"مسلم أم قبطي أم انسان"
بقلم: علاء الأسواني
=============================================
عزيزي القاريء
هل تعتبر نفسك ــ في المقام الأول ــ مسلما أم مسيحيا أم انسانا .؟!.
هل تعتبر انتماؤك أولا الى دينك أم أن انتماءك الى الانسانية يسبق أى انتماء آخر . ..
ان اجابة هذا السؤال سوف تحدد رؤيتك للعالم وتعاملك مع الاخرين .
فلو أنك تعتبر نفسك انسانا قبل أى اعتبار آخر فانك قطعا سوف تحترم حقوق الآخرين بغض النظر عن أديانهم .
ان الفهم الصحيح للدين سيجعلك بالضرورة أكثر انتماءا للانسانية لأن الدين
في جوهره دفاع عن القيم الانسانية: العدل والحرية والمساواة ...
أما لو اعتبرت أن انتماءك للدين يسبق انتماءك للانسانية فقد بدأت طريقا خطرا ستتورط آخره غالبا في التعصب والعنف ..
الدين بطبيعته ليس وجهة نظر وانما هو اعتقاد حصري لا يفترض صحة الأديان الأخرى .
يبدأ الأمر بأن يؤمن الانسان بأن دينه هو الوحيد الصحيح أما أتباع الأديان
الأخرى فهم في نظره ضالون لأن أديانهم مزيفة أو محرفة أو لم تنزل من
السماء أساسا . .
هذا الاحتقار للأديان الأخرى سيؤدى بك بالضرورة الى التقليل من شأن أتباعها .
فاذا كان المختلفون عنك دينيا يؤمنون بأوهام وخزعبلات بينما أنت الوحيد
الذى تؤمن بالدين الصحيح فلايمكن أن يتساوى هؤلاء الضالون معك في الحقوق
الانسانية . ..
شيئا فشيئا سيؤدى بك هذا التفكير الى نزع الطابع الانساني عن المختلفين معك في الدين ..dehumanization
سوف تفكر في أصحاب الأديان الأخرى بشكل جمعى وليس بطريقة فردية .
اذا كنت مسلما لن ترى جارك القبطي باعتباره انسانا له وجود مستقل وسلوك
شخصي وانما ستعتبره واحدا من الأقباط وسوف تعتبر أن الأقباط عموما لهم سلوك
وطباع معينة تميزهم ،
عندئذ سوف تقطع خطوة أخرى نحو الكراهية فتقول جملا من نوع:
ــ هؤلاء الأقباط خبثاء ومتعصبون .. أنا لا أحبهم !!!
وقد تبلغ بك كراهية أصحاب الديانات الأخرى الى درجة التقزز فهم في نظرك ،
بالاضافة الى كونهم كفارا ، غارقون في النجاسة لأنهم لايتطهرون بنفس
طريقتك من الجنابة و قد تلاحظ اذا اقتربت من أحدهم أن لهم رائحة مميزة ربما
بسبب البخور الذين يستعملونه أو الطعام الذى يأكلونه . ..
عندما
تصل الى هذه الدرجة ياعزيزي القاريء فأنت للأسف شخص متعصب متطرف دينيا
وأنت مرشح بقوة لارتكاب جرائم في حق الآخرين لأنك فهمت الدين بطريقة خاطئة
أدت بك الى كراهية الآخرين واحتقارهم ..
السؤال هنا :
--------------
كيف كان المصريون يمارسون تدينهم ..؟!.
الحق أن المصريين من أكثر الشعوب تدينا لكن تراثهم الحضاري جعلهم دائما يفهمون الدين على النحو الصحيح .
لقد احترمت مصر دائما الأديان جميعا وكانت دائما مكانا آمنا متسعا للجميع فاستقبلت المهاجرين من كل الملل والأعراق ..
أرمن وايطاليين ويونانيين ويهود وبهائيين...
كما أن حضارة مصر أتاحت الحريات الشخصية الى أقصى مدى .. ..
في مصر المتحضرة أنت الذى تحدد نمط حياتك . اذا أردت أن تذهب للصلاة اذهب واذا أردت أن تذهب لترتكب المعاصى اذهب.
أنت حر تماما لكنك أيضا وحدك مسئول تماما عن أفعالك أمام الله والقانون .
--------------------------------------------------------
في عام 1899 قدم الامام العظيم محمد عبده القراءة المصرية للاسلام فخلص
العقل المصري مرة واحدة والى الأبد من التعصب والخزعبلات وبالرغم من
الاحتلال البريطاني انطلقت مصر لتكون رائدة في كل مجال تقريبا . .
