 وليس (فوق) حدود 67، وهو ما يعنى بنظره أن هذه الحدود ستخضع للتفاوض والمزيد من التنازلات.
ولفت ياسين إلى أنه من مفارقات الإعلان أن الرئيس جورج بوش (الابن) كان قد وعد عام 2004 بإعلان الدولة الفلسطينية، وهو «ذات العام الذى تآمر فيه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى حينئذ، آرئيل شارون، لقتل عرفات». كما أن الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما كان قد أعرب عن أمنيته فى أن يرى المقعد الفلسطينى فى الأمم المتحدة بحلول سبتمبر 2011، وهو نفسه الذى سيستخدم الفيتو ضد الفلسطينيين.
وتاريخيا، يحق للفلسطينيين المطالبة بإعلان دولتهم، لكن نظريا وعمليا وبحسب الأعراف الدولية، يرى الكثيرون أن مقومات الدولة الحالية بعضها منقوص والآخر غائب. وأركان الدولة الـ 3 المعروفة هى «أرض» و«شعب» و«حكومة». ويعلق الأشعل على ذلك قائلا «بعد اجتماع الجمعية العامة واعترافها بدولة فلسطين، سيأخذ الفلسطينيون القرار إلى مجلس الأمن لبحث مدى توافر شروط العضوية المنصوص عليها فى المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة».
وأوضح أن شرط وجود «شعب» متوافر، لكن الحكومة يجب أن تكون «مستقلة وذات سيادة»، وهذا الوضع غير قائم. كما أن شرط توافر «الأرض» مختلف عليه، «لأن إسرائيل ستقول إنها ليست دولة احتلال إنما دولة مسترِدة. وفى هذه الحالة سيكون على الفلسطينيين إحالة الأمر مجددا للجمعية العامة لإثبات أنهم دولة محتلة».
لذا، تعد مسألة السيادة إحدى إشكاليات الاعتراف بالدولة، تضاف إليها إشكالية الحدود، غير المتفق عليها حتى الآن للدولة الفلسطينية، فى ظل التوسع الاستيطانى والتعنت الإسرائيلى بشأن القدس. أما الأركان غير المنصوص عليها فتشمل مثلا القدرة على إدارة اقتصاد وعملة مستقلة، وهو الأمر غير المتوافر فى الحالة الفلسطينية، إذ لا يزال «الشيكل» الإسرائيلى هو العملة التى يستخدمها الفلسطينيون فى الضفة الغربية وقطاع غزة حتى اللحظة.
الدولة المنتظرة «صورية».. يعزلها «جدار الفصل» وتقطع شرايينها المستوطنات
«إنها رقبة العالم ومن أحكم سيطرته عليها فقد ملك العالم».. هكذا تحدث نابليون بونابرت عن رؤيته لفلسطين، الدولة التى أصبحت رمزا فى قلوب العرب ولكنها على الخريطة الميدانية والسياسية دولة وهمية بعد أن قطعها جدار الفصل العنصرى إلى كانتونات معزولة وقطعت شرايينها المستوطنات الإسرائيلية، وما تبقى منها من بضعة كيلو مترات بجانب قطاع غزة يمكن أن نطلق عليه دجاجة مقلية أو دولة فلسطينية كما قال رئيس الوزارء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو منذ أكثر من 15 عاماً.
الدولة الفلسطينية رغم أهميتها التاريخية ومكانتها الدينية لدى العرب أصبحت مجرد وهم على أرض الواقع فقد بدأت إسرائيل منذ ربيع 2010 بتنفيذ مخطط يقضى بتهجير وطرد ٧٠ ألف فلسطينى من الضفة بذريعة أن وجودهم فيها غير قانونى، ويعتبر هذا التهجير ثالث أكبر وأخطر عملية تهجير جماعى قسرى للفلسطينيين بعد نكبة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧، وسيكون لهذه الخطوة وقع «الشرارة» فى إشعال المنطقة وليس فى فلسطين فقط. ويهدف نتنياهو بهذا التهجير القسرى إلى إفراغ الخطط الأمريكية بفرض خطة تسوية شاملة على إسرائيل، ومن جانب آخر فإنها تفرغ مفهوم الدولتين من مضمونه الحقيقى وتجعله متوافقا مع رؤية نتنياهو لحل الدولتين التى أعلنها عام ١٩٩٦ ويطلق عليها «دولة الدجاج المقلى».
