أمريكا تواجه مقاومة وليس إرهابا أجرى الحوار: عبد اللطيف بلقايمتختلف النظرة العسكرية لهجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الامريكية عن باقي النظرات التحليلية الأخرى.. لهذا يرى العقيد السابق في الجيش الشعبي الوطني أحمد عظيمي بأن الجزائر التي كافحت الارهاب بمفردها يجعلها تتميز عن الولايات المتحدة الامريكية وهو ما يجعل استفادة واشنطن من الجزائر صعبة لأن أمريكا تواجه مقاومة وليس ارهابا كما أن ما يمكن قوله حول بن لادن وواشنطن هو أن الرجل اسند له دور يلعبه وهو يمنح تبريرا لأمريكا متى ما شاءت للتدخل في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط.
في البداية نود معرفة رأيكم، كعسكري سابق، في الكيفية التي تمكنت بها القاعدة من اختراق الجدار الأمني لأكبر جيش وأقوى مخابرات عسكرية في العالم من خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 ومن قال أن القاعدة تمكنت من اختراق الجدار الأمني لأقوى دولة في العالم؟ لحد الآن كل ما شاهدناه وما سمعناه وما قرأناه حول هذه الأحداث مصدره أمريكا وابن لادن. أمريكا تقول بأن القاعدة هي من نفذت هجومات 11 سبتمبر ,2001 والقاعدة تؤكد ذلك، من خلال التصريحات المسجلة لبن لادن الذي يحمد الله الذي نصرهم فيما أسموه بغزوة منهاتن.
لا، لنكن أكثر جدية.. لنترك العاطفة جانبا ونحاول أن نحلل الأمور بنظرة نقدية. المختصون الذين درسوا صور وأشرطة هجومات 11 سبتمبر كلهم أكدوا بأن هذه العمليات تطلب تحضيرها إمكانيات هائلة إضافة إلى توفر كم هائل من المعلومات وخبرة دقيقة في مجالات مختلفة. عمليات مثل هذه تحضر على مستوى الدول الكبرى. إن الذي وقع يوم 11 سبتمبر ليس عمليات إرهابية بل هجوما خطط له وحضر ونفذ بإمكانيات دولة عظمى ومن المستحيل أن يكون بإمكانيات مجموعة من ''البدو'' المتخندقين في مكان ما تحت الأرض.
لكن بن لادن تبنى هجومات 11 سبتمبر؟ فعلا، أشرطة عديدة بثت عبر القنوات الدولية يظهر من خلالها بن لادن حامدا الله وشاكرا له على النصر المبين الذي تحقق في غزوة منهاتن. وحتى لا نظلم الرجل نقول أن هناك احتمالين:
أولهما أن يكون بن لادن لا زال في علاقة مع المخابرات الأمريكية وبالتالي فالرجل يقوم من خلال تزعمه للقاعدة بدور محدد له، وعندما أمر بتبني عمليات 11 سبتمبر ظهر على التلفزيونات العالمية ليعلن للعالم أجمع بأنه صاحب الإنجاز. هذا الاحتمال هو جد وارد لسببين اثنين أولهما أن بن لادن هو ''منتوج'' مخابراتي أمريكي؛ المخابرات الأمريكية هي التي جندته ودربته وشجعته لمحاربة الجيش السوفييتي في أفغانستان، وثانيهما، أن الرجل لا يظهر، ولا يدلي بتصريحات ضد الولايات المتحدة إلا عندما تكون هذه الأخيرة في حاجة إليه. وإن شئت أضفنا سببا ثالثا ويتعلق هذه المرة بالاعتداء الإسرائيلي الأخير على لبنان، فأين كانت القاعدة ولماذا لم يساهم أفرادها في القتال إلى جانب جند حزب الله لما كان العرب اللبنانيون يتعرضون للاعتداء الهمجي الإسرائيلي؟
الاحتمال الثاني هو أن يكون بن لادن صادقا في جهاده ضد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الغير محدود لإسرائيل، وأن يكون هو فعلا من مول، من حر ماله، هجومات 11 سبتمبر على أساس أن القاعدة هي التي خططت وحضرت ونفذت العمليات. في هذه الحالة فأن القاعدة تكون، وهذا وارد جدا، مخترقة من طرف المخابرات الأمريكية وتكون هي التي أوحت لبعض عملائها بإقناع بن لادن بضرورة ''غزو'' الولايات المتحدة، ولأن الرجل يعيش، بثقافته وقناعا ته وإيمانه وهندامه وتعابيره، في جو شبيه بالجو الذي عاشه المسلمون الأوائل الذين كانوا قلة ومع ذلك انتصروا على الروم الذين هم كثرة. بن لادن، حسب الصور التي بثت، يبدو وكأنه يعيش في عصر غير عصرنا، فهو يتحدث عن الغزو والسبي وما شابه ذلك.
