منقول من المجموعه 73 مؤرخين
البطل عصمت حماده – احد ابطال اللواء 25 مدرع – الجزء الاول
هذه قصة حقيقية من واقع حرب أكتوبر اضطررت إلى كتابتها وما أنا بكاتب أو مؤلف ولكنني مقاتل سابق
وقد دفعني لكتابة هذه القصة أنني لم أجد مؤلفا أو كاتبا كتب شئ يليق بحرب أكتوبر العظيمة… وأمام سخطي وإحباطي اضطررت لكتابة هذه القصة وقد شجعني على ذلك قربي من شخصية بطل هذه القصة و إمكان تسجيل حوادث القصة بسؤاله هو أو سؤال المقاتلين الذين قد شاركوا معه و نالوا شرف القتال …. وبالطبع فقد استبعدت كثيرا من الحوادث وأسماء الأماكن إلا في حالة الضرورة القصوي ..كما غيرت في بعض الأسماء عن عمد… و اغفلت بعض الاسماء. وأشرت إلى وظائفهم وقد ذكرت أعمال القتال والنجاح والفشل بصراحة تامة مؤكدا أن المعرفة الحقيقية هو الأساس للتعليم والتطوير واكتساب الخبرات التي تفيد المستقبل وقد أشرت في قصتي إلى عدة بطولات قد أنجزت بواسطة مقاتلين من عدة تخصصات من المشاة ورجال الدبابات والصاعقة والقوات الجوية…. الخ… بعضهم أعرفهم بالاسم والبعض الأخر أعرفهم بأفعالهم…. إن حرب أكتوبر لا نستطيع إسناد فضلها فقط لهؤلاء القادة العظام الذين اتخذوا القرار بالحرب وعلي رأسهم الزعيم الراحل أنور السادات بل أن الفضل الأكبر للنصر وما تحقق من انجاز رائع فى هذه المعركه انما يعزى حقا لهؤلاء المقاتلين المغمورين الذي ضحوا بحياتهم وسعادتهم من أجل وطنهم….. الى هِِؤلاء الشباب المصريين من الفلاحيين و العمال و الموظفين و اولاد الذوات مسلمين و مسيحين …….ان نتيجه حرب اكتوبر و ثمرتها ما هى الا نتاج كل جهود هؤلاء و تضحياتهم …… انك ايها القارىْ العزيز إذا قرأت الآن القصص عن بطولة وتضحية هؤلاء البسطاء….. لما استطعت أن تسلم بحجم التضحية… إلا لو شاركت في تجربة الحرب بشكل كامل …… فإنك لن تستطيع إدراك ما معني أن تكون مهدداً بفقد حياتك بضعة أيام متتالية أو بضعة أشهر في كل دقيقة بل في كل ثانية…….. لا نوم…… لا راحة لا وقت للنظافة……. بل أحياناً لا وقت للطعام…. يتنازعك شعور متباين من حبك لذاتك ومصلحتك الخاصة وماذا سوف يحدث لو فقدت حياتك من سيعول أولادك أو أمك وأخواتك وبالرغم من هذا فالكل يقاتل والكل يضحي ….. وأخيرا أهدي هذه القصة لشباب مصر أولاد المحاربين القدامى الشهداء والأحياء لمعرفة بطولة آبائهم وإخوتهم وتضحياتهم وقد رمزت لهم جميعا وتصرفات عصمت لعل الله يوفقني لنقل تلك الرسالة التي أهداف إليها من وراء هذه القصة والتي تتلخص في أن الحرب شيء كريه صعب ولكن هناك أحيانا ضرورة تحتم ذلك وأن قوة وعظمة الوطن ترتبط بالشباب وان علينا نحن إعداد أولادنا منذ الصغر علي تحمل كيف يكونوا رجالا يتحملون الصعاب وقادرين علي التضحية وأن كل إنجاز يجب أن يسبقه تخطيط وتنظيم جيد وتنسيق وإشراف مستمرة، وتقييم حقيقي أمين لنقاط قوتنا وضعفنا لتحسين الأداء في المستقبل وأخيرا فلنحسن اختيار الرجال المناسبين وأن نعمل على وضعهم في الأماكن المناسبة لهم فنجنى من جميل جهودهم أطيب الثمار.
حفظ الله لنا مصرنا الحبيبة الغالية،،، وجعلها درة بلاد العالم
لواء اركان حرب اورهان حماده
الفصل الأول
أف.. زفرة ضيق انطلقت وقد جلس الفتي ذو الأربعة والعشرين ربيعا والذي يدعي عصمت متأهبا في دبابته لمدة خمس ساعات علي أحرمن الجمر منتظرا العبور من ذلك المعبر الجاري في إنشائه في مكان قريب منه. وقد أخفي دبابته عن طائرات العدو تحت شجرة ضخمة وظن أن فروعها قد انحنت كي تخيفيه عن الأنظار. وقد أخذ يضرب ذبابة كانت تداعبه فضربها بالبيرق للمرة الثالثة بقوة مودعا بهذه الضربة كل ما يملك من قوة وكل ما يشعر به من ضيق وإحباط. فجأة انتبه علي صوت القذف المستمر لطائرات العدو بذخائره حديثة لم تعرف من قبل ورغم ذلك فرجال الدفاع الجوي يطلقون ألسنة نيرانهم بصفة مستمرة في صورة خطوط نيرانه مائلة في اتجاه الطائرات المغيرة وذلك لحماية وتغطية أعمال رجال سلاح المهندسين الأبطال في محاولاتهم المستميتة في إنشاء كوبري للعبور . أما رجال المدرعات أصحاب المهمات الصعبة وصاحب القصة وهو واحد منهم فقد جلسوا يتململون وكأنهم جالسون علي جمرة في انتظار اللحاق بإخوانهم من رجال المشاة الذين بدأوا العبور منذ حوالي خمس ساعات مستخدمين القوارب المطاطية والوسائل المبتكرة حاملين أسلحتهم الخفيفة وصواريخهم الصغيرة المضادة للدبابات. مخترقين بشجاعة فائقة تحصينات خط بارليف مندفعين إلى عمق النقط الحصينة لسرعة اكتساب أرض جديدة وتجهيزها لاستقبال الهجمات المضادة للعدو متعطشين إلى انضمام الدبابات لهم لمعاونتهم في معركة الهجمات المضادة تلك المعركة التي ستكون نقطة التوازن في اليوم الأول للقتال بل ستكون بداية المرحلة الحاسمة في أعمال القتال القادمة وكانت صورة أرض المعركة غاية في الروعة والعجب فهناك نيران من الأرض للأرض ….