يعتبر الدفاع ضد مخاطر الاسلحة الكيميائية والبيولوجية (الجرثومية) والاشعاعية والنووية خط الوقاية الأول للمحافظة على الأرواح البشرية من أية كوارث قد تنتج عن تلك الاستخدامات المروعة، أو حدوث المزيد من حالات الرعب والهلع والخوف، جراء التلويح باستخدامها من قبل أفراد وجماعات وخلايا ومنظمات إرهابية، لاسيما داخل المدن المكتظة والمناطق الصناعية الكبرى.
ونظراً لاهمية هذه المهمة الدفاعية الحساسة على الساحة العالمية، ومن أجل صالح البشرية اولاً وأخيراً، دلت بعض الدراسات والتحليلات على أن النفقات المزمع رصدها لهذه الغاية قد تبلغ نحو 8 مليارات دولار خلال العام الحالي 2011، مع العلم أنها في طور الصعود كلما تبين أن هنالك المزيد من النوايا والتهديدات غير المسؤولة التي قد تصدر عن دول ومؤسسات عسكرية أو شبه عسكرية، بين الفينة والأخرى، تحت مبررات متعددة في مقدمتها الدفاع عن النفس ضد أي عدوان خارجي عليها.
من هذا المنطلق، تأتي العمليات التدريبية لمختلف صنوف وتشكيلات القوات المسلحة، وادارات الامن العام والدفاع المدني- للتكيف مع هذه المخاطر- في مقدمة الاجراءات المضادة .
وقد أنشأ الجيش الاميركي مدرسةً متخصصةً لهذه الغاية في قاعدة (فورت ليونارد وود)، في حين توجه سلاح الجو الاميركي نحو تدريب جميع العاملين لديه بمدرسة الجيش المذكورة آنفاً، ثم الانتقال الى مرحلة التدرب على كيفية الرد من خلال دورة متخصصة لهذا الغرض، إذْ يتم فيها التعرف على كافة العناصر والمواد التي تدخل في صناعة أسلحة الحرب الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
أما مشاة البحرية الأميركية فقد صممت برامج تدريبية متخصصة للضباط والوكلاء والاختصاصيين، لمختلف جوانب الدفاع المناسب للمخاطر المذكورة، في مدرسة (فورت ليونارد وود) بولاية ميسوري .
وعلى الساحة العالمية، اهتم الجيش البريطاني والشرطة بهذا الموضوع ، وكذلك الأمر في كل من أيرلندا وماليزيا والهند وكندا وهونغ كونغ، وغيرها ضمن وزارات الدفاع والداخلية ومقرات القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية، علاوةً على قوات الأمن العام والشرطة والدفاع المدني، والأجهزة الأمنية الأخرى، خصوصاً في مجال استخدام أنظمة وأجهزة المراقبة والكشف، الإنذار المبكر، المكافحة، الإسعافات الأولية، الإنقاذ، الإخلاء، الإيواء، العلاج، والتوعية .
يُضاف لذلك وضع خطط الطوارئ الكفيلة بالتعامل مع أي نوع من أنواع التهديدات المُشار إليها (كيميائية – بيولوجية – إشعاعية - نووية)، لاحتوائها من جهة؛ ومعالجة الآثار المرعبة الناجمة عنها في وقت لاحق، من جهة أخرى .
أنواع أسلحة الدمار الشامل ومخاطرها
يتم استخدام أسلحة الدمار الشامل بهدف إزهاق العديد من الأرواح البشرية، وإضعاف الروح المعنوية للطرف المعادي، وشل قدرات الإنتاج الصناعي والزراعي لديه، وتعطيل العمل في المرافق والمؤسسات العامة.
العوامل الكيميائية هي مواد مركّبة سامة من صنع الإنسان تشمل تلك المصمَّمة للاستخدام في الحروب أو للاستخدام الصناعي، كالمواد الحارقة الصلبة والسائلة، والغازات السامة وغازات الاعصاب. وتكون الأسلحة الكيميائية صلبة أو سائلة أو غازية غرضها قتل أو تعطيل القوة البشرية عن المقاومة. ويتمثل الإرهاب الكيميائي باستخدام مادة كيميائية سامة أو جهاز يحتوي على المادة الكيميائية السامة، أو المعدات المصمَّمة للاستخدام مع الجهاز، بهدف ارتكاب فعل إرهابي كيمائي.
العوامل البيولوجية أو الجرثومية هي مواد تسبب الأمراض، ويمكن أن تقع ضمن الفئات التالية: البكتيريا، الفيروسات، الريكتيسيات، الفطريات، والتكسينات.