إذا صدق الاحتمال الثاني فأن أمريكا تكون قد استفادت من المثل الجزائري الذي يقول: ''من لحيته بخر له''، فقد مولت العملية من أموال بن لادن وأقنعته بأنه صاحب النصر الكبير واستعملته لتبرير أعمالها العدوانية ضد العرب بحجة محاربة الإرهاب.
حضرة العقيد، هل لكم أدلة على ما تقولون؟ على المستوى الشخصي ليست لدي أدلة ولا أحد في العالم يملك أدلة على ما قلت، لكن هناك دراسات وبحوث كثيرة أنجزت من طرف تقنيين متخصصين في الطيران وهندسة العمران وكذلك في تحليل الصورة... هؤلاء جميعا يثيرون الكثير من التساؤلات التي لا نجد لها أجوبة. طبعا لن أتوقف عند كل ما كتب حول هذه القضية فالقارئ يجد في شبكة الانترنت الكثير حول هذا الموضوع. أعتقد أن ما يجب أن يثار هنا هو ما تعلق بالمستفيد من الجريمة؛ أليس معروفا أن وراء كل جريمة مستفيد؟ المستفيد هنا بلا منازع هي الولايات المتحدة التي فرضت هيمنتها التامة على العالم وسيطرت على منابع البترول في الخليج. المعروف أنه قبل 11 سبتمبر كانت أمريكا تعاني من ضائقة مالية ومن تذبذب احتياطاتها البترولية والنقدية إضافة إلى ارتخاء الرأي العام الأمريكي وانصرافه عن أمور السياسة وفقدانه للثقة في المسئولين السياسيين بعد الفضائح الأخلاقية التي مست البيت الأبيض الأمريكي في عهد كلينتون.. كل هذا جعل حكام الولايات المتحدة الأمريكية يشعرون بالخوف على مصير أقوى بلد في العالم، كما ساهمت وسائل الاتصال، التي هي في معظمها واقعة تحت تأثير اللوبي الصهيوني، في التخويف والترهيب من الإرهاب الإسلامي والسلاح الكيماوي العراقي. كل هذه الظروف مجتمعة وتحت ضغط التحالف اليهودي-المسيحي المتطرف في البيت الأبيض، كان لا بد من إحداث صدمة كبيرة تجعل الرأي العام الأمريكي يشعر بالخطر على أمنه وعلى سلامة أبنائه. الغرب متعود على مثل هذه العمليات فهو يحب أن تحدث أشياء تجعله يشعر بالخوف. في بحث جامعي أنجزته في جامعة فرنسية بينت كيف أن الصحافة الفرنسية تقوم بدور التخويف والترهيب من الأجنبي الذي هو عادة ذلك العربي والمسلم المتطرف. أعود إلى الأدلة لأقول أن أجهزة الاستعلامات التابعة للدول الكبرى لها من الخبرة والوسائل ما يجعلها تقوم بعمليات لا يكاد الشك يتسرب إليها. ولأن الحقيقة هي دائما إلى جانب الذي يتكلم، كما تقول المغنية الفرنسية مينة ذات الأصول التونسية: celui qui a parlé qui a raison، فأن الولايات المتحدة هي، في نظر الرأي العام الدولي، الضحية. وإذا أضفنا إلى ذلك ما يؤكده المعارض اليساري الأمريكي نعوم شومسكي