وتتلخص نظرية رئيس الوزراء الإسرائيلى فى إبقاء إسرائيل مسيطرة على معظم الأراضى باهظة الثمن فى الضفة الغربية وزج الفلسطينيين فى معازل غير قابلة للحياة مفصولة جميعا عن القدس المركز التقليدى للحياة الفلسطينية وإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية، ويحق للفلسطينيين بعد ذلك أن يطلقوا على ما تبقى لهم من جيتوهات معزولة لقب دولة أو حتى «دجاج مقلى» على حد تعبيره قبل نحو ١5 عاما.
وهناك العديد من العوامل التى تخيف حكومة نتنياهو من قيام دولة فلسطينية، وأبرزها هو التأكيد الدولى على أن حدود عام 1967 هى النقطة المرجعية للمفاوضات. وقيام الأمم المتحدة بوضع حدود عام 1967 على أنها نقطة الانطلاق للمفاوضات، يضع حدا لإسرائيل التى تطمح للحصول على الأرض الفلسطينية كاملة، لأنها إذا تنازلت عن الأراضى الإسرائيلية التى تسعى إلى حيازتها من الفلسطينيين أبعد من حدود عام 1967، فلن ينتهى بها المطاف إلا بحيازة أرض عرب 1948 (التى تسيطر عليها بالفعل).
ومجرد السعى لقيام الدولة الفلسطينية، له عدة مزايا، منها أنه فى حال استخدام الفيتو الأمريكى لإفشال هذه الخطوة، سيتضح دليل جديد صارخ على الانحياز الأمريكى للكيان الإسرائيلى، وسيؤكد ما هو معروف مسبقاً، أن أمريكا لا تصلح وسيطاً أميناً فى العملية السلمية.
وفى تحليل لماهية الدولة الفلسطينية على أرض الواقع رصدت «فورن بوليسى»: فلسطين مقسمة على 5 أجزاء مختلفة، الجزء الأول، غزة، ويعيش به أكثر من مليون فلسطينى، واقتصاده مهمل، تحكمه حماس وتحاصره وتحاربه إسرائيل. والجزء الثانى، الضفة الغربية، ويقطنها 2.6 مليون فلسطينى، ولا يبدو أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الحاكمة، لأن الإسرائيليين مازالوا يحكمون جزءاً كبيراً منها، ويتوسعون فى بناء المستوطنات، ويعززون الأمن والاقتصاد، وبناء المؤسسات. والجزء الثالث، القدس الشرقية، ويعيش بها 300 ألف فلسطيني، أى نحو 38% من سكان المدينة، وهم قلقون بشكل دائم من فقد إقامتهم بها، وأصبحت حياتهم اليومية أكثر صعوبة، بعد الجدار الفاصل.
والجزء الرابع هو الـ5 ملايين لاجئ فلسطينى، ينتشرون فى 58 مخيم معترف به فى الأردن وسوريا ولبنان. والجزء الخامس هو الـ1.3 مليون فلسطينى الذين يعيشون فى إسرائيل.
وبعيدا عن الانقسام الميدانى فإن الدولة الفلسطينية سياسيا هى دولة وهمية وفق «فورن بوليسى»، فكيف ستعترف بفلسطين وهى 3 كيانات منفصلة سياسيا الضفة وغزة والقدس الشرقية.