تتميز الأسلحة الجرثومية بقدرة مقاومة الظروف الطبيعية، وسهولة إنتاجها وتخزينها، وصعوبة اكتشافها إلا بعد ظهور الأعراض. وتتميز أيضاً بمرونة استخدامها كعوامل مميتة أو لشل القدرة، وبسهولة انتشارها ونقلها للأمراض. وهي تحدث خسائر كبيرة ( بشرية، حيوانية، نباتية).
ويتم استخدام العوامل البيولوجية أو التكسينات بهدف إلحاق الأذى أو قتل البشر، الحيوانات، النباتات، أو بنيّة التخويف أو التهديد فيما يعرف بالإرهاب البيولوجي.
وتفتك الأسلحة الجرثومية بالكائنات الحية ويستخدمها العدو لقتل العديد من الأرواح البشرية وإضعاف جنود الخصم وتقليل مجهوده الحربي بالقضاء على النبات والحيوان؛ لذلك كانت مسؤولية الوقاية منها تقع على عاتق الأفراد والدولة.
المواد الإشعاعية يمكن أن تنتشر بشكل طبيعي أو تكون من صنع الإنسان. والإشعاع كناية عن طاقة تنتقل على شكل جسيمات أو موجات، وتصنف ضمن الأنواع التالية: جسيمات ألفا، جسيمات بيتا، أشعة غاما، النيوترونات، المواد النووية (المتفجرة).
الهجوم النووي: عند حدوث انفجار من هذا النوع، يكون الوقت قصيراً جدًا لاتخاذ ساتر مباشر؛ ويعتمد الساتر على نوع السلاح ومسافته. ومع الضوء الساطع تأتي الحرارة والإشعاعات النووية، وفي خلال ثوان تأتي موجة الانفجار. ويمكن أن تستخدم الأسلحة النووية أيضاً من خلال جهات إرهابية لو استطاعت الحصول عليها، وقد تستخدمها ضد أهداف مدنية، وقد يستخدم سلاح إشعاعي أو قنبلة ملوثة. وأحياناً قد يحدث هجوم إرهابي على محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك يشكل إرهاباً نووياً أيضاً.
وتعتبر نظم الإطلاق الجوية من الوسائل الأكثر احتمالاً وشيوعاً للاستخدام في أسلحة الدمار الشامل، وتتمثل تلك النظم بالصواريخ البالستية، الصواريخ الجوالة (كروز)، الطائرات الثابتة الجناح، الطوافات، الطائرات دون طيار ومركبات الإطلاق الفضائية.
لكن لا بد من الإشارة أن الاستخدامات الإرهابية لعوامل حرب الدمار الشامل لا تعتمد عادة هذه الوسائل مثل استخدام غاز السارين من قبل منظمة أوم في اليابان في مترو الأنفاق، والظروف البريدية التي احتوت على مواد الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة.
الوقاية
تتمثل طرق نفاذ العوامل الكيميائية والبيولوجية والمواد الإشعاعية الى الجسم عن طريق الاستنشاق والبلع والامتصاص والحقن.
عند التعرض للإصابة بالأسلحة الكيميائية يجب خلع الملابس الملوثة كيميائيًا وإبعادها، والمبادرة إلى غسل العينين وأطراف الجسم بالماء. ويستحسن البقاء لمدة طويلة تحت الماء، مع إدخال الماء داخل الفم أو العينيين أثناء الغسيل. كما يجب عدم حك الجسم أو إزالة الفقاعات عند ظهورها، ووضع قطعة قماش مبللة على المناطق المصابة وتجنب دلك الجسم، ثم نقل المصاب إلى اقرب مركز طبي أو مستشفى.
وللوقاية من الأسلحة الجرثومية ينبغي نشر التوعية الصحية على مستوى الدولة، مع توفير المضادات الحيوية والتطعيمات والأمصال واللقاحات والاستقصاء الوبائي، وملاحظة أية أعراض لافتة قد تنشأ لحصرها وعلاجها وكذلك مكافحة الحشرات والحيوانات التي قد تنقل الأمراض.
أما على مستوى الافراد فلا بد من العلاج الطبي بالمضادات الحيوية. وإن لم يكن هناك أعراض فينبغي اتباع إرشادات لمنع انتشار الجراثيم مثل النظافة، التطعيمات، استخدام الكمامة، إبقاء الملابس مغلقة، وعدم تناول الطعام أو الشراب من أوعية مفتوحة.