وانفجارات في كل مكان *** تتصاعد أعمدة اللهب من الدخان في كل مكان وصوت الرجال يدوي بزئير الأوامر العسكرية الصادرة بسرعة فتح النيران وإبطالها….. أو بتحريك مدفع لمربض تبادلي … أو بطلب الإسعاف….. أو صفارات تنذر عن هجوم طائرات العدو.. كل هذا لم يكن ليشعر هذا الفتي بالقلق لأنه تأقلم علي هذه الأجواء…. وقد غمره إحساس للحظات أنه يشاهد أحد الأفلام الأمريكية المثيرة….. ولكن جم قلقة أن هناك من تأخر دورة في العبور كثيرا وهو يعلم علم اليقين أن هناك من هو في احتياج شديد إليه وإلى مجهوداته ونيران دباباته الثلاثة. بدلا من إضاعة الوقت والجهد في اصطياد تلك الذبابة اللعينة… *** انتباه … جميع المحطات…. سيتم الآن العبور بالتسلسل المتفق عليه أولا يتم عبور محمود وعصمت. يجب استخدام أقصي قدره لدبابتكم في العبور حيث أن سلاح المهندسين قد قام بإنشاء الممر علي عجل محمود اتجه الآن نحو المعبر.. عصمت أحتل الساتر الترابي لتغطية عبور محمود كان الله معكما ” انتهي ” تلك كانت كلمات الإشارة اللاسلكية التي وصلت إلى عصمت وبدأ عقله يفكر في هذه الإشارة وقد استخلص منها أنه كانت هناك صعوبات كبيرة في إنشاء الكوبري في الوقت المحدد له وكذلك صعوبات فنية هذا إلى جانب وجود قتال أرض جو في منطقة إنشاء المعبر ، أيضا فإن المشاة أصبحوا في حاجة ماسة للدبابات خاصة وأنهم يقاتلون بدون معاونة الدبابات منذ أكثر من ثمان ساعات . وقد تأكد أنهم سيجدون صعوبة كبيرة في الصعود فوق الساتر الترابي لعدم استكمال أعمال المهندسين في فتح ثغرة فيه ولكن كل هذا لا يهم … ابتسم وتنهد ولسان حالة يقول حان وقت العمل… وتنفس الصعداء. .. هكذا تمتم وقد بدأ في توجيه السائق إلى مكان المناسب علي الساتر الترابي من الضفة الغربية الذي يصلح لحماية وتغطية الدبابة الأولى التي ستقوم بالعبور. وتحركت دبابة محمود إلى الكوبري حيث هبطت إلى حافة القناة وأخذت تتقدم ببطء إلى أن وصلت إلى أول برطوم من الكوبري حيث أبطأت الدبابة من سرعتها وفجأة دوي صوت في السماء فنظر عصمت فوجد طائرة ميج 17 مسرعة بعبور القناة بعد أن قامت بضرب الأهداف المخصصة لها شرق القناة وخلفها طائرة فانتوم 4 إسرائيلية تحاول إسقاطها من الخلف لقد كان المنظر يبدو كنسر كبير يحاول الانقضاض علي عصفورة صغيرة … تعجب عصمت لهذا المنظر الغريب وأخذ يفكر في الطيار المصري و موقفه العصيب لقد كان الفاصل الزمني بين صناعة الفانتوم 4 والميج 17 ما يعادل ربع قرن من الزمان وفجأة لاحظ أن الطيار المصري ناور مناورة حادة لأسفل في شكل هبوط مفاجئ علي دبابة مصرية للطائرات ذات أربع مواسير وبالطبع هبطت الطائرة الإسرائيلية خلفه . لقد أدرك عصمت بالمقصود بهذه المناورة الماهرة فالطيار المصري يريد معاونة الدبابة ذات الأربع مواسير في إسقاط الفانتوم فعمل علي إدخالها في المدى المؤثر لمدافعها الأربعة . وفعلا فتحت الدبابة المضادة للطائرات نيرانها بسرعة فائقة بعد ميزات الطائرة المعادية فحاصرت خطوط النيران الطائرة المعادية فحاولت الطائرة الإسرائيلية الارتفاع لأعلي بسرعة بعد وقوعها في هذا الكمين العجيب الذي دفعت إليه . ولكن تم إصابتها بسرعة في مخزن الوقود وانفجرت علي الفور انفجار مروعا مخلفة شظايا هائلة خاصة وأن الطائرة كانت علي ارتفاع منخفض من سطح الأرض. ابتسم عصمت لهذه النتيجة ولذكاء هذا الطيار وسأل نفيه كيف لهذا الطيار أن ينجو بنفسه إن لم يجد هذا العون. وسارت دبابة محمود وأخذت تتحرك ببطء تاركة الكوبري واخذ محمود يتحرك أمام دبابته مؤشرا لها بيده في حركات وإشارات معروفة بينه وبين السائق كل هذا كان تحت مراقبة عصمت من الضفة الغربية للقناة الذي وضع نظارة ميدان علي عينه وأخذ يراقب عملية التقدم وتسلق دبابة محمود الساتر الترابي. لقد لاحظت عصمت بأن الدبابة تتقدم ببطء شديد وأنها تخلف ورائها ستارة هائلة من الدخان الذي يدل علي إجهاد ماكينة الدبابة وأن الممر بالساتر الترابي غير ممهد تماما وأن جهد الدبابة غير كافي مع زاوية ميل الممر. وقد أكد ذلك توقف الدبابة أكثر من مرة… وفجأة وبوصول الدبابة إلى منتصف الممر توقفت ثم انزلقت للخلف بسرعة تاركة الممر ثم سقطت بسرعة عجيبة إلى قناة السويس وهكذا فقدت أول دبابة في محاولة العبور .. تحرك عصمت إلى نقطة التحميل وأخذ يؤشر لدبابته حتى نجح في إركابها البرطوم ثم ركب دبابته وأمر السائق بالتحرك ببطء ولكن فجأة …………… أهتز …….. اهتز البرطوم بشدة مؤرجحا الدبابة التي فوقه مع صوت انفجار مروع قريب بالماء حيث تطاير الماء بشدة في جميع الاتجاهات مبللا وجه عصمت الراكب بأعلى فتحة دبابته كالنمر اليقظ حرك رأسه بسرعة ليعرف سبب هذا الانفجار المروع حيث توقف نظره علي دبابتين إسرائيليتين محتلتين للساتر الترابي الشرقي للقناه وعلي مسافة ثلاثمائة متر . وكان مع وصول الدبابتين لهذا المكان أنها قد نجحت في اختراق خطوط أبطالنا المشاة وأنها تحاول إيقاف عبور معداتنا وأسلحتنا الثقيلة بضرب البراطيم التي يشكل منها الكوبري. لقد كان في موقف لا يحسد عليه لأنه لا يستطيع الاشتباك مع هاتين الدبابتين لأنه لو أطلق قذيفة واحدة من دباباته فإنها سوف تنزلق من علي البرطوم إلى قاع الأم برد فعل الرمي لفد كان حل هذا الموقف ليس بيده وذلك هو الشئ العصيب … وانتظر الطلقة الثانية التي فيها الشهادة له ولطاقمه ولكنها لم تطلق !!!! فتعجب ووضع نظارة ميدان علي عينه ليتبين الموقف لقد وجد أبطالنا المشاة وقد اعتلوا دبابات العدو فاتحين فتحاتها يطعنون أطقم دبابات العدو بالسناكي . وقد سيطروا علي الموقف