غزة.. «حماس» تمنع الدعم الشعبى وتحذر من ضياع «حق العودة»
فى وقت تشهد فيه الدبلوماسية الفلسطينية حركة نشطة على المستويات الدولية والعربية والإسلامية لتحقيق مزيد من الدعم لما يعرف بـ«استحقاق أيلول»، تغيب كليا عن قطاع غزة الفعاليات المساندة لتوجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومع عدم خروج ذلك فى شكل إعلان رسمى، يتردد بين الأوساط السياسية والشعبية قيام حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الحاكمة فى غزة منذ يونيو 2006، بمنع تنظيم أى أنشطة لها علاقة بذلك التوجه، وذلك بعدما أزاحت الحركة الستار عن موقفها الرافض لتحرك الرئيس محمود عباس (أبومازن)، لما وصفته بـ «المخاطر» التى قد تلحق بالقضية الفلسطينية فى أعقاب إعلان الدولة.
ورغم تأييده لأى تحرك من شأنه استعادة الحقوق الفلسطينية، إلا أن النائب عن حركة «حماس» يحيى موسى، وصف توجه السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، بأنه خطوة «انفرادية لم تستشر فيها باقى الفصائل الفلسطينية»، كما أنه- بحسب موسى- قرار لم يتم تدارس أبعاده على القضية الفلسطينية، خصوصا فيما يتعلق بقضية اللاجئين.
وأوضح موسى فى حديث لـ«المصرى اليوم» أنه من الناحية العملية «فما دمنا نحن لا نتبنى هذا الأمر، ونرى أنها خطوة ليس بالضرورة أن تكون إيجابية، فكيف بنا أن نخادع شعبنا ونجيش شعبنا فى الاتجاه الخطأ». وأضاف: «لسنا مع الذهاب فى هذا الاتجاه دون أن تكون هناك دراسة وافية واتفاق وإجماع وطنى».
وتبدى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكة رفضهما المطلق للقرار الفلسطينى، وتحذران من تداعياته على عملية السلام وسير المفاوضات المتوقفة فعليا.
فى المقابل، استهجن فيصل أبو شهلا، النائب عن حركة «فتح» فى المجلس التشريعى، قيام حركة «حماس» بمنع تنظيم أى فعاليات من شأنها دعم موقف السلطة الوطنية الفلسطينية فى رام الله، بخصوص إعلان الدولة فى الأمم المتحدة، لافتا إلى أن الحركة الإسلامية أعلنت بشكل واضح أنها لن تسمح بأى تحرك فى غزة، مادام يدعم موقف الرئيس أبو مازن.
وأضاف لـ«المصرى اليوم» أن «العالم كله يدعم الدولة الفلسطينية، فى حين يوجد من الشعب الفلسطينى نفسه من يمنع أبناء قطاع غزة من التعبير عن مشاعرهم وآرائهم». ووصف ذلك بـ«قمع للحريات يجب ألا يستمر». كانت جهات فلسطينية عديدة قد حذرت من تداعيات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لاسيما على حقوق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى منازلهم التى هجروا منها عام 1948، خاصة أن الاعتراف من المفترض أن يقتصر على الأراضى المحتلة عام 1967. وبينما حذرت حركة «حماس» وبقية القوى الفلسطينية التى تتخذ من دمشق مقرا لها من خطوة الرئيس عباس، أيدت قوى منظمة التحرير التوجه إلى الأمم المتحدة على اعتبار أنه فرصة لـ «الفكاك من الرعاية الأمريكية لعملية السلام». وجدد القيادى فى الجبهة الشعبية، جميل مزهر، موقف حركته الداعم لخطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى الجمعية العامة التابعة للمنظمة الدولية، كونها وسيلة مهمة لإدخال العالم من جديد فى حيثيات العملية السلمية، على حد قوله.
الضفة الغربية.. احتفالات رسمية وقلق شعبى من انتقام المستوطنين
بدأ الفلسطينيون عدهم التنازلى قبل ساعات من التصويت فى الأمم المتحدة على حقهم فى إعلان الدولة الفلسطينية، مع التقدم بطلب للحصول على العضوية الكاملة.
ورغم الحراك السياسى غير المسبوق على المستوى الدولى للتحضير لهذه الخطوة، إلا أن جدلا واسعا يجرى فى الساحة الفلسطينية حول جدوى هذا التوجه فى ظل الإعلان الصريح للولايات المتحدة باعتزامها استخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار، إضافة إلى المعارضة الأوروبية الواضحة لهذه الخطوة.