ظل هذا الفهم المصري المتسامح للاسلام مستقرا في مصر حتى اندلعت حرب أكتوبر عام 1973
وبفضل تضحيات الشعبين المصري والسوري ارتفع سعر النفط عدة مرات مما أعطى الدول الخليجية النفطية قوة اقتصادية غير مسبوقة.
ولأن النظام السعودى يعتمد في استقراره السياسي على تحالفه مع الشيوخ
الوهابيين فقد تم انفاق ملايين الدولارات من أجل نشر الفهم الوهابي للاسلام
في العالم كله .
أضف الى ذلك أن الأزمة الاقتصادية في مصر قد
أجبرت ملايين المصريين على الهجرة للعمل في السعودية فعادوا مشبعين
بالأفكار الوهابية الغريبة تماما عن المجتمع المصري .
القراءة الوهابية للاسلام ، على العكس تماما من القراءة المصرية ...
مغلقة متشددة معادية للديمقراطية ظالمة للمرأة ..
الوهابية تحيل الدين غالبا الى طقوس واجراءات وتهتم بالشكل على حساب جوهر الدين ..
المصري يتعلم في بلاد الوهابية أن شعر زوجته لو انكشف في الشارع فلسوف تردعه فورا جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(المسئولة عن فرض الأخلاق الحميدة بالقوة )
وفي نفس الوقت يدرك المصري في السعودية أن القوانين لايمكن تطبيقها أبدا
على الأمريكيين والأوروبيين والأمراء والكبراء وانما تطبق القوانين بصرامة
فقط على المصريين وبقية الجنسيات المستضعفة.
المصري هناك يتعلم أن التقاعس عن أداء الصلاة من الكبائر ولكن في نفس الوقت،
أن يقوم الكفيل السعودى باذلال المصريين ونهب حقوقهم المالية والقائهم في السجن اذا طالبوا بحقوقهم ..
فهذه مسألة أخرى بعيدة تماما عن الدين وفقا للمفهوم الوهابي.
على مدى عقود انتشرت الأفكار الوهابية في مصر وكان أخطر ما زرعته في المجتمع المصري كراهية الأقباط وتحقيرهم
ونعود الى مجلة "روزاليوسف" العدد -4327 - لنقرأ موضوعا للأستاذ عصام عبد
الجواد استعرض فيه تصريحات شيوخ السلفيين الوهابيين عن الأقباط ..
فالشيخ سعيد عبد العظيم يقول:
"لا محبة ولا صداقة مع النصارى ولايجوز اتخاذ أولياء منهم أو تهنئتهم بأعيادهم لأنهم يزدادون كفرا في أعيادهم " ..
الشيخ أبو اسلام يقول: " يجب أن يتعقل المسيحيون لأن كل ما يؤمنون به مناف للحقيقة والعقل " ...
الشيخ ياسر البرهامي يؤكد أنه " لا يجوز للمسلم مشاركة الأقباط في مناسباتهم الدينية لأنهم مشركون "...
أما الشيخ أحمد فريد فيقول " لا يجوز للمسلم أن يواسي القبطي في ميت له
ولا يجوز أن يعشمه بشيء في الآخرة فليس للقبطى في الآخرة الا نار جهنم "..
-------------------------------------------------------------------------
هذه أمثلة لما يتردد كل يوم في الخطب التى يلقيها مشايخ الوهابية في
المساجد والفضائيات السعودية، هذا الكلام اذا حدث في أية دولة محترمة يعتبر
جريمة تحريض على كراهية المواطنين والاعتداء عليهم لمجرد أنهم مختلفون في
الدين.
لكن مشايخ الوهابية للأسف يسممون عقول المصريين ويملأون قلوبهم بالكراهية والتعصب بلا أدنى رادع من أخلاق أو قانون . ..
ماذا نتوقع من هؤلاء الذين يفكرون بهذه الطريقة .؟!..
هنا يبدو ما حدث منذ أيام في قرية الماريناب بادفو في محافظة أسوان مفهوما بل ومتوقعا ..
في قرية الماريناب توجد كنيسة مارجرجس التى يصلى فيها أقباط القرية منذ عام 1940
وقد تهدمت حوائطها مؤخرا بفعل القدم فقام المسئولون عنها باصدار تراخيص قانونية من أجل تجديدها ..
الى هنا والأمر طبيعي ..
فجأة حدثت مشكلة: ظهرت مجموعة من السلفيين الوهابيين ليرفضوا ترميم
الكنيسة وبدلا من أن تقوم السلطات بتنفيذ القانون وحماية الكنيسة ..
عقد مسئولون في الشرطة والجيش مجلسا عرفيا قام فيه السلفيون باملاء شروطهم
على خادم الكنيسة حتى يقبلوا تجديدها فاشترطوا أن تظل الكنيسة بدون
ميكروفونات ولا قبب ولا صلبان .