تماما بل أنهم أخذوا يلوحون له ببنادقهم بعلامة النصر التي تدل علي أنهم نفذوا المهمة تماما وأن عليه أن يستكمل عبوره في سلام آمن. ولكن ما كان يجول بخاطر عصمت هو أنه كيف لم يستطع دبابة العدو أن تصيبه وهو علي مسافة قصيرة جداً ورغم أنها مزودة بمقياس مسافة يعمل بأشعة الليزر. وأخيرا وصل إلى الضفة الشرقية وأخذ أفراد المهندسين العسكريون يلوحون باتجاه الممر حيث قذف عصمت من علي دباباته إلى أرص الشاطئ وأشار إلى السائق بالتحرك ببطء تاركا البرطوم … وتحركت الدبابة بحذر من علي البرطوم إلى الساتر الترابي وهنا أشار عصمت إلى السائق بالتوقف لقد قرر أن يقود الصراع بنفسه بين الدبابة وعوائق الأرض . ركب عصمت الدبابة جالسا علي كرسي السائق وأمر سائقه أن يساعده بأن يقف أمام الدبابة ويؤشر له في الاتجاهات التي تصلح له في التحرك ووضع عصا السرعة علي الترس الأول وبدأ يتحرك ببطء صاعدا للساتر الترابي وأخذ يضغط علي دواسة الوقود لأقصي حد ممكن لكي تزداد قوة الدبابة للصعود لقد كان يشعر أن جنزير الدبابة يدور منزلقا علي الأرض بدون حقيقة للدبابة وكان ذلك ناتجا عن الميل الحاد للأرض وعلي طبيعة التربة المتكونة من الرمال والمياه المغمورة بها الممر. لقد كانت قدماه في ضغطه علي دواسة الوقود حساسة للغاية فبالرغم أنه كان كثيرا ما يضغط لأقصي حد إلا أنه كثيرا ما كان يخفض الضغط فجأة لقد كان الحكم له صوت ماكينة الدبابة. وفجأة توقفت الدبابة تماما وأحس بخبرته أن تحريكا جديداً سوف يجعل الدبابة الغارقة. إنه الأن عليه أن يقرر قرارا جديداً للتغلب علي هذه المشكلة فإن أقصي جهد حصل عليه نم ماكينة الدبابة باختياره للسرعة الأولي وإنه يجب أن يضيف جهداً جديداً تدريجياً للدبابة وأنه سيأخذ هذا الجهد يجذب عصا القيادة للمنتصف إن ذلك الجهد الخارج من أجهزة نقل الحركة قد يساعد الدبابة علي التحرك والصعود ولكنه في نفس الوقت قد يدمر ماكينة الدبابة تماما ولم لا !!! فتدمير الدبابة أفضل من فقد الدبابة بالكامل وعليه أن يجرب وليس أمامه خيار …. أخذ يحرك عصا القيادة للخلف ببطء وببراعة فائقة بضغط علي دواسة الوقود ببطء مع الإصغاء التام لصوت المحرك وبدأت الدبابة في التحرك ببطء صاعدة لأعلي …. إلى أن وصل للقمة ثم أخذ يهبط مرة أخري للجانب الأخر من الساتر الترابي وهو يشعر بشعور غامر بالرضي والتفوق. ثم ضغط علي ريشة جهاز اللاسلكي مبلغا بأنه تم عبوره وبأن علي جميع الدبابات استقبال إرشادات وخبرته للعبور والتي سوف يلقيها ويختتم إرشاداته بكلمة.. الله أكبر.. واندفع بدبابته داخل سيناء كالأسد الجائع الباحث عن فريسته وأخذ يتقدم بسرعة عالية لقد كانت الأوامر الصريحة له ببساطة أن يتقدم ويدعم المشاة علي الخط الأول…. إذن فعليه أن يبحث عن المشاة ويحدد مكانهم بدقة ثم ينضم إليهم بعد اختيار الأماكن المناسبة لدباباته للمراقبة والرمي. وأخذ يجول بنظرة في كل اتجاه باحثا عن أي فرد من المشاة فلم يجد بين الحين والحين يسأل سائق دبابته عن المسافة التي قطعت فيبلغه السائق خمسمائة متر … كيلوا متران ……… كيلوا متران وثمانمائة … وفجأة لاحظ تحرك شيء غامض صغير في الرمال للأمر سائقه بالتوجه إليه وبوصوله وجد عريفاًَ قائد جماعة مشاة ومعه جندي يتلقى التعليمات منه وهما منبطحين فنادي عليهما عصمت مستفسراً عن مكان وجود قيادتهما وعن وجود أي قوات في الأمام فأجابه العريف بأن هذا هو الحد الأمامي للدفاع وأشار إلى مركز قيادة المنطقة. ثم حصر عصمت الدبابات خلفه التي تمكنت من العبور فوجدها فوجدها 12 دبابة حيث أخذ يوجهها لاحتلال مرابض النيران علي الحد الأمامي للدفاع آمرا أباهم يبدأ الحفر وإجراء أعمال الإخفاء والتمويه وكانت لحظة عظيمة عندما بدأت الدبابات في احتلال مرابضها الجديدة وخروج أفراد المشاة من خنادقهم الصغيرة المبتكرة حيث أحاطوا برجال الدبابات وأمطروهم بوابل من العناق والقبلات واختلطت دموع الفرح بدموع الفخر وكان الأمر الغريب حقا أن رجال المشاة الأبطال قد تناسوا حجم المجهود العظيم الذي بذلوه وقاموا بمساعدة رجال الدبابات في حفر الدبابات دون أن تتطلب منهم . ذلك ضاربين بذلك أروع مثل للتضحية والفداء. لقد كان هؤلاء الرجال هم أحفاد بناة الأهرام بحق. *** .. طلقات إشارة حمراء أخذت تنطلق مع صفارة متقطعة .. لقد كانت الإشارات المرسلة من نقطة المراقبة الأمامية التي تنذر عن بدء تحرك العدو واقترابه من الحد الأمامي للدفاع .. أخذ الجميع يهرولون إلى أماكنهم القتالية فالمشاة قفزوا في حفرهم خلف أسلحتهم وتم اختفائهم في الأرض تماما وأخذوا ينظمون وضع أسلحتهم علي المتاريس وتكدبس الذخائر بجانبهم أما رجال الدبابات فقد قفزوا إلي دباباتهم متخذين أوضاعهم القتالية . أما عصمت فقد بدأ يأكل بسكويت علبة تعيين القتال والذي يسمونه في الجيش خشب بسكو لشدة صلابته والذي عادة لا يستخدمه أحد إلا عندما يكون في أشد حالات الجوع وكانت هذه في الحقيقة حالته.. ثم رمي الطاقية من علي رأسه ووضع هلمد الدبابة ( غطاء واقي للرأس موصل به أجهزة الاتصال ) وأوصله بجهاز اللاسلكي وأخذ ينادي علي دبابته للتأكد من استعدادها للقتال . أخذت كل دبابة تعطي تمام الاستعداد الواحدة تلوا الأخرى… أخيرا صاح باللاسلكي مداعباً.. يا قادة الدبابات هناك ضيوف أعزاء قادمون أرجو أن تعاملهم بمال يستحقون وشكراً … لقد كان دائم التهريج حتى في أشد لحظات حياته حرجاً .