يقول عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطينى (فتح)، محمد المدنى، إن التوجه الفلسطينى إلى الأمم المتحدة يعنى وضع الولايات المتحدة والمجتمع الدولى أمام مسؤولياته تجاه الجانب الفلسطينى. وتابع المدنى لـ«المصرى اليوم» قائلا «لاحظنا التضامن الواسع من قبل دول العالم المختلفة، والتصويت لصالحنا، رغم الفيتو الأمريكي، سيزيد هذا التضامن وسيحرج إسرائيل ويزيد فى عزلتها».
ويذهب اليسار الفلسطينى- شريك حركة فتح بالمنظمة- إلى أبعد من ذلك فى تقييمه لأهمية هذه الخطوة، التى تتمثل فى إسقاط خيار المفاوضات مع الاحتلال كخيار استراتيجى لإعلان الدولة الفلسطينية والتوجه إلى طرق دبلوماسية أخرى، كما يقول الأمين العام لحزب الشعب الفلسطينى بسام الصالحى.
ويوضح الصالحى لـ«المصرى اليوم» أن «الولايات المتحدة منذ زمن حصرت قضية السعى الفلسطينى فى الحصول على دولة بيد إسرائيل. اليوم يعنى هذا التحرك الفلسطينى رفضاً واضحاً للتحكم الإسرائيلى- الأمريكى، وإرساء منهج قرارات الأمم المتحدة كونها مرجعية أولى لعملية السلام، وإعادة فتح وحسم القضايا على الصعيد الدولى ويشترك بها العالم بأسره». وأكد الصالحى أن أى تراجع للفلسطينيين عن خطوتهم بالتوجه إلى الأمم المتحدة يعنى «انتحارا سياسيا» على كافة المستويات. ولم يقف الجدل الفلسطينى عند هذه النقطة، فكانت بعض الأصوات التى حذرت من خطورة هذه الخطوة على مستقبل منظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطينى فى الأوساط الدولية، وأن أى دولة سيتم إعلانها ستحل مكانها فى التمثيل. وعلق الصالحى على هذا الجدل مؤكدا أنه «لا تعارض بين منظمة التحرير وإعلان الدولة. من سيقدم طلب العضوية هو منظمة التحرير، وفى حال قبول طلبها سيصبح أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة هم حكومة الدولة».
هذا على الصعيد السياسى، أما على مستوى الشارع الفلسطينى، فالتخوف بات واضحا فى أوساطه، مع اقتراب موعد التصويت، خاصة فيما يتعلق بتهديدات المستوطنين بردود فعل انتقامية.
وتقول الناشطة الشبابية والصحفية ميرفت صادق «نلمس تخوفا كبيرا فى الشارع الفلسطينى، هناك حديث عن قطع للطرق وانتشار للمستوطنين وإغلاق للمعابر والجسور».
ورغم هذا التخوف، تبقى قلة قليلة داعمة للخطوة. غالبية هؤلاء من الناشطين، الذين يوصفون بـ «المقربين» من السلطة الفلسطينية ومن حركة «فتح»، التى تحضر بدورها لمسيرات احتفال شعبية، تحرص خلالها على عدم التوجه إلى نقاط التماس مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أراضى «48».. مخاوف من مواجهة جديدة وانتظار انفراجة «غير متوقعة»
بحسب القراءة الإسرائيلية العامة لـ«استحقاق أيلول»، يبدو أن شهر سبتمبر الحالى سيكون عنوانا لمواجهة جديدة مع الفلسطينيين، أو ربما انفراجة غير متوقعة فى الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى، كما يرى البعض. هكذا تتنوع آراء الداخل الإسرائيلى، عرباً ويهوداً، بين رفض وقبول، تماما مثلما تتنوع على الساحة الفلسطينية.