ولدى وقوع مخاطر هجوم نووي عند التواجد في مكان مكشوف ، يجب الإسراع إلى الاستلقاء على الأرض والجسم مسطح، وإذا كان هناك ملجأ أو مخبأ فيفضل محاولة الالتجاء إليه عند الانفجار، وعدم النظر في اتجاه الانفجار ناحية الضوء الساطع، والمحافظة على الهدوء، مع المسارعة إلى ارتداء الملابس الواقية والأقنعة إن كانت متوفرة، ثم التحصن في ملجأ آمن قدر الإمكان.
التخطيط والاستعداد
حظيت عملية التخطيط والاستعداد بموقع الأولوية الأولى في مجال الدفاع ضد تهديدات ومخاطر استخدامات عوامل حرب الدمار الشامل، لحماية الدولة والإقليم والمسرح العالمي، بما في ذلك الجنود في ميادين القتال والفرق المختصة والمخصصة للقيام بواجبات ومهام المكافحة من كافة المخاطر والتهديدات القائمة والمحتملة في المستقبل.
وعليه فإن ثمة حاجة ملحة وضرورية لتحسين وتطوير قدرات وامكانيات الاجهزة والمعدات على الدوام ، وعدم الركون الى ما هو متوفر حالياً، لكي لا تبقى نظُم المكافحة متأخرةً عن مستويات التهديدات وتقنياتها التي تخضع للابتكار يوماً بعد يوم، بهدف تحقيق عنصر المفاجأة لصالح الإرهابيين أينما كانوا وحيثما وجدوا في هذا العالم، الآخذ بالانكماش والصغر نتيجةً للثورة في تقنية المعلومات والاتصالات.
هذا وتحتاج الأنظمة المُضادة لأسلحة الدمار الشامل إلى المزيد من عمليات التدريب والتأهيل للمستخدمين، والى استمرارية لوجستية بقصد التحضير والاستعداد لأي هجمات متوقعة ، ضد أهداف منتخبة أو شاملة على حد سواء.
وفي مثل هذه الظروف والأحوال الصعبة، تتكاتف جهود العاملين في جميع المؤسسات المعنية، الدفاعية والأمنية والخدمات الصحية والطبية والمنشئات الصناعية، بهدف تكوين صورة واضحة المعالم ، للموقف العام الأمني والإجرائي، والاستماع من قبل صنّاع القرار لكافة المبادرات الأحدث والتحليلات الأدق في مجال سرعة الرد والجاهزية وإدارة الأزمات والكوارث وحماية المنشئات الحيوية وردع التهديدات والمخربين، بما في ذلك استخدام التقنيات المتقدمة وتأمين القابلية التبادلية بين كافة المؤسسات والمنظمات الحكومية والمدنية، في القطاعين العام والخاص .
تتركز رؤية برنامج الدفاع ضد الاسلحة الكيميائية والبيولوجية في وزارة الدفاع الأميركية داخل الدولة على التأكد بأن عملياتها المضادة لتلك الاسلحة غير مقيدة بتأثيراتها، في حين تنص مهمتها على ضرورة وأهمية قيام الامكانيات الدفاعية بدعم الاستراتيجيات العسكرية الوطنية المكلفة بردع تلك المخاطر والتهديدات. وذلك عن طريق ضمان صحة النتائج والطرق والوسائل الضرورية لتحقيق الاهداف المرجوة من خلال فرض عمليات التدريب الملائمة وتعيين القيادات المؤهلة إضافةً لعمليات التطوير والتحديث المستمرة، وتنسيق برامج التعليم والتدريب المُخصصة لكل جانب على حدة.
إن الاستخدام الأمثل لخطة استراتيجية مماثلة يتطلب المزيد من إجراءات التطوير للاستخدامات المطلوبة بصورة مفصلة، والرقابة الشاملة على مجريات الأحداث وردود الفعل التي من الضرورة بمكان نشرها وتعميمها على المعنيين حسب الحاجة والاختصاص، بحيث تغطى الأدوار والمسؤوليات وديناميكيات المعالجة المستخدمة من قبل وزارة الدفاع وشركاؤها في الخطة الاستراتيجية، من مختلف المؤسسسات والجهات المكلفة بتنفيذ كافة جوانب الخطة الاستراتيجية.
كما وأن الخطة الاشرافية لا بد وان تحدد المهام والتوقيتات اللازمة من أجل تحقيق الهدف النهائي للخطة الاستراتيجية، ومراجعة جدوى استخدام كافة المنتجات والادوات المطلوبة لانجاح الواجبات والمسؤوليات المنصوص عليها في بنود الخطة الاستراتيجية.