أخذت أعمدة الغبار وأتربة تتصاعد من اتجاه الشرق وعلي مسافة عدة كيلوا مترات …. وكان ذلك ناتجا طبيعيا من تحرك قوة مدرعة إسرائيلية مشكلة من الدبابات والعربات المدرعة ذات الجنزير لقد كانت الجنازير المتحركة تأكل في التربة ثم تقذف بذرات الرمال إلى أعلي وكلما ذادت سرعة المركبات ذات الجنزير كلما اشتدت الأتربة ارتفاعا ووضوحا لقد كان حجم الغبار كبيرا مما يدل علي أن القوة المهاجمة ستكون كبيرة العدد أنها مدعمة تدعيما جيداً . ثم بعد قليل بدأت تظهر نقطة خضراء متحركة وخلفها الغبار لقد كانت النقط الخضراء تسير في هيئة سلاسل أو كما يسميها المقاتلون أرتال ثم بدأت الدبابات في الفتح وتشكيل الأرتال إلى تشكيل القتال الخطي حيث أخذت تواجه قواتنا من علي مسافة 6 كيلوا مترات ثم بدأ الغبار يخف إلى أن توقف … فقد توقفت الدبابات الإسرائيلية قد دخلت مواقع هجومها استعداد للهجوم وأنهم كالذئاب الجائعة يوزعون الضحية كما يعتقدون علي دبابتهم … أنهم الآن يحددون أهداف هجومهم وقطاع الاختراق الضيق الذي سيركزون هجومهم عليه أليس ذلك هو أسلوب قتال الجيش الألماني النازي الذي اقتبسوا أسلوب قتالهم… أنهم بغبائهم يظنون أن هذا الأسلوب الذي نجحوا في تطبيقه في عام 1967 سينجحون في تطبيقه في عام 1973 متناسين أن المقاتلين المصريين قد تعلموا الكثير… بل تعلموا منهم !!! ولاحظ عصمت أيضاً تحرك دبابتين تحركاً عرضيا بطول المواجهة علي خط الجبهة ولقد استنتج أن بداخل الدبابتين القائد الإسرائيلي وهيئة قيادته أنهم الآن يستطلعون ويحددون المكان الذي سيتم اختراقه علي الأرض بل أن عصمت استطاع بسهولة أن يميز المكان الذي سيحاولون اختراقه أنه في تلك الأرض السهلة المنبسطة بين التباب والتي ظلت الدبابتان الاسرائليتان فترة كبيرة من الزمن تراقبه وتستطلعه ذلك المكان التي توقعه قائده قبل ساعات من أوامر قتاله ومن أجل ذلك كثف الأسلحة المضادة للدبابات وكذا احتفظ باحتياط قوي لمواجهة هذا الموقف لقد شعر عصمت بالفخر والاعتزاز بقائده لأنه تنبأ بما سيحدث تنبأً دقيقاً. بدأت بطاريات المدفعية الإسرائيلية تقذف قواتنا في شكل تركيز النيران علي قطاعات محددة من الأرض وقد ميز عصمت استخدام المدفعية ذات الأعيرة الكبيرة 175م والتي يسميها المقاتلون ( بأبو جاموس ) وكان السبب في هذه التسمية أن الطلقة من هذا النوع يستغرق سيرها في الفضاء ربع دقيقة أو أكثر نظرأ لأنها تطير عدة كيلوا مترات وعند اختراقها السريع للهواء فإنها تصنع صوتا كالصياح الجاموس . ثم بدأت تظهر علي مسافة 4 كيلوا متر فأقل الدبابات الإسرائيلية والتي أمكن تميزها بأجهزة التكبير .. لقد كانت تلك الدبابات تسير بسرعة عالية وبثقة زائدة في اتجاه قواتنا .. أنها تظن أنها في نزهة قصيرة ، وفجأة انطلق مقذوفتان من اتجاه قواتنا من تلك المقذوفات الموجهة التي أخذت تطير بحذاء سطح الأرض ثم في لحظة اصطدمت بدبابتين إسرائيليتين حيث أصابتهما في الحال لقد كان ذلك إعلانا عن بدء أعمال القتال هلل المشاة المصريين … الله أكبر .. الله أكبر برغم من سقوط عشرات القذائف فوق رؤوسهم عند مشاهدتهم لإصابة الدبابتين علي هذه المسافة الكبيرة أام الدبابات الإسرائيلية فظهر بوضوح أنها قللت من سرعتها بل إنها في حالة رعب شديد ثم أمر عصمت بفتح نيران الدبابات كل طبقا للهدف المخصص له … وهنا زال الخوف والرهبة التي كان يعيش فبها فإن أصعب اللحظات في المعركة ليس في المعركة نفسها بل في وقت الإنتظار قبل المعركة حيث أن المقاتل عادة ينشغل في القتال تلقائيا يحاول تدمير عدوه في أسرع وقت ويتناسي أن حياته مهددة . ***** يمين …. أبطأ…. الهدف دبابة متقدمة…. تميز …. أضرب…. الضرب…. تمام يا أفندم تم إصابة الهدف … لقد كانت تلك الأوامر والتعليمات المتداولة داخل دبابة عصمت عند إطلاق مدفع دبابته وإرتداده للخلف وانبعاث الغارات والأتربة وصوت الانفجار المدوي داخل الدبابة لقد كانت تلك المظاهر في ظروف التدريب العادية قلقة توعدو للحذر … فإن وضع أي فرد خطأ في داخل الدبابة قد يفقد حياته أو طرفه … أما الأن وفي ظروف القتال السريعة والمتغيرة بالتدريب الجيد المسبق أصبحت أطقم الدبابات تعمل بطريقة غريزية عفوية …. كأنهم يتناولون طعامهم لقد أصبح رجال الدبابات المصرية محترفين يجيدون عملهم لا شك في ذلك . وفي خلال أقل من خمس دقائق نجحت فصيلة عصمت في تدمير دبابتين إسرائيليتين بسهولة تلك الدبابتين اللتين حاولتا التقدم في مواجهته لذا فقد قام بإعطاء أوامر جديدة بمساعدة جارة بالنيران …. ولم يمضي إلا قليل وبدأت الدبابات الإسرائيلية في قذف الدخان لإخفاء أنفسهم والارتداد للخلف تاركين خلفهم 11 دبابة و7 عربات مجنزرة مدمرة تدميرا تاما … لقد تركوا ساحة المعركة يجرون أزيال الخيبة بعد أن دخلوها بالثقة الزائدة في معركة لم تدم إلا ساعة ونصف الساعة ( وكما قال الجنرال موشي ديان في مذكراته عن حرب أكتوبر أن أول مفاجأة للحرب كانت دبابات التعاون الوثيق المصرية التي عملت مع المشاة ) .