وتجمع القيادات الفلسطينية داخل إسرائيل على أهمية تحقيق «استحقاق أيلول»، دون أن يولوا أهمية لما ستسفر عنه النتائج، من تلويح الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق «الفيتو»، أو غير ذلك، فى حين أن الغالبية العظمى للقيادات الإسرائيلية ترفض توجه الفلسطينيين للمنظمة الدولية لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وفيما هو أشبه بالتهديد العلنى، جاهر نائب وزير الخارجية الإسرائيلى دانى آيلون بأن خطوة فلسطينية أحادية كهذه ستجعل إسرائيل تضم المستوطنات، وتغير الوضع فى الضفة الغربية، وتلغى الاتفاقات القائمة بينها وبين السلطة الوطنية، «وعلى الفلسطينيين تحمل النتائج».
أما عضو الكنيست من حزب «كاديما»، يوحنان بلستير فيرى أن العبرة ليست فى الخطوة وإنما فى «فحوى القرار، لأنه على خلفية ذلك بوسع إسرائيل إلغاء اتفاقيات سابقة، ومعنى ذلك بالنسبة للسلطة الفلسطينية أنه لن تكون لها أى سلطة على الأرض لأن من يحدد ذلك هو السيادة الفعلية».
وعلى النقيض، يدعم النائب الإسرائيلى، دوف حنين، قولا وفعلا، توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة من خلال مشاركته فى مظاهرات مؤيدة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، فى كل المناطق المحتلة منذ 1967. ويقول «إن النضال من أجل استقلال فلسطين هو نضال من أجل مستقبل هذا البلد».
يشار إلى أن حوالى 700 شخصية من مختلف الأوساط السياسية والأكاديمية والصحفية والفنية والأدبية، منها أكثر من 500 شخصية يهودية، وقعوا على عريضة تأييد للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومضى قائلا إن «نتنياهو يطالب بعدم وضع شروط مسبقة للبدء بالمفاوضات، بينما يواصل الاستيطان أكثر من شرط مسبق فهو بمثابة خلق أمر واقع». وأشار الى أنه متشائم بسبب وجود كونجرس أمريكى ينافس الكنيست الإسرائيلى فى التطرف، الأمر الذى قد يقود إلى قيام إسرائيل بحجز الأموال الفلسطينية. هذا، بالإضافة إلى أن محاصرة السلطة ماليا من قبل الكونجرس، تعنى انهيار السلطة الوطنية. هذا الوضع- برأى حنين – يكشف طبيعة وضع السلطة الفلسطينية، «التى لا يستطيع رئيسها التحرك دون تصريح إسرائيلى». وعن موقف القيادات العربية، ذكر رئيس الحزب الديمقراطى العربى طلب الصانع أن «نقل الصراع إلى مجلس الأمن خطوة مهمة لوضع الشرعية الدولية أمام تنفيذ قراراتها، ولأنها بغض النظر عن النتائج ستضع القضية الفلسطينية فى المسار الصحيح».
أما النائب حنا سويد فقال إن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيخرج القضية من الحقل الأمريكى وسيتمكن الفلسطينيون من ردع الاحتلال ومواجهته بحسب قوانين دولية». فيما قالت النائبة العربية حنين زعبى إن «الاعتراف لا يعنى حرية هذه الدولة وانتهاء الصراع، لكنى آمل أن يعيد للنضال مقوماته المرجعية».
عشرات الدول تدعم الخطوة.. ومعسكر الرفض ينقذ نتنياهو
تمثل الخطوة الفلسطينية بالتوجه لإعلان الدولة المستقلة فى الأمم المتحدة تحولاً مهماً فى المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة والمعارضة على حد سواء، بل تكشف فى الوقت نفسه الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل بإعلان واشنطن أنها ستستخدم حق النقض الفيتو، بما يزيد من الانتقادات الموجهة للإدارة الأمريكية ويعرى دورها فى عملية السلام، أو لمعسكر الرفض الذى يسعى لإنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من ورطته.
وبينما أعلنت حتى الآن أكثر من 130 دولة دعمها للتوجه الفلسطينى فى المنظمة الدولية فى مقدمتها الدول العربية ودول عدم الانحياز وغالبية دول أمريكا اللاتينية، فإن المواقف الأهم تتمحور فى الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن حتى يمثل موقفها- إن وافقت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية- ترجيحا للمطلب الفلسطينى وكشفا للفيتو الأمريكى المرتقب.