من أن الرأي العام الأمريكي هو رأي عام خامل وبليد، يصدق كل ما يقال له عبر التلفزيونات أو ما يكتب في الجرائد، إذا أضفنا ذلك فإن صورة أمريكا المضروبة والضحية ترسخ في الذهنيات ولن يعود بمقدور أي أحد تغيير ها. وحتى في العالم العربي آمن الناس، التواقين لأي نصر يأتيهم من أية جهة كانت، بأن بن لادن ضرب أمريكا في عقر دارها وأصبح هذا الشخص شعارا يردد في الملاعب من طرف آلاف الشباب: ابن لادن شيكور الماريكان. وأخيرا من حقنا أن نتساءل: إن كانت القاعدة تملك فعلا الإمكانيات والكفاءات التي مكنتها من القيام بهجومات 11 سبتمبر فلماذا لم تقم، منذ ذلك التاريخ، بأية عملية أخرى؟
لكن ما هي فائدة الولايات المتحدة في عملية راح ضحيتها أكثر من 4000 مدني وعسكري أمريكي؟ الولايات المتحدة استفادت أضعافا مضاعفة، فهي تمكنت من إحياء النزعة الوطنية التي كادت تموت، ووحدت الأمة الأمريكية وراء جورج بوش الإبن، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فقد سيطرت، كما قلت على منابع البترول ضامنة بذلك تموين نفسها من هذه المادة الحيوية لعدة عقود مقبلة، كما فرضت هيمنتها على كل منطقة الشرق الأوسط والخليج، ولولا نكسة جيشها في العراق، الذي يتعرض لضربات قاسية من المقاومة العراقية، لكانت أتمت تنفيذ إستراتيجيتها بالقضاء على ما تسميه ''بمحور الشر'': سوريا وإيران• ماذا يساوي 4000 فرد أمام كل هذه االإنجازاتا التي تضمن لأمريكا الرخاء لعدة أجيال مقبلة، إلا في خالة حدوث ثورة شعبية عارمة في كل المنطقة أو انتصار المقاومة العراقية على الجيش الأمريكي وإخراجه مهزوما بنفس الطريقة التي خرج بها من الفيتنام .
لكن من الناحية العسكرية، هل يمكن لسيناريو مثيل بأحداث 11 سبتمبر أن يتحقق في دولة مثل أمريكا بالسهولة التي تحقق بها؟ يجب أن نعرف بأن الخطر صفر zéro le risque لا يوجد أبدا، وأن أية خطة أمنية مهما كانت محكمة لا بد وأن توجد فيها ثغرات يستغلها العدو ليتسرب منها. خذ جهاز الموساد الإسرائيلي مثلا، فهو من أقوى الأجهزة الاستخبارية في العالم ومع ذلك يقال أن حزب الله تمكن من اختراقه. يجب التأكيد على نقطة مهمة وهي أنه عندما نشكك في دور القاعدة في هجومات 11 سبتمبر فإن ذلك لا يعني بأننا نشكك في قدرة العقل العربي على اختراق الجدار الأمني لأمريكا. لا بد من التذكير بأن جهاز الاستخبارات الجزائري أستطاع أكثر من مرة اختراق الأجهزة والمؤسسات الفرنسية أيام الثورة المسلحة، وكان ذلك يتم بوسائل بسيطة لكن بإرادة وإيمان قويين ولأهداف نبيلة.