الفصل الثانى
أخذت عصمت يحتسي الشاي كعب الزمزمية بشغف لقد كانت رشفة من رشفات الشاي حلوة المذاق ذات تأثير كبير ومنشط وأخذ يسأل نفسه لماذا هذا الشاي غير عادي هل لأنه لم يتناول هذا الشاي منذ فترة أم لأن سائق دبابته قد نظف علبة صاج من المعلبات ثم ربطها بسلك ثم قام بتسخين مياه بالعلبة مستخدما عشب الصحراء كوقود فالأرجح أن الشاي ألتقط رائحة الدخان المنبعثة من العشب فأدخل عنصرا جديداً علي النكهة … ولقد كان في حالة مزاجية رائعة سعيداً ولم لا وقد نجح هو وأقرانه في صد ثلاثة هجمات معادية أحدثت في العدو خسائر فادحة ، ولم تحث له ولا لجنوده أي خسائر تذكر … بل أنه بلا عمل تقريبا منذ أربعة وعشرون ساعة كاملة …فحتي الغارات الجوية قد بعدت عنه فلا تزال الطائرات الاسرائيلية تركز هجمات علي المعابر وتتساقط بكثرة مما يؤكد نجاح الدفاع الجوي المصري في السيطرة علي منطقة المعابر و أن القوات المصرية مستمرة في التدفق للشرق …. *** سأل الجندي مراد ذلك الجندي حديث الخدمة الحاصل علي بكالوريوس التجارة قائده عصمت لماذا لا تحس بالخوف مثلنا ؟ فأجابه عصمت متعجبا ومن الذي لا يخاف !!! فرد الجندي لقد ظننت أنك لاتخاف أبداً .. أنني راقبتك أثناء قتالك أنك تقاتل كأنك تمارس عملا يوميا بأعصاب عادية وبلا انفعال بل إنك أحياناً تضحك وتسخر من أفعال بعض الجنود الذين لا يتقنون عملهم من إنفعالهم ومنهم أنا شخصيا لقد اعتقدت في النهاية أنك لا تخاف أبداً فأنت شجاع للغاية ، فأجابه عصمت يالك من أحمق إنني أخاف مثلك تماما ولكني مدرب علي إخفاء الخوف بخبرتي .. يامراد إن الخوف والشجاعة نسبيتان متلازمتين فلا شجاعة لا يسبقها خوف فالشجاع هو الذي يحس بالخوف وبالرغم من ذلك يتغلب عليه ويسيطر علي نفسه ويتصرف التصرف السليم أما الجبان فهو لا يستطيع السيطرة علي نفسه ويتصرف التصرف الخاطئ أما الإنسان الذي يحس بالخوف فهو الإنسان المجنون الفاقد الأهلية يامرادإذا أردت أن تكون رجلا شجاعا فدرب نفسك علي إخفاء الخوف ودرب نفسك علي التصرف السليم في ظروف الشدة … قطع حديثهما تدخل جندي المراسلة الذي أخبر عصمت بأن قائده الأعلى يريده في مركز قيادته علي وجه السرعة … لقد أحس عصمت أن وقت الراحة قد انتهي وأن عليه أن يتلقي مهمة جديدة بمركز القيادة . هرول عصمت إلى مركز القيادة لمقابلة قائده … لقد جري العرف علي ان يتلقي المهام القتالية من قائده المباشر أما يتلقي المهمة من قائده الأعلي بالمنطقة الدفاعية فيعني ذلك أنه سيتلقي مهمة جديدة متميز تحتاج إلى تقدير جيد للموقف وتحتاج إلى دراسة متفتحة ولهذا استدعي . دخل عصمت إلي مركز القيادة الذي كان عبارة ملجأ سريع الإنشاء تحت الأرض وكان الملجأ مكون من حجرة واحدة واسعة وبها فتحة واحدة لدخول الأفراد وفتحة أخري للتهوية … وكان بالملجأ منضدة مثبت عليها خريطة وفي وضع أفقي بواسطة دبابيس وبجانب الخريطة وضع مصباح لإنارة الخريطة كما يوجد في أخر الملجأ سرير سفري وكرسي واحد يستخدمه القائد وبجانبهم علي الحائط معلق بندقية القائد وخوذته ونضارة ميدانية .. لقد كان القائد برتبة عقيد قائداً لكتيبة مشاة وفي الحقيقة لقد كان ذلك أول لقاء بين عصمت وبين هذا القائد فقد انضم عصمت لمعونته وكان يتم تبادل المعلومات والأوامر إما باستخدام التليفون الميداني أوبالا سلكي أو عن طريق السعاة . إلا أنهما قد فهم كل منهما الآخر فهما جيدا مبني علي الثقة بالرغم من أنهم من رجال سلاحين مختلفين ولم يروا بعضا وعلاوة علي كل منهما كان شجاعا وذكيا يجيد التنبؤ بأحداث المعركة …لقد راقب العقيد القائد عصمت أثناء قتاله لقد وجده رابط الجأش في أشد لحظات المعركة صعوبة يتصرف كمحترف ووجد كل تصرفاته ذكاء وحسن تصرف وكان متشوقا لرؤيته . وها قد حان الوقت لرؤيته … ألتفت القائد عند سماعه لصوت خطوات عصمت وهو يدخل الملجأ . وقد منكبا علي وجه خريطته في ذهنه تعليمات وأوامر المهمة الجديدة ونظر إلى عصمت متفحصا .. ولكن عاجله عصمت بتقديم نفسه النقيب عصمت قائد الفصيلة الثانية دبابات يا أفندم فأجابه قائده ومن الذي لا يعرفك … يا عصمت … فضحك عصمت تلقائياً. أخذ كلا من الرجلين ينظران لبعضهما باحترام وترقب لقد كان شكلهما مختلفا من ناحية المظهر الخارجي فعصمت كان أبيض اللون طويلا رشيق القوام من تأثير إسرافه في لعب التنس ذو عينين عسليتين وشعر أصفر غامق. وعموما من ينظر إليه من أول وهلة يتخيل أنه من أبناء الذوات المرفهين الذين ولدوا بملاعق من ذهب . ولكن عندما يتكلم يظهر صوته الرجولي الحازم ثم سريعا ما يتغير