وتتباين مواقف وأهداف دول العالم المختلفة التى أعلنت تأييدها حتى اللحظة للمطلب الفلسطينى، حيث قال كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، إنه من المتوقع أن يرتفع عدد الدول التى ستؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى 50 دولة، وذلك بحسب الضغوط المختلفة التى ينجح فيها أطراف العملية وهم الفلسطينيون ومن ورائهم الجامعة العربية والدول الإقليمية فى مواجهة الحملة الإسرائيلية المضادة بدعم أمريكى غير مسبوق لرفض الاستحقاق الفلسطينى.
ومع تأكيد العديد من المسؤولين الفلسطينيين أن هناك أكثر من 130 دولة أعلنت تأييدها لدولتهم المرتقبة، فإن هذا الرقم وإن تزايد يدعم الموقف الفلسطينى فى نيل الاعتراف فى الجمعية العامة لنيل العضوية كدولة «مراقب» فى المنظمة الدولية فى إطار السيناريوهات الفلسطينية المعدة إذا فشل مسعاهم فى انتزاع الاعتراف بدولة كاملة العضوية عبر مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكى.
ويمثل التهديد الأمريكى الصريح بـ«الفيتو» تحولا وتراجعا فى موقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما، الذى كان أعلن مرارا دعمه لإعلان الدولة الفلسطينية خلال عام، عبر المفاوضات، ومع تعثر مسار التسوية بسبب التعنت الإسرائيلى الرافض لوقف الاستيطان فى الأراضى المحتلة بما فيها القدس الشرقية فإن السلطة الفلسطينية أعلنت تحديها بمسعاها لنيل الاعتراف بالدولة المستقلة على حدود 67 للضغوط الأمريكية المتواصلة والمكثفة لمنعها من التوجه للأمم المتحدة.
ومع اقتراب حملة الترشح لخوض الانتخابات الأمريكية العام المقبل والأداء الضعيف اقتصاديا لأوباما، فإنه لا يمكنه مجابهة اللوبى الإسرائيلى فى بلاده.
وفى الوقت نفسه، تبرز أهمية الموقف البريطانى والفرنسى للدولتين ذواتى العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، وحتى الآن يسيطر التردد فى حسم موقف الجانبين، لكن مسؤولين فرنسيين أعلنوا أن قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يصدر فى اللحظات الأخيرة بحسب «المواءمات» ومعرفة ما ستسفر عنه الحملة الإسرائيلية والضغوط الأمريكية. ولم تحسم بريطانيا هى الأخرى موقفها حتى الآن، ومن المحتمل أن تدور فى الفلك الأمريكى الرافض فى نهاية المطاف. بينما يسود الانقسام الموقف الأوروبى من المسعى الفلسطينى، إذ تتزعم ألمانيا وهولندا الدول المعارضة، فى مواجهة إسبانيا وبعض الدول الصغيرة.
ومن جانب آخر يتمثل الموقف الروسى الداعم لإعلان الدولة الفلسطينية ثباتا فى موقف موسكو المؤيد للقضية الفلسطينية من جهة، حتى تحافظ موسكو على مصالحها فى المنطقة فى مواجهة التغلغل الأمريكى من جهة أخرى، كما تسعى موسكو لدعم دورها فى عملية السلام كأحد أطراف اللجنة الرباعية الدولية. لكن التقارب الروسى مع واشنطن مؤخرا من شأنه أن يضعف الموقف الفلسطينى. فى المقابل، نرى الموقف الصينى المؤيد أيضا للدولة الفلسطينية، يمثل امتدادا لموقف بكين المؤيد للدول العربية فى مواجهة الولايات المتحدة، كما يعكس الرغبة الصينية فى أن يكون لها دور مستقبلى فى عملية السلام، رغم علاقاتها الجيدة مع إسرائيل. ومن البديهى أن الدول العربية ودول الجوار أعلنت تأييدها لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.