إذا أتبعنا تحليلكم فأننا نصل إلى طرح السؤال التالي: هل ما يقال عن الإرهاب الدولي هو إذن مجرد مبالغة؟ يجب أن نتفق على المعنى الذي نعطيه للإرهاب. الإرهاب بمعناه الحقيقي هو العنف الذي يمارسه بعض مواطني دولة ما، باسم الدين أو اللغة أو الإيديولوجية أو أي شيء آخر، ضد المواطنين الآخرين بسبب أنهم يختلفون معهم في الرأي أو في النظرة للأشياء أو في أسلوب الحياة. الإرهاب هو إلغاء حق الآخر في الحياة كالذي يحدث في فلسطين المحتلة مثلا. الإرهاب هو أيضا ذلك العنف الذي تمارسه دولة ضد شعب أعزل أو لا يتوفر على وسائل الدفاع. الإرهاب هو حرمان الآخر من أبسط الحقوق التي تضمنتها المواثيق الدولية. أما الجهاد أو القتال أو النضال، سميه كما شئت، من أجل تحرير الأرض أو الدفاع عن العرض والشرف فلا يمكن أبدا اعتباره إرهابا بل هو أسمى أنواع القتال. ماذا يعني الإرهاب الدولي؟ صحيح أنه لحد الآن لم يتم الاتفاق على تعريف لهذا النوع من الإرهاب، لكن اعتبار حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والمقاومة العراقية إرهابا دوليا، فأن ذلك، في نظري، غير مقبول أبدا لأنه من غير المعقول أن نخلط بين الذي يقاوم من أجل هدف شريف وبين المجرم الذي يعتدي على المواطنين ويهدد سلم وأمن البلد.
ماذا استفادت أمريكا عسكريا من التجربة الجزائرية في محاربة الإرهاب؟ لا أدري كيف تستطيع أمريكا الاستفادة عسكريا من شيء هي غير معنية به أبدا ولم تتعرض لأخطاره. أمريكا لم تتعرض لما تعرضت له الجزائر التي أصبحت لها تجربة كبيرة في مقاومة الإرهاب بمفردها وبدون أية مساعدة أجنبية، كما توفرت على تجربة نادرة في تسيير مرحلة ما بعد الإرهاب والتحكم في نتائج فترة زمنية هي من أسوأ الفترات. الآن، عندما ننظر إلى الخلف ونتذكر ما كان يحدث في تلك الفترة نقول أن حظ الجزائر في لطف الله وفي إرادة وعزيمة رجال وضعوا كل حنكتهم وكفاءتهم في خدمة الوطن. هذه التجربة يمكن اعتبارها اليوم ملكا للإنسانية جمعاء، كما كانت التجربة الثورية الجزائرية ملكا للإنسانية جمعاء غرفت منها الكثير. أمريكا لن تستطيع الاستفادة من تجربة الجزائر لأن الذي تواجهه ليس إرهابا بل مقاومة من أجل الحصول على حقوق مشروعة.
لكن ألا تمارس القاعدة الإرهاب الدولي؟ وكيف، في رأيكم، لم يتمكن جيش ومخابرات دولة في قوة الولايات المتحدة من القضاء على فلول القاعدة طيلة خمس سنوات؟ عندما تقول ألا تمارس القاعدة الإرهاب الدولي؟ أقول لك: ومن خلق القاعدة وسلحها ودربها؟ أليست المخابرات الأمريكية هي صاحبة الشرف؟ عندما أشاهد الأشرطة التي ترسلها القاعدة إلى القنوات الدولية أتألم أحيانا لحال هؤلاء المساكين ذوي اللحى الرثة والذين يرتدون بعض الأسمال ونراهم يقشرون البصل ويتدربون، كالمراهقين، على حركات يؤديها الأطفال في قاعات الرياضة.
هل أناس في وضعية هؤلاء يستطيعون ضرب أمن واستقرار أمريكا؟ أهؤلاء هم من يقومون بالإرهاب الدولي؟ صحيح، مرت ست سنوات منذ أن أعلنت أمريكا الحرب على القاعدة وما قضت عليها ولا دمرت قدراتها القتالية، فهل هذا معقول؟ هذا يزيد في شكوكنا في الدور الذي تقوم به القاعدة. لقد قدم أفرادها الذريعة لأمريكا لاحتلال العراق، وأعطوا عن المسلم صورة الإرهابي التي أصبحت تلازمه في كل مطارات العالم.
نقلا عن الجزائر نيوز