الانطباع الأول إلى انطباع معاكس تماما , أما القائد فقد كان أسمر اللون قصير القامة عريض الكتفين ذو صلعة دائرية وقد ظهر علي جانبيها الشعر الأبيض الكثيف بالرغم من أنه سنه أصغر من أن يكون شعر رأسه أبيض بهذه الكثافة قال القائد فلنستغل هذا الوقت قبل مجئ باقي الضباط لمعرفة المهمة الجديدة خاصة وأنك ستعلب فيها دورا هاما .. وبدأ يلقن عصمت مهمته الجديدة ودوره بها …. انطلق عصمت بدبابته للأمام بمجموعته من دبابتين ومركبتين ذات جنزير تحملان 30 جنديا من المشاة لقد كان مدفوعا للعمل كعنصر استطلاع مقاتل أمام كتيبة مشاة قد كلفت بمهاجمة نقطة حصينة تسيطر علي البحيرات المرة بقناة السويس ونظراً لقوة النقطة الحصينة التي تشمل علي عدة دشم للمدافع و الدبابات والرشاشات ونظراً لأنه يصعب مهاجمته من الأمام فقد كان تفكير القيادة العليا هو أن يتوقف الهجوم علي هذه النقطة الحصينة في اليوم الأول ومن العبور وباستغلال نجاح سقوط النقطة الحصينة علي أجنابها يتم مهاجمتها في اليوم التالي ومن الخلف… ومن هنا كانت مهمة عصمت ومجموعته هي استطلاع وتأمين طريق تحرك المجموعة المقاتلة المكلفة بمهاجمة النقطة القوية ومشاركتها في الهجوم … وبالرغم من صعوبة المهمة الملقاة علي عاتقه لأنه سيتحرك في أرض معادية قد يوجد بها كمائن للعدو أو حقول ألغام مخفاه فأنه اندفع بمجموعته بحماس مقسما مجموعته إلى قسمين قسم يندفع لإجراء الاستطلاع وقسم أخر يقوم بحماية القسم المتحرك .. أخذ عصمت يتقدم بسرعة فائقة قادته ومن تبة لأخرى وعند وصوله لكل تبة فأنه إما يحاول صعود التبة الدبابة أو علي أرجله ليري من الأعلى لأكبر مسافة ممكنة وحتى يمكن اكتشاف كمائن العدو في المكان الوقت المناسب .. وأخيرا قد استلفت نظرة هضبة عظيمة الارتفاع علي طريق تحركه تصلح للمراقبة الجيدة فأمر سائقه بالتوجه إليها.. والتوقف أسفلها . و فقز عصمت من دبابته متسلقا للهضبة التي كان يصعب صعودها بالدبابة.. وعند انتهائه من صعودها أحس بالإرهاق لإرتفاع الهضبة وصعوده السريع بدون راحة ومع هذا فإنه تحرك بسرعة أعلي الهضبة وفي إتجاه تحركه المنتظر وأخذ ينظر تارة باستخدام العين المجردة وتارة أخري باستخدام نظارة الميدان وفجأة سمع صوتا غريبا لإدارة محرك للبنزين !!! إن محركات دباباته وعربات المدرعة ذات الجنزير تعمل بمحركات ديزل ولكن هذا المحرك البنزيني لم يسبق له سماعه من قبل وبالفطنة عرف أنه قريب جداً من العدو أنه علي بعد أمتار منه وبالرغم من أنه مسلح فقط بمسدسه وأن قواته أسفل التبة لا تسطيع حمايته فأنه تقدم بسرعة إلى حافة الهضبة … حيث وجد عربيتين مدرعتين إسرائيليتين من عربات الاستطلاع ذات البرج المسلح بمدافع 95مم وكذا برشاشات تحاولان الفرار السريع .. وفي لحظة أدرك الموقف جيداً لقد كانت العربتان تقومان بالإستطلاع من أعلي هذه الهضبة قبل مجيئه لقد كان في الواقع محتلين الهضبة ورأوه هو يصعد الهضبة وبالرغم من أنهم كانوا يستطيعون قتله بسهولة ومفاجأة قواته إلا أنهم فضلوا الفرار وعدم الكشف عن مكانهم .. أخذ عصمت يقفز سريعا للنزول من الهضبة صائحاَ في جنوده بوجود عدو خلف الهضبة ولكن لكثرة صياحه وحماسته وسرعة ترديده الكلمات كان له أكبر الأثر في عدم إلمام قادته المرؤوسين بمضمون الإشارة … وهذا مكن العدو من كسب مسافة 2 كيلو متر هربا … ولكن سرعان ما بدأت المطاردة وكان هذا أول خطأ وقع فيه عصمت منذ أن بدأت الحرب . اندفع عصمت ومجموعته خلف العربيتين الإسرائيليتين كالذئب الجائع ناسيا أنه لايجب ألا يحيد عن طريق تحركه المكلف بتأمينه … لقد وجه كل اهتمامه نحو اصطياد وتدمير عربات العدو … وسرعان ما غرزت احدي العربات بالرمال الناعمة خاصة وأن سائق العربة الإسرائيلي من شدة خوفه لم يستطع تمييز الأرض التي تحرك في اتجاهها … وهنا أمر عصمت دبابته بالتوقف والتنشين بدقة علي العربة حيث أمكن بسهولة من إصابتها من أول طلقة في نقطة الاتصال بين البرج والجسم مما أدي إلى انفجارها السريع وانفصال البرج عن الجسم وبالطبع لم ينج أحد … أما العربة الأخرى فقد فرت سريعا مستغلة خفة حركة العربة وسرعتها بالمقارنة بالدبابة التي تطاردها … ولكن ما استدعي انتباه عصمت أن القائد الإسرائيلي لم يحاول قتاله مطلقا بالرغم من تسليحه الجيد وأنه كان في مقدوره إدارة برج عربته للخلف وإطلاق النيران ولكنه ركز علي الفرار . ارتفعت علامة القلق يوجه عصمت عندما اكتشف أن جميع الدبابات وليس دبابته فقط لا تحقق الاتصال باللاسلكي بقيادته الأعلى وكان هذا هو اكتشافه الثاني