وعليه فإن الخطة الدفاعية الاستراتيجية والتعليمية لا بد وأن تغطي المتطلبات الاساسية التالية :
• إستمرارية التسهيلات المطلوبة
• التنسيق المستمر والدقيق بين مختلف الجهات المعنية أفقياً وعمودياً
• تأمين عوامل التزامن الصحيح لعمليات الرقابة والاشراف القائمة
• تقييم عمليات التغذية الراجعة (العكسية) لأغراض التعديل والتصحيح والتقويم
• تحليل النتائج المستنبطة وتحسين إجراءات المعالجة الفورية
• تمييز وتحديد الجوانب والاحداث التي تتطلب تركيزاً إضافياً
الاهداف الاستراتيجة
تتألف الاهداف الاستراتيجة المضادة لأسلحة الدمار الشامل مما يلي :
1 . العمليات الدفاعية الحالية المحسنة والمترابطة والموحدة
2 . تعبئة الافراد والهيئآت بحيث يشكلون بيئة دائمة متكيفة ومبتكرة
3 . مؤسسية التدريب والتعليم والتأهيل الدفاعية الامنية
4 . إدارة المؤسسات والاجهزة والهياكل التنظيمية
5 . التوجيه والارشاد الاستراتيجي العام
6 . إدارة المخاطر وإبطال مفعولها
تحقيق الاهداف الاستراتيجية
ترتكزعملية تحقيق الاهداف الاستراتيجية الدفاعية على الخطوات التالية:
- تقدير حالة القوة الدفاعية المكلفة بالواجب على مدار الساعة؛ قبل وخلال وبعد الحدث
- التعرف على جوانب الضعف والتقصير والثغرات
- الموافقة على التغييرات والتحسينات والتعديلات والاعتراف بها شكلاً ومضموناً لتلافي الثغرات والسلبيات
- مراقبة ومتابعة التغييرات والتحسينات وربطها بالنتائج الايجابية النهائية
البيئة الاستراتيجية
تشكل البيئة الاستراتيجية الحالية على الساحة العالمية، وفي مدى المستقبل المنظور، أحد جوانب العمليات المضادة لأخطار اسلحة الدمار الشامل، في عصر الصراعات المستمرة التي تشمل عناصر حكومية وغير حكومية، تستهدف في عملياتها الاجرامية الامن الوطني والقوات المسلحة والدول المتحالفة والشركاء الاساسيين داخل منظومة المجتمع الدولي وشعوبه ومكتسباته المادية والمعنوية .
وسائل الحماية والمراقبة
تشمل وسائل الحماية والمراقبة والانذار المبكر كافة الأدوات والتقنيات للاستخدامات الجماعية والفردية التي تسمح بتوفير قدرات الرد المناسبة خصوصاً من خلال النشر السريع لوسائل الحماية.
وفي المجال الفردي تقدم الشركات والمؤسسات الصناعية مجموعة واسعة من الأجهزة المحمولة لمراقبة التلوث الكيميائي التي تكشف وجود مركبات مثل "الغاليوم" و"الغادولينيوم" و"السارين" وغيرها،خلال مراحل التبخر والسيلان وبمقادير ضئيلة.
علاوةً على الألبسة الوقائية التي تتميز بمقاومة عالية للتأثير الحراري المتأتي من مواد نووية أو كيميائية أو جرثومية، وبعدم قابليتها للاشتعال.
وتؤمن الألبسة الواقية حماية شاملة مع السماح بدخول الهواء والرطوبة اللازمين لراحة الجسم وحيويته.
إن تلك الملابس مصممة بحيث تكون قابلة للتطهير وإعادة الإستعمال وفق أسلوب سهل وفعّال معاً، بوجود معدات متكاملة صُنعت خصيصاً لتجهيز المستشفيات الميدانية بما في ذلك وسائل تعقيم الجسم والملابس والمعدات من المواد الخطرة والسامة.
ويمكن القول في الختام أن مخاطر اسلحة الدمار الشامل على البشرية ما زالت قائمةً ومحتملةً في أي زمان ومكان. وهكذا، فمن واجب الدول ومؤسساتها الحكومية وغير الحكومية أن تكثف جهودها الوطنية والاقليمية والعالمية، وتضع الخطط الشاملة الملائمة، وتحضر الوسائل والادوات والانظمة والاجهزة، وتقوم بالتدريبات والتمارين المطلوبة، لتقليل الخسائر البشرية والمادية لأدنى حد ممكن ، إذا ما حدثت مثل تلك التهديدات المدمرة على الساحة العالمية !