الاحتلال وتقلص المساعدات يقيدان الاقتصاد الفلسطينى.. و«حلم الدولة» ينقذه من الانهيار
منذ أن أعلن الفلسطينيون نيتهم التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية فى المنظمة الدولية، وإسرائيل تصعد حملاتها الضاغطة على السلطة الفلسطينية بهدف ثنيها عن تلك الخطوة، مهددة بإلغاء كل الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، بما فيها الاتفاق الاقتصادى، وذلك فى الوقت الذى ترزح فيه الأراضى الفلسطينية تحت وطأة أزمة مالية طاحنة وصفها رئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض بأنها «الأسوأ على الإطلاق»، مع تقلص المساعدات الخارجية، الأمر الذى قد يقوض التقدم الذى أحرزه الفلسطينيون فى بناء مؤسسات الدولة.
وأشار تقرير للبنك الدولى مؤخراً إلى أن السلطة الفلسطينية حققت «تقدماً جوهرياً» فى تنفيذ أهداف خطة مدتها عامان لبناء مؤسسات جاهزة لدولة بحلول سبتمبر من العام الجارى، لكن أزمة مالية مطولة تجازف بتعريض المكاسب التى تم تحقيقها بعناء فى بناء مؤسسات الدولة خلال السنوات الماضية للخطر.
وينحى محللون باللائمة فى الأزمة المالية الحالية للسلطة الفلسطينية على نقص فى المساعدات من الدول العربية، الأمر الذى أدى إلى إخفاق السلطة مرتين خلال الأشهر الـ3 الماضية فى دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 150 ألف شخص فى موعدها وبشكل كامل، ونبه البنك الدولى إلى أن وصول المساعدات أقل من المتوقع فى النصف الأول من2011، أدى إلى خفض توقعات نمو إجمالى الناتج المحلى الحقيقى هذا العام من 9% إلى 7%.
وتفرض إسرائيل منذ سنوات إبان انتفاضة 2000على الفلسطينيين عقوبات اقتصادية شديدة، أبرزها حصار غزة الذى فرض عام 2006، والذى ألحق أضراراً بالغة بجميع مقومات الحياة فى القطاع، بالإضافة إلى منع أموال الضرائب- التى تجمعها حسب الاتفاقيات نيابة عن السلطة بحكم سيطرتها على الحدود والمعابر- مرات عديدة عن السلطة الفلسطينية، مما تسبب فى تفاقم أزمة الرواتب، وتدمير العديد من أعمال القطاع الخاص. ويقول وزير الاقتصاد الفلسطينى حسن أبو لبدة «إسرائيل تسيطر على اقتصادنا وتتعامل معه كرهينة، وحتى يحقق نمواً لابد لاقتصادنا من الإفلات من قبضة الاحتلال»، ويضيف أنه فى حالة الاعتراف الأممى بالدولة الفلسطينية «نستطيع أن نطالب من خلال الأمم المتحدة إسرائيل باحترام العلاقات التى ترتبها عضوية الأمم المتحدة، بعدم اعتداء أى دولة على جيرانها سياسياً واقتصادياً وأمنياً».
وفى الوقت الذى تهدد فيه إسرائيل بممارسة المزيد من العقوبات الاقتصادية على الفلسطينيين حال حصولهم على الاعتراف الأممى، يقلل محللون فلسطينيون من تأثير تلك العقوبات، حيث يقول د.محمد المقداد، الأستاذ بالجامعة الإسلامية، فى حديث لموقع «فلسطين أون لاين» إن الظروف المحيطة بإسرائيل لن تمكنها من معاقبة الشعب الفلسطينى بعقوبات قاسية فى ظل أزمتيها مع مصر وتركيا، وأوضح أن التهديدات الإسرائيلية بإلغاء الاتفاقات الاقتصادية لم تعد تمثل خطورة على الجانب الفلسطينى، مؤكداً أن إسرائيل لم تلتزم من الأساس بتطبيق الاتفاق.
http://www.almasryalyoum.com/node/498097