لأن اكتشافه الأول كان أنه هو وقواته فقدوا اتجاههم أثناء مطاردته لدورية العدو وأنه قد انحرف شرقا بمسافة كبيرة لا تقل عن عشرة كيلوا مترات عن طريق التحرك المحدد له … فك أزرار سترته وجذب الخريطة من صدره وحاول قراءتها وتحديد مكانه بدقة ولكنه فشل في ذلك لعدم وجود علامات بارزة بالأرض تساعده في تحديد محله . وأخذ يفكر كيف يحل هذه المشكلة بسرعة لأن مهمته الأصلية تطلب منه الانضمام إلى القوة الرئيسية والمشاركة في الهجوم علي النقطة القوية .. وقد حان توقيت الهجوم … وأخيراً وجد أن أفضل حل هو أن يغير اتجاهه إلى الغرب وأن يحاول الارتكاز علي الهضاب والتباب العالية للتعرف علي مكان قواته الرئيسية أو مكان العدو . فأصدر أوامره بأن سيتحرك من تبة أو هضبة لأخرى وعلي باقي قواته أن تسير خلفه بمسافة كيلوا متر …. وأخذ يتحرك من تبة لأخرى مستطلعا أي قوات للعدو ولكنه لم يرا شيئا … غير تباب الرمال وكدي الحشائش الجافة بالوديان … ولا حتى آثار لحياة سابقة أو حالية … وفجأة سمع ضربا شديداً للمدفعية يتخلله إطلاق نيران مدافع دبابات من اتجاه الشمال الغربي . وعند ذلك وجه نظره لاتجاه الشمال الغربي فميز هضبة كبيرة مرتفعة فأصدر الأمر لسائق دبابته بالاتجاه فورا إليها .. وكذا أعطي أوامره لباقي القوة باللحاق به . اندفع بدبابته لاحتلال أعلي الهضبة وبعد إيقافه لدبابته ميز غباراً لإطلاق نيران من مدافع وسريعا ما وضع نظارة الميدان علي عينيه وأخذ يراقب ويكتشف الأسلحة التي تقوم بالرمي وعلي من تقوم بالرمي وسرعان ما ألم بالموقف …. لقد كان موقفا غريبا حرجاً ومزعجاً .. لقد كانت كتيبة المشاة التي هو مسئول عنها معاونتها تصطف علي الخط الذي ستبدأ منه الهجوم ويظهر في تشكيلها 7 دبابات وهي باقي سريته وذلك علي خط خلف النقطة الحصينة حيث تقوم المدفعية المصرية بضرب النقط القوية ولكن الغرابة في الموضوع أن خلف الكتيبة بمسافة 2.5 كيلوا متر تحتل 6 دبابات إسرائيلية مرابض نيران جيدة التجهيز علاوة علي عربات مدرعة عربات أخذت تقذف بالصواريخ الموجهة علي الكتيبة المشاة المصرية من الخلف وكما يبدو فإن كتيبة المشاة المصرية من الخلف لم تستطيع تحديد اتجاه الرمي لأن معظم القوات كانت تظن أن الرمي من الأمام من إتجاه النقط الحصينة وليس من الخلف … لقد كان تركيز قائد الكتيبة المشاة علي النقط الحصينة وعلي أهمية مهاجمتها بسرعة … لقد كان أمام عصمت خياران لا ثالث لهما وهما أما أن ينضم سريعا إلى قواته التي علي مسافة 5 كيلوا مترات ثم سيحاول إبلاغها بالموقف وهذا سيحتاج إلى حوالي من 30 إلى 40 دقيقة ستتكبد فيها القوات المصرية خسائر عالية خاصة وأن قوات العدو في وضع جيد ومخفي تماما وإما أن يقوم باحتلال خط مناسب للاشتباك مع العدو وجذبه في اتجاهه . حتى ينجح الهجوم الرئيسي في الهجوم علي النقط الحصينة وفي هذا الحل مخاطرة كبيرة له للقوات التي معه حيث أن العدو يتفوق عليه في الدبابات ومسلح جيداً بالصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وفي لحظات اتخذ القرار الذي يراه مناسبا وهو الحل الثاني بعد أن وضع خطة جهنمية للتعامل مع العدو . لقد كانت خطته ببساطة تتلخص في الآتي .. جذب أنظار العدو في اتجاهها يقوم بواسطة الدبابتين بالتقدم واحتلال خط مناسب يستطيع منه ضرب العدو من جنبه ولقد كانت المشكلة في هذه الخطة أنه يجب أن يوهم العدو بأن القوة التي تقوم بالتفاف عليه كبيرة وليست عربيتين مدرعتين لذا أمر العربات المدرعة بالتحرك بفاصل 500 متر علي أن تجر كل عربة حلقتين من سلك الكنسرتينا خلف العربات حتى يتم خروج كمية كبيرة من الأتربة من خلف العربتين فتوهم العدو أن هناك تل كبير من الدبابات تقوم بالالتفاف وللنجاح في تنفيذ ذلك أخذ يحدد بدقة طريق تحرك العربتين للوصول إلى جانب العدو وشدد علي أن لا تظهر العربات للعدو إنما يظهر فقط الأتربة الكثيفة المتصاعدة .. ثم أصدر أمرا بتنفيذ الخداع أولا بعد أن لقن الجميع بمهامهم … فتحركت العربات بسرعة عالية جاذبة الأسلاك الشائكة خلفها … وعمل عصمت كالمخرج السينمائي الذي يبذل كل الجهد لظهور الفيلم بصورة مشرفة حيث أمر العربات بزيادة سرعتها … ثم أمرهما بالتحرك بطريقة الزجزاج حتى تفت جنازير العربات الأرض جيداً وتتصاعد سحب الغبار بكثافة عالية خلفهما … وسرعان ما جذب التحرك الخداعي أنظار العدو … حيث قاموا بتحريك مدافع دبابتهم في اتجاه قوة الالتفاف الخداعي … وبالطبع رفعوا نيران دباباتهم علي القوة التي تقوم بالهجوم علي النقط الحصينة … عجب عصمت لنجاحه