السؤال هنا كيف تقوم كنيسة بدون الصليب الذى هو رمز العقيدة المسيحية ..؟
الاجابة أن هذه رغبة السلفيين التى وافق عليها المسئولون في الشرطة والجيش
واضطر خادم الكنيسة الى الموافقة عليها حتى يتمكن من ترميم كنيسته ....
الغريب أن قبول خادم الكنيسة بهذه الشروط المجحفة لم ينقذ الكنيسة من السلفيين .
ففي يوم الجمعة التالي قام خطيب الجامع الوهابي بتحريض المصلين ضد الكنيسة
وما أن انتهت الصلاة حتى انطلق المتعصبون وحاصروا الكنيسة ثم أحرقوها
وهدموها تماما . وقد ارتكبوا جريمتهم على مدى ساعات لم تتدخل خلالها قوات
الجيش أو الشرطة لحماية بيت من بيوت الله.
-------------------------------------------------------------------------
أما السيد محافظ أسوان وهو من فلول نظام مبارك فقد اعتمد الطريقة القديمة
في انكار المسئولية فصرح بأنه لا توجد أصلا كنيسة في القرية
( أى أن كل ما حدث كان مجرد تهيؤات في أذهان بعض الأقباط لا أكثر ولا أقل )
ان جرائم الاعتداء على الكنائس تكررت بطريقة غريبة ومريبة في مصر بعد
الثورة فما حدث في ادفو قد حدث من قبل في الفيوم والاسماعيلية وامبابة وعين
شمس واطفيح ..
الأمر الذى يثير أكثر من سؤال :
أولا :
-----
ان المجلس العسكري يقوم بمهام رئيس الجمهورية والبرلمان جميعا أثناء
الفترة الانتقالية وبالتالي فهو وحده المسئول عن ادارة البلاد ،
لماذا يتعامل أفراد الشرطة العسكرية مع المتظاهرين بقسوة فيضربونهم ويعذبونهم ويهينون آدميتهم
بينما يكتفى أفراد الشرطة العسكرية بالتفرج على السلفيين وهم يحرقون الكنائس والأضرحة ويقطعون أذن مواطن قبطي
ويقطعون خط قطار الصعيد لمدة عشرة أيام كما حدث في قنا .؟!.
لماذا تتحول قبضة الشرطة العسكرية القاسية الى قفاز من حرير عندما تتعامل مع السلفيين ..؟
لماذا يجلس ممثلو الجيش والشرطة مع السلفيين للتفاوض و يخضعون لشروطهم وكأنهم يمثلون دولة أخرى أقوى من مصر ..؟!
ما هي الصفة القانونية للاخوة السلفيين التى تمكنهم من تفتيش الكنائس
والسماح ببنائها بشروطهم أو منعها وهدمها أوحتى احراقها اذا أرادوا ..؟
هل يتمتع السلفيون بحظوة سياسية معينة عند المجلس العسكري
أم أن حوادث الانفلات الأمنى والعنف الطائفي تحقق مصلحة سياسية معينة
للمجلس العسكري لأنها تبرر بقاءه في السلطة بذريعة الحفاظ على الأمن
وحماية الأقباط من اعتداءات المتطرفين .؟!!
ثانيا :
------
منذ القرن التاسع عشر ناضل الشعب المصري على مدى عقود وقدم آلاف الشهداء من أجل هدفين:
"الاستقلال والدستور" ..
من أجل انهاء الاحتلال الانجليزي وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التى
كانت أمل زعماء مصر جميعا بدءا من سعد زغلول وحتى جمال عبد الناصر ..
هؤلاء الزعماء لم يكونوا علمانيين معادين للاسلام كما يردد الوهابيون
لكنهم كانوا من الثقافة والرقي الحضارى بحيث يدركون أن الدولة المدنية التى
تساوي بين مواطنيها بغض النظر عن أديانهم هي الطريق الوحيد للتقدم .
ان أية محاولة لتغيير التركيبة المدنية للدولة سيؤدى بمصر الى كارثة حقيقية . ..
فاذا كان الوهابيون لا يطيقون وجود كنيسة وهم مجرد أفراد فماذا سيفعلون بنا ،
"مسلمين وأقباطا"
اذا تولوا السلطة في مصر ..؟! ..
ان الاسلام ــ اذا أحسنا فهمه ــ يجعلنا أكثر انسانية وتسامحا واحتراما لعقائد الآخرين
أما تحقير الأقباط والاعتداء عليهم فهي جرائم مشينة لاعلاقة لها بأى دين .
الديمقراطية هي الحل