البالغ في خداع العدو بهذه البساطة وأدرك أن العدو أهمية كبيرة للقوة التي تقوم بالالتفاف خاصة وأنها قريبة منه … هنا أصدر أمره للدبابة الأخرى بالتقدم الفوري واحتلال هضبة مناسبة للرمي علي العدو … لم يمر سوى عشرين دقيقة منذ فتح عصمت نيران دبابته إلا وقد أصاب أحد دبابات العدو في مقتل حيث انفجرت سريعا مخلفة ورائها سحابة كبيرة من الدخان الأسود هذا بالرغم من أنها كانت في داخل حفرة مجهزة جيداً وبالرغم من أن الجزء الظاهر منها لم يتعد سوي البرج . وأخيرا أدرك العدو أنه خدع وأن الالتفاف وهمي وركز كل نيرانه وصواريخه علي الدبابتين … وهنا أصدر عصمت أوامره للدبابات بالرمي من أعلي التبه ثم الاختفاء السريع خلفها ثم إعادة التعمير من أسفل التبة ثم الرمي من أعلي التبة وهكذا لقد كان يهدف أساساً إلى تعرض الدبابات أقل فترة ممكنة … وفي نفس الوقت جذب نيران العدو في اتجاهه لمنعها من التعامل مع القوة الرئيسية … لقد كان يبارز مارداً جباراً … وكان أخطر الأخطار التي تواجه الدبابات تلك الصواريخ الموجهة التي يتم إطلاقها من ثلاث عربات داخل حفر … لقد كان الصاروخ ينطلق ككرة اللهب تير بحذاء الأرض ثم ترتفع وتنخفض طبقا لتوجيه الرامي … كثيرا منها ما كان يصطدم بالأرض لأنه عند وصوله للهدف أن يجد الدبابة قد نزلت خلف التبة … ولكنها أخيرا نجحت في إصابة إحدى دبابات عصمت يحاول أن يعرف من نجا منها حيث وجد بعد انقشاع الدخان أن قائد الدبابة هو الوحيد الذي نجا …. حيث قفز من الدبابة في الوقت المناسب … ولكن كان منظره باعثا علي الضحك بالرغم من هول الموقف فعند قفزه من أعلي الدبابة سقط علي ظهره فأخذ يحرك أرجله وأذرعه بطريقة عشوائية سريعة تدل علي عدم إدراكه كالخنفساء التي انقلبت علي ظهرها وتحاول تعديل وضعها بتحريك أرجلها … لقد كان مخه لا يعمل من شدة الفزع والرعب الذي رأه في صورة زملاءه الذين حرقوا والنيران التي لسعته والدخان الذي خنقه والمصير الذي كان يمكن أن يؤول إليه منذ ثواني مضت ثم صاح عصمت مناديا بعد أن وجده يسير علي غير هدي في اتجاه العدو أشار إليه ليركب دبابته ولكنه رفض الركوب وأخذ يشتم بكلمات غير واضحة المعني ( ومن الغريب أنه نجي واعتذر لعصمت بعد أن قابله بعد ذلك بعدة أيام ) . وأخيراً رأي عصمت كتيبة المشاة والدبابات المعاونة لها قد نجحت في اقتحام النقطة القوية وأصبح القتال متلاحماً… وعرف أنه حان الوقت للتخلص من المعركة … فأصدر أوامره للعربات المدرعة بتفادي المعركة والانضمام السريع إلى كتيبة المشاة وفي نفس الوقت أخذ يخلص دباباته من التبة التي استخدمها للرمي … لكن كانت مشكلته أنه إن تقدم للحاق بالكتيبة فسوف يعرض دبابته لنيران 5 دبابات و3 عربات صواريخ … وفعلاً أخذ ينطلق بدبابته بأعلى سرعة في اتجاه النقطة الحصينة وكان أثناء تحركه يسير بطريقة زجزاجية لتفادي المقذوفات التي تنفجر بصورة تلقائية أمامه وخلفه وعلي أجنابة …وكان في كل وقت ينتظر اصطدامها بدبابته …بالتالي الموت الزؤام … ولكن فجأة أحسن برجة شديدة بدبابته أثناء تقدمها السريع وأخذ ينظر داخل دبابته لعله يجد نيران مشتعلة أو إصابات بالأفراد ولكنه لم يجد شيئا فأمر رامي دبابته بالاستمرار في الرمي ولكنه أجابه أن هناك أصابة تمت ببرج الدبابة وأن البرج لا يستجيب في الإدارة وهنا تأكد عصمت أن هناك إصابة ببرج دبابته ولكنها إصابة غير قاتلة والأرجح أن هذه الأصابة من أحد تلك المقذوفات المحملة بمادة شديدة الانفجار ( تى . إن . تي ) ( TNT) التي لا تخترق برج الدبابة فتجعله لا يتحرك … فأصبح عصمت الآن يهاجم النقطة الحصينة بدبابة بدون أسلحتها . ولهذا فعندما رأي انسحاب الدبابات الخمسة المعادية وعربات الصواريخ إلى داخل سيناء … خرج عصمت من برج دبابته وأخذ يضرب ببندقية الآلية لاصطياد الجنود الإسرائيليين الفارين من الدشم … قد نجح في اصطياد 3 جنود إسرائيليين بسهولة خاصة وأنه كان يجيد القتال بالبنادق كإجادته في القتال بالدبابات … لكن كان أعجبه منظرا رآه أنه شاهد جنديا مصريا يعمل كعامل إشارة يأسر ثلاثة جنود إسرائيليين مسلحين ببنادق آلية بواسطة مسدس 9 مم … عندما أوقف دبابته وتحدث مع الأسري الإسرائيليين مستفسراً عن سبب استسلامهم السريع للجندي المصري بالرغم من تسليحهم أجابوا بأنهم كانوا نقطة ملاحظة للمدفعية وأثناء عملهم فوجئوا بالجندي المصري يأمرهم بعد أن شهر مسدسه بتسليم أنفسهم فرموا أسلحتهم علي الأرض فوراً … لقد كانوا يظنون علي حد قولهم أنهم محاصرون من قبل قوة مصرية كبيرة وليس فرداً واحداً . ***